متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل العاشر: صدقه الشمولي ومطابقة أقواله لأفعاله
الكتاب : قبسات من سيرة الإمام الخميني الحالات العبادية والمعنوية    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

صدقه الشمولي ومطابقة أقواله لأفعاله


أعماله تصدق أقواله
أشهدُ الله بأنني لم أرّ الإمام يلجأُ ولا لمرة واحدة حتى للحيلة الشرعية في أعماله المدة التي حالفني توفيق خدمته، كانت أعماله تطابق أقواله دوماً، والله يعلم أنه كان صادقاً في كل ما يقول، ولم يكن يستخدم ولا كلمة واحدة حتى مما يشبه الكذب من أجل استقطاب أحدٍ إليه[1].

غايةٌ في تحري الصدق
كان الإمام أولُ من أفتى لصالح دعم الحركة الفلسطينية، وعلى أساسها أجاز لمقلديه دفع الحقوق الشرعية من الزكاة والصدقات لدعم نشاطات الفلسطينيين النضالية، وعندما علم الفلسطينيون بأصدار هذه الفتوى زاره وفدٌ من حركة (فتح) لاستلام هذه الفتوى وإجراء مقابلة مع الإمام. وقد قال الإمام: ( يكفي أن يأخذوا هذه الفتوى)، فاستأذنه سماحة الشيخ محمد صادق الطهراني الذي كان رابط هؤلاء السادة أن يترجم لهم الفتوى إلى اللغة العربية، وقد ترجمهاـ بحسن نية وبدافع تفاعله مع القضية الفلسطينية ـ بتصرفٍ كثير وأعطاها صبغة البيان الحماسي الثوري وسلمها للوفد الفلسطيني.

ومن الأعمال الجيدة التي قام بها الفلسطينيون في ذلك العام، هو انهم طبعوا جميع فتاوى التأييد للحركة الفلسطينية التي أصدرها العلماء البارزون في العالم الإسلامي، في كراس وزعوه على نطاقٍ واسع في موسم الحج لذلك العام باللغات المهمة في العالم: العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية. وكانت فتوى الإمام ـ خاصة بالصبغة المترجمة التي ترجمها سماحة الشيخ الطهراني ـ الأقوى والأكثر جذباً من بين الفتاوى التي ضمها هذا الكراس والتي تشمل فتاوى السيد الحكيم من مراجع الشيعة، وعلماء الأزهر والسعودية وسوريا من علماء أهل السنّة، ولذلك فقد ذكروا الإمام في هذا الكراس بلقب (الإمام الأكبر) في حين ذكروا السيد الحكيم بلقب (المرجع الديني)!

وقد أصيب الإمام بأذئ شديد عندما اطلع على هذا الكراس لسببين، وضحهما بقوله: (إن في استخدام هذا التعبير إهانة للسيد الحكيم وهذا ما لا أرضاه أبداً، هذا أولاً وثانياً فما نسب إلي في هذا الكراس لم أقله، ولذلك فإنني أنفي صحته)!!

قلنا له: إن هذا النفي ليس صحيحاً لأن فيه ضربةٌ لاعتبار وشخصية الشيخ الصادقي، هذا أولاً، وثانياً فإن العبارات التي وردت في الترجمة وإن لم ترد في نص فتواكم لكنكم تؤيدون مضمونها، أي أن العبارات التي أوردها الشيخ الصادقي تبين في الواقع جوهر فتوى سماحتكم. فقال : ( إنني أنفي صحة أي قول ينسبه إليّ أحدٌ إذا لم أكن قلته..ولو أن السيد أحمد الخوانساري الذي لاشك في تقواه وصدقه قد قال: (إن السيد روح الله قد قال في المجلس الفلاني إن الله تعالى واحد، في حين لم أكن أنا قد قلت هذا القول ـ الذي نؤمن به جميعاً ولا ريب ـ في المجلس المذكور، فإنني سأنفي صحة نسبة هذا القول لي ولا أسمح لأحد بأن ينسب إليّ ما لم أقله)!

وعلى أي حال فقد اضطر الشيخ الصادقي إلى أن يبين للفلسطيين عبارات نص فتوى الإمام ويخبرهم بأن العبارات الأخرى الواردة في الترجمة هي من كلامه التوضيحي[2].

