متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثامن: تقواه وأخلاصه لله وتسليمه له
الكتاب : قبسات من سيرة الإمام الخميني الحالات العبادية والمعنوية    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

تقواه وأخلاصه لله وتسليمه له


يصلي خلف مخالفه!
كان أحد أئمة صلاة الجمعة مخالفاً للإمام بشأن المواقف السياسية وأحياناً الفلسفية، ولكن الإمام كان يذهب بين الحين والاخر إلى محل إقامته لصلاة الجمعة ويقتدي به في الصلاة دون أن يكون ـ والله يشهد على ذلك ـ أي عرض أو مصلحة في هذا العمل، وقد قال الإمام بنفسه بهذا الخصوص: ( إن ذوق هذا السيد لا ينسجم مع ذوقي، فاذا كان قد أخطأ في عمله فإنني لم أخطأ في عملي، فلماذا لا ينبغي أن أصلي خلفه!)[1].

اجتنابه الرياء
كانت طريقة إمامة الإمام لصلاة الجماعة قبل الإفطار في جمران مقتصرة على وجبات الصلاة وهي تدل بوضوح على شدة اجتنابه للرياء[2].

ورعه عن طلب السمعة
لاحظ الإمام يوماً ـ وهو في طريقه إلى المدرسة الفيضية ـ حشداً لبعض طلبة الحوزة وهم يتحدثون بانفعال عن كتاب (أسرار ألف سنة) فطلب نسخة من الكتاب وقرأه وإثر ذلك أوقف إلقاء دروسه وتفرغ مدة شهر ونصف أو شهرين لكتابة ردٍ على هذا الكتاب هو كتاب (كشف الأسرار) الذي طبع دون ذكر أسم المؤلف اجتناباً للسمعة[3].

من تواضع لله رفعه الله
اختارت الحوزة العلمية في قم كتاب(كشف الأسرار ) الذي ألفه الإمام من بين جميع الردود التي كتبت للرد على كتاب (أسرار ألف سنة)، وقررت طبع كتاب الإمام والقضية المهمة هنا هي أن الإمام رفض كتابة اسمه على هذا الكتاب، وهو الموقف الذي عاد عليه بمحبوبية خاصة في الحوزة.[4]

غيرته على الحرمات الإلهية
للإمام كتابٌ اسمه (كشف الأسرار) ألفه رداً على كتاب لأحد أبناء العلماء ـ مع الأسف ـ اسمه (أسرار ألف سنة) تهجم فيه على عقائد الشيعة وعلى العلماء والإمامة. فعطل الإمام الجليل دروسه ونشاطاته العلمية الأخرى وتفرغ لكتابة رده المذكور بحكم حرصه وغيرته على الإسلام، وقد استغرق ذلك ـ على ما أتذكر وطبق ما سمعت أيضاً ـ حدود أربعين يوماً تفرغ فيها بالكامل لتأليف هذا الرد الذي سماه (كشف الأسرار).

ودفعاً لأي شائبة سمعة أو احتمال أن يقول أحد أن في تأليف هذا الكتاب نوعاً من طلب الشهرة، فقد خلا هذا الكتاب في طبعته الأولى وطبعته الثانية لأي إشارة تفصح عن أن مؤلفه هو الإمام الجليل الأمر الذي يكشف عمق إخلاصه، لقد أمر بعدم ذكر اسمه على كتابه هذا دفعاً لأية شبه محتملة[5].

ألفت هذا الكتاب ابتغاء مرضاة الله
رفض الإمام كتابة اسمه كمؤلف لكتابه (كشف الأسرار) في طبعاته الأولى، وعلل ذلك بقوله: ( لقد ألفت هذا الكتاب ابتغاء مرضاة الله وليس طلباً للشهرة)[6].

لم أكتب اسمي على ظهر الكتاب تجنباً للشهرة
قال الإمام يوماً: راجعني ممثلون لعلماء الحوزة طلباً لكتابة رد على كتاب( أسرار ألف سنة)، فألفت كتاب (كشف الأسرار) بقلم واحدٍ في مدة شهرين أوقفت فيهما دروسي.. لم أكتب اسمي على ظهر الكتاب تجنباً للشهرة ولكن الذي حدث هو العكس!!

وبعد انتشار الكتاب بعث لي (حكمي زاده) رسالة قال فيها: إن الردود التي كتبتموها قوية ومحكمة للغاية، ولم يكن لي من هدف من نشر كتاب (أسرار ألف سنة) سوى أنني أردت أن يتصدى شخصٌ مثلكم للإجابة على هذه الأسئلة المثارة بين الناس[7].

لم نعثر على اسم المؤلف
سمعت ـ وأنا في النجف الأشرف ـ أن أحد كبار أساتذة الحوزة العلمية في قم ألف بالفارسية كتاباً اسمه(كشف الأسرار) في نقض عقائد الوهابية، فحصلنا ـ نحن طلبة الحوزة الشباب ـ على الكتاب وقرأناه، وقد لاحظنا عدم ذكر اسم مؤلفه لا على غلافه ولا في داخله، وعندما سألت الطلبة القميين عن مؤلفه أجابوا: إنه سماحة السيد روح الله الخميني هو مؤلف الكتاب لكنه لم يذكر اسمه على الكتاب لأنه كتبه رداً على كتاب لأحد المنحرفين. ولم يرغب أن يقرن ذكر اسمه بذكر اسم هذا المنحرف فهذا مما لا يناسب مقامه كما انه يكسب هذا المنحرف أهمية لا يستحقها، وبالطبع كان هذا طبق ما تصوره هؤلاء الطلبة[8].

العبد المفتاق إلى الله الكريم
تولى أحد طلبة الإمام مهمة طبع كتابه(المكاسب المحرمة) الذي لم يكتب الإمام اسمه فيه، وقد طلبت منه أن يكتب اسمه، فقال: ( كلا، لا حاجة لذلك، المهم هو نشر المباحث الموجودة فيه). وقد أصرّ على رفضه رغم شدة إلحاحي وقال آخر الأمر: ( لا حاجة لذكر الاسم، يطبع بهذه الصورة وإلا لا يطبع).

