نماذج من كراماته
رعاية خاصة له من أجداده المعصومين(ع)
رأيت ـ قبل زواجي بالإمام ـ عدة أحلام مباركة عرفت منها أن هذا الزواج مقدر، والرؤيا الأخيرة التي حسمت ترددي هي أنني رأيت ـ في المنام ـ الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والامام الحسن عليه السلام مجتمعين في بيت صغير هو البيت نفسه الذي استأجره الإمام فيما بعد لزواجه! فقد كانت غرفة على الهيئة والصفات نفسها التي رأيتها في هذه الرؤيا، بل وحتى الستائر التي اشتروها لي فيما بعد هي بشكل الستائر التي رأيتها في رؤياي تلك!!
رأيت النبي الأكرم صل الله عليه وآله والإمام الحسن وأمير المؤمنين عليهم السلام جالسين في الجانب الآخر من البيت أي غرفة الرجال، وفي هذا الجانب أي الغرفة التي صارت (غرفة العروس) كنت أجلس أنا والى جانبي امرأة طاعنة في السن وهي ترتدي عباءة منقطة بنقاط صغيرة من النوع الذي يطلق عليه أسم (شادورلكي)، لم أكن أعرف هذه المرأة النحيفة، وكانت تجلس إلى جانبي خلف الباب، كانت في الغرفة نافذة زجاجية كنت أنظر عبرها إلى الموجودين في الغرفة الأخرى، فسألت هذه المرأة: من هم هؤلاء؟ فقالت: ذاك الذي يجلس في الجهة المقابلة ويرتدي عمامة سوداء هو النبي الأكرم صل الله عليه وآله وذاك الرجل الذي يرتدي القلنسوة الخضراء( وكان خدام الحرم العلوي في النجف يرتدون يوم ذاك مثل هذه القلنسوة، وهي تشتمل على قسمين كلاه أحمر ملفوف بشالٍ أخضر) هو أمير المؤمنين عليه السلام وكان يجلس على الجانب الآخر شاب يرتدي عمامة سوداء قالت تلك المرأة عنه أنه الإمام الحسن عليه السلام.
وعندما أخبرتني بهويتهم عليهم السلام غمرني السرور وأنا أقول: هذا النبي وهذا أمير المؤمنين ـ صلى الله عليهما وآلهما ـ !! فقالت تلك المرأة الطاعنة في السن: ولكنك لا تحبينهم! فقلت: يا ويلي! أنا لا أحبهم؟! كلا إنني أحبهم. ثم قلت: إنني أحبهم جميعاً، فهم نبيي وأئمتي، وذاك إمامي الثاني وهذا إمامي الأول. فقالت المرأة: لكنك لا تحبينهم، فكررت قولي ثم استيقظت من نومي وأنا منزعجة بسب سرعة استيقاظي!
ثم حدثت في الصباح جدتي برؤياي فقالت: يا بنيتي أن رؤياك تبين أنا هذا السيد هو سيد حقيقي، وأنك قد آذيت النبي والأئمة، لاحيلة لك هذا هو قدرك وهذا هو التقدير لك[1]!
رأينا فجأة ماءً جارياَ توضأ منه لنافلة الليل!
رافقنا الإمام في أسفارٍ عدة أيام شبابنا، والله يعلم بعمق الروح الأبوية العطوفة التي كان يعاملنا بها في تلك الزيارة إلى مشهد، لازلت أشعر بالخجل كلما تذكرت الأيام التي حالفنا فيها توفيق مرافقته في تلك الزيارة، في تلك الأيام كانت العساكر الأمريكية والإنجليزية والروسية تحتل أجزاءً من إيران، لذلك فعندما رجعنا من مدينة مشهد أوقف الروس السيارة بهدف تفتيشها، فنزلنا جميعاً، ثم توجه الإمام لإقامة نافلة الليل التي لم يتركها أبداً منذ بلوغه سن التكليف الشرعي، ولكنا كنا في وسط الطريق ولم يكن ثمة ماءٍ في تلك الصحراء وفجأة رأينا ماءً جارياً، فشمّر الإمام عن ساعديه وتوضأ! ولم نعرف فيما بعد أنه كان يوجد ماءٌ من قبل أو لم يكن ثمة ماء أصلاً! على أي حال فقد رأينا في هذا السفر كرامة للإمام[2].
رؤيا للإمام وكرامة يصدقها الواقع
عقد اجتماع في قم باسم هيئة مدرسي الحوزة شارك فيه كبار العلماء والفضلاء في الحوزة، وجرى البحث وتبادل الآراء بشأن إصدار بيان للسادة العلماء وطبعه وتوزيعه في أرجاء البلاد، وقد تم اتخاذ قرار بهذا الشأن، ولكن بعض المشاركين في الاجتماع كانوا يعتقدون أن الإمام يتحرك بحالة ثورية شديدة وقد أعربوا عن قلقهم تجاه احتمال أن لا يوافقه بقية المراجع على ذلك، وقد صرح بضعهم بذلك ولذلك قال بعض الحاضرين: من الأفضل أن يذهب أحدنا للسيد الخميني ويطلعه على هذه المخاوف ويأتينا بجوابه.
قال الشهيد السيد محمد رضا السعيدي: ذهبت أنا ونقلت للسيد الخميني الأمر المذكور فقال لي: (لقد رأيت في عالم المنام ناراً موقدة قد أحاطت بكل إيران التي كنت أراها بشكل الخريطة الجغرافية، فصرخت: هلموا لتقديم العون لكي نطفأ هذه النار! ولكن لم يأت أحد، فخلعت عبائتي وبقيت أضرب بها النار وأصب الماء عليها إلى أن استطعت أخمادها بعد تحمل مشقة شديدة).
أضاف الشهيد السعيدي: ثم تابع سماحة السيد حديثه قائلاً: (لقد فسرت هذه الرؤيا على النحو التالي: أن هذه الفتنة ستستمر ولن تخمد بيسر، لقد تأججت نارٌ سيتنحر لهيبها في جميع أرجاء البلد، وعليّ أنا وحدي أن أطفئها، فمن شاء من السادة أن يلتحق بي فليتحق ومن لم يشأ فليتجنب الإلتحاق بي)[3].
خاطبني في اليقظة بالجملة نفسها التي سمعتها منه في الرؤيا!
روى والدي ـ رحمه الله ـ قائلاً: رأيت ليلة في عالم المنام ـ وكان ذلك قبل فاجعة (15)خرداد أن ثمة شجرة كبيرة جداً قد استقرت على الكرة الأرضية وقد تشابكت أغصانها الكثيرة وارتفعت إلى عنان السماء فلا يمكن مشاهدة أعاليها إلاّ بمشقة بالغة، ورأيت أسفل هذه الشجرة كبار العلماء ـ وبينهم الإمام ـ يدورون حولها بالتناوب ويحرسونها. ثم تابعت طريقي للحصول عل الطعام ولما رجعت وجدت الشجرة وقد تلطخت بالدماء التي جري على أغصانها مثلما تجري من اليد الجريحة وقد ضمدوا هذه الأغصان بالمناديل، فذهبت ـوقد سيطر عليّ القلق والأذى ـ إلى الإمام الذي كان يجلس على كرسي قد انقلب! فأعربت له عن قلقي وآذاي مما أرى، وعندما رأى الإمام ما أنا فيه من أذىّ وانفعالٍ وضع يده على كتفي بكل تواضع وسكينة وقال : ( يا شيخ محمود، لا تقلق، أنهم كانوا يريدون قطع هذه الشجرة من جذورها ولكن الله لم يشأ ذلك، هذه الجروح ليست مهمة، ستلتئم، فلا تقلق).
ثم استيقظت من النوم، وبعد مدة مديدة وقعت حادثة (15) خرداد ثم اعتقل الإمام وفرضت الإقامة الجبرية عليه في منطقة قيطرية؛ وبعد إطلاق سراحه تشرفت بزيارته برفقة مجموعة من العلماء وكان ذلك قبيل الظهر فقال: ( ابقوا لتناول طعام الظهيرة معنا)، فاستجبنا لدعوته. وبعد لحظات إلتفت إليّ الإمام ووضع يده على كتفي ـ بالحالة نفسها التي رأيتها في رؤياي تلك ـ وقد فعل ذلك وأنا لم أعرب له عن آذاي بسبب اعتقاله إثر حادثة (15)خرداد، وكذلك لم أحدثه أصلاً برؤيا! لقد وضع يده على كتفي بالحالة نفسها التي رأيتها في منامي ثم خاطبني بالجملة نفسها التي قالها لي في تلك الرؤيا ! قال لي في اليقظة: ( يا شيخ محمود، لا تقلق، إنهم كانوا يريدون قطع هذه الشجرة من جذورها ولكن الله لم يشأ ذلك..)[4].
وهبني خامته فور أن تمنيت ذلك في قلبي
أخذت أفواج محبي الإمام تتدفق على منزله في قم لزيارته إثر عودته اليها بعد رفع الإقامة الجبرية التي فرضت عليه في منطقة قيطرية في طهران فأصبح منزله محلاً للقاء مختلف صنوف الأهالي والعلماء به، وكان يجلس في إحدى الغرف ويتفقد أحوال زائريه، وقد جئت أنا أيضاً من الأهواز إلى قم وتشرفت بزيارته، وبعد أن قبلت يده، جلست في زاوية الغرفة، وكانت عيني قد وقعت وأنا أقبل يده على خاتم جميل فيها أعجبني، فقلت في نفسي: يا حبذا لو يهديني الإمام هذا الخاتم! ولم تمضّ إلاّ هينئة على هذه الخاطرة التي خطرت في ذهني حتى أشار إلي بيده متلطفاً أن أقترب منه، فلما تقدمت إليه، خلع الخاتم من يده وأعطاه لي! ولا زلت أحتفظ به إلى اليوم كتذكار من الإمام[5].
كرامة وتأييد إلهي له
عندما بدأ الإمام التدريس في حوزة النجف، ازدحم محل إلقائه الدرس بعدد كبير من الطلبة، فصبرنا قليلاً عن المشاركة فيه إلى أن انقطع عن حضور الدرس الطلبة الذين كانوا يحضرون لمجرد التعبير عن تأييدهم للإمام، فلم يبق إلاّ الفضلاء القادرين على استيعاب المباحث العالية التي كان يلقيها الإمام في درسه. وقد كنت عازماً على حضور درسه لكنني تفاءلت بالقرآن مجرد تفاؤل بهذا الشأن فخرجت الآية الكريمة (وَلاَ تَيْأَسُوا ْمِن رَّوْحِ اللّهِ)، وقد كان ذلك من عجائب الإتفاقات وقد أخبرت الإخوة بذلك فتعجبوا هم أيضاً.[6]
ثاني شخصية عالمية
روى والدي ـ رحمه الله ـ قال: عندما جاء الإمام إلى النجف، رأيت فيما يرى النائم أنني في مسجد الخضراء والإمام الصادق عليه السلام جالس على المنبر وهو يتحدث، وأثناء ذلك دخل المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني، وبمجرد دخوله قام الإمام عليه السلام ووقف على المنبر وقال: (جاء نجل ثاني شخصية عالمية)[7]!!
حذار من أن تقيس الإمام بغيره
كانت تربطني علاقة بشخص في النجف أسمه الحاج السيد رشيد وكان لديه محل لبيع الوسائل المنزلية يقع في الزقاق الذي يقع فيه منزل الإمام، كنت أتردد على محله وأجلس عنده، فكان كلما مر الإمام من أمام محله تحدث عنه بإعجاب وتمجيد، وكان يقول بعبارات خاصة: يا فلان، انتبه ولا تنظر إلى الإمام نظرتك إلى باقي العلماء والمراجع، لا تقارنه بهم، فهو يختلف عنهم! انه سيعود يوماً إلى إيران ويخرج الملك منها ويمسك بزمام الأمور فيها[8].
سيعود أبوك ويتسلم زمام جميع الأمور
كان يعيش في قم رجل من أهل بروجرد اسمه(المشهدي رجب)، كان يقوم بفرش البسط للصلاة، وكان نير القلب للغاية وصاحب كرامات، وعندما عرف الناس بحاله اضطر إلى ترك قم إلى مسجد جمكران وبقي يعيش متخفياً هناك، وقد ذهبت ليلة إلى جمكران لزيارته برفقة المرحوم الحاج السيد مصطفى، وقد أخبر مسبقاً عن وفاة السيد مصطفى في هذا اللقاء وبحضوره ثم قال له: إن والدكم سيعود إلى إيران ويتسلم زمام جميع الأمور !.
لقد تحدث المشهدي رجب عن هذا المضمون بعباراته العامية العادية، وقد أدار المرحوم السيد مصطفى وجهه علامة على عدم القبول لهذا الكلام فقال له المشهدي رجب: إنك لا تقبل هذا الكلام والسبب هو أنك ستموت قبل تحققه عملياً وبالسكتة القلبية!
وقد أشار في تلك الليلة حتى إلى سنة وفاة السيد مصطفى الأمر الذي أثار تعجبنا خاصة بعد أن تحقق عملياً كل ما أخبر عنه[9].
اللقاء العجيب بين الإمام وآية الله السيد علي القاضي
كان المرحوم آية الله الشيخ عباس القوجاني ـ وهو والد زوجتي ـ كان يعرف مسبقاً ـ وهو في النجف ـ ببعض القضايا التي وقعت للإمام وقد أخبرني بها قبل وقوعها، وقد سألته يومها: من أين عرفتم بهذه الأمور؟ فروى لي الحادثة التالية، قال: كنا ملازمين للمرحوم آية الله الحاج السيد علي القاضي ـ وهو الأستاذ الأخلاقي لمجموعة من الأعاظم مثل الشيخ بهجت، المرحوم القوجاني، والمرحوم السيد الميلاني وغيرهم ـ كنا نذهب إليه كل يوم ونستفيد من محضره، وقد جاء يوماً اثنان من تلامذته الملازمين لحضور درسه وقالوا له: أن سماحة السيد الحاج آغا روح الله الخميني (وكان الإمام يومها يعرف بهذا اللقب) قد جاء إلى النجف وهو يرغب في زيارتكم.
فرحنا كثيراً عندما سمعنا هذا الخبر، لأن هذا اللقاء سيكون سبباً لتعريف أستاذنا(القاضي) لحوزة قم كما أننا كنا من تلاميذ الإمام أيضاً وكان من المهم لنا أن نعرف تأييد شخصية مثل المرحوم القاضي له.
حلّ موعد اللقاء وجاء الإمام، وكنا جالسين في مكتبة السيد القاضي، فلما دخل سلّم على السيد القاضي، وكانت سنة السيد القاضي القيام لكل من يدخل عليه، ويدعو بعضهم إلى الجلوس في مكان خاص، لكنه لم يفعل ذلك مع الإمام ولم يدعه للجلوس في مكان بارز، وقد جلس الإمام بكل أدب عند باب الغرفة!
لقد تأذى طلبة الإمام الذين حضروا هذا اللقاء من عدم قيام المرحوم السيد القاضي لهذا الرجل الجليل والعالم الفاضل والصالح القادم من حوزة قم، وقد دخل أيضاً الطالبان اللذان عرفّا الإمام للسيد القاضي وجلسا في مكانهما المعتاد.مضت اكثر من ساعة من هذا اللقاء في صمت كامل! فلم يتحدث احدٌ بشيء، جلس الإمام مطرقاً إلى الأرض طوال هذه المدة وهو ينظر إلى يده، وهكذا كان حال السيد القاضي جلس مطرقاً إلى الأرض أيضاً!
