محافظته على الصلاة في السراء والضراء القسم الاول : إقامته الصلاة في أول أوقاتها
قمنا جميعاً للصلاة عند ارتفاع الإذان لم يكن الإمام يغفل عن مجالسة الأصدقاء والأنس بهم، بل كان يعتبر ذلك عملاً لتنشيط الذهن وتقويته، وكان يقول:" لم يمر علينا ـ أيام الشباب ـ يوم الخميس أو جمعة دون إن نعقد لقاء نروح فيه عن النفس مع الاصدقاء، وكنا نذهب إلى خارج قم والى جمكران في الأغلب، أما في الأيام الممطرة نلتقي في غرفتنا ونتحادث، فإذا ارتفع صوت الإذان قمنا جميعاً للصلاة"[1].
الحضور لصلاة الجماعة قبل الإذان يبين لنا الإمام عملياً ـ فيما يرتبط بضرورة الحضور في جماعات المسلمين وإقامة الصلاة ـ إن على السادة إن يلتزموا بحضور صلاة الجماعة، فلا يكون حالهم ـ لا سمح الله ـ حال من يصدق عليه عرفاً وصف "تارك الجماعة" وكان هو بنفسه يلتزم بالحضور كل يوم قبل الإذان بفترة استعداداً للمشاركة في صلاة الجماعة[2].
شديد الالتزام بصلاة الجماعة لم يترك الإمام الحضور في صلاة الجماعة طوال مدة إقامته في قم، فكان يأتم في صلاتي المغرب والعشاء بأية الله الحاج السيد محمد تقي الخوانساري ـ رحمه الله ـ الذي كان يصلي الجماعة في المدرسة الفيضية، كما كان يشارك في صلاتي الظهرين في صلاة الجماعة في المدرسة نفسها بإمامة المرحوم آية الله الحاج السيد أحمد الزنجاني، كما كان يحضر أحياناً صلاة الجماعة ظهراً في مسجد "كذر" خلف المرحوم السيد الخوانساري[3].
لم يصده حرُ ولا بردُ عنها كنت أرى الإمام ظهراً في أغلب الأحيان وهو يشارك في صلاة الجماعة في المدرسة الفيضية بإمامة المرحوم السيد الزنجاني، واذا لم يحضر السيد الزنجاني أم هو المصلين، ولم يكن الإمام يترك صلاة الجماعة حتى أيام الصيف واشتداد حرارة الجو[4].
الاشتراك في صلاة الجماعة بإمامة الأتقياء من مميزات شخصية الإمام شدة التزامه بحضور صلاة الجماعة، كان يلتزم بحضور صلاة الجماعة التي كان يؤمها المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري لأنه كان من أعاظم مراجع التقليد ولأنه كان قدوة في العلم والعمل وله سابقة جهادية معروفة وقد شارك أيضاً في جهاد المسلمين في العراق ضد الانجليز.
وعندما أقول إن الإمام كان ملتزماً بذلك باستمرار دون انقطاع، فقولي دقيق لا مبالغة فيه، وقد كان في وقت كانت الأجواء الحاكمة تعتبر الإكثار من زيارة الحرم علامة للدروشة والتخلف، لكن الإمام لم يكن يعبأ بمثل هذه الاقوال، فكان يتوجه لزيارة الحرم بعد انتهاء صلاتي المغرب والعشاء مباشرة[5].
الالتزام بصلاة الجماعة بعد إن أعلن المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري ـوهو أستاذ الإمام الذي كان يحضر درسه وصلاة الجمعة التي كان يقيمهاـ انه سيبدأ بإقامة صلاة الجمعة ودعا الراغبين إلى المشاركة فيها، كان الإمام من الملتزمين بالمشاركة فيها، وقد أقامها السيد الخوانساري في مسجد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وقد توقفت صلوات الجمعة الأخرى إثر ذلك[6].
عند ارتفاع صوت الاذان. حدث مراراً أنني كنت أبقى في خدمة الإمام وهو جالس في غرفته من الصباح إلى الظهر يطالع دون إن يتحدث ولا بكلمة واحدة إلاّ إن يوجه له أحداً سؤالاً فيجيب بمقدار السؤال : ولم يكن يقطع عليه مطالعته وبحثه سوى ارتفاع صوت الإذان، فاذا سمع نداء الله اكبر وضع القلم على الارض واستعد لإقامة الصلاة[7].
يذكر الاخرين بوقت الصلاة رافقت الإمام في سفره إلى طهران ـ بعد وفاة السيد البروجردي ـ وقد وصلنا قبل ساعة تقريباً من أذان الظهر، إلى منزل السيد اللواساني الواقع بالقرب من مرقد " السيد يحيى" ولم يكن السيد في المنزل فقد كان قد ذهب إلى المسجد، فجلسنا في غرفة الاستقبال وجاؤونا بكأسين من فالوذج البطيخ المعروف بالجرمك، وقد جلست بصورة مرتبة للغاية تأدباً وتأثراً بهيبة الإمام وعظمته فقال لي : "إن كنت متعباً فاذهب ونم"، فذهبت إلى غرفة مجاورة واسترحت فيها، ومع ارتفاع صوت الأذان دق الإمام الباب وقال:" ايها السيد الصانعي، لقد حان وقت أذان الظهر، فإن شئتم فقوموا للصلاة ".فقمت للوضوء ثم صليت مأتماً بالإمام[8].
الصلاة جهاد في سيبل الله في عصر يوم " 15" خرداد 1342، "5/6/1963م" كانت احتمالات شن هجوم وحشي على بيت الإمام تقوى في كل لحظة ففكر بعض الحاضرين بإغلاق باب البيت، ويبدو إن نجل الإمام السيد مصطفى قد أيد هذه الفكرة أيضاً الأمر الذي أثار غضب الإمام بشدة فصرخ قائلاً: "يجب إن يبقى باب البيت مفتوحاً وليخرج مصطفى "! ثم خاطب الحاضرين مذكراً بالصلاة وقال : " ما أحسن إن نقوم لإقامة الصلاة فاذا هاجمنا الجلادين نكون في حال الصلاة فنفوز بالفوز العظيم، إذ أنهم يهاجموننا ونحن في حال التوجه للحضرة الإلهية، وفي ذلك خزي عظيم لهم وفوز عظيم لنا"[9].
يصلي جالساً وهو بين معتقليه بعد إلقائه لخاطبه التاريخي في يوم "15" خرداد هاجم أعضاء منظمة الأمن الملكي "الساواك" منزل الإمام ليلاً واعتقلوه، يروي بنفسه ما جرى بعد ذلك فيقول:" ألقوني في السيارة بعد اعتقالي وأخذوا يطوون شوارع قم بسرعة باتجاه طهران ولكنهم كانوا ينظرون إلى الخلف والأطراف بقلق: فسألتهم: مما تخافون وما الذين يقلقكم ؟ قالوا: نخشى إن يلاحقنا الأهالي لأنهم يحبونك!" ثم قال الإمام: "والله لم يداخلني الخوف أبداً ما هم فقد سيطر عليهم الخوف إلى درجة لم يسمحوا لي معها بالنزول من السيارة من اجل إقامة صلاة الصبح واعتذروا قائلين: نخشى إن يصل الاهالي! ولذلك اضطررت إلى أداء صلاتي جالساً في السيارة بين اثنين من أفراد الساواك"[10].
صلاة بنصف تيمم! بعد إن ألقي الإمام خطابه التاريخي المعروف في المدرسة الفيضية اعتقله جلاوزة الشاه ليلاً، وهو يتحدث نفسه عن هذه الحادثة قائلاً: "عندما اعتقلوني كنت قد صليت ولكن الفجر لم يكن قد طلع بعد"، ويفهم من قوله هذا انه كان قد صلى نافلة الليل وقد تم اعتقاله قبل أذان الفجر، يتابع الإمام حديثه قائلاً: "كنت متكئاً فأخذتني سنة من النوم، ولذلك لم يكن لدي وضوء للصلاة، وعندما اقتربنا من منطقة مرقد السيد عبد العظيم رأيت إن وقت الصلاة الصبح قد أوشك على الانتهاء، فطلبت من أفراد السافاك إن ينزلوني في مكان لكي أتوضا وأصلي صلاة الصبح، فوافقوا أولاً لكنهم كانوا خائفين من إن يعرف الأهالي بالأمر ويهاجموا السيارة، لذلك رفضوا بالتالي هذا الطلب فقلت لهم: "اسحموا لي على الأقل بالتيمم، فلم يوافقوا على هذا الطلب أيضاً، فقلت لهم: أوقفوا السيارة للحظة واحدة واسمحوا لي بأن أمس الارض بيدي للتيمم ثم أصعد السيارة فوراً، فوافقوا على هذا الطلب، أوقفوا السيارة لحظة فنزلت وضربت الارض بيدي ثم صعدت للسيارة، وصليت صلاة الصبح فيها من جلوس"[11].
صلاة مقبولة كان السيد نائماً في ساحة البيت عندما هجم جلاوزة النظام بعد منتصف الليل وحطموا باب المنزل ودخلوا وقد حكى لي بنفسه ماجرى قائلاً:
عندما كسروا الباب عرفت أنهم جاؤوا لاعتقالي، فقلت للسيدة "زوجته" فوراً: لا تقولي شيئاً وتفضلي بالدخول إلى الغرفة. رأيتهم قد دخلوا المنزل فاحتملت أنهم من الممكن إن يأخذوا السيد مصطفى اشتباهاً، لذلك قلت لهم: أنا الخميني. كنت مستعداً للأمر.
أخذوني وأركبوني اولا في سيارة صغيرة لأن الأزقة كانت ضيقة، وأوصلوني بها إلى الشارع، وهناك كانت تقف سيارة كبيرة نقلوني اليها وساروا بها وقد جلس اثنان منهم عن يميني وعن شمالي، وكان أحدهما متكئاً على ساعدي طوال الطريق وقد وضع رأسه بالقرب من كتفي وهو يبكي ! أما الثاني فقد كان يقبل كتفي بين الحين والآخر!!
قلت لهم في وسط الطريق: إنني لم أصلّ، توقفوا في مكان مناسب لكي أتوضأ.فقالوا : ليس لدينا إجازة للتوقف!! فقلت لهم: أنتم مسلحون وأنا أعزل، وأنتم جمع وأنا فرد فلن أستطيع القيام بشيئ، فكان جوابهم هو الجواب السابق، فعرفت إن لا جدوى من الإصرار على طلبي، لذلك قلت لهم: توقفوا لحظة لكي أتيمم على الاقل. استجابوا لهذا الطلب، وأوقفوا السيارة لكنهم لم يسمحوا لي بالنزول منها، انحنيت وأنا جالس في السيارة وأوصلت يدي إلى الارض وضربت بها صعيدها وتيممت، وقد أديت صلاتي جالساً في السيارة وأنا مستدبر القبلة لأننا كنا نسير باتجاه طهران بالاتجاه المعاكس للقبلة، لقد أقمت صلاة الصبح وأنا متيمم ومستدبر القبلة والسيارة في حال حركة، ولعل هاتين الركعتين صليتهما بهذه الصورة هما اللتان حظيتا بقبول الله من بين صلواتي الاخرى[12].