وعندها لجأت إلى حيلة شرعية إذ قلت: اكتبوا يا سيدي اسمكم فيه على الاقل من اجل أن يعرف من لديه إشكالات على الآراء الواردة صاحب هذه الآراء ! فوافق وقال: ( حسنا، إذا كان الأمر كذلك أكتب اسمي). ثم كتب: ( كتبها العبد المفتاق إلى الله الكريم مؤلف هذه الوجيزة السيد روح الله ابن السيد مصطفى الخميني عفى الله عنهما)[9].

يجتنب الإشارة إلى مؤلفاته
كنت ملازماً للإمام أتردد على بيته طوال سبع سنين دون أن أعرف انه كتب حاشية على كتابي (العروة الوثقى)، و(وسيلة النجاة)، رغم أن المألوف في سيرة الأساتذة الآخرين أن يذكروا لطلبتهم ـ أثناء التدريس والبحث ـ أنهم مثلاً كتبوا الجواب على المسألة الفلانية في الكتاب الفلاني، في حين أن الإمام كان يجيب على الأسئلة دون أن يشير إلى مؤلفاته؛ وبقى مجتنباً لذلك حتى بعد وفاة آية الله السيد البروجردي، حيث تهيأت أرضية الإشارة إلى مثل ذلك.

أجل لم نعرف نحن أيضاً بتأليفه لحواشيه تلك إلاّ بعد سبع سنين، وذلك عندما كنت جالساً في منزله في يوم شتوي، فشاهدت كتاباً على كرسي التدفئة يختلف عن الكتب الحوزوية المعروفة، فسألته: أي كتاب هذا ؟ هل تأذنون لي بمطالعته ؟وعندها قال: ( هو حاشية على كتاب الوسيلة).

وكل ذلك يكشف عن شدة زهد الإمام وتقواه[10].

ما دمتم تشترطون ذلك..
بعد وفاة المرحوم السيد البروجردي، جاء ناشر كتاب(العروة الوثقى) الذي طبعه مع حواشي خمسة من مراجع التقليد، إلى الإمام وقال لسماحته: نحن مستعدون لطبع حاشيتكم على العروة الوثقى مع الكتاب شريطة أن تشتروا (200) نسخة من هذا الكتاب سلفاً. فأجابه الإمام: ( ما دمتم تشترطون ذلك، فإنني أرفض أن تطبعوا حاشيتي على العروة الوثقى أصلاً)! ولذلك خلت تلك الطبعة من الكتاب من حاشية الإمام عليه[11].

لم يسع إلى الرئاسة أبداً
رغم أن درس الإمام كان الدرس الأهم والأوسع حضوراً في حوزة قم بعد آية الله السيد البروجردي إلاّ انه لم يسع أبداً للتصدي للمرجعية والرئاسة العامة للمسلمين، بل وكان يجتنب المشاركة في المجالس والمحافل المهمة التي كانت تعقد في قم. ولذلك قام عدد من طلبة الحوزة بطبع حاشيته على كتاب العروة الوثقى على نفقتهم الخاصة، ولكنهم احتاجوا إلى مبلغ بسيط لدفع المتبقي من تكاليف الطبع، فقلت للمرحوم الإشرقي: خذوا ـ أن كان ممكناً ـ بقية تكاليف الطبع من الإمام ـ. وبعد أيام نقل لنا المرحوم الاشراقي جواب الإمام وهو: (لكنني لم اطلب منهم أن يطبعوها[12])!!

لم يأذن بطبع صوره
لم يقم الإمام ـ طوال حياته ـ بأبسط مسعى للوصول إلى الزعامة، لم يأذن أبداً لأحد بطبع صوره ورسالته العملية إلى أن تفجرت الثورة ومبادرة الأهالي إلى طبع وتوزيع صوره ورسالته العملية من تلقاء أنفسهم، وحتى عندما تعالت أصوات مقلديه مطالبة بطبع رسالته العملية سمح فقط بطبعها، ولذلك تولى المقلدون بأنفسهم مهمة توفير نفقات طبعها، ولم يسمح ـ إلى اليوم الاخير من إقامته في قم ـ بتوزيع ولا نسخة واحدة من رسالته العملية مجاناً، بل كان بيته يخلو من رسالته العملية[13]!!

يرفض توزيع رسالته العملية مجاناً
طوال سني الثورة، كان الإمام يعرض عن أي عمل يكون فيه بعد شخصي يرتبط به، فمثلاً طلب ناشر كتاب( العروة الوثقى) منه أن يشتري سلفاًـ كما هو المألوف ـ (500) نسخة من الكتاب لكي يطبع حاشيته عليه، فرفض الإمام وامتنع الناشر عن طبع الحاشية، كما رفض الإمام طلبات من آخرين بتوزيع رسالته العملية مجاناً، وهذا العمل يشتمل بالطبع على نمطٍ من الدعاية لمرجعيته[14].

شدة التحرج تجاه بيت المال
خلافاً للمألوف في الحوزات، لم يسمح الإمام أبداً بطبع رسالته العملية من أموال الحقوق الشرعية وبيت المال، أو بتوزيعها مجاناً، فمثلاً زارت والدتي الإمام في سنة 1341هـ.ش، (1962م)، وسعت لترغيبه بطبع رسالته العملية من خلال تأكيدها له على كثرة مقلديه وشدة احتياجهم لرسالته العملية، وبعد أن أصغى الإمام لكلامها أجاب بكل صراحة ودون مجاملة: ( من المناسب أن تتحدثي بمثل هذا الكلام لصاحب مكتبة)[15]!!

لم يجبنا عن تأريخ بلوغه الاجتهاد
سعينا طويلاً ـ وأنا والمرحوم الشهيد السيد مصطفى، وأيام إقامتنا في النجف الاشرف ـ أن نسمع من الإمام نفسه تأريخ بلوغه مرتبة الاجتهاد لكنه لم يجبنا على ذلك أبداً[16].