وبعد مدة رفع المرحوم القاضي رأسه فجأة والتفت إلي وقال: سماحة الشيخ الحاج عباس ! أجلب ذلك الكتاب! كنت أعرف جيداً جميع الكتب الموجودة في مكتبته فقد قدمت له بعضها ما يقارب المائة مرة أو يزيد، وقد تعرفت على الضروري من مطالبها، بمجرد أن قال: إجلب ذلك الكتاب، تحركت يدي دون اختيار مني نحو كتاب لم أره من قبل في المكتبة ! كما أنني لم أسأل السيد القاضي: أي كتاب تقصدون؟ أو مثلاً أين هو؟ هل هو في الجانب الأيمن من المكتبة أم الجانب الأيسر أم في الطابق العلوي؟! لقد تحركت يدي بغير إرادتي ووقعت على ذلك الكتاب!!
عندما جلبت الكتاب قال لي السيد القاضي: أفتحه، قلت: أي صفحة منه يا سيدي ؟ قال: أي صفحة كانت!! فتحت الكتاب دون تعيين فوجدته مكتوباً باللغة الفارسية فزاد تعجبي، لقد لازمت المرحوم القاضي عدة سنين لكنني لم أرّ هذا الكتاب ولم أرّ حتى جلده ولا مرة واحدة!!
عندما فتحت الكتاب وقع نظري على عنوان(حكاية)مكتوب في أول الصفحة، قلت: مكتوب في الصفحة عنوان (حكاية) ياسيدي، فقال: لابأس، أقرأ!
كان مضمون الحكاية هو: كانت توجد مملكة يحكمها سلطان وقد جرها إلى الدمار الديني بسبب ما كان يفعله فيها هو وعائلته من فسق وفجور ومعاصٍ، فشاع الفساد في جميع أرجائها. فانتفض ضده عالم جليل ورجل روحاني إلهي، نصحه في البداية بكل وسيلة ممكنة فلم ينفعه النصح ولذلك اضطر إلى أن يصعد من إجراءاته ضده الأمر الذي أثار السلطان فاعتقل ذلك العالم الديني وسجنه ثم نفاه إلى أحد الممالك المجاورة بقي فيها مدة ثم نفاه إلى مملكة أخرى فيها عتبات مقدسة، وقد عاش فيها مدة إلى أن شاءت إرادة الله أن يعيده إلى مملكته الأولى وان يهرب منها ذلك السلطان ويموت خارجها، وأن يحكمها ذلك العالم الجليل وان تتحول ـ تدريجياً ـ إلى مدينة فاضلة وأن لا يتطرق إليها الفساد إلى ظهور حضرة بقية الله المهدي ـ عجل الله فرجه ـ.
إلى هنا انتهت الحكاية فقلت للسيد القاضي: لقد انتهت الحكاية يا سيدي، وتوجد بعدها حكاية اخرى، فقال: يكفي ما قرأته، أغلق الكتاب وأرجعه إلى مكانه، ففعلت.وكنا لا زلنا جميعاً في أذى من عدم قيام السيد القاضي للإمام، وقد ازداد تعجبنا من سلوكه اللاحق وقلنا في أنفسنا: لماذا يأمر بقراءة حكاية في حضور سماحة السيد الحاج آغا روح الله بدلاً من أن يحدثه بمطلب عرفاني أو فلسفي أو علمي يحمله معه كهدية لحوزة قم! والنقطة المهمة للغاية حادثة اجتماع السيد القاضي بالإمام، هي أن الشخصين المذكورين اللذين رافقتهما الإمام إلى الزيارة، كانا قد انزعجا كثيراً من طريقة تعامل السيد القاضي مع الإمام، ولذلك فقد سألا الإمام بعد أن خرجوا: كيف وجدت السيد القاضي؟ أجاب الإمام على هذا السؤال ـ وبدون أن يظهر أبسط أشكال الإنزعاج ولو بالإشارة باليد أو العين ـ بأن قال ثلاث مرات: لقد وجدته عظيماً جداً، أعظم مما كنت أتصور!
هذا الجواب يكشف حقيقة أن الإمام كان قد تخلى من أي أثر لهوى النفس في وجوده، لأن رد الفعل الطبيعي تجاه هذه الطريقة في التعامل من كل من كانت له ما كانت للإمام من مكانه علمية في حوزة قم، هو أن يهز يده أو رأسه ـ عل الأقل ـ كإشارة يريد بها أن يقول: لا يهمني مثل هذا التعامل! أما الإمام فلم تترك عليه حركات السيد القاضي(وهي بلاشك حركات محسوبة ولعل هدف السيد القاضي منها هو امتحان ومعرفة القوة الروحية والمعنوية للإمام)؛ لم تترك عليه أي أثر يجعل النفس تدفعه إلى اتخاذ رد فعل تجاهها، ولا يخفى أن السيطرة على النفس في مثل هذه الحالة يحتاج إلى قوة معنوية عالية للغاية.
أن الإمام لم يكتف بعدم الرد بالمثل على الطريقة الظاهرية للسيد القاضي في التعامل معه، بل وعمد إلى التصريح بعظمة مقامه وقد شعرنا ـ من خلال ملاحظة جميع تقاسيم وجهه وحالة عينيه ـ أنه ما قاله بشأن السيد القاضي صادر من قناعة قلبية وعن صدق كامل؛ على النقيض مما حالنا فكل وجودنا قائم على المجاملات الواهية والمتكلفة، في حين قتل الإمام في نفسه كل هذه الحالات النفسانية المرضية.
لقد وقعت هذه الحادثة وهذا الاجتماع قبل قضية حادثة(15)خرداد وما بعدها. لقد عاد الإمام إلى إيران وقم، وكان يذكر السيد القاضي بالكثير من التجليل والاحترام في جواب كل من يسأله عنه من فضلاء الحوزة وطلبتها، وكان يقول عنه: (يوجد في النجف أشخاص يجب الإنتفاع من بركات وجودهم كثيراً).
ثم أن المرحوم الشيخ القوجاني كان يقول بشأن وقوع كل حادثة من الحوادث التي كانت تقع في مسيرة الثورة: هذه الحادثة كانت مذكورة في تلك الحكاية! ثم كان يكرر القول: أن السيد الحاج آغا روح الله سيرجع إلى إيران حتماً ويمسك بزمام أمورها وستتحق بقية الأشياء حتماً ولا ريب في ذلك!
ولذلك كان الشيخ القوجاني من أوائل الذين جاؤوا إلى إيران ـ بعد عودة الإمام وانتصار الثورة ـ وبايع الإمام[10].
هذه الحوادث ستقع، وسيتضح لك الأمر لاحقاً
قبل مجيء الإمام إلى النجف رأيت في عالم المنام أن إيران تشهد اضطراباً وحرباً خاصة في خوزستان حيث أن جميع رؤوس نخيلها قد قطعت أو حرقت، وان أحد أرحامي قد استشهد في هذه الحرب التي طالت كثيراً ولكنها انتهت بانتصار إيران، وطوال هذه الرؤيا كنت أتصور أن الحرب هي بين سيد الشهداء عليه السلام وبين أعدائه، وعندما انتهت الحرب سألت: اين السيد الإمام الحسين عليه السلام؟ فأشاروا إلى الطابق العلوي في إحدى المباني فيها غرفتان إحداهما في الجهة اليمنى والاخرى في الجهة اليسرى، فذهبت إلى حيث أشاروا وتشرفت بزيارة سيد الشهداء والسلام عليه، وعندها انتبهت من نومي.
وبعد مجيء الإمام إلى النجف حدثته بهذه الرؤيا، فابتسم وقال: (هذه الحوادث ستقع)! فسألته: وكيف يا سيدي؟ قال: (سيتضح الأمر لك لاحقاً)، فألححت عليه طالباً التوضيح، فقال: ( أخبرك بقضية ولكن يجب أن لا تتحدث بها لأحدٍ ما دمت حيّاً.
عندما كنت في خدمة المرحوم والدك في قم، كنت شديد الحب والتعلق به حتى أنني كنت ـ تقريباً ـ أقرب الناس إليه، وهو أيضاً لم يكن يراني من غير المؤهلين لحفظ الأسرار، وقد بين لي يوماً مسيرة الحركة والعمل، ولكن لا زال الوقت مبكراً بالنسبة لزمان بدء هذه المسيرة، ولكن ستبدأ)!
لم يبق كلام الإمام هذه في ذهني إلى زمان وقوع الثورة وما بعدها وكذلك بعد نشوب الحرب بين إيران والعراق، بل كنت قد نسيته بالكامل، وطوال سني الحرب ذهبت مراراً للجبهات وقمت بخدمات متواضعة فيها، وقد وقع بصري ذات يوم على أشجار النخيل وقد قطعت رؤوس بعضها واحترق الآخر وعندها تذكرت الرؤيا التي رأيتها وكلام الإمام بشأنها! فقد كان ما شاهدته في اليقظة شبيهاً بالكامل تقريباً بما كنت قد رأيته في تلك الرؤيا، وجرت الأوضاع تقريباً على وفق ما رأيته فيها. ثم استشهد أخي الشيخ مهدي في شهر(أردبيهشت) من سنة 1363(هـ.ش، مارس 1984م)، وعندها تذكرت قول الإمام لي من أن جميع الحوادث التي رأيتها في رؤياي تلك ستتحقق.[11]
يتوسط لدى صاحب الزمان(عج) من أجل أحد أنصاره
في أحد أيام سنة 53 أو 1354هـ.ش(74 أو 1975م) شدوا على عينيّ عصابةـ وأنا في السجن ـ وأخضعوني عدة مرات لدورة استجواب طويلة وشاقة تواصلت لعدة أيام، وفي إحدى ليالي تلك الفترة كانت حالتي صعبة للغاية، فرأيت في المنام مجلس تدريس الإمام وهو جالس على المنبر يلقي درسه بحضور عدد كبير من العلماء، وأثناء ذلك دخل سيد جليل قام الإمام وهو على المنبر إجلالاً له ثم قال ثلاث مرات (الأمان، الأمان، الأمان، يا صاحب الزمان) فعرفت أن هذا السيد القدسي هو إمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ.
وفي صباح ذلك اليوم تغير فجأة أسلوب استجوابي وزالت عني تلك الشدة. وقد قال أحد الصالحين يومها: أن الإمام قد أخذ لك الأمان. أي توسط لدى إمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ فأوجد هذا التغير والفرج[12].
لا أرى مصلحة في إبقاء المقطع من البيان
أصدر الإمام بياناً عن الانتفاضة الطلابية التي وقعت في شهر آذرماه سنة 1349هـ.ش، (ديسمبر من سنة 1970م)، وقد أمرّ بمناسبة حلول موسم الحج بترجمة البيان إلى العربية وطبعه وإرساله إلى مكة، وقبل إكمال طباعته استدعاني الإمام بصورة عاجلة وقال: ( لا أرى من الصالح إبقاء المقطع الذي ينتقد أساس النظام الملكي في الحكم في هذا البيان، لأن من المحتمل أن يسبب ذلك مشاكل للذين يوزعون هذا البيان في موسم الحج، وقد يعتقلهم النظام الملكي في الحجاز ويعرضهم لخطر الموت، فقد يضرب أعناقهم بتهمة معارضة النظام الملكي، لذلك احذفوا المقطع الذي ينتقد الملكية من البيان).
لكنني ألححت على الإمام كثيراً بشأن إبقاء هذا المقطع المهم في البيان، فرفض لكنه وعدني بأن يصرح ـ في فرصة اخرى ـ عن رأيه بشأن الملكية، اما المقطع الذي أمر بحذفه فهو : أن الإسلام يعارض الملكية من الأساس، وكل من يدرس سيرة رسول الله صل الله عليه وآله يستنتج بوضوح أن الإسلام جاء لتدمير قصور الظلم الملكي، أن النظام الملكي في الحكم هو أقذر وأخزى مصاديق الرجعية[13].
بقاء هذه العبارة يؤدي إلى ذبح إخوتنا
كتب الإمام بياناً في سنة (50ـ 1351هـ.ش، 71ـ 1972م) بمناسبة الإحتفالات التي كان نظام الشاه قد قرر إقامتها في إيران بمناسبة مرور (2500)عاماً على حكم الملكية فيها. وقد تقرر إخفاء نسخ هذا البيان ـ بعد طبعه ـ بطريقة خاصة ونقلها إلى السعودية عبر سوريا، وفي منتصف الليل طلب الإمام البيان وحذف منه عبارة وردت فيه تقول: ( أن النظام الملكي هو أبشع أنظمة الحكم، ولم يكن فيه شيء من مصاديق الإنسجام مع أنظمة الحكم الاسلامي حتى في زمن النبي الاكرم صل الله عليه وآله ).
وقد سألوا الإمام عن سبب حذفه لهذه العبارة فقال: ( أن بقاءها يؤدي إلى قطع رقاب إخوتنا وهم في الحجاز)!
ثم تم توزيع نسخ هذا البيان على نطاق واسع في مكة والمدينة ومنى، وقد اعتقلوني إثر ذلك وسجنوني، ثم جاؤوا بنسخة من البيان وقد وضعوا خطوطاً حمراء تحت العبارات التي تهاجم أمريكا والحكومات العربية، فانتبهت إلى مقصود الإمام وقلت: لو لم يحذف الإمام تلك العبارة لقتلونا بلا شك[14]!
خذوا وثيقة من غيري بقبض هذه الأموال
جاء أحد التجار الإيرانيين زائراً للنجف وهو يحمل مبالغ ضخمة من الحقوق الشرعية بهدف تسليمها للإمام، وكانت الحكومة الإيرانية على علم بنيته، كما كانت تعتقل في تلك الأيام من يذهب للقاء الإمام ويسلمه الحقوق الشرعية من الزوار الإيرانيين. وقد التقى هذا التاجر بالإمام وقدم له تلك المبالغ وقال: هذه من الحقوق الشرعية جئت من إيران لتسليمها لسماحتكم بهدف إنفاقها على الحوزة العلمية. لكن الإمام رفض استلامها فألحّ التاجر قائلاً: لقد جئت بها من مكان بعيد خصيصاً لتسليمها لسماحتكم، فقال الإمام: ( ليس من صالحكم أن أستلم أنا منكم هذه الأموال، إذهبوا بها إلى أحد المراجع، وسلموها له وخذوا منه وثيقة باستلامها)!
ولم ينفع إلحاح التاجر في إقناع الإمام باستلام هذه الحقوق فاضطر إلى الذهاب إلى بيت مرجع آخر وسلمه الأموال وأخذ منه وثيقة الإستلام.
ولما رجع إلى إيران اعتقلته سلطات نظام الشاه عند الحدود بتهمة حمل مبالغ ضخمة للإمام في النجف وهذا ما أنكره بقوة وقال: إنني لم أسلمه ولا شاهياً واحداً له، لقد سلمت أموال الحقوق الشرعية إلى غيره. وأخرج وثيقة الاستلام الممهورة بخاتم المرجع الآخر وقدمها لهم!
ولو كان الإمام قد استلم الأموال منه وأعطاه وثيقة بذلك، فلعله كان تعرض للسجن والبقاء فيه إلى آخر عمره إضافة إلى تعريضه للتعذيب[15].