لعل الله تقبل صلاة المستدبر للقبلة! نقل لنا الإمام الحادثة التالية فيما يرتبط باعتقاله في "15" خرداد، قال: قلت لهم: أوقفوا السيارة لكي أصلي ـ وكانوا قد نقلوه إلى السيارة وتحركوا به قبل أذان الفجر ـ فقالوا: لا يمكننا القيام بذلك، قلت لهم: ما سبب خشيتكم هذه ولماذا أنتم خائفون؟ أجابوا: إن الأهالي يحبونك كثيراً واذا قبضوا علينا مزقونا إرباً.
وكانت السيارات الأخرى المكلفة بحراسة هذه السيارة قد تخلفت عنها، وكان هؤلاء خائفين من احتمال إن يحيط بهم الأهالي ويقعوا في قبضتهم، ولذلك لم يوقفوا السيارة رغم إصراري على طلب ذلك من أجل إقامة الصلاة، فقلت لهم: أوقفوا السيارة لكي أتيمم، فلم يستجيبوا، وفجأة أصاب عطب عجلة السيارة، فنزلت وتيممت ثم عدت للسيارة وصليت فيها وهي تسير باتجاه طهران.
وتابع الإمام حديثه قائلاً: "لعل الله تقبل هاتين الركعتين اللتين صليتهما في السيارة مستدبراً القبلة ومتيمماً من بين جميع ما صليته طوال عمري"[13].
يأمر معتقليه بالصلاة عندما اختطف لصوص البشر بسرعة وعجلة زعيم الجماهير المظلومة من قم، كان الاضطراب والقلق والرعب والخوف متجلياً على وجوههم طوال طريقهم وهم ينقلونه إلى طهران، كانوا يقودون السيارة بحالة جنونية وهم يتلفتون وجلين إلى ما حولهم، لقد منعهم الرعب الذي سيطر عليهم من الاستجابة لطلبات الإمام الملحة بالتوقف لدقائق قليلة لكي يؤدي صلاة الفجر، كانا الإمام يخفف عنهم ما هم فيه ويقول لهم: " لا تخافوا ولا تقلقوا من شيء، لايوجد في وسط هذه الصحراء من يريد التعرض لكم بسوء، أوقفوا السيارة لدقائق قليلة من اجل الصلاة، صلوا أنتم أيضاً، فأنتم أفراد جيش بلد إسلامي وترتزقون من بيت المال الاسلامي فيجب عليكم العمل بفرائض الإسلام ".
ونتيجة الإلحاح الإمام وإصراره وافقوا على إيقاف السيارة للحظات لم تكف لأكثر من إن يتيمم بتراب حافة الجادة، ثم أعادوه للسيارة فاضطر لإقامة صلاة الصبح في السيارة التي كانت تسير بسرعة عالية[14].
لم يترك صلاة الجماعة يوم استشهاد ولده لم يغير الإمام برنامجه اليومي المعتاد أبداً إثر سماعه خبر استشهاد أخي، وقد حضر لإقامة صلاة الجماعة ظهراً ومساءً حتى في اليوم الذي نقلوا جسد ولده المجاهد إلى كربلاء تمهيداً لدفنه[15].
عرف المصلون بحدوث أمر مهم كان الشيخ الرضواني مسؤولاً عن الأمور الإدارية والمالية في مكتب الإمام في النجف وقد استدعاه الإمام " قبل مغادرته النجف" وسلمه مجموعة من أوراق الوصولات المالية وقال له: "عندما يأتي غداً الأشخاص الذين يريدون تسليم الحقوق الشرعية وسهم الإمام، فاكتب في هذه الوصولات مقدار الأموال التي يقدمونها ثم أدخل إلى القسم الداخلي للمنزل وابق فيه دقائق ثم ارجع اليهم لكي لا يعرف الناس أننا قد غادرنا "النجف" وأنني غير موجود هنا".
وقد عمل الشيخ الرضواني بهذه الوصية، ولكن عندما جاء المصلون إلى المسجد للاشتراك في صلاة الظهر بإمامة الإمام ولم يجدوه في المسجد عرفوا إن أمراً مهماً قد حدث، لأن الإمام لم يقطع صلاة جماعته حتى في يوم استشهاد أخي، وكان الناس يعلمون إن الإمام لا يترك الحضور لصلاة الجماعة بحال من الأحوال[16].
إني ذاهب إلى المسجد كان منزل الإمام يغص بالمعزين في يوم وفاة المرحوم السيد مصطفى، وقد خرج الجميع قبيل الظهر، ومع ارتفاع صوت الأذان قام الإمام وتوضأ ثم قال: " إنني ذاهب إلى المسجد"، فقلت: عجباً من الإمام أنه لا ينقض برنامجه الثابت ولا يترك صلاة الجماعة حتى في هذا اليوم، لذلك طلبت من أحد الخدم إن يذهب بسرعة إلى المسجد ويخبر خادمه بأن الإمام قادم للصلاة، وعندما عرف الأهالي بتوجه الإمام إلى المسجد تدفقوا عليه من كل صوب[17].
لم يتأخر عن اول وقت الصلاة في اليوم الذي أخبرنا الإمام بنبأ استشهاد نجله السيد مصطفى واستأذناه بالذهاب إلى كربلاء للقيام بالأعمال للازمة لدفنه؛ تصورنا أنه لن يذهب إلى المسجد في ذلك اليوم بسبب هذه المصيبة رأيناه يذهب اليه في أول وقت الصلاة[18].
الإخلاص لله في إقامة الصلاة في أول وقتها كان الإمام ملتزماً بإقامة الصلاة في أول وقتها، وكان يولي النوافل أهمية خاصة، وقد امتاز بذلك منذ بدايات شبابه وهو لم يتجاوز يومها العشرين عاماً، يقول عدة من الأصدقاء: كنا نتصور في البداية انه يقيم الصلاة في اول وقتها رياءً وسمعةـ لا سمح الله ـ ولذلك سعينا إلى منعه من ذلك إذا كان دافعه اليه حب السمعة، فعرضناه للامتحان بطرق مختلفة ولمدة مديدة، فمثلاً كنا نضع مائدة الطعام في اول وقت الصلاة وندعوه اليه، أو نحدد موعداً للسفر في اول وقت الصلاة، لكنه كان يقول لنا:" تناولوا أنتم الطعام وأنا أقيم صلاتي ثم أتناول أي شيء يبقى من الطعام"! أو كان يقول بشأن السفر:" أذهبوا أنتم وسألحق بكم فيما بعد"!!
لقد مرت فترة طويلة على هذا الحال دون إن يترك الصلاة في اول وقتها بل اضطرنا شدة التزامه بذلك إلى إن نلتزم نحن أيضاً بالصلاة في اول وقتها[19].
يصلي قبل الإفطار رغم شدة الحر لم يكن الإمام يتناول إفطاره في شهر رمضان في النجف الاشرف إلاّ بعد إن يتم إقامة صلاتي المغرب والعشاء مع نوافلهما رغم إن الجو كان حاراً للغاية في النجف حيث كانت درجة الحرارة تقارب الخمسين درجة، ورغم إن الصوم كان يستمر فيها " 18" ساعة وهو أمر شاق على من كان في عمر الإمام، ولكنه ورغم ضعفه الجسدي الناشيء من هذا الصوم الطويل لم يكن يفطر قبل الصلاة أبداً[20].
لا تحرمه الضيافة من اول وقت الصلاة زارنا الإمام يوماً يرافقه نجله السيد مصطفى ـ رحمه الله ـ في منزلنا؛ ومع حلول وقت صلاة الظهر نظر إلى ولده وقال:" لقد حل الظهر، يجب إن نصلي، بأي اتجاه تقع القبلة هنا؟" ثم قام وصلى[21].
الحرص على معرفة القبلة تجنباً لتأخير الصلاة بعيد وصوله إلى باريس أقام الإمام يومين في شقة سكنية في منطقة تسمى " كشان" فقال له بعض الاخوة: إن كثرة تردد الزوار هنا تؤذي الجيران، لذلك فمن الافضل الانتقال إلى مكان آخر، فاضطر إلى الانتقال إلى ضاحية نوفل لوشاتو الواقعة على بعد " 50" كيلومتراً عن مدينة باريس، وهي قرية نائية كان من يزورها حباً للقاء الإمام إن يقضي ساعات في البحث عن نزله فيها!
عندما وصل الإمام إلى نوفل لوشاتو كان اول ما أهتم به هو معرفة جهة القبلة لإقامة الصلاة، وقد تعددت أقوال الحاضرين بهذا الشأن لأنه لم يكن يسكن هذه القرية مسلم من قبل، فاستدعاني الإمام وأخرج من حقيقبته علبة الإبرة المغناطيسية التي تحدد اتجاه القبلة ثم سلمها لي وقال:" اذهب الان إلى المسجد الجامع في باريس وحدد عليها اتجاه القبلة ثم أرجع إلى هنا واستعينوا بها لمعرفة اتجاه القبلة هنا"، وبعد إن تم تحديد اتجاه القبلة أقام الإمام صلاتي المغرب والعشاء فوراً[22].
يترك الصحفيين في الانتظار تدفق مراسلوا أجهزة الإعلام على ضاحية نوفل لوشاتو إثر خروج الشاه من إيران وألحوا على إجراء مقابلة مع الإمام لمعرفة موقفه تجاه خروج الشاه، أو الحصول على تصريح مكتوب منه بهذا الشأن وقد ألحوا في طلبهم كثيراً فتقرر إن يكتب الإمام تصريحاً بهذا الخصوص ثم يترجمه الاخوة لهم، ولكن الإمام خرج لإقامة صلاتي الظهر والعصر فور حلول وقت الظهر الشرعي[23].
انه وقت الفضيلة كنا في ضاحية نوفل لوشاتو يوم خروج الشاه من إيران وقد احتشد حدود "300ـ400" من من مراسلي أجهزة الأعلام حول محل إقامة الإمام الذي وقف على منضدة صغيرة وضعت له، وأجهزة التصوير موجهة صوبه، وقد تقرر إن يوجه كل مجموعة من المراسلين سؤالاً واحداً، وبعد توجيه سؤالين أو ثلاثة سمع صوت أذان الظهر، فغادر المحل فوراً وقال:" انه وقت الفضيلة لصلاة الظهر".
استغرب الحاضرين مغادرة الإمام للمؤتمر الصحفي لأنهم لم يعرفوا السبب، وقد طلب شخص من الإمام إن يبقى بضع دقائق للإجابة على أربعة أو خمسة أسئلة اخرى لكن الإمام رفض بلهجة حازمة وذهب لإقامة الصلاة[24].