اجتنابه التفاخر
لا أنسى أنني قلت للإمام يوماً من أيام الصيف التي كان يقضيها في منطقة(إمام زاده قاسم) في طهران: أعتقد أن سماحة السيد مصطفى قد بلغ مرتبة الاجتهاد، فهل تؤيدون ذلك؟ ولم يكن غريباً إحجامه عن الجواب بصراحة على هذا السؤال، لأنه لم يكن يرغب في إبداء رأي بشأن ولده، ولكنني لاحظت بوضوح ملامح الإستبشار تظهر على طلعته، فعرفت أن ذلك قد يعني أن الإمام كان يعتقد باجتهاد، المرحوم السيد مصطفى في ذلك السن، وهذا ما كان يعرفه كل فضلاء الحوزة[17].

متعبد لله في كل حركاته
يتميز طلبة الحوزة بشدة التدقيق في سلوكيات الآخرين خاصة الأساتذة أو الذين يتصدون للمرجعية فلا يؤيدون أحداً منهم إلاّ بعد المزيد من التدقيق، ورغم ذلك ومع طول تدقيقنا في سلوك الإمام وحركاته وسكاناته لم نجد فيها ـ طوال ثلاثين عاماً من ملازمته ـ سوى النوايا والدوافع الإلهية[18].

ينمي فينا الإخلاص لله
كانت سيرة الإمام تختلف عن باقي المراجع، فمثلاً كان الآخرون يهتمون بالمقربين منهم اكثر من غيرهم، اما الإمام فكان سلوكه على العكس من ذلك، فمثلاً كان يبدي من الاحترام لأحد الطلبة العاديين إذا دخل مجلسه ما لا يبدي مثله لولده أو لواحدٍ منا نحن المقربين منه إذا دخلنا مجلسه! أجل، كان يعاملنا بطريقة تنقي قلوبنا من التوقعات الزائفة وتنمي فيها الإخلاص[19].

الورع عن المحرمات
من المحال أن يكون أي فرد ـ حتى من الذين لازموا الإمام سنين طويلة ـ قد سمعوا منه كلمة واحدةٍ يغتاب فيها مسلماً أو كلمة غير مناسبة بحق أحد. لقد زاره أحد الإخوة يوماً، ثم ذكر بسوءٍ أحد الأشخاص أثناء حديثه فغضب الإمام وقال: ( لا تتكلم على أحد هنا)[20]!

وفقكم الله
كان بعض الاشخاص يتكلمون مع الإمام بطريقة يسعون من خلالها إلى القول بأنهم هم أيضاً من العرفاء وأصحاب القلوب الحية، فكان الإمام يوقف مساعيهم بطريقة طريفة وذلك بأن يقول لهم مثلاً: ( وفقكم الله )، أو (المقام ليس مناسباً لمثل هذه الأحاديث)[21]!!

لا يحب التظاهر بذكر الله والدعاء
قال السيد السلطاني: قال الإمام قبل سنين طويلة: ( يكفي لعالم الدين في طهران أن يأخذ نسخة من كتاب(منتهى الآمال ) ويقرأ مجلس تعزية!

وقال السيد السلطاني أيضاً: كان الإمام من أهل الذكر والدعاء لكنه كان لا يحب التظاهر بذلك، وقد زارنا مرة في منزلنا ورأى كتاب الدعاء على منضدتي فقال: (يبدو أن السيد السلطاني أيضاً قد تعلم هذه الطريقة)[22]!!

يكره بشدة التظاهر بالورع والقدسية
كان الإمام من أهل التعبد والتهجد في الأسحار لكنه كان يكره بشدة التظاهر بالورع والقدسية والتقى إمام الناس، لم يشاهد طوال عمره وهو يحمل المسبحة ويورد الأذكار أمام أعين الناس، كان زاهداً متحرراً من أسر الدنيا بالكامل لكنه كان إلى جانب ذلك يهتم بأن تكون ملابسه مناسبة، فكان يجتنب إرتداء الملابس البالية أو الرخيصة أو الممزقة[23].

يحب عبادة السر
لم يكن الإمام يتلو جميع الأدعية أمام أعين الناس لكي يروه كما يفعل بعضهم وهو يزور المراقد المقدسة في النجف أو الكاظمية. فمثلاً كنا نرافقه لزيارة الحرم ليالي الجمعة، فكان يرجع بعد الزيارة إلى منزله ويتلو فيه دعاء كميل، أو انه كان يرجع من المسجد ويدخل غرفته ويغلقها من الداخل ويطفأ المصباح مدة ربع ساعة لكي يؤدي في خلوته العبادات الخاصة. وقد حدث مرة أنني رجعت معه من المسجد إلى المنزل ففقدته فجأة بعد دخولنا المنزل!! كان القفل موضوعاً على باب الغرفة العلوية بطريقة تصورت أنها مقفلة من الخارج، ولذلك ظننت أنه خرج ثانية من المنزل فقلت للخادم: أين ذهب السيد، لقد عدنا من المسجد للتو؟! قال: لقد صعد إلى الغرفة العلوية، قلت: لا يوجد هناك، إن مصباحها مطفئٌ والباب مقفلة!

وأثناء ذلك جاء آية الله التبريزي لزيارة الإمام فقال له الخادم أيضاً: إنه موجود في الغرفة العلوية! فقلت ـ صائحاً بانفعال ـ: والله إنه غير موجود فيها إن بابها مغلقة من الخارج! وعندها سمعت صوت الإمام يأتي من داخل الغرفة: ( لا حاجة للصياح أيها الشيخ الفرقاني، أنا هنا)!! ثم قام وفتح مصراعي الباب، فقلت: لماذا تجلسون في الظلمة يا سيدي؟!