سيطول سفركم هذه المرة
حاصر البعثيون منزل الإمام في النجف في سنة 1357هـ.ش، (1978م) ومنعوا اتصال الأهالي به، وذلك بهدف إجباره على الخروج من النجف. وفي تلك الأيام بعث ياسر عرفات رسالة إلى الإمام الذي كتب له رسالة جوابية كان من الضروري أن يحملها إليه شخص يسافر من اجل ذلك إلى لبنان، وقد تقرر أن أسافر أنا إلى لبنان فيما يرتبط بهجرة الإمام إليها وذلك لدراسة مدى مناسبة الأوضاع في سوريا لإقامته فيها، ولما أكتمل إعداد رسالة الإمام إلى عرفات سلموها لي، ثم دخلت على الإمام لتوديعه وكان جالساً وحده على ما اتذكر، فقلت لسماحته إنني عازم على السفر اليوم إلى سوريا ولبنان، وكنا كلما أردنا السفر دخلنا عليه لتوديعه وتقبيل يده، فكان يدعو لنا عادة، ولكنه هذه المرة ابتسم وقال: ( يبدو أن سفركم هذه المرة سيكون طويلاً)! قلت: كلا سأسلم رسالتكم وأعود بعد يومين أو ثلاثة. فلم يعلق بشيء على قولي. وكانت إشارته إلى طول سفري لا سابقة لها من بين سفراتي السابقة.
وعلى أية حال توجهنا إلى بغداد برفقة أخينا الشيخ فردوسي بور، وكان من المقرر أن يأتي السيد الدعائي أيضاً ويسلمنا بعض الوثائق نحملها معنا إلى سوريا. وعندما وصلنا المطار سلمت حقيبتي إلى المسؤولين عن شحن الحقائب في الطائرة، وجلسنا بانتظار ساعة الإقلاع، لكننا لاحظنا ـ منذ البداية ـ أن وضع المطار غير عادي، فجميع المسؤولين الأمنيين كانوا يرتدون يومها ملابس مدنية لكنه كان واضحاً أنهم من أعضاء منظمة الأمن العراقية، ثم جاء أحدهم وقال: من المسافر منكم، قلت: أنا، قال: تعال معي، فقمت وأخذ بطاقة الطائرة مني وأمر بإرجاع حقيبتي من الطائرة، ثم أفرغوها وأخرجوا ما فيها أوراق، ثم اصطحبني إلى الطبقة الثانية لمبنى المطار حيث يقع فيها مركز منظمة الأمن الخاص بالمطار. جلسنا هناك وتحدثوا معي حدود الساعة ثم جاؤوا بجواز سفري ومعه ورقة أمروني بتوقيعها، فسألتهم: ما هذه؟ قالوا: إقرأها بنفسك، فقرأت المكتوب فيها فوجدتها تتضمن تعهداً بعدم دخولي الأراضي العراقية مرة أخرى والى الأبد! وأن مخالفة هذا التعهد تستتبع التعرض للعقاب القانوني!!
لقد رفضت أولاً توقيع هذا التعهد بكل حيلة لكنهم أجبروني على توقيعه في النهاية وعندها انتبهت فجأة إلى مغزى قول الإمام لي: (يبدو أن سفركم هذه المرة سيكون طويلاً)[16].
أرى أن السيد خوئينها سيرجع!
عزمت في إحدى السنين على الذهاب للحج، وكان ممثل الإمام في الحج يومها حجة الإسلام والمسلمين السيد خوئينها، وقد نقل السيد أحمد ـ قبل السفر للحج ـ أن الإمام قال ( أرى أن السيد خوئينها سيرجع)[17]
وعندما كنا في المدينة هاجم جلاوزة النظام السعودي مقر بعثة الإمام ليلاً وبوحشية، ولم تنفع المفاوضات في التوصل إلى اتفاق، فنقلونا ـ بالتالي ـ مع جميع أعضاء البعثة في الساعة الواحدة من ظهيرة اليوم التالي إلى المطار ومنه بواسطة طائرة عسكرية إلى مطار جدة حيث عدنا على متن طائرة كانت قد أعدت للإقلاع مسبقاً إلى مشهد ومنها إلى طهران[18]!!
وجدت الإمام مطلعاً على ما مرّ بي!
رأينا ـ خلال سني ملازمتنا لخدمة الإمام ـ أشياءً يمكن أن نسميها كرامات، منها ما رواه أحد علماء أصفهان قال: جئت بمبلغ من المال إلى الشام ومنها إلى بغداد ـ وكان إدخال الأموال إلى العراق يومها صعباً للغاية ـ فلاحظت في المطار أنهم يفتشون بدقة كل مكان، ولذلك سيطر عليّ الاضطراب وعدم الإرتياح، وعندها توسلت بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام وقلت: لقد جئت بهذا المال لولدكم يا سيدي، فأنقذني مما أنا فيه.
وإثر ذلك مباشرة جاء شخص من موظفي الحكومة العراقية وناداني وأخرجني من القاعة دون تفتيش! وعندما وصلت النجف ثم دخلت على الإمام سلمت عليه فابتسم وقال: ( لقد حدثت لك مشكلة في المطار وتوسلت بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام ـ)!! فوجدته مطلعاً على ما مرّ بي[19].
علمت أنه ولا شك مرتبطٌ بعالم آخر!
وصلت للإمام يوماً رسالة من أحد وكلائه في أفغانستان، فقال لي (اسألوا عن عنوانه لكي أبعث له بالجواب)، وكان الإمام يومها في النجف وكانت الحكومة الطاغوتية تمنع عبور نسخ الرسالة العملية الفقهية للإمام عبر الحدود وحتى بواسطة البريد؛ ولذلك اتفقنا مع المرحوم الشيخ نصر الله الخلخالي على إرسال شخص عبر الطريق البحري دون اطلاع أحد على ذلك حتى الإمام لأننا كنا نعلم أنه لن يسمح لنا بإرسال نسخ رسالته العملية إلى أفغانستان، فلم يكن من الذين يرضون بإرسال رسالته العملية لأحد.
ثم قال لي ثانية: (أسأل عن عنوان هذا السيد لكي أبعث له الرسالة الجوابية )، فقلت: لا حاجة لذلك، يوجد مسافرٌ إلى أفغانستان، نبعثها معه، فقال: (لا ترسلوا الرسائل العملية، هذا العمل غير جائز)، ثم قال وقد ظهر عليه عدم الارتياح: (يفعلون كل ما يشاؤون دون أن يخبروني)!! ثم دخل إلى بيت العائلة من منزله.
عندها علمت أنه ولا شك مرتبط بعالم آخر، لأنه لم يكن يعرف بالأمر غيري وغير المرحوم الشيخ الخلخالي[20].
أخفى الإمام يده خلاف عادته!
من الذكريات التي أحملها عن سني الإقامة في النجف الإشرف هي المرتبطة بالليالي التي كان الزوار الإيرانيون يلتقون بالإمام في الحرم العلوي، لقد كانوا يزدحمون عليه لتقبيل يديه وحتى رجليه، ولكن السيد لم يكن يسمح لأحدٍ بتقبيل رجليه بل وكانت محاولة بعضهم القيام بذلك تؤذيه كثيراً.
وبسبب ازدحام الزوار الإيرانيين عليه في الحرم لتقبيل يديه كنا نقف بالقرب منه نراقب الوضع تحسباً لأي حادثة، وفي إحدى الليالي، وبعد أن أتم الإمام تلاوة الزيارة وهو مستقبل للوجه المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام توجه إلى جهة الرأس الشريف لتلاوة الزيارة الثانية، فسرت أمامه وسار بعض الإخوة خلفه، وعندها لاحظت أن أحد الأشخاص يصرّ على أخذ يد الإمام من الخلف وتقبيلها، فأخفى الإمام ـ خلاف عادته ـ يديه تحت عباءته وأسرع في سيره إلى جهة الرأس الشريف.
وقد عرفنا بعد مدة استناداً إلى تقارير وصلتنا أن بعض أعضاء منظمة الأمن الشاهنشاهي(السافاك) قد كلفوا بمهمة إيذاء الإمام وإلحاق الأذى به بحجة أخذ يده من الخلف لتقبيلها! ولكن الإمام ببصيرته النافذة وببركة اللطف الإلهي عرف حقيقة الأمر، فلم يسمح لأحد بأخذ يده حتى الذين سعوا لذلك من الجهة الأمامية[21].
استغراب الجميع من عدم ذهابه للحرم في تلك الليلة
كان الإمام ملتزماً بالدخول إلى قسم الاستقبال في منزله (البراني) بعد ساعتين ونصف بالضبط من غروب الشمس حيث كان يجلس فيه للقاءات العامة ثم يقوم بعد نصف ساعة لزيارة الحرم العلوي الطاهر، وكان هذا برنامجه اليومي الثابت باستثناء بعض الليالي الخاصة، ولكن في حالة فريدة قام الإمام من مجلسه في البراني في الوقت المحدد لزيارة الحرم ودخل بيت العائلة بدلاً من الذهاب للحرم!!
استغرب الحاضرون من ذلك، لأنه كان يبدو في صحة جيدة ولا يمنعه عادة من الذهاب للحرم إلاّ المرض الشديد! لم يعثر حتى المقربون للإمام عن تفسير لامتناعه عن الذهاب للحرم كعادته، إلى أن حلّ اليوم التالي وعرفوا بأن السفير الإيراني في بغداد قد جاء إلى النجف ودخل الحرم العلوي في الساعة نفسها التي التزم الإمام بالتشرف فيها بزيارة الحرم العلوي، وقد أقيمت مراسم لكي يقدم السفير سجادة كهدية من الشاه للحرم!
لقد زال الاستغراب من عدم توجه الإمام للزيارة في تلك الساعة، عندما اتضح أن عملاء الشاه ـ الذين كانوا يعلمون بثبات الموعد اليومي لدخول الإمام حرم أمير المؤمنين عليه السلام قد اختاروا هذا الموعد بالذات لإجراء هذه المراسم وتصويرها والإمام حاضر في الحرم، وهدفهم الحقيقي تنفيذ مؤامرة إعلامية خبيثة ضد الإمام[22].
قولوا له أن يخلع عمامته ثم يدخل!
خلال أيام إقامة الإمام في باريس، أعدّ الأعداء خطة لاغتيال الإمام، وقالوا لأحد عملائهم من المتسترين بالزي العلمائي: أنت معمم ويمكنك وضع المسدس في عمامتك والدخول على الخميني واغتياله!
وعندما جاء هذا الشيخ إلى محل إقامة الإمام وطلب لقائه، دخلوا على الإمام وقالوا له: جاء أحد العلماء وهو يطلب اللقاء بسماحتكم، فأجاب: (قولوا له أن يخلع عمامته أولاً ثم يدخل)!!
وبذلك تم إحباط إحدى المؤامرات الخطيرة للمنافقين[23].
سنعود معاً إن شاء الله
عندما أعلن الإمام عزمه على العودة إلى إيران من باريس، أعلن النظام الشاهنشاهي عن إغلاق المطارات الإيرانية، وكنت أنا أيضاً عازماً على العودة إلى إيران فلم أستطع فدخلت على الإمام الذي سألني: ( ألم تذهب إلى إيران بعد؟) قلت: مطار طهران مغلق، قال: ( ماذا تريد أن تفعل؟)، قلت: إسمحوا لي بالذهاب عن طريق البلدان العربية ومنها إلى إيران عبر الطريق البري لكي أوصل بيانكم. فقالوا: ( إبقّ هنا سنعود معاً إن شاء الله )!
لقد قال الإمام ذلك في وقتٍ أعلن النظام الشاهنشاهي أنه لن يسمح له بالدخول إلى إيران أبداً[24]!!
لا تذهبوا الآن، هنا منزلكم
اشتريت بطاقة للعودة إلى إيران بعد مدة من الإقامة في باريس، وكان موعد إقلاع الطائرة هو الساعة الثالثة بعد الظهر، ولكن آية الله الشيخ الإشراقي، رحمه الله ـ قال لي: لقد أخبرت الإمام بعزمكم على العودة إلى إيران فطلب رؤيتكم.وإثر ذلك دخلت على الإمام فسألني: (هل تريدون العودة؟ ) قلت: نعم، فقال: (لاتذهبوا الآن، ابقوا هنا، هنا منزلكم)!
اطعتُ أمره ولم أذهب، وفي مساء اليوم نفسه سمعت في نشرة أخبار الساعة الثانية عشر مساءً خبراً عن محاصرة بيت في شارع (آبادانا ونيلوفر) في طهران واعتقال من فيه بتهمة المشاركة في النشاطات الثورية. وكان هذا المنزل هو منزلي! كانت لي فيه حصة النصف ولإخواني النصف الآخر، وكنا قد وضعناه قبل ذلك التأريخ بعام تحت تصرف مجموعة من الأخوة الثوريين بهدف إخفاء الأسلحة وطبع البيانات وغيرها من النشاطات الثورية[25]!
هل يمكن أن يخبرني إمام الزمان(عج) بما لا يصدقه الواقع؟!
كنت يوماً في منزل الشيخ الفاضل اللنكراني من أساتذة الحوزة العلمية في قم وكان عنده أيضاً أحد علماء مشهد الفضلاء، وقد نقل عن أحد أصدقائه أنه قال: زرت الإمام في النجف الأشرف وجرى الحديث عن الأوضاع في إيران فقلت لسماحته: ما هذا الذي تقولونه عن لزوم إخراج الشاه من إيران؟! إن من غير الممكن إخراج مستأجر من البيت الذي يستأجره، فكيف تريدون إخراج ملك البلد؟!
سكت الإمام ولم يجبني فتصورت أنه لم يسمعني فأعدت عليه قولي، وعندها انفعل وقال: (ما الذي تقوله يا فلان؟ هل يمكن أن يخبرني بقية الله إمام الزمان صلوات الله عليه بما لا يصدقه الواقع ـ نستجير بالله من ذلك ـ، الشاه يجب أن يخرج)[26]!
لعل هذا الحكم قد صدر من ناحية إمام الزمان(عج)
في يوم (22)بهمن (11/2/1979م) أمر الإمام أبناء الشعب بالخروج إلى الشوارع ونقض مقررات الحكم العسكري إعلاناً لرفضه لها، فأخبروا آية الله الطالقاني ـ رحمه الله ـ بذلك وكنت حاضراً في منزله فاتصل عبر الهاتف بالإمام في مدرسة علوي وظل يتحدث معه ساعة أو نصف ساعة، وكان الإخوة خارج الغرفة وهم يسمعون آية الله الطالقاني يكرر القول للإمام: إنكم يا سيدي لم تكونوا في إيران في الأعوام السابقة، أن هذا الحكم خبيث للغاية لا يتورع عن شيء ولا يرحم صغيراً ولا كبيراً، إلغوا ما حكمتم به من الخروج للشوارع..
كان السيد الطالقاني يكرر باستمرار توضيحاته بشأن خباثة النظام الشاهنشاهي وإجراميته بهدف ثني الإمام عن قراره وحكمه بلزوم خروج الأهالي إلى الشوارع. ثم التفت الإخوة أن السيد الطالقاني قد وضع سماعة الهاتف فجأة، وجلس في زاوية من الغرفة وقد ظهر عليه تأثرُ شديد! فدخلوا عليه وهم يتصورون أن الإمام قد كلمه بلهجة عنيفة مثلاً ونهاه عن التدخل في الأمر ولذلك ألحوا على آية الله الطالقاني لأن يخبرهم بما جرى فقال ـ رحمه الله ـ: لم يقبل الإمام كل ما قلته له بهذا الشأن ولما رأى إلحاحي وعدم اقتناعي قال لي : (ايها السيد الطالقاني، لعل هذا الحكم قد صدر من ناحية إمام الزمان)! ولما سعمت منه هذه الجملة ارتعشت يدي فودعته لأنني لم أعد قادراً على الردّ عليه[27].