قطع المؤتمر الصحفي المهم من اجل وقت الفضيلة بعد الاعلان عن إغلاق مطار طهران امتلأت قرية نوفل لوشاتو تقريباً من مراسلي أجهزة الاعلام من أنحاء العالم، ولم أر إلى ذلك اليوم مثل هذا العدد من المراسلين وأجهزة الإتصال، لقد نصب مندبوا أكثر من خمس من شبكات التلفزة العالمية الكبرى كاميراتهم وأجهزتهم في وسط الشارع بهدف بث تصريحات الإمام بصورة مباشرة، وكان محل المؤتمر الصحفي وسط الشارع وقد وضعت له منضدة صغيرة وقف عليها لأن المنزل لم يكن يتسع ـ بأي حال ـ لهذا العدد الكبير من المراسلين، وقد أغلق الشارع بالكامل، واشتمل المؤتمر على بيان قصير لشعب إيران والرأي العام العالمي.
كان الوقت المحدد لهذا المؤتمر هو ما قبل حلول الظهر"الشرعي" بنصف ساعة، ولكن ما أن وصل الإمام وبدأ الكلام لم تبق لموعد أذان الظهر سوى خمس دقائق، ولذلك قطع الإمام كلامه فجأة فور حلول وقت أذان الظهر وقال: "حان وقت الصلاة". ثم ترك الجميع وذهب لإقامة الصلاة[25].
هل حل وقت الصلاة ؟الأولوية للصلاة كنا في ضاحية نوفل لوشاتو يوم فرار الشاه من إيران، وكانت الشرطة الفرنسية قد أغلقت الشارع الرئيسي في هذه القرية التي اجتمع فيها مراسلوا أجهزة الاعلام من مختلف البلدان، من افريقيا، آسيا، أوروبا، وأمريكا، ولعل حدود "150" من أجهزة التصوير والاتصال كانت تبث تصريحات الإمام بصورة مباشرة؛ لقد كان عدد المراسلين الذين تجمعوا هناك يومها هو بعدد الحاضرين هنا، أقول ذلك دون مبالغة، لقد احتشدوا هناك لنقل أخبار أهم حوادث ذلك العام، لقد خرج الشاه من إيران وكانوا يريدون التعرف على موقف الإمام وقراره؛ ولذلك كانت جميع الكاميرات موجهة نحوه وهو واقف على كرسي صغير على حافة الشارع.
تحدث الإمام ـ بضع دقائق ـ عن موقفه، ثم التفت إلي ـ وكنت واقفاً إلى جانبه وقال:" هل حل الظهر يا أحمد؟" أجبت بالإيجاب، فقال فوراً:" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وعليكم إن تلاحظوا هنا حساسية اللحظة التي قطع الإمام فيها تصريحاته من اجل إن يقيم الصلاة في اول وقتها!
لقد قطع الإمام تصريحاته في وقت غاية في الحساسية، كانت تتوجه نحوه أجهزة شبكات تلفزة عالمية لكل منها الملايين من المشاهدين: شبكة سي، أن، أن الأمريكية، وشبكة بي، بي، سي الإنجليزية وباقي شبكات التلفزة العالمية في أمريكا وأوروبا، ومعها مراسلوا وكالات الأنباء العالمية الآسيوشيتبرس، اليونايتدبرس، روتير، ومراسلوا الصحف والمجلات والإذاعات العالمية الأخرى؛ ورغم كل ذلك قطع الإمام تصريحاته وذهب لإقامة الصلاة[26].
أداء حق الصلاة لقد كان الإمام دقيقاً للغاية في إقامة الصلاة وأداء حقها في أول وقتها والى درجة إن أفراد الشرطة الفرنسية كانوا ينظمون ساعاتهم على ذهاب الإمام لإقامة الصلاة!
وعندما كان بعض الاخوة يقفون لحراسة الإمام وقت الصلاة كان يقول لهم:" لا حاجة لذلك نبتغي إقامة الصلاة في وقتها"[27].
ستراه وهو يذهب للصلاة سألت الشرطي الذي كان يقوم بالحراسة على جانب الشارع: أين منزل آية الله الخميني؟ فأشار إلى منزل صغير ومتواضع يقع على الجانب الأخر للشارع:" هذا هو منزل آية الله ".
تعجبت من مشاهدة ذلك المنزل لأنني لم أكن أتوقع إن يسكن زعيم مثل آية الله الخميني زعيم المذهب الشيعي في ذلك المنزل المتواضع.
لم يسألني الشرطي عن هويتي ولا عن سبب سؤالي عن منزل آية الله الخميني، لكنني عرفت نفسي له وقلت: إنني مراسل مجلة" باري منج" الأسبوعية، وقد جئت لزيارة آية الله الخميني وإجراء مقابلة صحفية معه، فقال لي: لا تنسى إن تخلع حذائك قبل الدخول إلى غرفته!!
بعد إن خلعت الحذاء دخلت غرفة مجردة من كل زينة وأثاث لم أر نظيراً لها سوى المباني التي تم نباءها حديثاً ولم تسكن بعد! قطعة الأثاث الوحيدة التي وجدتها في الغرفة هي عبارة عن قطعة من المفروشات العادية غطت ارضيتها ! وكانت أجهزة الإنارة فيها عبارة عن مصباح دون غطاء معلق بسلك في سقفها!
عرفت نفسي وقدمت بطاقتي الصحفية وقلت: لقد جئت من اجل إجراء مقابلة صحفية مع الإمام، فعرفني رجل مؤدب وملتحي إلى كاتب ألف كتاباً عن حياة الإمام، لكنني أظهرت نفاذ صبري وقلت: لقد جئت إلى هنا من اجل لقاء آية الله، فاخبروه بذلك. فأجابنوني: لقد رحل وقت الصلاة وسيخرج آية الله لأدائها وعندها يمكنكم إن تروه![28].
إنقطاعه إلى الله أثناء الصلاة في بداية الحرب، سمعنا يوماً أصوات المضادات الجوية وهي تطلق نيرانها، فتصرونا أنها أصوات انفجارات قنابل لأننا لم نكن قد سمعنا أصوات المضادات الجوية من قبل، ولذلك هرعنا وجلين إلى غرفة الإمام فوجدناه منهمكاً بالصلاة والعبادة في إيوان الغرفة وكأنه لم يسمع أي صوت أبداً، ولم ينتبه إلى دخولنا الغرفة بالمرة[29].
توقيره لكل ما يرتبط بالصلاة فرشوا في أحد الأيام بساطاً عرضه متر واحد أمام الإمام وهو يدخل المسجد في النجف، فخلع الإمام نعليه لكي لا يطأ البساط بهما، وفي غضون ذلك دخل أحد الطلبة من المحبين لدرس الإمام ومشى على ذلك البساط بنعليه فقال له الإمام: "لا تدوسه نعليك، فهذا البساط مخصص للصلاة"[30].
اهتمامه بالحقائق المعنوية في الصلاة كان الإمام شديد الاهتمام بأسرار الصلاة، وأتذكر إنه كان يولي كتاب" آداب الصلاة" للشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ أهمية كبرى وكان يقول عنه:" من الأفضل إن نسميه أسرار الصلاة".
كان شديد الاهتمام بالأمور المعنوية في الصلاة بدء من توجه الانسان إلى الوضوء والى نهاية إقامة الصلاة، وكان ينقل مراراً هذا الحديث الشريف الموجود على ما اعتقد في كتاب" مصباح الشريعة" حيث يقول أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام:" تقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله "[31]، أي أنك تتوجه في الواقع إلى رحمة الله عندما تتوجه إلى الماء لإسباغ الوضوء، كان الإمام يؤكد كثيراً على هذه الجملة[32].
لماذا لا نحفظ حرمة الصلاة وجلالة قدرها سألت الإمام يوماًـ وهو في النجف ـ عن مشاهداته في تركيا أيام نفيه إليها فقال:" كان بالقرب منا مسجد كنا نذهب اليه يوم الجمعة، وكان يحضر فيه ما لا يقل عن خمسة الاف من المصلين ولكن دون إن يسمع المرء منهم ولا خمس كلمات بصوت عالٍ!
لقد أوقعتني هذه الظاهرة في حيرة شديدة بشأن سر عدم حفظنا نحن أيضا لهيبة الصلاة؟! كنت أفكر في حقيقة إن لو زار أجنبي ذلك المسجد في تركيا ثم جاء إلى النجف وزار المسجد الهندي[33]أو زار المسجد الأعظم في قم وشاهد صلاتنا، لقال: إن الصلاة هي التي تقام في ذلك المسجد التركي لا الصلاة التي تقام في مساجدنا فنحن لم نحفظ حرمة الصلاة وجلالة قدرها!
في ذلك المسجد لو أراد أحد المصلين مثلاً تنبيه مصل آخر إلى تقدمه على الصف، قام بذلك بالإشارة فينبهه بذلك إلى إن تكون أصابع قدميه بمصاف أصابع أقدام باقي المصلين في الصف، لكي يكون الصف مستوياً بحيث لو نظرت إلى الصف لرأيت أصابع أقدام الجميع بمستوى واحد! لقد أحزنتني ملاحظة هذه الأمور ومقارنتها بما هو عليه حال صلواتنا"[34].
اختصر اللقاء من اجل الصلاة في الإيام الاولى التي أعقبت انتصار الثورة حصلت من بيت الإمام في قم وبواسطة الشيخ التوسلي على موعد للقاء خاص بالإمام للإخوة العاملين في الشؤون الثقافية والتبليغية للثورة في مركز نشر الثقافة الإسلامية في مدينة" دسفول" حيث كنت أخدم هناك يومها، لكننا لم نستطع الوصول إلى قم في الموعد المحدد بسبب التأخير الذي حصل في حركة القطار على خط أنديمشك ـ قم، فوصلنا إلى بيت الإمام في حدود "5، 11" ظهراً، فقالوا لنا: لقد انقضى الوقت المخصص لكم، لكنهم قبلوا اعتذارنا عندما بينا لهم سبب التأخير، فتشرفنا بلقاء الإمام.
في بداية اللقاء قرأنا بياناً موجزاً اشتمل على تحديد البيعة والدعم والطاعة لأوامره، وعلى طلب الإرشاد والتوجيه من سماحته لحل بعض المشاكل الناتجة من الاوضاع الخاصة بأيام الثورة الاولى.فقال الإمام بعد الاستماع لبياننا:" الوقت الان ضيق لاقتراب موعد صلاة الظهر، أعطوني نسخة مطالبكم لكي أقرأها، وان كان ثمة مطلب آخر فتفضلوا بعرضه".
بعد إن عرضنا على سماحته مطالبنا شفهياً تحدث لبضع دقائق ـ استجابة لطلبنا ـ وأوصانا بالحذر واليقظة تجاه العراقيل التي يثيرها الذين تسللوا في صفوف النهضة وقال:" عليكم الانتباه لحقيقة أننا لا زلنا في وسط الطريق"[35].
وبعد إن أتمّ الإمام حديثه قام فوراً وعلى عجل للاستعداد لإقامة الصلاة[36].