أوقدت مصباح الغرفة الذي كان مفتاحه قرب الباب، سألني: ( ماذا تريدون ؟)، كان ساجداً وهو يتلو أذكاراً وأدعية لم أعرف ما هي، وعندما رفع رأسه من حالة السجود رأيت الدموع وقد غطت وجهه وبللت أيضاً التربة التي كان يسجد عليها[24].

شديد الكره للنفاق والرياء وإظهار الفقر
يشهد الكثير من طلبة الإمام بأنه كان شديد الكره للنفاق والرياء، ولم يكن يذكر الله أمام أعين طلبته ولا يستخدم المسبحة أمامهم رغم أنه كان دائم الذكر لله جل جلاله. كما كان يكره التظاهر بالفقر، فكان يهتم بأن يكون وضعه الظاهري مرتباً رغم أنه كان مديناً بمبالغ كبيرة[25]!

يلتزم الصمت في المحافل العامة
كان الإمام من أهل البحث والتحقيق في المباحث العلمية، يناقش بدقة الآراء ويجيب على الإشكالات، لكنه كان ـ مع ذلك ـ يلتزم الصمت في الاجتماعات التي يتخذ البحث فيها صبغة الجدال وسعي الآخرين لإظهار الفضل، إذا سأله أحد الحاضرين سؤالاً أجاب والا بقي ملتزماً الصمت والإصغاء لما يقوله الآخرون[26].

متحررٌ من جميع أشكال التعلقات
لم يكن في الإمام أدنى مظاهر التعلق القلبي بمؤلفاته العلمية فضلاً عن الاهتمام بطبعها ونشرها رغم أنها جميعاً من المصنفات القيمة التي عزّ أو انعدم نظيرها في مختلف فروع المعرفة ورغم أنها كانت ثمرة جهود مضنية وسعي دؤوب في طي المراتب العلمية العالية. فمثلاً لم يظهر عليه أبسط ما يشير إلى الإرتياح والاهتمام بالعثور على النسخة الخطية الأصلية لتعليقاته القيمة على كتاب(شرح نصوص الحكم) عندما جاؤوه بهذه النسخة الفريدة التي كان قد اشتراها أحد طلبة الحوزة مع كتاب آخر بمبلغ (50) توماناً من بائع متجول طاعن في السن في همدان، وقد سلمها هذا الطالب إلى آية الله الشيخ حسين النوري ـ وكان يومها ممثل الإمام وإمام جمعة همدان ـ وقد حملها الشيخ نوري بدوره إلى الإمام[27].

يجتنب كل ما فيه طلب الرئاسة
في تلك الأيام التي كان فيها علماء الحوزة يهتمون بأمر طبع رسائلهم العملية, وزيادة ما يحصلون عليه من الحقوق الشرعية وزيادة ما يعطونه من رواتب لطلبة الحوزة بهدف استقطاب عدد أكبر من المؤيدين لهم؛ وعندما كان الأساتذة والمراجع أو الذين يتحركون على طريق المرجعية يهتمون بأمر تخصيص رواتب للطلبة باسمهم، في تلك الأيام كان الاهتمام الوحيد للإمام ذي الروح العظيمة هو رفد طلبة الحوزة بزاده العلمي، لقد درست عند الإمام ثمان سنين دون أن أحصل منه حتى على ثمانية ريالات!! بل ولعله لم يحصل على شيء من تلك حتى خواص طلبته[28].

يسعى لحفظ نية الإخلاص فينا
تهيأت مقدمات زواجي في العراق في وقتٍ كان وضعي المالي سيئاً وارتباطي بعائلتي بإيران غير متيسر، فقلت للشيخ الرضواني: خذ لي ـ إن كان بالإمكان ـ قرضاً من الإمام مقداره(500)ديناراً (أي ما يعادل يومها (10)آلاف تومان). فعرض الأمر على السيد فقال: (أعطوه (500)ديناراً قرضاً لمدة شهرين استرجعوه في الموعد المقرر)! وقد أخذت المبلغ وأكملت مقدمات الزواج، وقبيل انتهاء مهلة الشهرين قال لي الشيخ الرضواني: قال الإمام: (قل لفلان إن مهلة الشهرين على وشك الانتهاء، ليسدد قرضه فليس لدى مالاً)!!

وقد أثار هذا الموقف تعجبنا حقاً، فلم يكن هذا الموقف متوقعاً من أي شخص في مكان الإمام تجاه شخص مثلي يقوم بإنجاز كل هذه الأعمال المرتبطة بمكتبه، لكن الإمام كان يسعى للحفاظ على نية الإخلاص فينا مثلما يحفظها في نفسه.

لقد أرجعت القرض للإمام في الموعد المقرر إذ لم يكن لي مناصٌ عن ذلك[29]!

معياره في الحب والبغض
إن أسمى القيم الأخلاقية في سماحة الإمام هو ما يرتبط بالتزامه بأن تكون التقوى والخدمة للإسلام معيار حبه أو بغضه للآخرين، وكان يحب حتى عياله وأرحامه على أساس هذا المعيار[30].

ينهي أفراد عائلته عن تسلم المناصب المهمة
كان الإمام ينهانا عن تسلم المناصب المهمة، فمثلاً لم يكن يرغب أن تصبح ابنته نائبة في مجلس الشورى، وكان يقول: ( لا أحب أن يظهر شعورٌ أو توهمٌ بأن ابنتي حصلت على المنصب الفلاني بحكم انتسابها لي )، كما كان يقول: ( نحن لم نقم بالثورة من أجل تقسيم المناصب بيننا، اجتنبوا المناصب دفعاً لتولد مثل هذه الشبهة في أذهان الناس، توجد آلاف المشاغل والخدمات الأخرى التي يمكنكم القيام بها)[31].