سيعلن الإمام بعد لحظات ما يجب أن نقوم به
قبل أن يكتب الإمام بيانه بشأن نقض حالة الحكم العسكري التي أعلنها النظام الشاهنشاهي في يوم (21)بهمن؛ دخل إحدى الغرف، وجاء الشهيد المطهري ـ رحمه الله ـ وقال: سيعلن الإمام بعد لحظات ما يجب علينا القيام به، وبعد دقائق عاد الشهيد المطهري وقال: يقول الإمام: (إلى أن أتم كتابة البيان اذهبوا وأعلنوا رفض الخضوع لإعلان الحكم العسكري، وأن على الجماهير الخروج إلى الشوارع وإسقاط حالة الحكم العسكري قبل البدء بتنفيذها)[28].
لهذا السيد ارتباط معنوي بجهات اخرى
عندما اتخذ الإمام قرار كسر حالة الحكم العسكري ومقررات الطوارئ، كان المرحوم آية الله الطالقاني في مكان آخر، وقد روى لنا الذي كانوا قرب السيد الطالقاني في ذلك الوقت انه كان يبكي وهو يقول عبر الهاتف: قولوا للإمام أن يجتنب هذا الإجراء لكي لا تغرق طهران وإيران في بحر الدماء أما الإمام فقد قال بحزم: (قولوا لسماحته: كلا سينفذ هذا الإجراء ). ثم وضع السيد الطالقاني سماعة الهاتف وقال ـ وهو يبكي ـ: أما أن نكون نحن لا نفهم شيئاً وإما أن يكون لهذا السيد ارتباط معنوي وروحاني بجهات اخرى[29].
رؤيا تلهمه حادثة استشهاد البهشتي
رأى الإمام رؤيا في منامه قبل استشهاد الدكتور البهشتي ألهم بها بوقوع مثل هذه الحادثة للشهيد البهشتي، لقد كنا قد قررنا الذهاب في منتصف شهر شعبان إلى أصفهان لزيارة والدة السيد البهشتي، لكن السيد ذهب يوماً قبل سفرنا إلى الإمام، ولما عاد من لقائه كان التغير والأذى بادياً عليه، فسألته عن سبب ذلك فقال: لقد أوصاني الإمام بأن لا أسافر الآن وأن أشدد المحافظة على نفسي، لأنه رأى رؤيا ترتبط بي.
سألته بإلحاح عن هذه الرؤيا لكنه لم يفصح عنها، ولا أدري لماذا، لعله كان يرى مصلحة في عدم الإفصاح عن ذلك. وفي يوم إقامة مجلس الفاتحة على روحه بعد استشهاده جاءت السيدة زوجة الإمام إلى منزلنا فسألتها عن رؤيا الإمام فقالت: لقد رأى الإمام في منامه أن عباءته محترقة، ولذلك أوصى السيد البهشتي بأن يشدد المحافظة على نفسه وقال: ( أنت عباءتي التي احترقت في تلك الرؤيا)[30].
لم نجد للإمام أثراً!!
كنا نبقى في بعض الليالي بالقرب من الإمام لمراقبة حالته الصحية بسبب مرضه القلبي، وقد مررنا عليه ليلة في الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل فلم نجده في غرفته، خرجت من الغرفة بسرعة وناديت أحد أفراد عائلته وقلت له: أنتم أعرف بغرف المنزل فابحثوا عن الإمام فيها، فذهب وفتش جميع الغرف ثم عاد وقال: لم أجد الإمام في أي منها! فازداد تعجبنا من ذلك وقلنا: وكيف يمكن أن لا يكون الإمام موجوداً في المنزل، إنه موجود هنا ولا ريب ولكنكم لم تروه، فقال الشخص المشار إليه وبكل ثقة: لقد فتشت كل مكان بدقة ولم أجده!!
ثم اضطررت أن أنادي سيدة اخرى من عائلة الإمام للغرض نفسه ففتشت بدقة كل زاوية في المنزل حتى بيت الخلاء، لكنها عادت بالجواب نفسه: الإمام غير موجود!! ولقد أثار فينا هذا الأمر المزيد من التعجب مع شيء من الخوف، فأين يمكن أن يكون قد ذهب الإمام في هذا الوقت من السحر، أردت إخبار السيد أحمد بالأمر فأخبروني أنه سافر إلى قم، فازداد قلقي، فطلبت للمرة الرابعة من الشخص الأول أن يعادود البحث عن الإمام بدقة، فذهب ليجد الإمام جالساً على حافة سريره!! فغرق في التعجب مما يرى! وعندما عاد وأخبرني بما رأى ذهبت مسرعاً إلى غرفته فدخلت عليه لأراه مبتسماً!!
ولم نعرف إلى اليوم الجواب على هذا السؤال: أين قضى الإمام تلك الدقائق[31]؟!
انقطع اتصالنا بالإمام وفقدناه!!
كان قلب الإمام يخضع على مدى الساعة لمراقبة طبية خاصة بواسطة جهاز له اتصال لاسلكي بغرفة المراقبة حيث كان يوجد دائماً طبيبان وممرضان على أهبة الاستعداد لإتخاذ اللازم لو تعرض قلب الإمام لأزمة طارئة. وذات يوم اتصل الأطباء عبر الهاتف وقالوا لي: لقد انقطع اتصالنا بلقب الإمام (وكانت هذه ظاهرة غير عادية)، فابحث عنه وأخبرنا أين هو؟ ذهبت إلى غرفته فلم أجده فيها، ثم ذهبت إلى الأماكن التي يتمشى فيها عادة، فلم أجده أيضاً، اتصلت بالمكتب حيث رفع السماعة أحد أحفاده فسألته: هل جاء السيد إلى المكتب؟ فأجاب بالنفي، ثم طلبت من الحاج عيسى أن يبحث عنه، فبحث في كل مكان دون جدوى. وعندها عدت إلى غرفته مرة أخرى فوجدته واقفاً في غرفته وهو ينظر إلى السماء ! وإثر ذلك اتصل الأطباء وقالوا : لقد عاد الإرتباط بجهاز المراقبة!![32].
الإمام : قولوا لم أنتم ما هو واجبي؟!
روى لنا أحد الإخوة كان يخدم في بيت الإمام فقال: حالفني مرة توفيق ملازمة الإمام ليلة كاملة بسبب عدم وجود أحد من أعضاء المكتب من يبقى عنده فيها. وفي سحر تلك الليلة شاهدته يستيقظ لصلاة الليل، وكنت أسمع ـ من خلف باب غرفته ـ صوت تضرع وبكائه بصوت عالٍ وبحرقة وهو يناجي ربه. وبعد أن أتمّ صلاته شعرت بأنه يتحدث مع شخص!!
تعجبت كثيراً من ذلك، لأنه لم يكن يوجد غيره في غرفته، قربت أذني من باب الغرفة ـ وكان مغلقاً ـ وألصقتها بها وأصغيت بدقة لكي أسمع ما يقوله، فسمعته يقول مرتين وبكل تواضع: (قولوا أنتم الآن، ما هو واجبي وما الذي يجب عليّ أن أقوم به)!!
عندما سعمت هذه الكلمات أسرعت بالذهاب إلى الزاوية التي يمكن منها رؤية من في داخل غرفة الإمام عبر نافذتها لكنني كلما سعيت إلى الإلتفات إلى النافذة لكي أرى من في الغرفة لم أستطع القيام بذلك!
لقد شعرت وكأن شخصاً قد أمسك برقبتي وبقوة منعتني بكامل عن إدارة رأسي باتجاه النافذة ورؤية ما في الغرفة!!
ولما يئست ـ بعد كثرة محاولاتي ـ من قدرتي على الإلتفات برأسي لرؤية من في غرفة الإمام رجعت إلى مكاني السابق. وفي الصباح دخلت على الإمام وأخبرته بما جرى لي في الليلة الماضية، فقال لي: (لا يحق لكم التحقيق والتفتيش في مثل هذه الحالات عندما تبقون هنا)!
وبعد مدة روى أخ آخر من العاملين في بيت الإمام أنه كان في سحر أحد الليالي إلى جوار غرفة الإمام الذي كان منشغلاً بالعبادة والتهجد السحري، فرأى هذا الأخ نوراً شديد التألق والتوهج يشع من جهة نافذة غرفة الإمام، فسعى بكل حيلة النظر لغرفة الإمام من جهة نافذتها لكنه لم يستطع أن يرى شيئاً!![33]
وصول الأخبار للإمام بلا وسائل!
كانت الأخبار تصل الإمام بدون واسطة ينقلها له وقبل أن تصلنا نحن! لقد كان الإمام ينبه مسؤولي الدفتر إلى بعض القضايا التي لم يطلعوا هم عليها ولم تنشر في أي صحيفة أو تقرير من التقارير الخاصة، والنماذج على ذلك كثيرة. فمثلاً في يوم من أيام شهر رمضان أيام إقامته في قم وكانت لقاءاته متوقفة ولم يكن يستقبل أحد، خرج فجأة إلى قسم (البراني) وقال: ( يبدو أن شخصاً يأتي إلى هنا منذ ثلاثة أيام لمراجعتي في أمر وأنتم تمنعونه من الدخول)!
فلما حققنا في الأمر عرفنا أن امرأة تراجع المكتب منذ ثلاثة أيام طالبة لقاء الإمام لحل اختلاف وقع بينها وبين زوجها! ولم نعرف إلى اليوم كيف عرف الإمام بأمر هذه المراجعة[34]!!
عليك برعاية هذه العلوية!
حظيت ـ بتوسط أحد الإخوة ـ بافتخار أن يكون الإمام هو المجري لعقد زواجي، وعندما ذهبنا ـ أنا وزجتي وأبوها ـ إلى بيت الإمام لإجراء العقد، أخذ الإمام كالمعتاد طرف وكيل الزوجة فيما أخذ الشيخ التوسلي طرف الوكالة عني، وبعد إجراء العقد قال الإمام لزوجتي وقد أخذت يده لتقبيلها: (كوني طيعة له )، ثم التفت إليّ، وقال: ( عليك برعاية هذه العلوية)!
لقد اشتد تعجبنا يومها ـ ونحن ننظر إلى وجهه النوراني البشوش ـ من كيفية معرفة الإمام بانتماء زوجتي إلى ذرية رسول الله صل الله عليه وآله وسلم[35]!!
علمه المسبق باستشهاد الأشرفي الأصفهاني
كان الإمام يكنّ مودة خاصة للشهيد الأشرفي الأصفهاني، وقد عانقه في آخر لقاءٍ يجمعهما، وهذا مالم يكن يفعله في السابق أبداً! وقد قال لي الشيخ الأشرفي بعد خروجه من لقاء الإمام : لقد أدركت من طريق تعامل الإمام معي هذه المرة أن هذا هو لقائي الاخير به. وقد استشهد الشيخ الأشرفي بعد يوم واحد من هذا اللقاء[36]!!
لنلتقط معاً صورة تذكارية
قال آية الله الشهيد الأشرفي الأصفهاني قبل استشهاده: لقد نظر لي الإمام خلال زيارتي له هذه المرة بطريقة خاصة وقال لي: ( لنلتقط معاً صورة تذكارية)[37]!
استجابة دعائه
حالفني مرة توفيق زيارة الإمام وتقبيل يده، وقد قلت لسماحته بعد السلام عليه: أن المقاتلين في فوج (كربلاء الأهواز) يسلمون عليكم ويسألونكم الدعاء، فقال بلهجة مفعمة بالرأفة مقرونة بابتسامة خاصة: (ليحفظكم الله ـ أن شاء الله ـ).
ويجب اعتبار هذا الدعاء من كراماته حقا! لأننا كنا مرابطين في مدينة (ماووت ) العراقية وهي تقع في أسفل الوادي وكانت القوات العراقية توجه صوبنا نيران أسلحتها بكثافة من المرتفعات المحيطة بالمدينة، لكننا ـ والله يشهد ـ لم نخسر ـ ببركة دعاء الإمام ـ سوى عدد قليل من الشهداء والجرحى على طول عدة شهور بقينا خلالها في المنطقة، رغم أن العدو كان يسعى بتكثيف قصفه لنا باستمرار إلى إلحاق أكبر الخسائر بنا وإجبارنا على ترك مواقعنا[38]!!
اطمئنوا من أن الإنتصار حليفكم
زرت بيت الإمام ـ برفقة الاخ محسن الرضائي وعدد من مسؤولي وقادة حرس الثورة ـ لتقديم التعازي بمناسبة الذكرى السنوية لوفاته إلى ولده المذكور به السيد أحمد الخميني، وقد بكينا جميعاً وبحرقة لفراق هذا العزيز الراحل خلال هذا اللقاء، وقد قال الأخ محسن الرضائي يومها وهو يبكي بحزن عميق: كان الإمام ـ بروحه المطمئنة وبعظمته الروحية ـ هو الذي يتصدى لمساعدتنا ويحل مشاكلنا، كلما واجهنا مشكلة في الحرب والعمليات العسكرية.وأشار الأخ الرضائي إلى نموذج ذلك، وهو أن العراق قام قبل عمليات (الفتح المبين) بهجوم إجهاضي أثار قلقاً شديداً وتردداً قوياً لدى القادة الميدانيين تجاه البدء بهذه العمليات، وأضاف الأخ الرضائي قائلاً: أتيت إلى طهران بواسطة طائرة مقاتلة من طراز(أف 5) ولم تستغرق الرحلة أكثر من عشر دقائق وكان الهدف هو معرفة ما يجب علينا القيام به، وقد استقبلنا الإمام رغم أن الوقت كان مساءً ورغم عدم وجود موعد مسبق للقاء، عرضنا عليه المشكلة وقلنا: من المحتمل أن العراق قد عرف بعزمنا على شن هذه العمليات. لكنه قال ـ بكل سكينة وأمل وثقة ـ: ( كونوا على اطمئنان من أن الانتصار سيكون حليفكم في هذه العمليات. تحركوا ولا تسمحوا لأي تردد أن يجد طريقاً لنفوسكم)!
ثم قال الأخ الرضائي: نحن في الواقع مدينون في الإنتصارات العظيمة التي حققتها عمليات(الفتح المبين) إلى القوة المعنوية العالية التي بعثها الإمام ـ بروحه الواثقة ـ في القادة وفي جند الإسلام[39].
بركة استجابة دعائه
أعطاني أحد الإخوة مبلغاً كبيراً من المال كحقوق شرعية لكي أوصلها إلى الإمام، كخمس شرعي كان بذمته. وعادة ما يقوم الذين بذمتهم مبالغ كبيرة من الحقوق الشرعية لا يستطيعون دفعها مرة واحدة؛ بمداولتها لكي يدفعونها تدريجياً، ولكن هذا الأخ دفعها لي كوجبة واحدة وكان مديناً بملبغ كبير ولذلك قال لي: اطلبوا من السيد أن يدعو لي.
وعندما تشرفت بزيارة الإمام ونقلت له قضية صاحبنا قال: (أسأل الله أن يوفقه لكي يستطيع تسديد ديونه خلال سنة). فقلت: ياسيدي أدعو الله بدعاء له، أنتم تدعون له بتسديد ديونه! فقال: (هذا الدعاء هو دعاء له)!
ولما نقلت ما جرى مع الإمام لهذا الأخ قال: صدق الإمام، هذا الدعاء هو دعاء لي! لقد كانت ديونه من الضخامة إلى درجة لم يكن يرجو معها أن يقدر على تسديدها على مدى ثلاث أو أربع سنين أخرى! ولكن أوضاعه المادية تحسنت فجأة وتوفق للحج في السنة الأخرى، وكان يقول دائماً: إني على يقين من أن هذا التحسن هو ببركة دعاء الإمام، إنني لم أكن أرجو أن أقدر على تسديد هذا المبلغ في سنة كاملة، لكن وضعي في العمل والكسب قد تحسن ولله الحمد وإنني عازمٌ على الحج ثانية في هذا العام أيضاً.ولم يقتصر الأمر على أن هذا الأخ قد تمكن من تسديد جميع ديونه بل إنه قد حسب أرباح عمله وقدم في رأس تلك السنة ضعف ما قدمه في سابقتها من الخمس الشرعي[40].