أجّل اللقاء المهم إلى ما بعد الصلاة في سنة 1361هـ.ش"1982م"، سافر وفد من القادة العسكرين يرافقهم وزير الخارجية الدكتور علي أكبر ولايتي إلى لبنان لدراسة الأوضاع الناتجة من عدوان إسرائيل الغاصبة على الجنوب اللبناني، وعندما عادوا من هذه المهمة توجهوا من مطار طهران إلى محل إقامة الإمام في جمران مباشرة لكي يقدموا لسماحته تقريراً عن نتائج سفرهم، وقد دخلوا على الإمام قبيل المغرب[37]، لذلك ما أن هم أعضاء الوفد بتقديم تقريرهم عن المهمة التي قاموا بها، قام الإمام للاستعداد لإقامة صلاتي المغرب والعشاء وأخر الاجتماع إلى ما بعد ذلك، الأمر الذي يكشف شدة اهتمامه بإقامة الصلاة في أول وقتها. وبعد إن أتم الصلاة التفت إلى أعضاء الوفد الذين ائتموا به في الصلاة وقال لهم وهو جالس على سجادة الصلاة:" اعقدوا الاجتماع هنا"[38].
هل يأتون أم أبدأ الصلاة
قبل أسبوع من الموافقة على القرار الدولي " 598" ذهبت إلى منزل الإمام لكي أقتدي به في صلاتي المغرب والعشاء، وقد جاءت أيضاً إحدى العاملات في البيت للائتمام به في الصلاة قال لها :" سيأتي رجال اليوم إلى هنا فارجعي". فرجعت، ونظر إلى ساعته فلاحظ اقتراب موعد أذان المغرب رغم إنه كانت قد بقيت سبع دقائق عن موعد الأذان الذي يبث عبر الإذاعة، قال لي : " اذهب إلى هناك وقل لأحمد :"هل يأتون أم أبدأ الصلاة؟".
ذهبت إلى جهة قسم الاستقبال فرأيت خالي" الحاج السيد أحمد" واقفاً مع السادة :مير حسن الموسوي والسيد الأردبيلي والشيخ الهاشمي، وقد وصل في تلك اللحظة السيد الخامنئي أيضاً، قلت لخالي : إن السيد ينتظر، وهو يقول: ماذا أفعل؟ تأتون ام لا ؟ وقد عرفت انه كان من المقرر إن يأتي السادة للصلاة مع الإمام.أجابني خالي:" إن الأمر سيطول بعض الشيء، قولوا للسيد إن يبدأ الصلاة وسنأتي لاحقاً.
وعندما رجعت للإمام ونقلت له ما قال السيد أحمد قام فوراً وبدأ الصلاة[39].
كلا، بل حان وقت الصلاة! كنا يوماً في حضور الإمام ضمن اعضاء مجلس الدفاع الأعلى المتشكل من سماحة آية الله الخامنئي وجناب الشيخ الهاشمي الرفسنجاني ووزير الدفاع والقائد المحترم لقوات حرس الثورة، كان الإمام جالساً على كرسيه ونحن نجلس حوله على شكل نصف دائرة، وفي خضم حديثنا قام الإمام فجأة وتحرك باتجاه الغرفة الأخرى، وعندها كان اول المعلقين على حركة الإمام الغريبة هذه هو الشيخ الهاشمي فقد قال: هل أصابتكم وعكة يا سيدي؟ فالوعكة هي التفسير الوحيد الذي خطر في ذهن الشيخ لهذه الحركة لكن الإمام أجاب : " كلا، بل حان وقت الصلاة"!
لقد قال هذه الكلمة بلهجة حازمة للغاية جعلتني أشعر بأنني لم أكن أفكر بأمر الصلاة وأهميتها بمثل الحالة التي أصابتني في تلك اللحظة، ثم نظرت إلى ساعتي ولاحظت انه لا زالت ثمة عدة دقائق لموعد أذان الظهر[40]!!
قام للصلاة أثناء اجتماع لجنة الوساطة أتذكر انه عقدـ في بدايات الحرب ـ اجتماع بحضور الإمام ضم عدداً من الرؤساء والقادة الأجانب، وفي وسط الاجتماع قام الإمام دون إن يلتفت للآخرين مع حلول وقت صلاة الظهر وأقام الصلاة في أول وقتها وقد أئتم به الحاضرين جميعاً، وقد أدى إضافة إلى صلاة الظهر ونافلتها وهي ثمان ركعات، الركعات الثمان لنافلة العصر أيضاً[41].
ولم ينس التطيب للصلاة في الاجتماع الذي عقده عدد من زعماء البلدان الإسلامية مع الإمام الخميني بهدف التوسط لإنهاء الحرب بين العراق وإيران؛ حل موعد أذان الظهر في وسط الاجتماع، فقام الإمام فوراً وقال:" أريد إن أصلي". ولأنه كان ملتزماً باستعمال الطيب للصلاة فقد أشار إليّ وسط الاجتماع بأن أقدم له قنينة الطيب، ثم تعطر وتوجه لإقامة الصلاة فاصطف الحاضرون خلفه وصلوا جماعة بإمامته.
وكان يسأل باستمرار عن وقت الصلاة ـ عندما رقد في المستشفى في أيامه الأخيرة ـ خشية من إن تفوته إقامة الصلاة في أول وقتها[42].
صلاة عادية خالية من الوساوس كان الإمام من المتعبدين، لكن ذلك لم يكن يعني إن يلتزم بجانب الإفراط في تجويد القراءة أثناء الصلاة، كلا كانت صلاته عادية، وكان دائماً على طهارة دون إن يعني ذلك إن يقع في الوساوس أو الإسراف في الماء اثناء الوضوء[43].
لكنها صلاة مفعمة بالروحانية لقد صليت مراراً مأتماً بالإمام ضمن صف المأمومين، وكان ملتزماً برعاية حالة المصلين فلا يطيل صلاته بل يقيمها بصورة عادية وبسيطة وبصورة كنت اشك معها في صحة الصلاة لو كانت بأمامة غيره!
كانت صلاة الإمام ـ وهو يقيم صلاة الجماعة ـ بسيطة للغاية لكنها كانت مفعمة بالروحانية[44].
يقيم الصلاة بخشوع كان الإمام يراعي حال المأمومين في صلاة الجماعة، فيقيم الصلاة بخشوع وبسرعة أيضاً! وعندما أتأمل الان في الصلوات المعدودات التي صليتها خلفه أجدها اكثر الصلوات التي صليتها طوال عمري بركة وروحانية[45].
الاهتمام بمستحبات الصلاة كان الإمام يقوم بجميع مستحبات الصلاة ـ التي ذكرها في رسالته العملية ـ وفي كل صلاة يؤديها، فحتى عندما كان راقداً على سرير المرض في المستشفى كان يضع على رأسه عمامة صغيرة ويمشط لحيته الكريمة بدقة ثم ينظر في مرآته الصغيرة ويرتب عمامته بدقة ويمشط حاجبيه ثم يستعمل الطيب وذلك استعداداً لكل صلاة، وقد عرض ذلك الفيلم الذي بثه التلفزيون عن أيام رقوده في المستشفى؛ فحتى المرض لم يمنعه من إن يمشط لحيته مثلاً. وعندما تورمت يداه في أيامه الأخيرة وضعفت قدرته على تحريكها كان السيد الأنصاري يضع العمامة على رأسه ويمشط لحيته كما لاحظتم في الفيلم المذكور.
كان الإمام يؤدي الأذان والإقامة لكل صلاة ويتحنك بذؤابة العمامة ويجلس على فخذه الأيسر وقدمه اليمنى على باطن القدم اليسرى عند التشهد، وهكذا يعمل بجميع مستحبات الصلاة التي أفتى بها في رسالته العملية[46].
يوصي بالصلاة في أول وقتها كان الإمام يؤدي جميع مستحبات الصلاة، ويلتزم بإقامة الصلاة في أول وقتها ويوصينا بذلك باستمرار، كما كان يتطيب حتماً لكل صلاة[47].
المحافظة على تعقيبات الصلاة دخل السادة: الخامنئي والهاشمي الرفسنجاني والموسوي الأردبيلي ومير حسين الموسوي على الإمام يوماً وهو منشغل بأداء التعقيبات المستحبة بعد الصلاة، فسلموا عليه تباعاً فكان يكتفي برد السلام وهو مستقبل القبلة دون إن يلتفت بوجهه الكامل عن القبلة اليهم بل اكتفى بإدارة رأسه شيئاً قليلاً حتى إن الشيخ الهاشمي تصور إن الإمام يصلي ولذلك اكتفى برد السلام، فقال الشيخ :يبدو إن السيد لم يكمل صلاته بعد، لكن الواقع إن الإمام كان قد اكمل أداء نافلة المغرب أيضاً!
ثم قام الإمام وتلا الأذان والإقامة لصلاة العشاء وبعد أن أتم الصلاة التفت إلى السادة وأخذ يسأل عن أحوالهم !لقد كان ملتزماً بالمستحبات إلى درجة اجتناب التلفت حتى وهو يؤدي يعقيبات الصلاة[48].
الالتزام بمستحبات السجود والتشهد الأمر الذي شاهدته بنفسي وسمعته من المقربين من الإمام بل هو مما يتفق عليه الجميع؛ أن الإمام يلتزم بجميع مستحبات الصلاة، فمثلاً يستحب وضع الأنف على التراب أثناء السجود، ولأجل العمل بهذا المستحب كان الإمام يصلي على تربتين صغيرتين أو تربة كبيرة تتسع لجبهته وأنفه، وكذلك الحال مع دعاء "فتقبل شفاعته وارفع درجته" المستحب تلاوته بعد التشهد، فقد كان الإمام يلتزم بتلاوته في جميع صلواته[49].
المواظبة على صلاة الغفيلة والنوافل أستطيع أناـ وقد لازمت خدمة الإمام سنين طويلة ـ إن أقول بأنه لم يترك أبداً أداء صلاة الغفيلة بين صلاتي المغرب والعشاء، وكان يصليها وسائر النوافل عن جلوس في أيامه الأخيرة[50].
تلاوته آية الكرسي في تعقيب الصلاة شاهدت الإمام مراراً وهو يضع يديه على عينيه ـ بعد انتهاء صلوات الفريضة ـ ويتلو آية الكرسي والآيات الأخرى التي تستحب تلاوتها بهذه الحالة[51].
التسليم على المعصومين(ع) لم يكن الإمام يترك السلام على المعصومين عليهم السلام بعد كل صلاة، فقد كان ـ عادة ـ يقوم بعد الانتهاء من الصلاة وتعقيباتها والنوافل والأذكار المستحبة ويسلم على المعصومين عليهم السلام وهو واقف[52].
دعائه في السجدة الأخيرة من الصلاة كان الإمام يتلو في السجدة الأخيرة من الصلاة دعاء بصوت خافت لم أستطع استماعه رغم كثرة تدقيقي في ذلك لمعرفة هذا الدعاء الذي يلتزم بتلاوته في السجدة الأخيرة، وذات يوم كنت أرافقه في طريق العودة من حرم أمير المؤمنين عليه السلام فسألته :ما هو الدعاء الذي تتلوه في السجدة الأخيرة من صلاتك بصوت خافت يا سيدي؟ أجاب: "انه دعاء: اللهم ارزقني الجافي عند دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت"[53].