يرفض التصدي لإمامة الجماعة في أحد المساجد المهمة
أقام الإمام في شهر رمضان من سنة 1325هـ.ش في مدينة محلات في منزل أعد لسماحته في أطرافها، فكان يقيم ـ قبل الإفطارـ صلاتي المغرب والعشاء جماعة في مسجد صغير بالقرب من منزله ولم يعرف ذلك إلاّ نفرٌ قليل جداً، كان المسجد صغيرا جداً لا تتجاوز مساحته (20)متراً مربعاً فلم يكن مناسباً لأن تقام فيه صلاة الجماعة بإمامة الإمام الذي رفض عروضاً ملحة بإمامة الجماعة في أحد مساجد المدينة الرئيسية، ورجح عليها إقامة صلاة الجماعة في هذا المسجد الصغير!!

وعلى أي حال فعند عرف عددٌ من الخماواص بأمر إقامته صلاة الجماعة في هذا المسجد الثاني أقبلوا على المجيء من أماكن بعيدة إليه للمشاركة في صلاة الجماعة خلفه بمقدار ما يتسع له هذا المسجد[32]!

يقيم الجماعة في مسجدٍ طيني صغير
في أحد أسفاره إلى مدينة محلات والذي صادف شهر رمضان المبارك عمد الإمام إلى إقامة صلاة الجماعة في مسجد بعيد ومهجورٌ وصغير جداً إذا لم يكن سوى غرفة طينية واحدة! في حينٍ كان قد ألحّ عليه عدد من علماء المدينة أن يتفضل بتولي مهمة إمامة صلاة الجماعة في المسجد الجامع لهذه المدينة لكنه رفض وقال: (يوجد من يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع، ولكن لا يوجد من يقيمها في هذا المسجد، لذا يجب إحياء هذا المسجد[33].

يحيي المسجد المهجور
أقبل جميع علماء الحوزة وطلبتها على زيارة الإمام بعد وصوله إلى النجف، وقد أنشغل مدة في رد هذه الزيارات بزيارات مقابلة، وبعد شهر أو شهرين بدأت الطلبات تتكرر على سماحته لبدء التدريس واقترحوا عليه إمامة صلاة الجماعة والتدريس في مدرسة آية الله البروجردي، لكنه اختار ـ بعد تحقيق شامل ـ مسجد الشيخ الأنصاري ـ رحمه الله ـ محلاً لدرسه لأنه كان مسجداً مهجوراً[34].

يجتنب إمامة الصلاة في المساجد المعروفة
في تلك الأيام التي كانت فيها الاعتبارات الشأنية لكبار المجتهدين اوالمراجع أن يأموا صلاة الجماعة في مسجد كبير مشهور أو مسجد قريب من الحرم المقدس، وأن يكون عدد المصلين خلفه كبيراً، كان الإمام يلقي دروسه في مسجد السلماسي وهو مسجد صغيرٌ يقع في زقاق (يخجال قاضي)، فكان المسجد يمتلأ بأكثر طلبة الحوزة جداً ونشاطاً في الدراسة.

كما كان الإمام يجتنب إمامة صلاة الجماعة في المساجد المعروفة، ولذلك كان يحظى بإقامة صلاتي المغرب والعشاء خلفه عدد قليل من المصلين الذين يذهبون إلى بيته المتواضع حيث كان يقيم الصلاة فيه[35].

أسرع الناس عملاً بما يدعوهم إليه
طبع عددٌ من الإخوة مقداراً من صور الإمام، وكانت هذه الصور بحوزة الإمام لا تصل أيدينا اليها! وكان لطلبة الحوزة من الأفغانيين حسينية خاصة في النجف يقيمون فيها الشعائر الدينية وكانوا يرغبون في نصب صورة الإمام وقد راجعوني مراراً للحصول على صورة للإمام، فذهبت إليه وأخبرته بطلبهم فرفض الاستجابة لذلك، وبعد مدة راجعني أولئك الطلبة مرة اخرى، فعرضت الطلب على الإمام مرة ثانية، فرفض الإمام بحزم، فألححت عليه لكي يوافق وقلت: ليس هؤلاء الطلبة غرض من هذا الطلب، فأجاب: (إنني أنهي الناس عن التوجه للأمور الدنيوية، وهذه من الأمور الدنيوية، ولذلك لن أعطيهم صورتي)[36].

كيف أنهي الناس عن الدنيا وأقبل بها؟!
بعث المرحوم الشيخ نصر الله الخلخالي إحدى صور الإمام إلى لبنان لكي يتم طبع عدد منها على حجمين صغير وكبير. وقد جاء الشيخ الخلخالي إلى قسم (البراني) من بيت الإمام الذي كان قد عاد إلى منزله بعد زيارته للحرم، وفي آخر الليل نادانا الإمام وهو في الغرفة الفوقانية المتصلة بالقسم الداخلي من منزله قائلاً: (أئتوني بالصور). فحملتها إليه وأثناء ذلك خطر في قلبي أن أحتفظ لنفسي بإحدى هذه الصور لشدة جمالها، ولكن بمجرد أن خطر في قلبي هذا الخاطر ناداني الإمام: ( لا تحتفظ ولا بواحدة منها)!!

ولم يعط الإمام الصور لأحدٍ لأي من الإخوة ـ وأنا منهم ـ رغم شدة إلحاحهم بل وتوسلهم في طلبها، وقال: ( كيف أنهي الناس بنفسي عن الدنيا، وأقبل بهذا وهو من الدنيا؟!)[37].

اجتناب إلتقاط الصور له خشية من الشهرة
من الأمور التي كان يهتم بها الإمام هو عدم السماح لأحد بالتقاط الصور له خشية من أن يستفاد منها في الدعاية لمرجعيته! وقد ألتقطت بعد مدة طويلة صورتان له أرسلنا إحداهما إلى لبنان لطبعها ملونة، وق طبعت بالفعل ووصلت إلى النجف، وقد حمل الدكتور الصادقي عدداً من نسخها إلى الإمام ليريه نماذج للصور المطبوعة، فلما رآها قال: ( أين بقية الصور؟ أئتوني بها)، فحملوها له، فأخذها واحتفظ بها وقال: ( خذوا هذه الصور من أي شخصٍ حصل على نسخة منها)!