ستصعد بنفسك إن شاء الله
كلفنا في أوائل سنة 1360هـ.ش(1981م)بمهمة عسكرية هي أن نهاجم بثمان قاذفات جوية القوات العراقية المتحشدة بالقرب من منطقة شوش، وقد تصدت لنا المضادات الجوية العراقية بنيران مكثفة جداً الأمر الذي أدى ـ مع الأسف ـ إلى إصابة إحدى طائراتنا بصواريخها، وكان الشهيد الخضرائي يقود هذه الطائرة، وقد تمكنا ـ بجهود مكثفة ومضنية ـ من أن نسوق طائرته إلى داخل أراضينا وقد قذف نفسه منها في أطراف مرتفعات (خرم آباد). وبعد تنفيذ هذه المهمة ذهبنا ـ وكنا ستة عشر طياراً بيننا الشهيد الخضرائي شاركنا في تنفيذ عدة عمليات عسكرية مهمة ـ إلى زيارة الإمام في جمران، وعندما دخلنا عليه كان جالساً في الشرفة عند السياج والى جوار الباب المؤدية إلى حسينية جمران، وقد توالينا على السلام عليه وتقبيل يده بترتيب الأدوار التي قمنا بها في تلك العملية، وعندما اقترب الشهيد الخضرائي ـ وكانت يده مشدودة بالجص بسبب كسر أصابها عندما هبط بالمظلة من طائرته ـ من الإمام، سأله: ( ما الذي أصاب يدك؟) أجاب: لقد سقطت وانكسرت.فقال الإمام بداهة: (ستصعد بنفسك إن شاء الله)! فقبل الشهيد الخضرائي يدّ الإمام وهو يبكي ثم خرجنا.
وبعد أسبوع من هذا اللقاء عين الشهيد الخضرائي قائداً للقاعدة الجوية الثالثة وكان ذلك بعد فرار بني صدر الخائن من البلد، ثم استشهد الأخ الخضرائي بعد مدةٍ فشاهدت بعيني تحقق ما قاله الإمام بشأنه[41].
نهانا عن السفر للحج
عزمنا في إحدى السنين على الحج برفقة (12)شخصاً من الأصدقاء، وفي ليلة استعدادنا للسفر جاؤنا برسالة شفهية من الإمام تنهانا عن السفر في هذا العالم، فأطعنا أمر الإمام المفاجئ ولم نحج في تلك السنة التي شهد فيها موسم الحج وقوع حريق عظيم في خيام الحجاج[42].
بيان موسم الحج الذي حيّر الجميع
في سنة 1366هـ.ش، (1407هـ.ق) أصدر الإمام كعادته في كل عام بياناً موجهاً لضيوف الرحمن بمناسبة موسم الحج، وقد ذهبنا للحج في تلك السنة ولاحظنا منذ بداية وصولنا إلى مطار جدة والى يوم إقامة المسيرة في المدينة المنورة أن تعامل الحكومة السعودية وموظفينا جيد للغاية وكنا راضين منه كثيراً فلم نكن نتوقع أن تعامل الحكومة السعودية إيران والإيرانيين بمثل هذا التعامل الطيب! ولذلك توقع جميع الأخوة العاملين في بعثة الحج أننا سنشهد هذا العام واحداً من أعظم مواسم الحج، ولكن بيان الإمام كان يشير إلى شيء آخر!
يروي السيد أحمد نجل الإمام أن حالة من التعجب والحيرة قد سيطرت عليه عندما لاحظ الآية الكريمة التي افتتح بها الإمام بيانه والمقدمة التي اختارها له، فقد دعا الحجاج فيها إلى الشهادة والهجرة على وفق السيرة الحسينية! يقول السيد أحمد: عندما قرأت البيان صعب عليّ كثيراً الاقتناع بهذه المقدمة، ثم عرضته على السيد الأنصاري فكان رأيه مثل رائي، فدخلت على الإمام وقلت: إن ما أقوله ياسيدي لا يعبر عن اعتقادي وحدي بل عن اعتقاد باقي الإخوة أيضاً، نحن نعتقد أن الآية التي تصدرت البيان ومقدمته لا تناسب أبداً موسم الحج ومناسكه! فأجابني الإمام: ( ابعثوا هذا البيان بأسرع ما يمكن إلى وسائل الإعلام والى الحجاج الإيرانيين في المدينة)!!
وعندما وصلنا البيان قرأناه ـ أنا والشيخ الكروبي ـ على جميع الإخوة المسؤولين في البعثة، وقد استغربنا نحن أيضاً منه لم نعرف أي وجه لاختيار هذه الآية الكريمة لبيان بمناسبة الحج، ولذلك اتصلنا هاتفيا من المدينة ببيت الإمام فقال لنا السيد أحمد: لقد قلت للإمام مثل قولكم هذا لكنه قال: (ابعثوا البيان مصدراً بهذه الآية وهذه المقدمة)!!
لقد صدر هذا البيان في اليوم الأول من شهر ذي الحجة في حين أن فاجعة مكة الدامية وقعت في اليوم السادس منه، وهذه القضية تؤكد اكثر وأكثر سمو المرتبة العرفانية للإمام من معجزاته التي قلّ نظيرها[43].
الاستشفاء بيده من مرض الجيوب الأنفية!
حالفني التوفيق في سنة 1368هـ.ش، (1989م) للفوز بزيارة الإمام وتقبيل يده، وذلك بتوسط آية الله الشيخ يوسف الصانعي. وقفت ـ وقد غمرني الشوق ـ خلف جدار الساحة الصغيرة لبيت الإمام في صف القادمين للسلام عليه وتقبيل يده، وكنت أقترب خطوة خطوة من تحقيق أمنيتي العتيدة، كنت أرى الذين يرجعون من السلام عليه وتقبيل يده قد جرت دموع الشوق من عيونهم، قلت لأحدهم ـ وكان مستمراً في البكاء ـ: لا مسوغ للبكاء أثناء زيارة الإمام! فأجابني: إن هيبة هذا الرجل العظيم تجعل الإنسان يذهل عن نفسه ويفقد السيطرة على مشاعره، ليس الأمر بيدي ولا أستطيع منع دموعي من أن تنهمر!
ثم دخلت شيئاً فشيئاً ساحة البيت وتقدمت إلى الأمام بمشقة وسط الزائرين لكي أرى طلعة الإمام النورانية وما أن وقع بصري عليها انقلب حالي بالكامل وجرت الدموع من مقلتي دون اختيار، فمسحتها بهدوء لكي لا ينتبه الآخرون إلى بكائي ولكن الجميع كانوا يبكون مثلي!
كان الإمام جالساً على درجة الشرفة وقد وضع يده على السياج الحديدي، كنت متوجهاً إليه بكل وجودي وأنا أقضي ألذ لحظات حياتي فقد شعرت وكأني في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندما وصلت النوبة إليّ أخذت يده الكريمة ـ وكانت لطيفة ودافئة للغاية ـ ومسحت بها ـ بحرصٍ ـ وجهي وشممتها وقبلتها.
كانت تلك اللحظات تمر بسرعة، فسمعت وكأن هاتفاً يهمس في أذني: يا فلان، أنت مصاب منذ أمد طويل بمرض الجيوب الأنفية المزمن، وتعاني منه آلاماً مبرحة وقد عجز الأطباء عن معالجتك فأطلب الشفاء الان فقد حانت الفرصة لذلك)!
عندها مسحت جبهتي ووجهي بتلك اليد الكريمة وقلت: اللهم إني أقسم عليك بعظمة وكرامة هذا السيد من أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تشفيني!
ومنذ ذلك الحين زالت عني بالكامل ـ ببركة وكرامة هذا العبد المخلص للخالق والمحبوب عند الخلق ولله الحمد ـ آلام مرض الجيوب الأنفية ولم يشاهد في أي أثر منه بعد هذا اللقاء فنسيت موعد إجراء العملية الجراحية الذي كنت قد أخذته من الطبيب[44]!!
شفيت بدعائه من القرحة المعدية
لي صديق اسمه السيد عرب وهو من قدماء الطلبة الأصفهانيين في الحوزة ومن محبي الإمام. كان يعاني على مدى (15)عاماً من مرض القرحة في معدته والى درجة كانت تمنعه من الصوم فلم يكن يطيق الجوع أبداً، وقد قال له الأطباء أن من الضروري إجراء عملية جراحية له. وبعد انتصار الثورة وعودة الإمام إلى طهران ومنها إلى قم، قال لي هذا السيد يوماً: لقد زرت الإمام مرة وطلبت منه الدعاء دون أن أقول له شيئاً!! لكنني نويت أن يشفيني الله تبارك وتعالى لكي أستطيع الصوم في هذا العام.
وفي سنة 1363هـ.ش(1984م) سافرت إلى مدينة مشهد المقدسة للزيارة فرأيت السيد عرب هناك فقال لي: لقد وفقني الله للصوم في العامين الماضيين، فمنذ زيارتي للإمام وطلبي الشفاء ودعائه لي شفيت من مرضي بالكامل[45].
صلة الإمام أرجعت لي سلامتي
أهدينا للإمام ـ في بدايات انتصار الثورة ـ ديواناً ضم مجموعة من القصائد نظمها الإخوة في جمعية منشدي الأشعار الدينية وتم طبعها في كتاب مشترك. وقد استدعوني يوماً إلى مكتب الإمام بعد انتقاله إلى طهران، وعندما راجعت المكتب قالوا لي: لقد قال الإمام: (إنني لا أستطيع الإعراب عن تقديري لشعراء الجمعية بتقديم صلة لهم، إن صلتهم على الإمام الحسين عليه السلام).
والى جانب ذلك أعطاني الإمام مقداراً من المال لتقسيمه بين الشعراء، وكان مبلغ هذه الصلة (127) الف تومان، والله يشهد أن عدد هؤلاء الشعراء كان (127) شاعراً بالضبط لكننا لم نكتب للإمام مع هديتنا رسالة ولم نذكر له بأي طريقة أبداً عددنا ! ورغم ذلك وصلتنا عطية الإمام بحيث يكون لكل منا ألف تومان، وقد وضعت في ظروف ورقية مستقلة ووزعت على الشعراء.
وكان أحدهم مريضاً فلم يستطع المجئ لاستلام صلته فذهبت إليه بنفسي وقدمت له الظرف، فسألني: ما هذا؟ قلت: صلة من الإمام وعندها أجهش بالبكاء وقال: إننا لسنا أهلاً لهذا الصلة، ثم أخذ الظرف وقبله.وبعد أسبوع حضر في اجتماعنا الأسبوعي وطلب أن يتحدث، ثم ذهب إلى خلف المنصة وقال: لم تكن لدي قدرة على النظر والمشي لكي أحضر الاجتماع الأسبوعي، لكنني أقول لكم إنني راجعت خمسة أطباء أيام مرضي، فأجمعوا أنني مصاب بمرض (سرطان الدم) وأن عليّ أن أسافر للعلاج خارج إيران، لكنني لم أكن أملك هذا الملبغ.
وعندما وصلتني هذه (الألف تومان) من الإمام أعطيت قسماً منها لأحد الإخوان كان عازماً على السفر للزيارة وطلبت منه أن يشتري لي بها كفناً. ثم اشتريت ببقية المبلغ دواء من الصيدلية. تناولت مقداراً من الدواء، ونمت في تلك الليلة بكل راحة خلافاً لما كان عليه حالي في الليالي السابقة، إذ لم أكن أستطيع النوم إلى الصباح! ثم راجعت الطبيب في صباح اليوم التالي وقلت له: أشعر بتحسن كبير في حالتي الصحية! ففحصني وقال: يجب أن أخذ بعض التحاليل والصور الطبية لكم. وقد أخذ لي ذلك ورآه اليوم خمسة أطباء فأجمعوا أن دمي سالمُ من كل مرضٍ!!
لقد جئت اليوم إلى هنا لكي أخبركم بأن صلة الإمام هذه هي التي أرجعت إليّ سلامتي[46]!
سيشفى إن شاء الله قل لوالديه أن لا يقلقا
كان لأحد أصدقائنا طفلٌ مريضٌ يعاني من آلام في قدميه ولا يستطيع المشي، وكان حاله يؤذي أباه كثيراً، وكان الأب يعلم أن بعض الأطفال يحملون إلى الإمام ليمسح بيده المباركة على رؤوسهم وكان في بدايات إقامة الإمام في جمران حيث كانت زيارته أيسر: فقال لي هذا السيد يوماً: إن أبننا معوق ولا يستطيع المشي، وقد راجعنا الأطباء دون جدوى، فاذا كان ممكناً خذوه إلى الإمام.
حملت الطفل ـ وكان عمره حدود ثلاث سنين ـ عصر أحد الأيام إلى الإمام وأخبرته بحاله، فمسح بيده على رأسه وقبله ودعا الله له وقال: (سيشفى إن شاء الله، قل لوالديه أن لا يقلقا). قلت: أن والده يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية. فقال: (لا، لا يقلقا، تتحسن صحته إن شاء الله).
ثم حملت الطفل وخرجت من عنده، وكان الطفل يضحك بعد أن مسح الإمام بيده على رأسه، هذا ما رأيته بنفسي، ثم أخذه والده الذي تجعمت الدموع في عينيه وشكرني، وكانت والدة الطفل واقفة إلى جانبي وقد ظهرت عليها ملامح السرور.
ولي أنا أيضاً ولدٌ كان مبتلىّ بمرضٍ خبيث وكان شفاءهٌ ببركة دعاء الإمام أيضاً، لا أشك في ذلك أبداً، فقد اشتد به المرض حتى أشرف على الموت ثم نجا من الموت ببركة دعاء الإمام، وكان الاطباء قد قالوا لي إن هذا المرض مهلك لانجاة منه. وقد سافرت بولدي قبل عامين لمعالجته في باريس، فرأيت هناك الصديق المذكور ـ وهو الآن سفير إيران في سويسرا أو إنجلترا ـ وقد جاء إلى باريس لأمر، ورأيت معه طفلاً أبن خمس أو ست سنين وهو يركض ويضحك ويتحدث بالفرنسية والإنجليزية، فقال لي: هل تعرف هذا الطفل أيها الشيخ الثقفي؟ قلت: لا، قال : إنه الطفل الذي حملته بنفسك إلى الإمام بقصد الإستشفاء ! فقلت متعجباً: أحقاً ما تقول؟ قال: نعم لقد شفي وهو الآن يذهب إلى المدرسة، وإنني واثق من أن شفاءه كان ببركة دعاء الإمام ومسحه على رأسه بيده المباركة[47]!!
دعا لي الإمام
أصبت بمرض عضال في الجهاز العصبي اضطرني إلى السفر للخارج بهدف العلاج. لقد طالت معالجة هذا المرض مدة طويلة للغاية، راجعت تقريباً جميع الأطباء المجربين في داخل إيران وعدداً من الأطباء في خارجها، لكنني لم أرجع من أي منهم سوى باليأس، وقد شاع بين الإخوة والأصدقاء أن مرضي لا علاج له ويجب التفكير ببديل لي (كممثل للإمام) في قوات الدرك، وقد خيم اليأس على أفراد عائلتي أيضاً من إمكانية شفائي من هذا المرض، وعلى أي حال كان الأمل بشفائي ضعيفاً للغاية فزرت الإمام وقلت ـ بعد السلام عليه ـ: لقد عجز الأطباء من معالجتي، وهذا يعني أن علاج مرضي محال حسب المعايير الطبية، لذلك ألتمسكم أن تدعو لي، ادعوا لي عسى الله أن يشفيني فأتمكن من مواصلة الخدمة، فدعا لي الإمام، وأشهد الله أن صحتي بدأت تتحسن تدريجياً إثر ذلك[48]!