ذكره في السجدة الأخيرة من صلاة العصر ينقل عن احد أصحاب الإمام أن الإمام كان يتلو دائماً في السجدة الأخيرة من صلاة العصر ذكر" يا كريم يا لطيف" وكان يقول عن هذا الذكر:" إن هاتين الكلمتين من الكلمات الجامعة، فهما تغنيان الإنسان عن أي ذكر آخر لأن كل ما يطلبه الانسان من الله تبارك وتعالى يعطى له إما ببركة كرمه أو لطفه جل وعلا"[54].
يتغير حاله عند حلول وقت الصلاة كان الإمام يتغير حقاً عند حلول وقت الصلاة، كان يقول لمن كان حاضراً عنده في غرفته في ذلك الوقت ـ أياً كان وبكل صراحة ـ: " تفضلوا بالخروج فقد حان وقت الصلاة". وكانت ابتسامة خاصة تظهر على محياه في تلك اللحظات تجعل الإنسان يشعر بأن الإمام في انتظار لحظات يعشقها بكل وجوده[55].
إقامته صلاتي الظهرين كان الإمام يبدأ يومياً بمقدمات صلاتي الظهر والعصر في الساعة الثانية عشر وينهي صلاتيه وتعقيباتهما في الساعة الواحدة وخمس دقائق ثم يأتي لتناول طعام الظهيرة[56].
اقتران صلاة الإمام بالأذان أتذكر جيداً أنني ومنذ سن الرابعة إلى اليوم لم أسمع صوت الأذان إلاّ والامام قائم يصلي، هكذا حاله في الصبح والظهيرة والمغرب[57].
سنة ثابتة إن إقامة الإمام للصلاة في أول وقتها كانت أمراً مألوفاً لنا، فمنذ إن وعيت كنت أراه يسبغ الوضوء ويصلي في اول وقت صلاة الظهر[58].
تأخير الصلاة من مصاديق الاستخفاف بها ذهبت مرة في الساعة السابعة مساءً إلى منزل الامام، وبعد إن استمعت إلى خلاصة أخبار الساعة السابعة من التلفزيون قمت على عجل: ينبغي إن أقوم للصلاة. فذهبت وصليت ثم رجعت إلى الإمام فقال:" إنني أشعر بأنني مؤاخذ إذا لم أحدثك عن أمر أخشى من المحاسبة إذا لم أحدثك عنه"!! وأتصور انه وضع حينها يده على صدره ثم قال:" لماذا تستخفين بصلاتك إلى هذه الدرجة؟!".
أجبت: كنت خارج المنزل، ذهبت إلى كلية العلوم وذهبت منها إلى محل آخر ثم جئت إلى المنزل!
فقال: "ينبغي إن تنظمي برنامجك اليومي بصورة تمكنك من أداء الصلاة في اول وقتها، أنت تعلمين بأن الصلاة عمود الدين فاذا لم تقبل فلن ينظرون إلى أية عبادة اخرى".
قلت: لقد وسع الله لنا في وقت الصلاة فلا ينبغي إن نضيقه نحن على أنفسنا!
كنت أتصور إن الاستخفاف بالصلاة يعني إن نؤديها حيناً ونتركها حيناً، لا إن يكون المعنى هو إن نؤخرها عن أول وقتها ونصليها في الساعة السابعة والنصف أو الثامنة !لكن الإمام قال : "كلا بل إن معنى عدم الاستخفاف بالصلاة هو إن تؤدي الصلاة في أول وقتها وحيثما كنت"[59].
ثم حكى لي عن شخص ـ نسيت أسمه ـ أنه كان ملتزماً بالنزول من السيارة إذا سمع صوت الأذان وإقامة الصلاة على حافة الجادة في أول وقتها[60].
يوصي بالصلاة بالقول والعمل كان الإمام قدوة سامية في طريقته التربوية، فاذا نهانا عن عمل نلاحظ انه لم يعمله طوال حياته، ولذلك كنا نستجيب ـ بصورة طبيعية ـ لنهيه لنا عنه.
فمثلاً عندما كان يقول لنا:" ينبغي إن تؤدوا الصلاة في اول وقتها"، كنا نراه يستعد لصلاة الظهر قبل الأذان بنصف ساعة إذ كان يتوجه لإسباغ الوضوء ثم يقبل على تلاوة القرآن ثم يقيم الصلاة في أول وقتها ونحن نلعب في ساحة البيت! ولم يحدث إن نادانا ـ ولا لمرة واحدة ـ وقال ـ مثلاً ـ:تعالين لإقامة الصلاة خلفي أو فرادي، كان يقيم الصلاة في أول وقتها، لكنه لم يقل لنا ـ ولا لمرة واحدة ـ : كفوا عن اللعب الان فقد حان وقت الصلاة، بل كان يقول:" ينبغي إن تقيموا الصلاة في هذه الساعة، وحذار من التخلف، فمن لم يؤد الصلاة في هذه الساعة فعليه إن يخرج من هذا البيت"[61].
آذاه تأخر صلاتي في بدايات بلوغي سن التكليف نمت ليلة قبل أداء الصلاة، ولما انتبهت وجدت الإمام قد عاد إلى المنزل يرافقه أخي وكان السرور بادياً عليهما، سألني: "هل صليتِ؟"، تصورت إن سروره الطافح لن يؤثر عليه عدم أدائي الصلاة في أول وقتها، فأجبت: كلا، لم أصل بعد، وعندها غضب بشدة وتغير حاله بالكامل وسيطر الأذى عليه[62].
من بركات درسه كان الإمام شديد الاهتمام بإقامة الصلاة في أول وقتها، وكان يؤذيه كثيراً أن يرى أحد طلبته الذين كانوا يحضرون دروسه في المسجد الأعظم أو مسجد السلماسي "في قم" يؤخر صلاته إلى ما بعد انتهاء الدرس أو يصليها في آخر وقتها، وكان لهذا الاهتمام تأثيره البالغ في دفعي للسعي لأداء الصلاة في اول وقتها.وهذه من بركات حضور درس الامام[63].
من الاستخفاف بالصلاة تقديم عمل عليها في اول وقتها قلت للإمام يوماً: لعل معنى الاستخفاف بالصلاة هو إن يؤديها الشخص تارة ويتركها اخرى، فقال:" كلا، فترك الانسان صلاته حيناً مخالف للشرع، إن مقصود الإمام الصادق عليه السلام هو أن يحلّ ـ مثلاً ـ وقت صلاة الظهر فلا يصليها الانسان في أول وقتها ويرجح عليها عملاً أخراً، وبهذا الترجيح يكون الانسان قد استخف بصلاته"[64].
كان يوصي كثيراً بالصلاة كان الإمام يقول لنا باستمرار:" لا تستخفوا بصلاتكم"، ويقول: "إن نفس قولكم: أقوم بالعمل الفلاني ثم أصلي، هو أمر لا ينسجم مع الشرع، اجتنبوا ذلك، اهتموا بأمر صلاتكم، الصلاة قبل كل شيء". كان يوصي كثيراً بالصلاة[65].
ويأمر بها الصبيان كان الإمام يقول أحياناً لولدي ـ هو أبن ثمانية أعوام ـ عندما يراه:"هل صليت؟"، وقد قلت له مرة: انه لم يبلغ سن التكليف يا سيدي! فقال: " ينبغي توجيه الاولاد للصلاة قبل بلوغهم سن التكليف الشرعي لكي يعتادوا عليها". اما بعد بلوغ الأولاد سن التكليف، فلم يكن أي منهم يتجرأ على التقاعس عن أداء الصلاة ما لم يكن نائماً، فلم يكن الإمام يتحمل إن يؤدي من بلغ منهم سن التكليف صلاته قضاء، وهذا مالم يكن يحدث بالطبع، لقد كان الإمام يسألهم عن الصلاة كلما رأى أحدا منهم، فان لم يكن قد صلى أعطاه الإمام سجادته الخاصة به وقال:" أذهب وتوضأ ثم أرجع وصل"، ثم كان ينصحه بعد أن يتم صلاته ويقول له:" لاحظ كم كان أحسن لو أديت الصلاة في أول وقتها؟! إن ذلك أمرّ يحبه الله تعالى"[66].
ويهتم بأن يقيمها أولاده في أول أوقاتها كان الإمام يوصي الأولاد كثيراً بالصلاة ويهتم كثيراً بأن يؤدي أولاده الصلاة في أول وقتها[67].
ويحثهم عليها كان الإمام يوصينا كثيراً بالصلاة وبأدائها في أول وقتها، وكان يقول لنا:" ادعوا الله باستمرار من اجل الفقراء والمعوزين واطلبوا منه إن يعينهم ويساعدهم"[68].
الصلاة في اول وقتها تثمر حب الله كان الإمام يوصينا في أكثر الاوقات بالصلاة وتلاوة القرآن ويقول:" ينبغي للأولاد أن يقيموا الصلاة في اول وقتها لكي يحبهم الله اكثر وأكثر"[69].
حفظ قيمة الصلاة كان الإمام يتمشى في ساحة المنزل، فمررت في الساحة، وعندها قال لي: "تعال إلي هنا"، فذهبت اليه، فسألني: "هل صليت؟"، قلت: لا، قال:" أذهب بسرعة وأدّ صلاتك لكي لا تقل قيمتها" فذهبت وصليت[70].
أقم الصلاة بصورة جيدة كان الإمام يكرر القول لي: " أقم الصلاة بصورة جيدة، فالانبياء كانوا يديمون الصلاة"[71].
شدة حذره من تضييع الصلاة دخلت على الإمام عصر أحد الأيام فقال لي:" أتعلمين ما الذي حدث اليوم ؟"، قلت : ماذا حدث؟قال :" لقد وقعت في خطأ بل في أخطاء اليوم "!! قلت : وكيف؟ قال ـ وهو ينقل ما جرى بصورة حكاية تعلمت منها أموراً منها أهمية إقامة الصلاة في أول وقتها ـ :" استيقظت من نوم القيلولة هلعاً وقلت: يا ويلي، ضيعت الصلاة وأنا نائم، لماذا حدث هذا ؟ فقمت على عجل، وقلت : إن تربتي ليست في محلها " وكان يضعها عادة على المدفأة لكي تذهب آثار تعرق الجبهة منها"، رأيت أنني سأتأخر لو ذهبت إلى الغرفة الأخرى لجلب التربة، لذلك قلت في نفسي : لا بأس، أسجد على الورقة لكي لا تتأخر صلاتي اكثر من هذا، لكنني تذكرت فجأة أنني لن أستطيع الذهاب لتناول الطعام في الجانب الأخر من البيت الأمر الذي سيصيب الأهل بالقلق، لذلك خرجت بسرعة لكي أخبرهم بالأمر ـ ولا تدرين كم كنت في أذى لما جرى، ـ فقد تأخرت صلاتي ولم أستطع أن أخبر الأهل بالأمر لكي لا يقلقوا، خرجت من الغرفة فرأيت زوجة السيد أحمد، قلت لها :لقد تأخرت اليوم في الاستيقاظ، فقالت : كلا لم تتأخر، فكم الساعة الان ؟ قلت: انها الثانية عشر والنصف، فقالت: كلا، بل لم يحن وقت الأذان بعد! نظرت إلى الساعة فوجدتها تشير إلى الحادية عشر والنصف!! وعرفت أنني تصورت خطأ أنها الثانية عشر والنصف، ولذلك قلقت لأنني لو ذهبت لتناول الطعام مع العائلة تأخرت صلاتي[72].