ثم ذهب المرحوم الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي إليه وقال له: (لقد طبعت هذه الصور يا سيدي على نفقتي الخاصة ومن أموالي فهي ملكاً شخصياً لي)! فأجاب: ( حسناً، ولكن تبق الصور هنا)!

وعلى أي حال فقد بقي المرحوم الشيخ نصر الله الخلخالي على مدى ما يربو على ستة شهور يلح على الإمام أن يعطيه هذه الصور والامام يرفض خشية من توزيعها، ثم أعطاها شريطة أن لا توزع في النجف وأن لا تعطي في البلدان الأخرى إلاّ لمن يطلبها!

لم يكن يخشى غير الله
قال لي أحد الإخوة: كنت أعرفٌ الإمام لبعض الزوار في حرم أبي الفضل العباس عليه السلام فاستدعاني وهمس في أذني: ( ما الذي يدفعك لهذا العمل؟! اجتنبه أقول هذا من أجلك)!

وقد أجبت هذا الأخ بأن حادثة مماثلة قد وقعت له مع الإمام، فعندما جائني الشيخ (حسن) الكروبي بكتاب(ولاية الفقيه) لكي أترجمه للعربية نقل لي عن الإمام وصيته بأن لا يعرف أحد بأمر ترجمتي للكتاب وأضاف: ( إنما أقول هذا خشية عليه، والا فإنني لا أخشى أحداً)[38].

خشيت أن يكون بكائي لغير الله
إثر استشهاد المرحوم سماحة السيد مصطفى أقاموا ـ في الليلة التي استشهد فيها ـ مجلساً تأبينياً على روحه في مسجد الهندي في النجف، وقد ارتقى المنبر السيد جواد شبر، الذي نقل فيما بعد انه وبسبب حضور الإمام في هذا المجلس فقد قرأ مصيبة علي الأكبر عليه السلام ثم أشار إليها سبع مرات، لكن الإمام بقي جالساً بكل سكينة وهدوء!

لقد أراد السيد شبر باختيار قراءة هذه المصيبة وتكرار الإشارة إليها أن يدفع الإمام للبكاء لكي يخف ضغط مصيبة فقده لولده على قلبه، ولكن السيد شبر لم ينجح في إبكاء الإمام! وقد قال بعض الذين لاحظا حالة الإمام: إن عظم المصيبة قد أصاب الإمام بحالة من الصدمة والذهول لا يستطيع البكاء بسببها، وقد سألوه بعد انتهاء المجلس وعودته إلى المنزل عن سبب عدم بكائه، فأجاب: ( عندما كان يقرأ المصيبة كان ينظر إليّ فخشيت أن يكون بكائي ـ إن بكيت ـ لغير الله، أي سبب مصيبتي فقدي لولدي، وليس ابتغاء رضا الله)[39].

لا تفعلوا شيئاً من أجلي
ألقي عددٌ من علماء قم ـ بينهم الشهيد المحلاتي ـ في السجن في بدايات النهضة، وقد جمعهم الإمام( بعد إطلاق سراحهم) وقال لهم: (إن كان قيامكم بما قمتم به وتعرضكم للسجن من أجلي، فإنني لا أملك أجراً أعطيه لكم، كما لا أستطيع أن أجازيكم بشيء أو أقوم بشيءٍ من أجلكم، فلا ترجوا غير الدعاء! فلا تفعلوا شيئاً من أجلي!!

أما إذا كان عملكم ابتغاء مرضاة الله، فاصبروا ولا ترهبوا شيئاً وواصلوا عملكم)[40].

يوصي بإخلاص النية لله
أقام عددٌ من كسبة طهران مأدبة غداء بمناسبة إطلاق سراح الإمام من الإقامة الجبرية في منطقة قيطرية، وقد حضر الإمام هذه المأدبة التي تحدث فيها أحد الكسبة وخاطب الإمام بقوله: لقد قام الكسبة بهذا العمل وذاك العمل من أجل سماحتكم.. فقال الإمام: ( إذن قد فعلوا شططاً وعبثاً)!! فتعجب الجميع من جواب الإمام الذي تابع كلامه قائلاً: ( إذا كان عملهم من أجل الله فأجرهم على الله، وعليهم أن يقوموا بذلك، أما إذا كان عملهم من أجلي، فإنني ليس لدي ما أعطيه ليهم)[41].

لا أعطي جائزة لمن سجن من أجلي
بعد إطلاق سراح الإمام من السجن أردت زيارته وهو في منزل السيد الروغني، لكن شرطة الشاه لم يكونوا يسمحون لغيرالعلماء بالدخول عليه، وأثناء ذلك كان أحد الأصدقاء من باعة الألبان قد أعد مقداراً من اللبن الرائب أراد حمله للإمام. فطلب منه أن يسمح لي بأن أقوم أنا بهذه المهمة، وبالفعل وضعت الطبق الذي فيه وعاء اللبن على رأسي ودخلت المنزل بهذه الوسيلة وبقيت فيه يومين أو ثلاثة لم أخرج خلالها أبداً، وقد شاهدت هناك مشهداً لا أنساه أبداً!

لقد شاهدت عدداً من العلماء قد ملأوا الغرفة، وكان أغلبهم ممن تعرض للسجن، ثم تقدم أحد السادة وقال للإمام شيئاً ظهر بسببه الأذى على وجهه، وقد عرفت فيما بعد انه قال للإمام: إن جميع السادة مجتمعين هنا هم من العلماء المجاهدين الذين تعرضوا للسجن، فحبذا لو تحيطونهم برعايتكم. وعندها لاحظت التغير قد غطى وجه الإمام وقال بحدة: ( أجل، لقد جاهد السادة وتعرضوا للسجن، وإن شاء الله يكونوا قد قاموا بذلك ابتغاء وجه الله وأجرهم عليه تبارك وتعالى، ولكن من تعرض للسجن من أجلي فإنني لا أعطي جائزة لمن يعرض نفسه للسجن من أجلي..)!