يشفي قلبها ببركة منديل الإمام
أصاب ابنة عمي مرض عضال سنة 1361هـ.ش، (1982م)، وقد طلبت من إدارة المستشفى مبلغاً ضخماً لمعالجتها من مرضها وهو يرتبط بصمامات القلب، فذهبت والدتي إلى بيت الإمام وطلبت لقاءه بإلحاح، ولما رأى مسؤولوا المكتب بكاؤها أخبروا الإمام بأمرها فقال: (قولوا لها أن تدخل)، ثم قال لها أثناء اللقاء: (ما هي مشكلتك يا أبنتي؟)، فعرضت مشكلتها ولما عرف الإمام بارتفاع تكاليف علاج ابنة عمي وعدم قدرتها المالية على توفيرها، أخذ ورقة صغيرة وكتب عليها لمسؤولي المستشفى: (تعالج مجاناً). وإثر ذلك سعت والدتي لتقبيل يده تعبيراً عن شكرها ومودتها له فسحب يده بسرعة، ثم أخرج منديله من جيبه وأعطاه لوالدتي وهي تخرج من الغرفة وقال لها: خذي هذا المنديل وضعيه على قلب ابنتك ستشفى إن شاء الله)!
وعندما رجعت والدتي إلى المستشفى وضعت المنديل على قلب المريضة، ثم أعدّها الأطباء لإجراء العملية الطبية العلاجية لها، وعندما أخذوا الصورة الطبية اللازمة لذلك سيطرت عليهم الحيرة والدهشة، فقد وجدوا قلبها سالماً لا أثر لأي مشكلة في صماماته، لقد تحسن بالكامل وعاد إلى حالته الطبيعية[49]!!
شفي ولدي فجأة دون علاج
طوال سني نفي الإمام بقي بيته في قم مفتوحاً يديره السيد أحمد وآية الله السيد بسنديده وباقي المقربين، حيث كان مركزاً الاستمرار العلاقة بين الإمام والأمة وأقطاب الثورة، وفي يوم عيد الأضحى ـ قبل انتصار الثورة ـ هاجم جلاوزة النظام الشاهنشاهي الدموي الجماهير المحتشدة بالقرب من بيت الإمام إثر خروج آية الله شهيد المحراب الشيخ الصدوق لمشاركة الجماهير في مسيرة كان من المقرر القيام بها في ذلك اليوم إلى جانب إقامة مراسم خاصة.
وكان هذا أول هجوم يقوم به جلاوزة النظام على الجماهير داخل الأزقة وقد وسعوا في ذلك اليوم نطاق حملاتهم وأطلقوا القنابل المسيلة للدموع لمنع اجتماع الجماهير، وقد كاد ولدي ذو الثلاثة أعوام يومذاك أن يموت اختناقاً بسبب هذه القنابل بعد أن تسمم بسبب غازاتها وهو على كتفي، وقد سارع الأهالي في نقل الشيخ الصدوقي إلى بيت الإمام فيما كنت أنا قد التجأت ـ لإنقاذ ولدي ـ إلى الطابق السفلي في بيت مقابل بيت الإمام وجدت بابه مفتوحاً، وكان عدد الجرحى يزداد باستمرار وإطلاق الجلاوزة لرصاص بنادقهم يشتد في الهواء وباتجاه الأهالي مباشرة، وقد ازدادت حالة ولدي سوء أثناء ذلك، وقد استشهد في ذلك اليوم وفي المكان نفسه السيد بشارت ـ وهو شقيق الشهيد بشارت الذي استشهد في فاجعة الإنفجار الذي وقع في مقر حزب الجمهورية الإسلامية بتأريخ 7/4/1360هـ.ش، (28/6/1981م)، وكان الأهالي قد نقلوا السيد بشارت إلى المستشفى المعروف بمستشفى (سهامية) ولكنه توفي ولم يستطيعوا إسعافه؛ أما ولدي فقد أصيب إثر ذلك المرض في الجهاز العصبي وبصعوبة في النطق ثم عجز عن الكلام بصورة كاملة فيما بعد.
لقد راجعت أطباء قم وأطباء المدن الأخرى لمعالجته من هذه الحالة وبقي يخضع للعلاج الطبي عدة شهور ولكن دون جدوى، وكان رأي الأطباء هو أن يعيش هذا الطفل مدة في عزلة لكي تستعيد أعصابه سلامتها، وقد استمرت عزلته إلى انتصار الثورة!
وفي الأيام الأولى لعودة الإمام أعلمنا هذا الطفل بنفسه ـ وبكلمات متقطعة ـ أن نذهب به إلى الإمام وقد أثر طلبه فيّ بعمق، كنت أعرف سماحة السيد أحمد من قبل، ولكنني ـ ولتقليل المشقة على سماحته ـ ذهبت مع زوجتي إلى منزل ابنة الإمام ـ زوجة السيد الأعرابي ـ وطلبت من زوجتي أن تخبرها بحالة ولدنا، فدخلت المنزل، ,قد تعامل معنا أهله بكل كرم ـ وكانوا يعرفوننا من قبل ـ ووعدوا زوجتي أن يصطحبوا معهم ولدنا في أول فرصة تتاح لهم لزيارة الإمام، وقد وفوا بما وعدوا واصطحبوا زوجتي وولدي معهم في السيارة التي ذهبوا بها من قم إلى طهران.وعندما عادوا في المساء كانت معجزة وقد وقعت!!
الطفل ـ الذي لم يكن يستطيع النطق بكلمة واحدة بصورة سلمية ـ أخبرنا بنفسه بما جرى! ونحن نبكي من شدة الفرح! وكان ما جرى هو: عندما دخلوا على الإمام تقدمهم ولدي وألقى بنفسه على قدمي الإمام، فرفعه الإمام بلطف وسأل ابنته: ( من هو ضيفنا الصغير هذا؟) ولما أخبروه بقصته، لاطفه مرة أخرى وقال: (لا تتأذى، ستتحسن حالتك إن شاء الله ـ).
لقد شفي ولدي بالكامل ولكن ليس على وفق ما قاله الأطباء ـ من أطباء الأعصاب والأطباء النفسيين ـ! إنهم قالوا: إن شفاء الطفل أمرٌ ممكنُ ولكن على المدى البعيد وباستخدام أساليب العلاج النفساني، ولكنه شفي سريعاً بالصورة المتقدمة، وقد ذهب إثر ذلك إلى المدرسة وهو الان طالب في المرحلة الثانوية وهو يعتبر نفسه مديناً للإمام في حفظ حياته[50].
عاد إليّ بصري ببركة ممثل الأئمة (ع)
كنت مرابطاً مع جماعة من الإخوة في جبهة (فياضية) في منطقة آبادان في الشهور الأولى للحرب، وقد أصبت هناك بتأريخ 21/12/1359هـ.ش، (1981م) بشظية في رأسي من قذيفة مدفع من نوع (هاون)، وبسببها فقدت بصري وأصابتني حالة من النسيان الكامل إذ لم يقتصر الأمر على فقداني الذاكرة بل صرت أنسى بسرعة الحوادث الواقعة فلا يبقى عنها أي شيء في ذهني.
رقدت في بادئ الأمر أسبوعاً في مستشفى شركة النفط في آبادان حيث كان الأطباء يشرفون على معالجتي، ثم نقلوني بتأريخ27/12/1359هـ.ش(18/3/1981م) إلى طهران لمتابعة العلاج فرقدت اولا في مستشفى (سينا) ثم في مستشفى الشهيد مصطفى الخميني، وعندما فحصني الطبيب أمر بعدم قيامي من السرير حتى لقضاء الحاجة والتخلي لمدة ثلاثة شهور وكان ذلك الوضع يشق عليّ كثيراً.
وقد قرر الأطباء أن يشقوا جمجمتي لإخراج الشظية منها وقد قال لي الطبيب: لا ضمانة لتحسن صحتك حتى بعد إجراء هذه العملية ولكن ينبغي القيام بها لاحتمال نجاحها.
في تلك الليلة وقع في قلبي أن أتوسل بالأطباء الحقيقيين فأطلب الشفاء من الأئمة الأطهار عليهم السلام ثم قلت في نفسي: لا توجد قناة اليهم عليهم السلام أهم وأقدس من ممثلهم أي : إمام الأمة الخميني الذي ذهبت إلى الجبهة بأمره!
وإثر ذلك قلت للأخ الذي رافقني لرعايتي أن يتصل بأحد رفاقي في الجبهة كان في تلك الأيام يخدم في بيت الإمام ويقول له أن يرتب الأمر لكي أزور الإمام غداً في الصباح الباكر وأحصل على الشفاء ببركة دعائه، وقد نسق هذا الآخر لذلك، ووصلت إلى جمران مع شروق الشمس في الساعة السابعة صباحاً، أنتظرت مدة ثم جاء الإمام فيها وكنت عاجزاً عن رؤية شيء باستثناء خيط ضعيف من النور لا يمكن به رؤية أي شيء فمثلاُ عندما كنت أتقدم نحو الشرفة التي يجلس الإمام كان الأخوة ينبهوني إلى لزوم التوقف لأنني أسير باتجاه السياج أو الحائط، كنت عاجزاً بصورة كاملة عن رؤية ما حولي، ولكنني رغم ذلك شعرت ـ عندما جاء الإمام ـ أنني أرى بوضوح طلعته النورانية التي كانت تشرق عليها الشمس، رأيتها بوضوح بذلك الخيط الضعيف من النور الذي لم أكن أستطيع رؤية أي شيء به! وكانت هذه المفارقة عجيبة جداً بالنسبة لي!
أخذ الإخوة بيدي وقادوني إلى الإمام، قالوا لي: إنك تقترب من الجدار، كانت الدموع قد تجمعت في عيني، كنت فرحاً لفوزي بزيارة أخرى للإمام، ثم أحسست بأن ذلك الخيط النوري الضعيف قد ازداد بمقدار، وقد عرفوني للإمام وقالوا له: لقد فقد قدرته على البصر إثر إصابته في الجبهة، وعندها ابتسم ومسح بيده على رأسي ووجهي وعيني وتلا بعض الأدعية ثم قال: (أرجو من الله الشفاء لكم إن شاء الله ).
وقد أوصيت الإخوة أن يأخذوا لي قطعاً من السكر من بيت الإمام للتبرك بها. ثم رجعت إلى المستشفى، وكان الطبيب المعالج لي قد عرف بخروجي، فعنفني على عدم التزامي بقوله، ثم كتب لي ترخيصاً بالخروج من المستشفى وقال: سأكتب لك دواءٌ عليك الالتزام بتناوله على مدى ثلاثة شهور. فقلت: يكفيني دعاء الإمام، وهذا الدعاء توفيق حصلت عليه حتى لو لم تتحسن صحتي!
رجعت إلى المنزل وبقيت فيه(11) يوماً مجبراً على ذلك! وأخذت أشعر تدريجياً أنني أستطيع رؤية جداران الغرفة والشكل العام للمنزل، وكانت حالة رؤيتي للأشياء تتحسن كل يوم حتى قلت يوماً لأخي: هل هذه أحجارٌ يا أخي؟ أجاب: نعم، وكان ذلك علامة على تحسن صحتي، واستمر التحسن بصورة تدريجية. ولكنني مع ذلك لم أكن أستطيع العمل بصورة جيدة، وفي غضون ذلك كان أهلي يلحون علىّ أن أستفيد من هذه الفرصة للزواج! وقد هيأوا مقدماته بالفعل ثم ذهبنا إلى الإمام لإجراء صيغة عقد الزواج، وقد قبلت يده ـ قبل إجرائهاـ وقلت: لقد تحسن وضع بصري ببركة دعائكم، فتفضلوا علىّ بمباركة عيني مرة أخرى والدعاء لي، فلاحظت أنه لم ينس زيارتي له قبل عدة شهور وأنه يعرفني! فمسح مرة ثانية عيني بيده وأخذ يدعو لي ثم قال مبستماً (حفظكم الله)، ثم سأل عن مقدار المهر وأجرى صيغة العقد وقال لنا ثلاث مرات: (ليتكيف كل منكما للآخر). وإثر ذلك استغنيت عن الإستعانة بأحد خلال السير في الشارع ثم تمكنت من قيادة السيارة أيضاً بنفسي!
وأضيف هنا أن والدي ـ رحمه الله ـ كان حاضراً في زيارتي هذه للإمام وكان مصاباً بضعف في بصره ومرض العشى الليلي فكان لا يستطيع رؤية الأشياء في الليل إلاّ بصعوبة شديدة، وقد استفاد من الفرصة ومسح عينيه بيد الإمام بقصد الاستشفاء، وعندما قلت له فيما بعد: لقد استعدت بصري ببركة الإمام، أقسم هو بالله وقال: لقد ذهبت عني متاعب الرؤية في الليل وتخلصت بالكامل من العشى الليلي وصار بصري جيداً بالكامل[51]!!
رأيت جداً الإمام في المنام
أصابتني رصاصة في الجانب الأيسر من رأسي في يوم(21) بهمن وأنا أهاجم من فوق السطح المنزل دبابة بقنابل المولوتوف الشعبية؛ وقد فقدت إثر ذلك قدرتي على الكلام وكذلك ذاكرتي، كما أصيبت يدي اليمنى ورجلي اليمنى بالشلل ولذلك كانوا ينقلوني بواسطة الكرسي المتحرك، وقد أدى حزن والدتي بسبب ما أصابني إلى إصابتها هي أيضاً بالمرض!
رقدت(27)يوماً في مستشفى الصناعات العسكرية، ثم أرجعوني إلى المنزل كما أرجعوا والدتي أيضاً، وكانوا يقدمون الرعاية الطبية لي وأنا راقد في المنزل. وفي الليلة الثالثة لرجوعي إلى المنزل رأيت جد الإمام في عالم الرؤيا، وفي الصباح طلبت ببكاء وتضرع أن يأخذوني إلى قم لزيارة الإمام، فاستجابوا لطلبي وقد أعانني جده على الوصول إليه رغم شدة الإزدحام فقبل وجهي ومسح بيده المباركة على رأسي، وإثر ذلك بدأت صحتي تتحسن كل يوم ببركة جده المعظم وببركته هو[52]!!
كان من المقرر إجراء عملية جراحية لي
أصبت في عمودي الفقري في جبهات القتال، ولذلك ذهبت لزيارة الإمام وأنا على الكرسي المتحرك وطلبت من سماحته أن يدعوا لي، فاستجاب ودعا الله تعالى لي، وكان من المقرر أن تجري لي في اليوم التالي ليوم زيارتي للإمام عملية جراحية كان الأطباء قد صرحوا بأن احتمال نجاحها ضعيف جداً واحتمال موتي فيها كبيراً جداً، لكن صحتي تحسنت بعد يومين!!
ولم يكن الأطباء ودوائهم عامل إنقاذي من الموت، بل هو دعاء الإمام.[53]
لقد يئس الأطباء من شفائي
أبتلي حجة الإسلام سماحة السيد تقي الدورجئي بمرض مهلك يئس الأطباء ـ داخل إيران وخارجها ـ من نجاته منه، وتوقعوا موته خلال شهرين أو ثلاثة، فطلب يوماً التشرف بلقاء الإمام، ولما رآه خاطبه بقلب كسير وكلمات معبرة عن حالته قائلاً: لقد يئس الأطباء ـ يا سيدي ـ من شفائي وهم يقولون: لا يوجد أملٌ في استعادتك لصحتك وسلامتك). وعندها مسح الإمام على رأسه ودعا الله له بالعافية والسلامة، وقد مر على ذلك أربع سنوات ـ إلى اليوم ـ وهو يعيش بعافية!! ويمكن للذين يريدون أن يكون تصديقهم بذلك عن مشاهدة عينية أن يذهبوا لزيارته في محل إقامته في مدينة (ري)[54].