يصلي قبل بث الأذان عبر الإذاعة كان الإمام شديد الالتزام بإقامة الصلاة في أول وقتها والى درجة كان يشرع بالصلاة فور حلول المغرب الشرعي وقبل ارتفاع الأذان في طهران والذي يتأخر عادة " 7ـ8" دقائق عن الوقت الشرعي، وكان أحياناً يتم أداء نافلة المغرب قبل إن تبث الإذاعة الأذان[73]!!.
أعطاني إحدى تربتيه دخلت يوماً على الإمام مع ارتفاع صوت الأذان فوجدته قد دخل في الصلاة، فركضت باحثاً عن تربة للصلاة فلم أجدها، فقطعت ورقة من شجرة في ساحة المنزل ووقفت مصلياً خلفه وعند السجود ألقى لي بإحدى تربتيه فصليت عليها بدلاً من الورقة[74].
أقام الصلاة مرة ثانية في الأيام الاولى لإقامة الإمام في جمران جاءت مجموعة من المسلمين غير الإيرانيين لزيارته والصلاة خلفه، لكنهم تأخروا في الوصول، يقول الإمام :" لما عرفت بتأخرهم أقمت الصلاة ولما وصلوا أقمتها ثانية معهم"، فهو لم يؤخر صلاته عن أول وقتها حتى يصل زواره[75].
علمنا درساً عظيماً ذهبت في عصر أحد الأيام برفقة أخي المهندس مهدي الثقفي إلى منزل الإمام في جمران، وجلسنا مدة عند السيدة زوجته" وهي أختهما"، ثم أستأذنا للذهاب قبيل المغرب، فرغبنا في زيارة الإمام ولو بمقدار السلام عليه وتقبيل يديه، فعرضنا الأمر على السيدة فقالت: لا مانع من ذلك. ثم بعثت من يخبر الإمام برغبتنا في زيارته، وكان وقتها في البيت المجاور، توجهنا اليه وقد بقيت إلى موعد الأذان خمس إلى ست دقائق، وكنا نعرف شدة التزامه بإقامة الصلاة في أول وقتها وأنه لا يتسامح في ذلك في أي حال من الأحوال، ولذلك شككنا في إمكانية وصولنا اليه قبل دخوله في الصلاة، لكننا قررنا إن نذهب اليه على كل حال ولو لم نستطع أكثر من السلام عن الباب وتقبيل يديه والرجوع.
وبمجرد وصولنا إلى باب البيت فتح لنا السيد الباب بنفسه وقد شمر عن ذراعيه وكان واضحاً انه مستعد لتجديد الوضوء، فاستقبلنا بحفاوة ورحب بنا عند الباب!
ولما رجعنا قلت لأخي: هل عرفت عظمة الدرس الذي ألقاه لنا بعمله هذا؟! لقد أعرب عن بالغ الاحترام والتكريم لنا بمجيئه بنفسه لفتح الباب، هذا أولاً، وثانياً؛ فقد ذكرناـ بصورة غير مباشرة، أي باستعداده للقيام بمقدمات الصلاة ـ إن الوقت هو وقت الصلاة [76].
القسم الثاني : حفظه حق الصلاة أيام مرضه
الصلاة آخر وصاياه أوصانا الإمام ـ قبل يوم من نقله إلى المستشفى ـ بالصلاة في أول وقتها وذكرنا بلزوم الاهتمام بها[77].
يضطرب عند حلول وقتها كان الإمام ـ في أيام مرضه ـ يولي أهمية بالغة بأداء الصلاة بأول وقتها، كان يضطرب عند اقتراب وقت الصلاة، ويسعى الاعداد نفسه لإقامتها فور دخول وقتها[78].
يرتدي أنظف ثيابه للصلاة كان الإمام يرتدي أنظف ثيابه عند إقامته للصلاة في أيام وقوده في المستشفى رغم أن الالتزام بذلك كان أمراً شاقاً مع استمرار النزيف ووجود شق كبير في بطنه[79].
الصلاة في ذروة اشتداد المرض يروي أحد أطباء قم: ذهبت إلى الإمام عندما أخبروني بإصابته بأزمة قلبية، ووقفت عند سريره لقياس ضغط دمه وكان مؤشر جهاز قياس الضغط يشير إلى الرقم "5" وهو مستوى خطير للغاية، فقمت بالإسعافات الأولية اللازمة فتحسنت حالته بعض الشيء بعد ساعتين، وكان بالطبع لا يستطيع القيام بأي حركة، بل ولاينبغي له ـ طبياً ـ القيام بذلك حتى لو استطاع، لكنه سعى للقيام! فسألته عن سبب ذلك فأجاب :" الصلاة "، فقلت له: أنت ياسيدي مجتهد في الفقه، وأنا مجتهد في الطب، إن تحرككم حرام الان حسب الفتاوى الطبية! أقيموا الصلاة وأنتم مضطجعون.
وقد ألتزم الإمام بما قلته لسماحته بدقة[80]!!
أرجعوا الطعام إلى ما بعد الصلاة أوصى الإمام عند نقله إلى المستشفى بإطلاعه على الأذان عند كل صلاة، فكان يصلي اولا ثم يتناول الطعام، وفي أحد الأيام انتبه إلى أنهم قد جاؤوا بالطعام فسألهم، :" وهل حان وقت الصلاة؟"، أجابوا بالإيجاب، فقال لهم بلهجة عنيفة:" لماذا لم توقظوني إذن؟!"، قالوا: لم نرغب في ذلك بسبب حالتكم الصحية، فقال بهلجة مفعمة بالألم: "لماذا تعاملوني بهذه الصورة؟! أرجعوا الطعام لكي أصلي"[81].
تحسن صوته عند حلول وقت الصلاة! عندما كان الإمام راقداً في المستشفى، كنا نراه يغمض عينيه أحياناً فنتصور إن حالة من النعاس المستمر تسيطر عليه، فكنا نفتش بحثاً عن العلة الطبية لهذه الحالة، ثم عرفنا فيما بعد، انه لا يغلق عينيه بسبب النعاس، بل انه كان يحلق معنوياً في عوالم أخرى، وقد دلنا على ذلك أننا لاحظنا انه كان يفتح عينيه بين الحين والاخر، ويسألنا عن مقدار الوقت المتبقي لأذان الفجر أو الظهر، فاذا أجبناه عاود إغلاق عينيه.
ولكن حالته الصحية كانت تتغير بدرجة حادة عند حلول وقت الصلاة، كانت تتحسن بدرجة ثمانين بالمائة!! إذ كان ينشط ويصبح قادراً على الجلوس، وكان يتوضأ ـ إذا كان مسموحاً له ـ ثم يقيم الصلاة، ويواصل الذكر إلى اللحظة الأخيرة، اجل كان السيد الأنصاري، في الايام الأخيرة ـ يضع التربة على جبهته المباركة لأن المغذي الطبي كان موصولاً بيده وكان الإكثار من الحركة مضراً له[82].
عاتبني وشكاني! أصرّ الأطباء ـ بعيد انتهاء إجراء العملية الجراحية للإمام ـ أن يتناول بضع ملاعق من الحساء المخلوط بالأدوية، وكان هذا الأمر مهماً لهم كثيراً لأن العملية الجراحية كانت في المعدة وهذا الطعام هو أول ما يتناوله بعد العملية، ولكن ذلك اقترن مع أذان الظهر، ولذلك طلب الإمام ـ الذي كان شديد الاهتمام طوال عمره بإقامة الصلاة في أول وقتها ـ تأخير تناول الطعام إلى ما بعد إقامته الصلاة، لكن الأطباء أصروا على موقفهم، فاستدعاني الإمام وطلب تأخير الطعام ـ عند الإمكان ـ إلى ما بعد الصلاة، لكنني أيدت موقف الأطباء بسبب قلقي على صحته فقلت له : من الأفضل إن تتناولوا طعامكم قبل الصلاة، فقال لي معاتباً : " لي عتاب معك! كيف تسمع أنت أيضاً بتغيير برنامجي المعتاد!". وقد شكاني مرة ثانية للسيد أحمد عندما دخل عليه"[83].
استيقظ رغم التعب قبل وقت الصلاة أتعبت الإمام كثيراً التحليلات والتخطيطات والصور الطبية التي أخذت له على مدى ست ساعات قبل إجراء العملية، فطلب مني ـ قبل نومه ـ إن أوقظه قبل ساعة من وقت الأذان وطبق برنامجه المعتاد، ثم قلنا إن النوم والاستراحة أمر ضروري له لما أصابه من تعب شديد، ولكن الإمام استيقظ بنفسه قبل نصف ساعة من الوقت المقرر وسألنا: "كم الساعة الان"[84].
يقيم صلاته بنشاط أيام المرض على الرغم من كل ما كان يقاسيه الإمام من آلام ومتاعب وضعف وهو يرقد في المستشفى، إلاّ انه كان يقيم صلاته بنشاط واستقامة كما لاحظ الجميع ذلك، كان يتلو أذكار الصلاة بوضوح رغم إن كمامة الأوكسجين كانت موضوعة على فمه وأنفه، وكان الحاضرون يسمعون صوته وهو يتلو أذكار الصلاة، ولكن كان إذا أتم الصلاة عاد صوته ضعيفاً خافتاً لا نستطيع سماعه، الأمر الذي كان يثير تعجبنا[85].
لم يغفل عن الذكر والصلاة إلى لحظاته الأخيرة لم يغفل الإمام عن الذكر والصلاة والدعاء إلى اللحظات الأخيرة من حياته، وينقل السيد أحمد إن والده بدأ ـ قبل الظهر من اليوم الاخير من حياته ـ صلاة لم نعرف ما هي. وبعد مدة من الصلاة سألنا: هل حان وقت صلاة الظهر؟ وعندما علم بحلول موعد أذان الظهر، أقام صلاتي الظهر والعصر. وكان يكرر التسبيحات الأربعة باستمرار إلى إن أغمي عليه بالكامل[86].
يصلي النوافل باستمرار على سرير المرض كان الإمام يصلي باستمرار أيام رقوده في المستشفى، كنا نتصور عندما نراه يحرك شفتيه أنه يريد شيئاً لكننا عندما كنا نقترب منه نعرف انه لا يريد شيئاً وانه يحرك شفتيه في تلاوة أذكار الصلاة، وقد تكررت هذه الحالة مراراً، لقد استمر في صلاته وهو يؤدي تكبيرة الاحرام والركوع والسجود بالإيماءة والإشارة بإصبعه وبقي على هذه الحالة إلى إن تدهورت حالته الصحية بالكامل[87].