مائدة طعامكم كاذبة!!
أصرّ بعض الأشخاص في باريس أن يعدوا فلماً مصوراً عن حياة الإمام على مدى (24)ساعة، وبضمنها مائدة طعامه، فقال الإمام: (طريقة إعدادكم لمائدة الطعام تشتمل على كذب! فأحياناً يوضع على مائدة طعامنا رز واللحم والمرق، وأنتم تريدون تجاهل ذلك وإعداد مائدة ذات طعام بسيط. وهذا كذبٌ)[3]!!

يعمل بما يدعوا الناس له
كان الإمام ملتزماً منذ البداية بالعمل بما يأمرٌ الآخرين بالعمل به، وهي نفسها الوصايا التي أوردها في كتابه(الأربعون حديثاً) الذي كتبه في شبابه أو في كتبه الأخرى، فهو ـ مثلاً ـ إذا كان قد تحدث عن الرياء وذمه فقد التزم من قبل بالتورع عنه.

وأتذكر أن أبني حسن دخل المنزل يوماً وعلى سرواله رقعة قد خطتها عليه أثر تمزقه من جهة الركبة، فسألني الإمام: (لماذا وضع حسن غير مرتب؟!). أجبت ممازحة: ما الحيلة ياسيدي هذه حال معيشة المستضعفين! فأقطب حاجبيه وقال مرتين: (لا تريدين أن ترائي ـ إن شاء الله)! قلت: كلا، ولماذا أرائي؟ قال: (إحذري ! إن عدم التوجه للمظاهر أمرٌ حسن، ولكن إن أردت أن تقولي ـ بصورة غير مباشرة ـ أنني هكذا (لا أتوجه للمظاهر) فهذا رياء)!

وقد كتب نظير هذه الكلمات في صراحتها في كتابه الذي ألفه وهو ابن الثلاثين عاماً[4].

لديّ حق الإدلاء بصوتٍ واحدٍ لا أكثر
كنت عضواً في لجنة جمع الأصوات في انتخابات يوم الثاني عشر من فروردين سنة 1357هـ.ش، (1/4/1979م) أي يوم الاستفتاء العام على انتخاب نظام(الجمهورية الإسلامية)، ولم يكن أحدٌ يعرف يومها في أي صندوق من صناديق الإقتراع سيلقي الإمام بورقة رأيه الانتخابي، وقد تقرر أن يوضع صندوق لجمع الأصوات في مبنى مديرية التربية والتعليم في قم لكونه مكاناً مناسباً لإجراءات المراقبة الأمنية، وقد وضع هذا الصندوق هناك بالفعل، كما خصص مكانٌ لمراسلي وسائل الإعلام والمصورين، ومع بدء زمان الإقتراع طلبوا من الإمام أن يدلي بصوته في ذلك المكان لكنه قال: (سأدلي بصوتي في أحد الصناديق التي يدلي فيها عامة ابناء الشعب بأصواتهم). واختار صندوقاً وضع في إحدى المحلات المزدحمة تسمىى محلة (جهار سوق)، وعندما وصل إليها احتشد الأهالي حوله بكثافةٍ شديدة أفقدت مسؤولي حفظ النظام القدرة على السيطرة على الوضع، وعلى أي حال فقد أدلى الإمام بصوته في الصندوق المذكور ثم عاد دون أن يتمكن مراسلوا الوكالات الأجنبية الذين جاؤوا لإعداد تقارير مصورة عن هذه الحادثة، من إنجاز مهمتهم، ولذلك طلبوا بإلحاح من أعضاء اللجنة المشرفة عن جميع الأصوات أن يطلبوا من الإمام الإدالاء بصوته مرةٌ ثانية لكي يصورا المشهد، وبعد فترة من المشاورات دخل أحد السادة العلماء على الإمام وعرض عليه هذا الطلب فكان جوابه هو: (إن لي حق الإدلاء بصوتٍ واحدٍ لا أكثر، وقد أدليت به في صندوق الإقتراع)[5].

كان ملتزماً بالصدق بقوة
أشهدُ الله أن حال الإمام كان واحداً، بمعنى أنه لو كان ينبغي له أن يجلس على الأرض، فقد كان يجلس على الأرض في منزله أو في غرفة عمله، أو إذا كان ينبغي له أن يرتدي ملابس خاصة في أوقاتٍ معينة، فهو يرتديها لا فرق في ذلك إن كان أمام عدسات التلفزيون أو لو لم يكن، كان ملتزماً بالصدق بقوةٍ[6].