ثم شعرت فوراً بالسكينة تغمر قلبي والآلام ترحل عني!
تعرضت قبل سنين لضربة في رأسي، إلتئم الجرح الذي أحدثته ولا زالت آثاره باقية، ولكن المهم أن الأذى الناتج منها كان يشتد بمرور الزمان، لقد راجعت عدة مستشفيات وفحصني الأطباء وأجريت لي الكثير من التحليلات الطبية وأخذت لي أيضاً الصورة الطبية بأجهزة (سي، تي، أسكن)المتطورة، ثم تقرر أن تجرى لي عملية جراحية، فرقدت عدة أيام المستشفى تمهيداً لإجرائها، لكن الأطباء غيروا رأيهم وأجازوا مغادرتي المستشفى لأنهم عرفوا عدم جدوى إجراء العملية لي كما يبدو!
لقد عرفت ـ إلى حدّ ما ـ طبيعة مرضي، ثم أدركت بوضوح كامل حقيقة هذا المرض عندما وقعت بيدي نتيجة تحليل طبي لعينة أخذت من جسمي، وذلك في مستشفى الإمام الخميني قسم(معراج2).
راجعت الكثير من الأطباء في قم وأصفهان وطهران وذهبت إلى مختلف المستشفيات عسى أن أحصل على العلاج الناجح، وقد رقدت في المستشفى مرة ثانية وأجريت لي عملية جراحية صعبة نسبياً ولكن الآلام بقيت شديدة في رأسي كما كانت أجوبة السادة الأطباء على اسئلتي بمهمة وغير واضحة هذه المرة أيضاً؛ لم يجبني أي منهم بصراحة بشأن حالتي، كانوا يكتفون في الجواب على أسئلتي بعبارات من قبيل: الأمر ليس مهماً، ستتحسن صحتك، لا حاجة لعملية جراحية اخرى، لا حاجة لأن تصرف أموالك.. لكنهم كانوا يصرحون لأصدقائي بحقيقة مرضي ويقولون لهم: آسفون، لايمكننا القيام بشيء من أجله، فلا تؤذه بأخذه إلى هنا وهناك، إنه لن يعيش اكثر من بضعة شهور، دعوه يعيشها في حرية وراحة!
لم يكن الأصدقاء يعرفون ما الذي ينبغي لهم أن يفعلوه؟ إن عبارة (إنه مصاب بالسرطان) عبارة مرعبة تبعث اليأس في قلب كل من يسمعها، وفي خضم تلك الأيام المليئة بالقلق والاضطراب والحيرة التي كنا نعيشها ـ أنا والأرحام والأصدقاء ـ أخبرنا بأن من المقرر أن يتشرف بزيارة قائد الثورة في حسينية جمران عددٌ من أعضاء بعض المؤسسات الثورية ومجموعة من المسؤولين، وكنت أحدهم بحكم مسؤوليتي في مؤسسة التعبئة الاقتصادية.
لقد أتيحت لي مثل هذه الفرصة المباركة في الأِشهر السابقة على ذلك التأريخ ولكن لم يحالفني التوفيق لزيارة الإمام بسبب مرضي وإجراء العملية الجراحية لي، أما في هذه المرة، فقلت عزمت بإصرار على زيارته مهما كانت صعوبة ذلك عليّ وعلى الرغم من ضعف بدني وعجزي عن السير لمسافة طويلة، قلت يومها بقلب كسير يائس من قدرة جميع الأطباء على إنقاذي من هذا المرض المهلك: يجب أن أذهب ـ ومهما شقّ ذلك عليّ ـ إلى جمران عسى أن أنتفع من بركات أجواء حسينية جمران التي تحظى بتجليات الإمام وأنفاسه الزكية، ولعل الله يمن علىّ بالشفاء خاصة عند دخول الإمام العزيز إلى شرفة الحسينية وببركة رؤية طلعته الملكوتية وإشارات يده الإلهية.
ذهبت إلى جمران ـ رغم الصعوبات ـ ودخلت الحسينية لكنني لم أدخل إلى وسط حشود الزائرين بسبب ضعف بدني، جلست في زاوية من الحسينية، وفجأة شعّ نورٌ ودخل نائب ولي العصر ـ عجل الله فرجه ـ روح الله وقائد الثورة، لقد انتابتني حينها حالةٌ وجدانية لايمكن وصفها بالكلام!
وكنت لقد التقيت ـ قبل دخولي الحسينية ـ بعدد من الأصدقاء الذين سألوني عن صحتي وطبيعة مرضي، وكان بينهم حجة الإسلام والمسلمين السيد إمام الجمراني الذي قال لي: أود أن أراك ثانية بعد انتهاء اللقاء بالإمام في الحسينية، وبعد انتهاء خطاب الإمام وشكره لمشاعر زائريه، ناداني السيد إمام الجمراني، وأخذني إلى داخل مقر إقامة الإمام وكان قد مهد لذلك من قبل. وعندما دخلت المنزل أخذني السيد الجمراني إلى غرفة الإمام الجليل، وفي تلك اللحظة وقع بصري على طلعته النورانية لم أستطع السيطرة على نفسي وحفظ توازني رغم كل ما سعيت من اجل ذلك، لقد رأيت الإمام واقفاً أمامي، أجهشت بالبكاء وقبلت يده مراراً، لم يسكن قلبي، وضعت جبهتي على يده والبكاء لا يسمح لي بالكلام، لكنني استطعت بالتالي أن أخاطبه وأنا على تلك الحال: ياليتني فزت بالشهادة يا سيدي ولم تكن عاقبتي أن أموت بمرض السرطان! ياسيدي، ادعو الله أن يرزقني إما الشفاء وإما الشهادة، لقد فاز بعض أصدقائي بالشهادة، وها أنا أموت بهذا المرض! يا إمامي العزيز ادعو الله لي!
لقد كنت قد تشرفت مراراً بزيارة الإمام وفزت بكرامة تقبيل يده، ولكن حالي هذه المرة كان يختلف عن سابقاتها، لقد أتيته هذه المرة محتاجاً رافعاً يد الاستجداء بقلب كسير قد يئس من كل الأسباب.
مسح الإمام على عمامتي ودعا الله لي وقال: ( لا تقلقوا، يكتب الله لكم الشفاء ـ إن شاء الله ـ )؛ وإثر ذلك قلت له ـ ويده الأخرى لا زالت في يدي وأنا أقبلها وأبكي ـ: يا سيدي، تفضلوا ـ إن كان ذلك ممكناً ـ بأن تمسحوا مرة أخرى على رأسي! لقد طلبت ذلك لأنني وجدت نفسي في دار الشفاء الحقيقي والعلاج الناجع وبين يدي طبيب روحاني حاذق!
استجاب الإمام لطلبي، فرفعت عمامتي عن رأسي، ومسح قائد الثورة الإسلامية بيده الإلهية على رأسي المضمد بالضمادات الطبية ودعا الله لي مرة أخرى، وعندها شعرت فوراً بحالة خاصة من السكينة تغمر قلبي، كما شعرت من ذلك الحين بأن ذلك الألم الشديد الذي كنت أحس به باستمرار في رأسي قد صار خفيفاً جداً!!
انتهى اللقاء، وقمت خارجاً من محضر الإمام وأنا أبكي، شعرت وكأن قدمي لا تطاوعاني في الخروج ! خرجت وأنا أمشي القهقري لكي لا أدير ظهري للإمام ولكي أحظى بالمزيد من النظرات لطلعته.
وعلى أي حال فقد ابتعدت عن الإمام، كانت حالتي غير عادية، أصابني الاضطراب لفراقي له، كانت دموع الشوق تنهمر من عيني فرحاً بلقائه وبدعائه، اقترح السيد الجمراني أن نذهب إلى المكتب للإستراحة فوافقت، وذهبنا وكان أكثر السادة مجتمعون هناك، جرى الحديث عن مرضي فأدلى كل برأيه بشأنه، سعوا جميعاً للتخفيف عني واتفقوا جميعاً على القول: لقد حصلت على الشفاء من الإمام، وإن شئت السفر إلى خارج إيران فسافر، ولكن لا تسمي سفرك سفراً علاجياً، فقد شفيت بالفعل!!
ولكن مقدمات السفر كانت قد أعدت قبل ذلك اللقاء، ولذلك فقد سافرت إلى ألمانيا بعد عدة أيام ورقدت في مستشفى مدينة (هانور)، وفي أحد الأيام جاءني أحد الممرضين وطلب أن أوقع ورقة قدمها لي وأن أستعد لإجراء العملية الجراحية، فأفهمته بالإشارات أنني لا أعرف اللغة الألمانية وأنني أريد مجئ من يعرفني بمحتوى المكتوب في هذه الورقة.وقد جاء بعد ساعة شخص إيراني وترجم لم المكتوب في هذه الورقة وقال: أن التوقيع على مثل هذه الورقة يطلب من جميع الذين تجرى لهم عمليات جراحية ولا يختص الأمر بك، والسبب هو تعدد احتمالات النتائج التي يمكن أن تسفر عنها مثل هذه العلميات!
لقد زادت هذه الكلمات من قلقي خاصة بعد أن قال : انت تعلم طبيعة مرضك وأن عمليتك حساسة واحتمال خروجك سالماً من غرفة العلميات (50%)! قال ذلك وهو ينظر تارة إلى الورقة وأخرى إليّ، لقد فهمت مقصوده وعباراته الأخرى لم تكن أقل وضوحاً من سابقاتهاـ على ما يبدو ـ لكنني لم أصغ لها، لقد أشار ضمن كلامه إلى أنني قد أبقى حياً بعد العملية ولكن من المحتمل أن أفقد ذاكرتي في هذه الحالة؛ فسألته عن معنى قوله ـ رغم أنني قد فهمته ـ فقال: يعني أن تنسى أسماء أولادك بعد العملية أو أن تنسى ما كنت قد تعلمته من العلوم، أو من المحتمل مثلاً أن يصيبك شلل في نصف بدنك..
أظلم العالم في عيني وأنا أسمع هذه الكلمات وانقطع أملي بكل شيء سوى الله تبارك وتعالى وبدعاء الإمام، وفي غضون ذلك دقّ جرس الهاتف فجأة دون أن أنتبه إليه لما كانت فيه من اضطراب ذهني وذهول، فنبهوني لكي أرفع سماعة الهاتف، رفعتها فسمعت صوت والدتي التي سألتني بعد مقدمات: كيف حالك؟ هل ستجري العملية الجراحية لك؟ ماذا قال الأطباء؟ كيف وضعك الآن ؟ أجبتها والعبرة تخنقني : لقد انقطع أملي بكل شيء يا أمي، وقد صدق ما قاله أحد الأطباء في إيران، إذ قال لي: حيثما تذهب تجد لون السماء نفسه! لقد أعرب الجميع من يأسهم من حالي، الجميع بعثوا اليأس في قلبي، لم يبق من سبيل سوى الدعاء، أنا عائد إلى إيران، لايمكن القيام بشيء، هنا اللهم إلاّ أن تغيروا أنتم الحال بالدعاء.
فقالت والدتي: يا تقي، هل نسيت دعاء الإمام؟! هل نسيت أنه قال لك(لا تقلق ! الله يكتب لك الشفاء)؟! هل نسيت أن يد الولاية قد ختمت بمهر الشفاء على رأسك ؟! هل نسيت كل ذلك؟! هل نسيت أن أنصار الإمام في بيته قد قالوا لك: لقد شفيت؟! هل نسيت ذلك؟! لقد شفيت ولا ريب ولا شك في أن ثمة خطأ في نتائج التحليلات والصور الطبية التي أخذت لك! لقد شفيت وسترجع سالماً إن شاء الله، فكن مرتاح البال، لاتضعف، لا تنسّ قدرة الله، وغاية الأمر هي: إذ قال لك الأطباء: لا تجري العملية الجراحية، فاجبتها، أما إذا كان رأيهم إجراءها، فادخل لإجرائها بقلب مطمئنٍ وسترجع سالماً إن شاء الله!
رفعت هذه الكلمات معنوياتي فيما بعد واصلت والدتي كلامها وسألتني: هل يوجد عندك كتاب مفاتيح الجنان؟ قلت: نعم قلت: حسناً، قم ـ فور انتهاء هذا الإتصال الهاتفي ـ وتوضأ واقرأ زيارة عاشوراء مع تكرار اللعن والسلام الواردين فيها مائة مرة لكل منهما، ولا تشك في أنك ستشفى وترجع إلينا سالماً إن شاء الله ببركة يد الإمام ودعائه وببركة زيارة عاشوراء.
انتهى الإتصال الهاتفي وقد تنور قلبي وشعت في باطني هالة من النور، توضأت وأخذت بتلاوة زيارة عاشوراء، وقد استدعيت صديقي السيد جواد أثناء تلاوة الزيارة وقلت له: أرجو ـ لو كان ممكناً ـ أن تستدعي الممرض الذي جاء بورقة التعهد وتطلب منه أن يأتيني بهذه الورقة لكي أوقعها! وقد جاؤوا بالورقة، وقد وقعتها بعد إتمام زيارة عاشوراء وتهيأت لإجراء العملية دون أدنى اضطراب أو قلقٍ !!
وفي الساعة السابعة من صباح اليوم التالي نقلوني بالسرير النقال إلى غرفة العمليات، وأنا في حالة جيدة وعادية للغاية بحيث أنني كنت أمازح صديقي أثناء الطريق!! وقد جاء الطبيب الجراح إليّ بعد إجراء العملية وبعد نقلي إلى غرفة الإنعاش (سي، سي، يو)، فناداني وسلّم عليّ ولكنني لم أكن حينها قادراً على النظر إليه والتكلم معه، لأنني لم أكن أستطيع فتح عيني كما أن وجود أنبوبين طبيين موصولين بمعدتي عن طريق الفم وبالأنف كانا يمنعاني من الكلام، ولكنني كنت أسمع بصورة جيدة، لقد سألني عدة أسئلة كنت أجيب عليها بالإشارة، كان يريد معرفة فيما إذا كانت ذاكرتي على حالها أم أنها قد فقدت جراء العملية، كما أخذ بغرز إبرة في عدة مناطق من بدني ليعرف فيما إذا كان الشلل قد أصابني بسبب العملية أم لا، ثم عرفت من ضحكه وحركاته المعبرة عن شدة سروره أن العملية كانت ناجحة وقد تيقنت من ذلك بعد سماعي بعض الكلمات التي كان يتبادلها باللغة الإنجليزية مع طبيب آخر، وكان يكرر عبارة : لم يكن هذا النجاح في نتائج العملية متوقعاً أبداً !! ثم انقضت بضعة أيام أخرى قضيتها للنقاهة هنا عدت بعدها سالماً إلى إيران الإسلامية!
ثم تشرفت مرة أخرى بزيارة مرجعي ومقتداي سماحة الإمام لكي أجدد عهد الوفاء والمودة له وأكحل ناظري بتراب قدمه وأنور بصري بنور طلعته البهية.
لقد تنبأ الأطباء المتخصصون في إيران وأوروبا بأنني لن أعيش اكثر من ثلاثة أو أربعة شهور أو أكثر من ذلك بقليل، لكنني لا زلت حياً إلى اليوم وقد مضى على موعدهم أربع سنوات وستة شهور!! وها أنا أواصل حياتي في كامل الصحة والسلامة ببركة يد الإمام الإلهية ودعائه المستجاب وببركة زيارة عاشوراء العظيمة[55]!
