مودته لأهل البيت (ع) وأخذه بحجزتهم
باع كتبه للحج وزيارة الحسين(ع) باع الإمام كتبه من أجل توفير نفقة حج بيت الله[1]. والسفر إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام[2].
أزور كربلاء أولاً بعد أطلاق سراح السيد ـ أي بعد انتهاء مدة نفيه في تركيا ـ سألوه: هل تذهب للعراق أم إيران؟ لكنهم لم يسمحوا له باتخاذ القرار بنفسه بل قالوا له: يجب إن تذهبوا إلى العراق!
وعندما وصل العراق قال:" أذهب اولا إلى كربلاء لأداء الزيارة ثم أذهب إلى النجف ". وقد بقي بضعة أيام في الكاظمية زار خلالها مدينة سامراء أيضاً، وقد دعاه أحد السادة، كان لديه منزلاً خالياً في كربلاء يذهب للإقامة فيه في الصيف؛ دعاه للإقامة في هذا المنزل فأقام فيه ثلاثة أيام[3].
يزور أمير المؤمنين (ع) قبل مشاركته في مراسم استقباله! فور وصوله إلى النجف ـ في المرة الأولى ـ توجه الإمام أولاً إلى مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، ثم عاد للمشاركة في المراسم التي أعدت لاستقباله، وكان يذهب للزيارة مرتين في اليوم، صباحاً ومساءً، طوال السنة الأولى لإقامته في النجف الأشرف[4].
زيارة الأمير(ع) قبل الذهاب إلى المنزل توجه الإمام فور دخوله النجف الأشرف إلى الحرم العلوي لأداء الزيارة قبل أن يذهب إلى المنزل المتواضع الذي أعد لسكنه[5].
الزيارة نعمة ربانية طوال خمسة عشرة عاماً أقام خلالها الإمام في النجف الأشرف، كان يذهب كل ليلة لزيارة مولاه أمير المؤمنين عليه السلام وكان يكرر القول: "لقد كان العدو سبباً لفوزي بهذه النعمة الربانية ". وكانت حالاته وهو يتعبد لله الزيارة شديدة التأثير على العدو والصديق[6].
شديد الحب لزيارة الأئمة (ع) ذهبنا مرة لزيارة سامراء بعيد وصول الإمام إلى العراق، وهي المرة الوحيدة التي زار فيها الإمام سامراء طوال إقامته في العراق، حيث زار مراقد الأئمة فيها وفي الكاظمية، ولم نره يذهب اليها للزيارة غير تلك المرّة، ويبدو إن الأمر كان نقيض ما كان يدّعيه البعثيون، من أنهم قاموا بواجبات الضيافة للإمام طوال إقامته في العراق، أو أن الإمام أحس او تم إبلاغه صراحة بعد السماح له بالخروج من كربلاء والنجف، ولذلك لم يذهب لزيارة مراقد الأئمة في سامراء والكاظمية رغم شدة حبه لزيارتهم عليهم السلام سوى تلك المرة التي ذهب فيها لزيارتهم بداية وصوله للعراق[7].
زيارة مسائية ثابتة لأمير المؤمنين (ع) كانت سنّة الإمام الجلوس ببيت الاستقبال من منزله "البراني"[8]بعد أقامة صلاتي المغرب والعشاء، وكان الاشتراك في هذا المجلس مفتوحاً لكل من يريد زيارته، وكان ملتزماً بعد ذلك بالذهاب إلى زيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد ثلاث ساعات من غروب الشمس[9].
المواظبة على زيارتي " أمين الله " و" الجامعة الكبيرة" كانت سنة الإمام ـ أثناء إقامته في النجف ـ إن يخرج من القسم الداخلي من منزله بعد ساعتين ونصف من غروب الشمس، وقد أصبح هذا الموعد في السنوات الأخيرة من إقامته هو بعد ساعتين من المغرب، فيجلس في"البراني" لاستقبال الطلبة والأهالي، ثم يذهب بعد ثلاث ساعات من المغرب إلى مرقد أمير المؤمنين عليه السلام ويزوره بزيارة "أمين الله" واقفاً ثم يجلس ويزوره بزيارة "الجامعة الكبيرة"، ثم يعود إلى منزله بعد أداء صلاة الزيارة، واستمر ملتزماً بذلك طوال مدة إقامته في النجف التي استمرت اربعة عشر عاماً، باستثناء ليالي السبت من فصل الصيف لأنه كانت تغسل أروقة الحرم في هذا الوقت[10].