شمولية صدقه
أهم خصال الإمام الصدق بالمنعى الشمولي، فلم يكن أبداً يقول شيئاً خارج المنزل ثم يضطر إلى قول شيءٍ آخر داخل بيته[7].

لا تمايز بين أحاديثه العامة والخاصة
من مميزات الإمام التي شهد بها الكثيرون، أن أحاديثه الخاصة لم تكن تتمايز بشيء يذكر عن أحاديثه العامة، إلاّ أن يكون الأمر مرتبطاً بقضية سياسية خاصة، أما فيما يرتبط بالسياسات والقضايا الكلية وتوجيهاته للحكومة؛ فإن ما يقوله في أحاديثه العامة لا يختلف عما يقوله للمسؤولين في اللقاءات الخاصة[8].

عدم التمايز بين ظاهره وباطنه
والأهم من كل ذلك صفاء الإمام وعدم التمايز بين ظاهره وباطنه، فلا يختلف حاله داخل المنزل عن حاله في لقاءاته العامة أو الخاصة، فالذي يتحدث به للناس يتحدث به لأهل بتيه، لا يوجد أدنى فرق عنده بين الخلوة وغيرها: أجل هو يمازح الأطفال في المنزل ويلاعبهم[9]!!

انتبهت إلى أن هذا القول ليس صحيحاً
قال أخي سماحة الشيخ رضا الثقفي: سلمني الإمام يوماً رسالة من أجل نقلها إلى مسؤول الأخبار في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فسلمتها للمسؤول عن إيصالها، وبعد دقائق استدعاني الإمام وطلب استرجاع الرسالة فوراً، فأرجعتها له، فغيّر كلمة فيها ثم سلمها لي وقال: (الآن سلموها لقسم الأخبار).

نفذت أمره ثم دخلت عليه وسألته: ما هي المشكلة التي استدعت استرجاع الرسالة؟ أجاب قائلاً: ( كنت قد كتبت في هذه الرسالة: إنني أدعو الله لإفراد قوات التعبئة بكل جهدي، ثم انتبهت إلى أن هذا القول ليس صحيحاً فبدلت العبارة وصارت على هذا النحو: إنني أدعو الله لإفراد قوات التعبئة بمعظم جهدي)[10]!

أعترفُ كما اعترفتُ في السابق
قال الإمام في أحد بياناته وبكل صراحة: (إنني اليوم ـ وبعد عشر سنين من انتصار الثورة الإسلامية، أعترفُ ـ كما اعترفتُ في السابق ـ أن بعض القرارات التي اتخذت في بداية الثورة بشأن تسليم المناصب والمسؤوليات المهمة للدولة بأيدي جماعة يفتقدون الإيمان الخالص والحقيقي بالإسلام المحمدي النقي، كانت قرارات خاطئة لا تزول مرارة عواقبها بسهولة، رغم أنني لم أكن شخصياً يومذاك أيضاً راغباً بتسليم الأمور لهؤلاء، لكنني قبلت نزولاً عن تأييد الأصدقاء لذلك واعتقادهم أن المصلحة فيه)!

وكان أصحاب الإمام يرون في تلك الأيام، أنه لا يوجد شخص يتمتع بوجاهة المنهدس بازرجان مع ملاحظة الشروط المطلوبة من جميع الجهات[11].

أنا وشريكي تخلفنا
بعد إنتقاله إلى قم، سكن الإمام في إحدى غرف مدرسة (دار الشفاء)، وقد أشار يوماً إلى تلك الأيام ضمن حديث له، فقال: (كان عامة الطلبة الحوزة وفضلائها يومئذٍ جادين للغاية في العمل وأتقياء وملتزمين بالآداب الدينية والنوافل والسنن والمندوبات.. في السنين الأولى تلك كان معظم الطلبة يصومون الأيام الثلاثة(13، 14، 15) من شهر رجب للقيام بالعبادة المعروفة بعمل أم داود، لكننا ـ أنا وشريكي في غرفة المدرسة ـ تخلفنا عن ذلك ولم نكن صائمين، وقد جلسنا لتناول الشاي عصراً فأعترضوا علينا)[12]!