آثار القطع السكرية التي باركها الإمام بدعائه
اتصل بي هاتفياً يوماً السيد الخليلي ـ وهو رجلٌ مؤمنٌ يعمل في منظمة الهلال الأحمر ـ كان الاضطراب واضحاً على صورته، أخبرنا أن أحد الإخوة الطيبين للغاية اسمه السيد الأكبري قد أصيب في جبهات القتال بشظية في رأسه، وحالته الصحية سيئة للغاية وقد يئس الأطباء من إمكان إنقاذه، وأن الأمل الوحيد هو بالله وبدعاء الإمام. ثم طلب مني ـ بإلحاح ـ أن نهيأ لهذا الأخ عدداً من القطع السكرية نحملها أولاً للإمام يباركها بيده الكريمة ويتلو عليها دعاءً، ويدعو الله من اجل شفاء هذا الأخ العزيز..
استجبت لطلبه وأخذت عدداً من قطع السكرية ودخلت على الإمام وأخبرته بالأمر، فباركها وتلا عليها دعاء ثم دعا الله لهذا الأخ بالشفاء والسلامة، ثم أخذتها من سماحته ورجعت بها إلى المكتب فوجدت السيد الخليلي قد وصل إلى المكتب فأخذها مني وعاد مسرعاً؛ وبعد عدة أيام اتصل بي هاتفياً مرة أخرى، وشكرني بسرور وتعجب يطفحان على كلماته وأخبرني بأن صديقه قد عبر مرحلة الخطر وان صحته آخذه بالتحسن الأمر الذي أثار دهشة الأطباء ! ثم اتصل بي هاتفياً بعد عدة شهور وضمن تجديد الشكر طلب بطاقة لذلك الجريح الذي شفي من اصابته الخطيرة لكي يتشرف بلقاء الإمام وتقبيل يده، وقد حضر هذا الأخ للزيارة بكل نشاط وحيوية وسلامة!!
وقد حدثني هذا الأخ قائلاً: إن الطبيب المتخصص الذي كان يعالجني ـ وهو من مشاهير الأطباء ـ أعرب عن يأسه الكامل وبلغه صريحة جازمة من إمكان شفائي، لكنه قال لي بعد تحسن صحتي: نحن الأطباء لا نؤمن بالمعجزة عادة، لكننا عندما نرى حالة مثل حالتك التي تتغير فيها الحالة الصحية لكم فجأة إلى النقيض، ويقوم أحدكم ـ بعد بضعة أيام من اليأس من احتمالات شفائه ـ ويمشي على قدميه ويستعيد صحته، عندها نضطر للإيمان بالمعجزة!![56]
شفي ببركة بقايا طعام الإمام
شارك ابني مهدي ومعه ابن خالته في عمليات حلبجة (والفجر10)، وقد استشهد هو فيها، أما ابن خالته فقد أصيب في حبل النخاع الشوكي، ونقلوه فوراً إلى إحدى المستشفيات فقالوا: لا جدوى من معالجته، فالعصب النخاعي قد انقطع، ثم نقلوه إلى مستشفى الإمام الحسين عليه السلام في طهران، فأيد الأطباء القول نفسه، كما فحصه الأطباء المتخصصون بأمراض الأعصاب في مستشفى الطالقاني وقالوا: لا جدوى من معالجة هذا العصب فيه، انقلوه إلى إحدى مصحات المعوقين لمعالجة جروحه الأخرى. ثم تم نقله إلى مستشفى الشهداء حيث قال أطباءها: يمكن أن نجري له عملية على هذا العصب ولكن احتمال نجاحها لا يزيد على نسبة الواحد بالمائة، وفي غضون ذلك أضيف على مرضه العضال مرض آخر هو انحباس البول! ثم عرض على الأطباء مستشفى (لبافي نجاد) فقالوا لنا: اصبروا عدة شهور فمن المحتمل أن يشفى من مرض انحباس البول، أما معالجة انقطاع عصب الحبل الشوكي فلا جدوى منها أصلاً!
ثم عدت أنا إلى منزل الإمام، فرأيت مقداراً من طعامه قد بقي في الإناء، فأخذته إلى المستشفى بقصد التبرك والاستشفاء وقدمته لهذا الشاب وأخبرته بالأمر وقلت: أرجو أن تشفي ببركة الإمام، فتناول هذا الطعام، وشفي من مرضه بعد ساعتين.
لقد زال عنه مرض انحباس البول كما أن رجليه استعادتاً القدرة على الحركة تدريجياً ثم أخذ يمشي بهما[57]!!
إنني أدعو الله لك كل ليلة
زرت الإمام بعد إصابتي بالمرض الذي ابتليت به، فصرح لي قائلاً: (إنني أدعو الله لك في كل ليلة )، وقد أحاطني ـ أنا الحقير ـ بكل تلك الألطاف والرعاية، وقد أكد لي الطبيب الذي عالجني مراراً، بان تحسن صحتي هو من آثار الرعاية الإلهية وببركة الدعاء، وعقديتنا الجازمة هي أن دعاء الإمام هو في صدارة كل دعاء[58]!
يد الإمام فيها شفاء
أصيب أحد أرحامنا اسمه السيد قاسم بمرض غريب هو أنه إذا سمع صوت إطلاق الرصاص يصاب أولاً بالحكة في جميع أعضاء بدنه ثم يصيبه خوف ورعب شديد ثم تظهر على بدنه فقاعات جلدية مؤلمة وتظهر عليه حالة مؤذية جداً. وفي إحدى الليالي أخذت جميع المضادات الجوية المنصوبة في منطقة جمران بإطلاق نيرانها في وقت واحد لاختياره عملها، وفي غضون ذلك دخل الإمام حسينية جمران فلاحظ السيد قاسم في حالة شديدة من الاضطراب والأذى والرعب، فوضع يده المباركة على صدره وقال: ( لا تقلق)!!
وقد قال هذا الشخص فيما بعد: فور وضع الإمام يده المباركة على صدري زال عني الخوف والرعب بالكامل ولم تحدث لي تلك الحالة المؤلمة بعد ذلك أبداً حتى أثناء القصف الجوي أو الصاروخي، إنني لم أتخلص من تلك الحالة المؤلمة إلاّ ببركة يد الإمام التي فيها الشفاء[59]!
ألهم موعد وفاته
يبدو أن الإمام كان قد ألهم أن وفاته ستكون في شهر خرداد بل كان يعلم بذلك فهو يقول في بعض قصائده: ( أنتظر الفرج في منتصف شهر خرداد)[60]!
رؤيا الإمام قبيل وفاته
روى سماحة السيد أحمد الخميني ـ بعد عدة أيام من وفاة الإمام ـ عن والدته المكرمة أن الإمام رأى قبل حدود شهر ونصف من إجراء العملية الجراحية له رؤيا حدّث بها زوجته وقال لها : ( لا أرضى بإخبار أحد بهذه الرؤيا ما دمت على قيد الحياة)، وهذه الرؤيا هي أنه رأى في المنام أنه قد توفي وأن الإمام علي عليه السلام قد غسله وكفنه وصلى عليه ثم ألحده في القبر وقال له : ( هل أرتحت الآن ؟) فأجاب: (ثمة حجر عند جانبي الأيمن يؤذيني)، فسمح أمير المؤمنين عليه السلام بيده المباركة على الجانب الأيمن من بدن الإمام فزال عنه الأذى[61].
رؤيا للشهيد المطهري
رأيت في المنام مرة أنني أطوف بالكعبة المعظمة مع السيد الخميني، فرأيت فجأة أن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقترب مني بسرعة، فانسحبت ـ والرسول يتقدم ـ احتراماً للسيد الخميني وأشرت إليه وقلت : يا رسول الله هذا السيد من أولادك، فاقترب صلى الله عليه وآله وسلم من السيد الخميني وقبله ثم اقترب مني وقبلني، ثم وضع شفتيه على شفتيّ، ولم يرفعها، فانتبهت من نومي من شدة الفرح وأنا لا زلت أشعر بحرارة شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[62]!!
قام الرسول ـ (ص) ـ والأئمة ـ (ع) ـ ا حتراماً له
استناداً إلى معلومات موثقة فإن آية الله العظمى السيد الكلبايكاني قد استيقظ مضطرباً في الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم السبت 13/3/1368هـ.ش، (3/6/1989م) ـ أي تزامناً مع ساعة وفاة الإمام، وطلب من خادمة أن يتصل فوراً بآية الله الخامنئي ويسأله عن حال الإمام، وعندما سألوا سماحته عن السبب، أجاب بأنه رأى في منامه رؤيا ملخصها: (رأيت في منامي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام جالسين في غرفةٍ، ثم فتحت باب الغرفة ودخل الإمام الخميني فقام الأئمة عليهم السلام جميعاً والنبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم احتراماً للإمام الخميني، ثم احتضنه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وغمره بقبلاته، فاستيقظت إثر ذلك مضطرباً[63]!!
الكاميرا تمتنع عن التقاط صورة لجثمان الإمام !!
روى أحد الإخوة عن السيد الفراهائي ـ وهو من أعضاء مكتب الإمام ـ قال: ثم نقل الجثمان الطاهر للإمام إلى ساحة منزله الصغير الذي كان يلتقي فيه الناس والمسؤولين طوال مدة إقامته في جمران، وذلك بهدف تغسيله وتكفينه، وبعد أن تم غسل الجثمان سعيت لإلتقاط صورة له بالكاميرا لكنني شاهدت ـ وقد غمرني التعجب ـ أن الكاميرا لا تلتقط صورة لجثمان الإمام رغم كثرة محاولاتي ورغم أن الكاميرا كانت سالمة لا عيب فيها[64]!!
التوسل بالإمام بعد وفاته
لقد لازمت خدمة الإمام وحظيت طوال ذلك الوقت بألطافه ورعايته، وقد مرت عدة سنوات على وفاته وأنا أتوسل به في كل مشكلة تمر بي في حياتي، وأقول ـ بصدق ـ إن توسلي به يثمر حل ما أمر به من مشاكل، وأحياناً أطلب من هذا العزيز الجليل ـ وأنا الذي افتخر الآن بالخدمة في مرقده الطاهر والنوراني ـ الهداية بشأن بعض الأمور، وهو يستجيب لي ويهديني إلى الصراط المستقيم[65]!!
_____________________
[1] السيدة خديجة الثقفي زوجة الإمام، مجلة ندا، العدد:12، لم توافق السيدة خديجة في بداية الأمر على الزواج بالإمام لأنها كانت تعيش في طهران ولم تكن ترغب في الانتقال إلى مدينة قم حيث كان يسكن الإمام، ولكن موقفها الرافض هذا قد تغير بعد أن شاهدت هذه الرؤيا.المؤلف.
[2] آية الله الشهيد الصدوقي، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام ، ج4.
[3] حجة الإسلام والمسلمين علي الدواني، كتابالإمام الخميني في مرآة الذكريات، ص135.
[4] حجة الإسلام والمسلمين أحمد سالك الكاشاني.
[5] حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الحسين إمام.
[6] آية الله محمد هادي معرفت.
[7] حجة الإسلام والمسلمين السيد مرتضى الموسوي الأردبيلي الأبركوهي.
[8] آية الله السيد أحمد النجفي.
[9] آية الله السيد أحمد النجفي.
[10] آية الله السيد أحمد النجفي.
[11] حجة الإسلام والمسلمين نصر الله الشاه آبادي، كتاب خطوات في أثر الشمس، ج3، ص:261.
[12] آية الله الحائري الشيرازي، مجلةبيام انقلاب، العدد: 89.
[13] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، كتابدراسة تحليلية لنهضة الإمام الخميني، ج2، ص198.
[14] حجة الإسلام والمسلمين الناصري، كتاب حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني ، ج4.
[15] آية الله الشيخ الشهيد الصدوقي، المصدر السابق.
[16] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي.
[17] يقصد ـ رضوان الله عليه ـ انه سيرجع قبل أداء مناسك الحج وهذا ما تحقق بالفعل. المترجم.
[18] حجة الإسلام والمسلمين الآشتياني، مجلةمرزداران، العدد:86.
[19] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد رضا السجادي الأصفهاني، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج6.
[20] حجة الإسلام والمسلمين القرهي، المصدر السابق، ج1.
[21] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا رحمت.
[22] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.
[23] مجلة أميد إنقلاب، العدد: 138.
[24] السيد حبيب الله العسكرأولادي.
[25] السيد مصطفى كفاش زاده.
[26] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد الكوثري، كتاب خطوات في أثر الشمس، ج4، ص:125.
[27] السيد محمود مرتضائي فر.
[28] حجة الإسلام والمسلمين الكروبي، مجلةأميد إنقلاب، العدد:103.
[29] حجة الإسلام والمسلمين علي أكبر ناطق النوري، كتابخطوات في أثر الشمس، ج4، ص280.
[30] السيدة زوجة آية الله الشهيد البهشتي، مجلة زن روز، العدد:871.
[31] الدكتور بور مقدس.
[32] السيد رحيم ميريان.
[33] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني.
[34] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، مجلةبيام انقلاب، العدد:50.
[35] السيد محمد الأغاني.
[36] حجة الإسلام والمسلمين محمد الأشرفي الأصفهاني، صحيفة كيهان23/7/1364هـ.ش.
[37] حجة الإسلام والمسلمين الأديب، صحيفة كيهان22/7/1368هـ.ش.
[38] السيد مهدي شريف نيا.
[39] السيد غلام علي الرجائي، كتابشريك الصلوات.
[40] حجة الإسلام والمسلمين حسن الثقفي، كتابخطوات في أثر الشمس، ج1، ص148.
[41] نقلاً عن أحد طياري القوة الجوية الإيرانية، مجلةأرمغان، العدد:11.
[42] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا السجادي الأصفهاني، كتابحوادث خاصة من حياة الإمام الخميني، ج6.
[43] حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي إمام الجمراني.
[44] الشهيد قاسم علي الكبيري، صحيفة سلام، 15/8/1373هـ.ش.
[45] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد رضا السجادي الأصفهاني في كتابخطوات في أثر الشمس، ج3، ص231.
[46] السيد محمد علي المرداني.
[47] حجة الإسلام والمسلمين حسن الثقفي، كتابخطوات في أثر الشمس، ج1، ص147.
[48] حجة الإسلام والمسلمين الآشتياني، مجلةباسدار إسلام، العدد:93.
[49] السيد نعمة الله السليماني.
[50] السيد حسين شهرزاد، مجلةشاهد، العدد:186.
[51] اللواء حرس الثورة علي الفضلي.
[52] السيد غلام رضا العالين مجلةشاهد، العدد:19.
[53] السيد مجيد الدولابي، مجلةأميد انقلاب، العدد:213.
[54] حجة الإسلام والمسلمين الآشتياني، مجلةمرزداران ، العدد:86.
[55] حجة الإسلام والمسلمين السيد تقي الموسوي الدورجئي، مجلةشاهد، العدد:195.
[56] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان، كتابفي ظل الشمس، ص 167.
[57] السيد رحيم ميريان.
[58] آية الله الآزدي القمي، صحيفة كيهان، 28/3/1366هـ.ش.
[59] حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي إمام الجمران.
[60] السيد حميد الأنصاري، مقابلة إذاعية بثت عبر الإذاعة الإيرانية.
[61] مجلة بليس انقلاب، العدد:100.
[62] آية الله الشهيد مرتضى المطهري، صحيفة رسالت، 11/2/1373هـ.ش.
[63] مجلة نور علم، الدورة الثالثة، العدد: 7، ص137.
[64] السيد غلام علي الرجائي.
[65] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني.
|