الصلاة بفرائضها ونوافلها هي العمل الأهم في حياة الإمام الصلاة هي العمل الأهم في برنامج الإمام، وهو لم يترك أداء الصلوات المستحبة إلى اللحظات الأخيرة من حياته، وكان يؤديها بالإشارة بأصابعه عندما ضعف حتى عن تحريك شفتيه، وقد شاهدت ذلك بوضوح، وقد كان بعض الأطباء يتصورون انه يطلب شيئاً عندما كان يحرك أصابعه فكنت أجيبهم :أنه لا يريد شيئاً بل هو يصلي، وكل ذلك يعبر عن أهمية الصلاة التي كانت وصيته الأخيرة[88].
أفاق من إغمائته لإقامة الصلاة! كان الإمام شديد الحب للصلاة في اول وقتها في الليلة الأخيرة من حياته صلى المغرب والعشاء بالإشارة وكان ذلك في حدود الساعة العاشرة مساءً، كان في تلك الليلة مغمى عليه وقد عجز الأطباء عن إخراجه من تلك الحالة، فوقف أحدهم عند رأسه وسعى لإيقاظه من الإغماء بذكر الصلاة، فخاطبه بالقول: لقد حان وقت الصلاة ياسيدي! إثر ذلك مباشرة استيقظ الإمام وأدى الصلاة بالإشارة!
كان يكرر علينا السؤال منذ صباح ذلك اليوم الاخير من حياته المباركة ـ عن حلول موعد صلاة الظهر، إذ لم تكن توجد ساعة بالقرب منه، ولأنه كان قد ضعف حتى عن النظر إلى الساعة، لذلك كان يسألنا كل ربع ساعة عن مقدار ما بقي من الوقت لأذان الظهر، ولم يكن ذلك بدافع خشيته من إنقضاء وقت صلاة الظهر بل لأنه كان يريد إقامة الصلاة في أول وقتها[89].
شدة حرصه في مرضه على حفظ الصلاة قال أحد الأطباء ـ بعد إجراء العملية الجراحية للإمام ـ: لقد فتح السيد عينيه! ثم نادى السيد الأنصاري الذي كان مسؤولاً عن مساعدة الإمام لإقامة الفرائض، جاء السيد الأنصاري وسأل الإمام: هل تريدون إقامة الصلاة؟ فحرك حاجبيه مجيباً بذلك بالإيجاب، لكنه لم يجب على أي سؤال آخر، ثم رأيناه يحرك يديه فعرفنا انه يؤدي الصلاة، لقد كان في أيامه الأخيرة قلقاً باستمرار حرصاً على إقامة صلاته في اول وقتها[90].
صلاة في غرفة الإنعاش المكثف في الساعة السابعة والخمسين دقيقة أدخلوا الإمام غرفة الإنعاش والرعاية المكثفة "سي، سي، يو"، فقلت في أذنه:لقد حان وقت الصلاة يا سيدي، هل تريدون إن يأتي السيد الأنصاري لكي يعينكم على الوضوء؟ فأشار إلي بحاجبيه، فقال الدكتور الإلياسي: أن السيد يسمع الكلام لكنه لا يستطيع الرد. ثم رأيته يحرك إصبع يده اليمنى، فعلمنا أنه يصلي[91].
يؤدي صلاة الليل في ذروة المرض كان الإمام يسألناـ أيام رقوده في المستشفى ـ قبل موعد أذان الظهر: "كم بقي من وقت لموعد أذان الظهر؟"، وكان يستيقظ بعد منتصف الليل ويسألنا: "كم بقي من وقت لأذان الصبح؟" وذلك لكي يؤدي نافلة الليل، وقد سلم الروح لخالقها وهو يلهج بأذكار الصلاة، وكانت كلمة " الله اكبر" أو كلمة ينطق بها إثر خروجه من حالة الإغماء بعد إجراء العملية الجراحية له.[92]
يسأل باستمرار عن وقت الصلاة كنت ملازماً لخدمة الإمام ليلة السبت" قبل ليلة من وفاته" ما بين الساعة العاشرة مساءً إلى الخامسة صباحاً، وقد استيقظ عدة مرات كان يطلب فيها الماء، فكنا نأتيه بعصير الفواكه لكنه كان يرفض تناوله ويقول:" أريد ماءً"، كما كان يسألنا مراراً عن الساعة ويقول:" انتبهوا لكي لا تطلع الشمس، وتصير صلاتي قضاءً"[93].
في صلاةٍ مستمرةٍ كان الإمام منشغلاً بالصلاة منذ الصباح وعلى نفس واحد، فكلما دخلنا عليه لنتفقده وجدناه يصلي ويردد التسبيح والتكبير[94].
كان يتلو الأذان والإقامة حتى للنوافل في اليوم الاخير من حياته المباركة، انتبهت مرتين أو ثلاث ما بين الساعة "8ـ 10" صباحاً؛ إلى انه يردد الشهادتين الأمر الذي أثار فيّ القلق لكنني عندما اقتربت منه وجدته يتلو الأذان والإقامة للصلاة، ويبدو انه كان يتلو الأذان والإقامة حتى للصلوات المستحبة، أو انه كان يردد أذكار أخرى لم نعرفها بدقة، ولم يغفل عن ذكر الله والصلاة حتى بعد تدهور حالته الصحية للغاية عصراً[95].
قلقه من احتمال فوت وقت الصلاة الاول كانت حالة الإغماء تغلب على الإمام بين الحين والاخر في ضحى اليوم الذي توفي الإمام في مسائه، لكنه كان يسألنا كلما أفاق: " هل حان وقت أذان الظهر؟" كان قلقاً لحرصه على إقامة الصلاة في أول وقتها.[96]
التزامه بالنوافل اليومية إلى اليوم الأخير في الساعة الحادية عشر وربع من اليوم الأخير من حياة الإمام، وكان قد انخفض ضغط دمه بدرجة حادة، قال: "أريد أن أتوضأ لكي أصلي "، قلنا: لازال وقت مبكراً لصلاة الظهر، وفي الساعة الحادية عشر ونصف قال:" قولوا للسيد الأنصاري أن يأتي في الساعة الحادية عشر وأربعين دقيقة لكي يعينني على الوضوء.
جاء السيد الأنصاري وتوضأ الإمام وقد قام بأفعال الوضوء بنفسه حتى المسح على الرجلين، ثم أخذ بأداء صلاة النافلة، وقد استمر فيها إلى الساعة الثانية عشر والنصف وكان يتلو الأذان والإقامة للنوافل أيضاً[97].
يودع الدنيا مصلياً: كنت واقفة عند رأس الإمام في وقت صلاة المغرب في اليوم الأخير من حياته المباركة، أخذ بعض الحاضرين يكرر القول بإنفعال: "الصلاة ياسيدي الصلاة"، ففتح عينيه بصعوبة شديدة، وكانت السيدة الوالدة بالقرب منه فقالت له: انا هنا ياسيدي أنا! ففتح عينيه وألقي نظرة.
ثم رأيته يصلي بالإشارة بأصابعه وهو يحرك شفتيه، وقد عرفت انه يصلي من ملاحظة انه يضرب السرير بأصابعه[98].
أخرجوه من حالة الإغماء بذكر الصلاة لم يخرج الإمام من حالة الإغماء منذ الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم الأخير من حياته، عجز الأطباء عن أخراجه من هذه الحالة إلى ما بعد أذان المغرب وعندها خاطبوه ـ وهم يعرفون شدة اهتمامه وحساسيته تجاه الصلاة ـ قائلين: لقد حان وقت الصلاة ياسيدي، وعندها ظهرت منه ردة فعل تجاه هذا الخطاب!
استمر في صلاته مع نوافلها في تلك الحالة الصعبة تدهورت حالة الإمام الصحية قبل ساعة من أذان الظهر في اليوم الذي توفي فيه، فأعناه على الوضوء، لقد قال لي الدكتور العارفي: إن الإمام لا يستطيع تحريك يديه فأمسك أنت بهما. كان المغذي الطبي موصولاً بيده لذلك لم يستطع رفع يديه أثناء التكبير، ولذلك وقفت إلى جانبه وأمسكت بيده، وقد استمر في الصلاة ـ بهذه الحالة الصعبة ـ إلى الساعة الواحدة ظهراً[99].
فتح عينيه عند ذكر الصلاة ذهبت إلى المستشفى يوم السبت لعيادة الإمام، وكنت بالقرب منه في حدود الساعة الثامنة مساءً، وكان في حالة الإغماء وقد أوصلوا به أجهزة التنفس الصناعي، ثم قال أحد الإخوة مخاطباً له: لقد حان وقت صلاة المغرب ياسيدي، فهل تريدون إن يأتوك بالماء للوضوء وإقامة الصلاة؟
والعجيب إن الإمام الذي كان مغمى عليه فتح عينه إثر هذا الخطاب مباشرة وقال كلمة ثم أغلق عينه ثانية، ولم أسمع منه شيئاً بعد ذلك[100].
أصابته السكتةُ الاخيرة وهو يلهج بذكر الله سألنا الامام في ضحى اليوم الأخير من حياته: (كم الساعة الآن؟)، قلنا: إنها العاشرة وخمسٌ وأربعون دقيقة، قال: (أريدُ أن أتوضأ)، قلنا: استريحوا ساعة فلا زال الوقت متسعاً الى صلاة الظهر، فقال: (إذن قولوا للسيد الأنصاري أن يأتي في الساعة الحادية عشر وأربعين دقيقة لكي يعينني على الوضوء). جاء السيد الأنصاري في الوقت المحدد بعد أ، أخبرناه بأمر الإمام، ثم توضأ الإمام وقال: (أريد أن أصلي)، فقال السيد الأنصاري: السيد يريد أن يصلي النوافل، فلا حاجة الآن للتربة. ثم صلى الإمام نوافلهُ بالإشارة.
وبعد أن أتم الإمام إقامة صلوات النوافل وفريضتي الظهر والعصر، تابع الصلوات مع تلاوة الأذان والإقامة لكل منها، كما تابع ذكر الله.واستمر على ذلك إلى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر فاختفى صوته حينها بالكامل لكن شفتيه بقيتا تتحركان، وفي الساعة الثالثة وعدة دقائق انخفض ضغط الدم بدرجة حادة وأصابته سكتة قلبية وهو يلهج بذكر الله[101].
يغادر الدنيا وهو منقطع إلى الله في حدود الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم السبت سأل الإمام الأطباء : "كم الساعة الان؟ هل حان وقت صلاة المغرب؟"، قلنا: كلا ياسيدي، لقد صليت الظهر قبل ثلاث ساعات ولا زال الوقت متسعاً إلى غروب الشمس، فصلى الإمام ركعتي نافلة ثم قال:" أرجعوا السرير إلى حالة الاستواء "، ففعلوا ثم أخذ الإمام بمتابعة ذكر الله، ثم وجد له أحد السادة الواقفين عند رأسه سؤالاً له، فأشار اليه الإمام بأن يترك السؤال، فتراجع هذا الشخص إلى الوراء، يقول هذا الشخص : تقدمت بعد هنيئة لكي أوجه سؤالي إلى سماحته فأشار إلي ناهياً عن السؤال وعن الاقتراب منه، وواصل ذكره. فجلست هناك هنيئة ثم رأيته يغادر الحياة الدنيا وهو يلهج بذكر الله[102].