يكره التظاهر ويأنس بمجتنبيه
كان الإمام لا يحب التظاهر أصلاً، في حين كان يأنس بالذين يجتنبون التظاهر، ولذلك كان يحب مثلاً الجنرال(ظهير نجاد ) لأنه كان يجتنب التظاهر فقد كان يحلق لحيته كل يوم بالموس ويدخل على الإمام بهذه الحالة! لقد سعى الكثيرون مراراً لعزله عن منصبه، لكن الإمام كان يرفض ذلك. وقد زار الإمام برفقة قادة الجيش وكان بينهم قائد القوة الجوية الذي اتضح فيما بعد أنه عنصر متسلل رغم أنه كان يطيل لحيته! وكان من المقرر أن يقدم قائد القوة الجوية هذا التقرير للإمام، فبدأ أولاً بتلاوة دعاء الفرج ! وعندها نهره السيد ظهير نجاد قائلاً: إن السيد ليس من العوام! قدم تقريرك!!

فارتاح الإمام لهذا القول وضحك[13].

لا تفعلوا ما لا تستطيعون توضيح علله للشعب
جرى البحث يوماً بشأن أن تحرك السياسة الخارجية يحتاج إلى مقدار من النشاطات الديبلوماسية السرية، فاستتشرنا الإمام بهذا الخصوص فقال: ( لا تفعلوا ما لا تستطيعون توضيح علله للشعب)! وهذه مقولة عظيمة يحتاج إدراك أهميتها وعمقها الدخول في ميادين السياسة العملية.

ولا يوجد أي شكل من أشكال التناقض ـ في الحياة السياسية للإمام ومنذ بدايتها والى نهايتهاـ بين ما قاله في الماضي وما قاله لاحقاً وبين قراراته المعلنة أو السرية[14].

يجب أن يكون ما يكتب مطابقاً للواقع
قرأ الإمام الجزء الأول من كتاب(نهضة الإمام الخميني)، قبل طبعه، وكانت ذاكرته تختزن بلا شك الكثير من القضايا المهمة المرتبطة بقسم حياته الشخصية من هذا الكتاب لكنه لم يفصح عنها، واكتفى بتصحيح الأخطاء الواضحة فيما كتبه مؤلف الكتاب بشأن حياة الإمام، وحتى في هذا المجال كان التصحيح من باب الإضطرار ولم يكن الإمام راغباً في ذلك أصلاً.

فمثلاً ذكر المؤلف خطأً أن تاريخ بدء الإمام بتدريس الفلسفة هو سنة(1350هـ.ق)، فأصلحه الإمام مضطراً كما هو واضح في نص الملاحظة التي كتبها بذلك الخصوص إذ قال فيها:

(ص3، سنة 1350: رغم أن الأمر ليس مهماً: لكنني إصححه لأنه مخالف للواقع: لقد أخذت بتدريس الفلسفة مدة طويلة أيام إقامتي في مدرسة دار الشفاء، وكان تاريخ خروجي من المدرسة بسبب الزواج هو سنة 1348).

كان الحديث عن خصوصياته الدينية والعملية والأخلاقية السامية وتوضيح أبعادها يؤذي الإمام كثيراً، ولذلك كان يسعى لمنع ذلك بحجة أن في مثل هذه الكتابات والأحاديث عني مبالغات، ولذلك فقد جدد التذكير في نهاية الملاحظة المذكورة بهذه الحجة حيث قال: (أجدد التذكير مرة اخرى أن المبالغات من الأعمال غير الصحيحة، يجب أن يكون ما يكتب مطابقاً للواقع)[15].

 

____________________________

[1] حجة الإسلام والمسلمين القرهي.

[2] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمود الدعائي، مجلةحوزة، العدد:45.

[3] حجة الإسلام والمسلمين محمد الموسوي خوئينها، مجلةحوزة، العدد المزدوج:37ـ38.

[4] السيدة فاطمة الطباطبائيزوجة السيد أحمد.

[5] السيد حسين شهرزاد، مجلةشاهد، العدد:186.

[6] السيد زهراء المصطفوي.

[7] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلة بيام انقلاب، العدد:86.

[8] المهندس مير حسن الموسوي، مجلةحضور، العدد:2.

[9] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلةبيام انقلاب، العدد:60.

[10] السيد علي التقي.

[11] موسوعة كوثر، ج1، ص542.

[12] آية الله جعفر السبحاني، مجلةحوزة، العدد:32.

[13] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلةحوزة، العدد:45.

[14] المهندس مير حسن الموسوي، مجلةحضور، العدد:2.

[15] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، مجلة15خرداد ، العدد:14.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net