وأتذكر أيضاً أننا احتجنا إلى مبلغ من المال لإكمال تكاليف طبع بيان الإمام فذهبنا إلى منزله وطلبنا هذا المبلغ فقال: ( وما علاقتي أنا بالأمر لكي أعطي المال للقيام به؟! يجب على الأهالي توفير المال اللازمة لذلك، فإن الأموال التي عندي ليست مخصصة لمثل هذه الأمور)، ثم رفع الملحف وقال: ( كل ما يوجد هنا هو من سهم الإمام..)[42].

ماذا أفعل مع نفسي الأمارة بالسوء؟!
كان من المتعارف أن يقوم علماء حوزة قم ومراجعها بزيارة العلماء الذين يأتون إلى قم من المدن الأخرى، لكن الإمام لم يكن يزور إلاّ الذين يعرفهم من هؤلاء العلماء، وكان يرفض زيارة غيرهم حتى عندما كنا نقترح عليه ذلك احياناً، وقد سألته يوماً: أليست زيارة العلماء وإظهار المودة لهم من الأخلاق الإسلامية؟ أجاب: بلى، قلت: أليس من الواجب العمل بالأخلاق الإسلامية؟ قال: بلى، قلت: فنحن نتوقع من سماحتكم العمل بها ابتغاء مرضاة الله وليس لإستجلاب رضا الناس. فقال: ( أجل صحيحٌ ما تقول، يجب عليّ القيام بذلك ولكن ماذا أفعل مع نفسي الأمارة بالسوء؟!).

لعل بعض الأشخاص كانوا يفسرون سلوكه هذا بنوع من التكبر، ولكن الأمر ليس كذلك في الواقع، والدليل ـ مثلاً ـ أنني أصبت في تلك الأيام نفسها بمرض اضطرني إلى الرقود للعلاج في غرفتي في مدرسة الحجتية ( في قم ) حدود الشهر، فكان الإمام يأتي لعيادتي أيام الأربعاء طوال هذه المدة رغم أنني كنت طالباً مغموراً لا أكثر[43].

لا أستطيع أن أخلص نيتي!!
جاء خطيب من مدينة همدان ومن صالحي أهلها إلى قم ونزل في منزل أخيه الذي كان من تلامذة الإمام، فزرت الإمام برفقة المرحوم الشهيد الشاه آبادي وقلنا له: إن فلاناً قد جاء من همدان، وهو رجلٌ صالح ومجاهد وقد بذل الكثير من الجهود المضنية أيام الجهاد فمن المناسب أن تذهبوا لزيارته. أجاب: ( إن صحتي غير مناسبة) لكن المرحوم الشاه آبادي ألحّ في طلب ذلك وقال للإمام : إن أخاه من تلامذتكم، وهو نفسه من محبيكم وله دورٌ مهم في الجهاد، وكل ذلك يقتضي منكم أن تذهبوا لزيارته. فقال: ( قلت: إن صحتي غير مناسبة لأنني مصاب بالحمى، ولكنها لم تبلغ الدرجة التي تمنعني من الذهاب إلى منزل هذا السيد وزيارته، أما الذي يمنعني فهو أنني لا أستطيع أن أخلص نيتي لله في القيام بذلك بعد وصفكم لحال هذا السيد وقولكم: إنه من محبيكم)! سكت المرحوم الشاه آبادي إثر هذا الجواب، أما أنا فقد قوي اعتقادي بمنزلة الامام[44].

لا يسعى لاستقطاب المريدين
لم يكن الإمام يسعى إلى استقطاب (المريدين) المؤيدين حوله، كان لا يعرف الكثير من تلامذته، ولم يكن يسعى لمعرفتهم[45].

هذه من تسويلات الشيطان
أتذكر أنني سمعت ـ عندما كنت في النجف ـ شكوى من بعض الأشخاص من أن الإمام لا يتفاعل معهم ولا يحتفي بهم بالدرجة المطلوبة، فطلبت من المرحوم السيد مصطفى ـ بعد أن نقلت قولهم له ـ أن يطلب من الإمام أن يتفاعل اكثر معهم ويحتفي بهم، فقال سماحته: لقد عرضنا هذا الأمر مراراً وتكراراً على الإمام فكان يجيبنا بالقول: ( هذه من تسويلات الشيطان ومكائده، أي أن نفسي في الحقيقة هي التي تدعوني إلى الإحتفاء بالآخرين لكي يزداد عددٌ المحبين لي، ولكي يغررني الشيطان بذلك ويلبس عليّ الأمر يقول لي: إفعل ذلك من اجل الله ومصلحة الإسلام! ولذلك فإنني أجتنب القيام بذلك)[46].

كيف أتراجع عن التوحيد إلى الشرك؟!
كان بعض السادة العلماء والأهالي في النجف يشكلون على الإمام بسبب عدم احتفائه ببعض أصدقائه، وكانوا يقولون ـ مثلاً ـ: عندما يلتقي اثنان من آيات الله يحتفي كل منهما بالأخر ويظهر كل منهما مظاهر الاحترام والتبجيل للآخر! فكان الإمام يقول تعليقاً على ذلك: ( لقد تحملت الكثير من المشاق على مدى أربعين سنة حتى صرت موحداً، فكيف أتراجع اليوم وأمسي مشركاً وأسجد لكم وللسادة؟!)[47].

لم يذكر استشهاد ابنه في خطاباته
تعامل الإمام بسكينته المعهودة وبحالة عادية وبصبرٍ وسعة في التحمل مع حادثة استشهاد نجله المرحوم مصطفى ـ رحمه الله ـ حتى أثناء تشييع جثمانه! والقضية الأهم في أنه بعد ساعات من ذلك أو في مساء ذلك اليوم، مرّ الإمام على قبر ولده السيد مصطفى وهو في طريق لزيارة أمير المؤمنين ـ سلام الله عليه ـ أو في طريق عودته من زيارته اليومية المعتادة للحرم العلوي، وتوجد في المقبرة التي دفن فيها جثمان السيد مصطفى قبور عدد من العلماء الكبار، ورغم أنها كانت المرة الأولى التي يأتي فيها الإمام إلى قبر ولده لقرأة الفاتحة على روحه، فإنه لم يبدأ بولده، بل جلس عند قبور أولئك العلماء أولاً وقرأ لهم سورة الفاتحة ثم جاء إلى قبر ولده وقرأ له سورة الفاتحة وغادر المكان!