الإمام العارف في كل حركاته إن الذي أوصل الإمام إلى مكانته المتميزة السامية هو البعد العرفاني في شخصيته، لقد كان فريداً لا نظير له في العرفان النظري وفي العرفان العملي بالخصوص، هذا البعد هو الذي كان يهدي الإمام ـ في جميع تحركاته ـ إلى المقام التالي لمقامات المعصومين عليهم السلام وهو الذي كان يجعل نظرياته مطابقة للواقع.
لقد بلغ الإمام مقاماً جعله يلمس ويرى الحقائق، بعين الشهود ورحم الله المرحوم الشهيد الدكتور شمران إذ كان يقول:" إن هذا البعد في شخصية الإمام هو الذي جعلني أحبه أكثر من أي شخص آخر[103].
كان دائم الطهارة كان الإمام على طهارة دائمة، ولم يشاهد أبداً وهو يرجع إلى غرفته قبل أن يتوضأ، ولقد شاهدته مراراً وهو يتلو الأذكار المستحبة المندوب لتلاوتها أثناء أفعال الوضوء.[104]
وملتزماً بمستحبات الوضوء كان الإمام ملتزماً بأن يكون على وضوء باستمرار، كان يجدد وضوءه مراراً قبل الصلاة، وكان تجديده الوضوء في كل مرة يطول بعض الشيء لأنه كان ملتزماً بالعمل بالمستحبات الخاصة بالوضوء[105].
لم يغفل عن مستحبات الوضوء وهو في المستشفى لم يكن الإمام يغفل أبداً عن ذكر الله، كان ذكر الله يجري على لسانه وقلبه في كل أحواله، كان يتلو الدعاء الخاص بكل يوم، كما كان يتلو الأدعية الخاصة بأفعال الوضوء أثناء تجديده له، وكان يلتزم بالتوجه نحو القبلة أثناء الوضوء حتى وهو راقد في المستشفى للعلاج[106].
____________________________
[1] آية الله الشيخ جعفر السبحاني، مجلة" حوزة"، العدد:32.
[2] حجة الإسلام والمسلمين عبد الكريم حق شناس، مجلة " ندا" العدد الاول.
[3] حجة الإسلام والمسلمين الرسول المحلاتي، مجلة " حوزة" العدد المزدوج:37ـ 38.
[4] حجة الإسلام والمسلمين أحمد الصابري الهمداني، كتاب" خطوات في أثر الشمس"، ج 3، ص271.
[5] آية الله السيد عز الدين الزنجاني، مجلة" حوزة"، العدد:32.
[6] آية الله السيد حسن بدلا.
[7] حجة الإسلام والمسلمين المسعودي الخميني:من خطاب له في جبهات القتال الجنوبية.
[8] آية الله يوسف الصانعي، مجلة " حوزة"، العدد: 32.
[9] السيد غلام حسين الأحمدي، صحيفة كيهان "29/6/1358هـ.ش"
[10] حجة الإسلام والمسلمين الرسول المحلاتي، صحيفة جمهوري إسلامي "7/4/1368هـ.ش.
[11] الشيخ علي الطهراني، صحيفة خراسان" 15/3/1359هـ.ش"
[12] السيدة فريدة المصطفوي "ابنة الإمام ".
[13] الدكتور محمود البروجردي" صهر الإمام"، مجلة "ندا"، العدد الاول.
[14] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، كتاب" دراسة تحليلية لنهضة الإمام الخميني"، ج1.
[15] حجة الإسلام والمسلمين أحمد الخميني، مجلة" جوانان إمروز"، العدد:766.
[16] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني.
[17] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج1.
[18] حجة الإسلام والمسلمين الناصري، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج4.
[19] حجة الإسلام والمسلمين العبائي الخراساني، كتاب" خطوات في اثر الشمس"ج 3، 331.
[20] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، مجلة" باسدار اسلام"، العدد الاول.
[21] حجة الإسلام والمسلمين عباس المحفوظي، كتاب" خطوات في أثر الشمس"، ج4، ص135.
[22] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي.
[23] السيد مرضية الحديدجي، مجلة" زن روز" العدد: 954.
[24] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلة" باسدار اسلام"، العدد:86.
[25] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، موسوعة "كوثر"، ج2، ص628.
[26] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، من كلمة له في جمع من سواق حافلات النقل الصغيرة العامة.
[27] السيدة مرضية الحديدجي، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج4.
[28] مراسل مجلة" باري مارج" الفرنسية، مجلة "مرزداران"، العدد:53.
[29] السيدة عاطفة الإشراقي "حفيدة الإمام"، مجلة "زن روز"، العدد: 1267.
[30] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي.
[31] مروي عن الإمام الصادق عليه السلام في مصباح الشريعة:75، وتجده عنه في المحجة البيضاء للفيض الكاشاني، 1: 307، ومستدرك الوسائل للميرزا النوري 1: 353، كما في كتاب "التنبيهات العلية" للشهيد الثاني:95ـ 96 طبعة مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانةالرضوية.
[32] آية الله عباس الإيزدي النجف آبادي، كتاب" خطوات في أثر الشمس"، ج2، ص290.
[33] من المساجد المهمة في النجف الاشرف وفيه قبر المرحوم آية الله الحكيم، وكان يومها محفلاً لأهم الحلقات الدراسية في حوزة النجف.المترجم.
[34] حجة الإسلام والمسلمين السيد عباس المهري، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج6.
[35] إشارة إلى الفتنة التي أثارها حزب الشعب المسلم في قم وقد تشرفنا بلقاء الإمام في اليوم نفسه الذي شهد وقوع هذه الفتنة.المؤلف.
[36] غلام علي الرجائي.
[37] حضر هذا اللقاء رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الدفاع الأعلى "آية الله الخامنئي يومذاك "، وكذلك الشيخ الهاشمي الرفسنجاني.المؤلف.
[38] اللواء حرس الثورة غلام علي رشيد.
[39] حجة الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.
[40] اللواء علي صياد الشيرازي.
[41] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا التوسلي.
[42] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلة" حوزة"، العدد: 45.
[43] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلة "جوانان أمروز"، العدد:1189.
[44] السيد التيموري، احد حراس بيت الإمام ـكتاب" في رثاء النور"، ص 63.
[45] المصدر السابق.
[46] السيد غلام علي الرجائي.
[47] السيدة فريدة المصطفوي "ابنة الإمام".
[48] حجة الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.
[49] السيد غلام علي الرجائي.
[50] الحاج عيسى الجعفري "خادم الإمام في جمران".
[51] المصدر نفسه.
[52] المصدر نفسه.
[53] حجة الإسلام والمسلمين الناصري.
[54] السيد غلام علي الرجائي.
[55] السيدة فاطمة الطباطبائي "زوجة ولده السيد أحمد"، مجلة "ندا"، العدد الاول.
[56] الحاج عيسى الجعفري.
[57] السيدة زهراء المصطفوي، مجلة" شاهد بانوان"، العدد:148.
[58] السيدة زهراء المصطفوي "ابنة الإمام".
[59] السيدة زهراء المصطفوي.
[60] السيدة فريدة المصطفوي.
[61] السيدة فريدة المصطفوي.
[62] السيدة فريدة المصطفوي، مجلة "زن روز"، العدد:966.
[63] آية الله صادق الخلخالي.
[64] السيدة فريدة المصطفوي "ابنة الإمام".
[65] السيدة فريدة المصطفوي.
[66] السيدة فاطمة الطباطبائي "زوجة السيد أحمد الخميني".
[67] السيدة زهراء الإشراقي"حفيدة الإمام" مجلة "سروش"، العدد:476.
[68] السيد محمد تقي الإشراقي "حفيد الإمام"
[69] أحد أحفاد الإمام.
[70] السيد محمد تقي الإشراقي، مجلة" رشد نوجوان"، العدد الاول، السنة الثامنة.
[71] السيد عماد الدين الطباطبائي" ابنة حفيدة الإمام ".
[72] زهراء المصطفوي "ابنة الإمام ".
[73] حجة الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.
[74] حجة ا الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.
[75] حجة الإسلام والمسلمين مسيح البروجردي.
[76] السيد علي الثقفي"أخ زوجة الإمام"
[77] السيدة فاطمة الطباطبائي، ملحق صحيفة اطلاعات بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لوفاة الإمام.
[78] الدكتور كلانتر المعتمدي، كتاب "أزهار من بساتين الذكريات"، ص 137.
[79] السيدة زهراء المصطفوي، مجلة" حضور"، العدد الاول.
[80] حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي إمام الجمراني، ملحق صحيفة جمهوري إسلامي بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الإمام.
[81] الدكتور حسن العارفي.
[82] حجة الإسلام والمسلمين الإنصاري الكرماني.
[83] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، صحيفة إطلاعات "29/3/1368هـ.".
[84] أحد حراس بيت الإمام، كتاب" في رثاء النور"، ص 62.
[85] آية الله السيد الخامنئي، صحيفة إطلاعات "19/3/1368هـ.ش".
[86] الدكتور حسن العارفي، صحيفة اطلاعات "27/3/1368هـ.ش".
[87] السيدة زهراء المصطفوي، صحيفة جمهوري إسلامي " 17/3/1368هـ.ش".
[88] السيدة نعيمة الإشراقي" حفيدة الإمام"، مجلة " سروش"، العدد: 476.
[89] السيدة زهراء الإشراقي"حفيدة الإمام "، مجلة " زن روز"، العدد، 1220.
[90] السيد مصطفى كفاش زاده" من العاملين في بيت الإمام"، مجلة "باسدار اسلام"، العدد:91.
[91] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا التوسلي.
[92] السيد حسين السليماني" من العاملين في بيت الإمام "، مجلة " باسدار اسلام "، العدد:91.
[93] حجة الإسلام والمسلمين الرحماني، مجلة، زن روز"، العدد: 1219.
[94] السيد أحمد بهاء الديني، مجلة"ماسدار إسلام"، العدد:91.
[95] الحاج عيسى الجعفري " من العاملين في بيت الإمام".
[96] السيد رحيم ميربان " من العاملين في بيت الإمام ".
[97] السيدة فريدة المصطفوي"ابنة الإمام "
[98] السيدة فرشته الإعرابي" حفيدة الإمام".
[99] السيد رحيم ميريان.
[100] آية الله الإمامي الكاشاني، صحيفة كيهان" 15/3/1368هـ.ش".
[101] السيد رحيم ميريان، مجلة" باسدار اسلام"، العدد:91.
[102] حجة الإسلام والمسلمين الشيخ الكروبي، مجلة " شاهد"، العدد:184، ويبدو إن المقصود هو حالة الإغماء الأخيرة التي لم يفق الإمام منها، لأن وفاته كانت في الساعة العاشرة وعشرين دقيقة مساءاً.
[103] حجة الإسلام والمسلمين أسد الله بيان، مجلة" حوزة"، العدد المزدوج:37ـ 38.
[104] حجة الإسلام والمسلمين السيد هادي الموسوي.
[105] آية الله الإيزدي النجف آبادي.
[106] أحد حراس بيت الإمام، كتاب" في رثاء النور"، ص 63.
|