لقد بقي الإمام يقود الثورة عشر سنين بعد انتصارها في إيران وألقى كل تلك الخطابات طوال هذه المدة، لكنه لم يذكر ولو مرة واحدة بل ولم يشر لحادثة استشهاد ولده ولم يذكر اسمه سوى في بيان واحد وذلك عندما ذكره عرضاً وهو ينتقد المتحجرين والرجعيين حيث قال: ( إن ابني مصطفى شرب يوماً وهو طفل صغير ماءٌ فقالوا: يجب تطهير الوعاء الذي شرب منه لأن أباه يدرس الفلسفة)[48]!!

الاهتمام بصدقة السر
قبل سنين طويلة من الثورة مرّ أحد العلماء الأجلاء بأزمة مالية حادة وضيق في المعيشة بعد وفاة والده، فأرسل الإمام له مبلغ ألف تومان بواسطة شخص ثالث لكي لا يعرف هذا العالم أن الإمام هو الذي بعث له هذا المبلغ[49].

لا حاجة لذلك
كان الإمام يأتي إلينا ويجلس معنا لكي يشاركنا في ملأ أكياس الكرزات الصغيرة قبل إرسالها إلى المجاهدين في الجبهات، فكنت أقول له: اسمحوا لنا بأن نكتب على هذه الأكياس أنها عبات من قبلكم فمعرفة ذلك تدخل السرورعليهم، لكنه أبى وقال: ( لا حاجة لذلك)[50].

يوصي بأن تكون كل أعمالنا عبادة
لقد قال لي الإمام مراراً: (أحرص على أن تكون نيتك التقرب إلى الله حتى في أعمالك العادية لكي تحصل على الأجر)[51].

 

________________________

[1] آية الله مجتبى العراقي، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص2.

[2] آية الله مرتضى بني فضل.

[3] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلةحضور، العدد:الأول.

[4] آية الله السيد حسين بدلا.

[5] آية الله محمد فاضل اللنكراني.

[6] آية الله السيد عز الدين الزنجاني.

[7] آية الله جعفر السبحاني.

[8] حجة الإسلام والمسلمين على الدواني، كتاب خطوات في أثر الشمس، ج3، ص91.

[9] حجة الإسلام والمسلمين علي أكبر المسعودي الخميني.مجلةنورعلمالدورة:3، العدد:7.

[10] آية الله حسن الصانعي، محلق صحيفة 14/3/1369هـ.ش.

[11] آية الله محمد المؤمن، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص225.

[12] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج2.

[13] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني دراسة تحليلية لنهضة الإمام الخميني، ج1.

[14] آية الله أحمد الجنتي، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج3.

[15] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

[16] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، مجلة15 خرداد، العدد: 14.

[17] حجة الإسلام والمسلمين شهاب الدين الاشراقيصهر الإمام ، صحيفة اطلاعات 30/7/1360هـ.ش.

[18] حجة الإسلام والمسلمين السيد الموسوي خوئبنيها، مجلةحوزة، العدد المزدوج: 37ـ 38.

[19] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا الناصري، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص264.

[20] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا الناصري، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4.ص265.

[21] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني.

[22] حجة الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.

[23] آية الله جعفر السبحاني، مجلةحوزه، العدد:32.

[24] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.

[25] كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج1، ص69.

[26] آية الله إبراهيم الأميني، مجلةبيام انقلاب، العدد:105.

[27] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

[28] حجة الإسلام والمسلمين إحسان بخش، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج3، ويشير الشيخ إحسان بخش هنا إلى الأيام التي لم يشعر الإمام خلالها بأن عليه واجب التصدي للمرجعية فيما كان لعلماء الإسلام الآخرون إحساس آخر.المؤلف.

[29] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا الناصري، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص 264.

[30] آية الله بني فضل، ملحق صحيفة جمهوري إسلامي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لوفاة الإمام.

[31] السيدة فاطمة الطباطبائي، زوجة السيد أحمد، محلق صحيفة اطلاعات17/3/1369هـ.ش.

[32] حجة الإسلام والمسلمين سروش المحلاتي، محلق صحيفة جمهوري إسلامي بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الإمام.

[33] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلةحوزة، العدد:45.

[34] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي، مجلةندا، العدد الأول.

[35] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

[36] حجة الإسلام والمسلمين القرهي، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج6.

[37] المصدر السابق.

[38] آية الله محمد هادي معرفت، مجلةحوزة، العدد:32.

[39] حجة الإسلام والمسلمين السيد مرتضى الموسوي الأردبيلي الأبركوهي.

[40] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا الناصري، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص260.

[41] حجة الإسلام والمسلمين الناصري، المصدر السابق.

[42] اللواء حرس الثورة محسن رفيق دوست، النشرة الثقافية الخاصة لمؤسسة المستضعفين العدد: 41.

[43] آية الله إبراهيم الأميني، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني ، ج4.

[44] حجة الإسلام والمسلمين مرتضى الطهراني، المصدر السابق، 5.

[45] حجة الإسلام والمسلمين السيد جلال الدين الآشتياني، مجلةكيهان أنزيشه، العدد:24.

[46] حجة الإسلام والمسلمين الموحدي الكرماني.

[47] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.

[48] حجة الإسلام والمسلمين مهدي الكروبي.

[49] حجة الإسلام والمسلمين السيد الفحام، مجلةنور علم، الدورة:3، العدد:7.

[50] السيدة زهراء المصطفوي ابنة الإمام .

[51] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net