المداومة على زيارات الأئمة (ع) لقد شاهدت بعض عبادات الإمام، وكان مما يثير انتباهي فيها مداومته عليها ودقته في القيام بها على وفق ما جاء في الشريعة المطهرة دون زيادة او نقصان. كان يذهب إلى مرقد الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام كل ليلة وفي ساعة ثابتة تقريباً، ويذهب إلى كربلاء في أوقات زيارة سيد الشهداء عليهم السلام وكان ذلك جزءً ثابتاً في برنامجه العملي[11].
شدة احترامه للمزور أثناء الزيارة طوال أربعة عشر عاماً قضاها الإمام مقيماً في النجف الأشرف، كان يخرج كل ليلة ـ وفي جميع فصول السنة ـ بعد مضي ثلاث ساعات من غروب الشمس، من منزله لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام ويطوي المسافة من منزله إلى المرقد المطهر مشياً على الأقدام في حدود سبع دقائق، ويدخل الصحن العلوي من باب القبلة، ثم يدخل عبر بوابة مستودع الأحذية الواقع في الضلع الجنوبي للإيوان، ويقرأ "أذن الدخول" في الرواق، ثم يدخل الحرم ويقف من جهة قدمي الأمير عليه السلام حيث يقرأ زيارة مختصرة، ثم يتحرك إلى الضلع الجنوبي للضريح ويقف في مقابل الوجه المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام، ويقرأ زيارة "أمين الله"، وخلافاً لحركة الأخرين وعامة الناس الذين يدورون من هذه النقطة حول جهة الرأس الشريف إلى خلف الضريح، كان الإمام يرجع القهقري من هذه النقطة إلى جهة قدمي الأمير ـ ووجهه باتجاه الضريح، ثم يؤدي صلاة الزيارة ويقرأ الزيارة الجامعة وهو جالس عادة[12].
اجتنابه المرور من جهة الرأس الشريف لم يشاهد الإمام أبداً وهو يمرُ من فوق جهة الرأس الشريف وهو يزور مرقد أمير المؤمنين عليه السلام فضلاً عن أن يتوقف عند الرأس الشريف. وهذه الرعاية المستمرة لهذا الأمر تكشف كمال إيمان الإمام وشدة توقيره لمقام الولاية ـ كما أنها علامة ذات دلالة خاصة لأهل المعنى، وهي أن أحد الاحتمالات الأربعة المروية بشأن محل دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام انه مدفون في محل يقع في جهة الرأس الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام، ومجرد وجود مثل هذا الاحتمال يكفي العرفاء العشاق للحق تعالى لكي يمتنعوا عن المرور بأقدامهم على محل يحتمل ـ ولو مجرد احتمال ـ إن يكون محلاً لدفن الرأس الشريف لسيد الشهداء عليه السلام[13].
رعاية فريدة لحرمة المزار كان الإمام يمتنع ـ أثناء زيارته لمرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ـ من المرور من جهة القدمين المباركين لسيد الشهداء عليه السلام، ولم يمر من هذا المكان ولا لمرة واحدة لأن علي الأكبر عليه السلام مدفون بالقرب من قدمي والده عليه السلام كما كان الإمام يمتنع من المرور على قبور الشهداء.فكان يرجع من نقطة الرأس الشريف ولا يمر عبر جهة القدمين ولم نكن نعرف سر ذلك في البداية. كما كان يمتنع من المرور من جهة الرأس الشريف للإمام عليه السلام وهو يزور مرقده فلا يطوف حول المرقد ولا يدور من جهة القدمين المباركين، لأن أحد الرويات المحتملة تقول إن الرأس الشريف للإمام الحسين عليه السلام مدفون عند جهة الرأس الشريف لوالده أمير المؤمنين عليه السلام ولم أر هذه الرعاية الدقيقة في غير الإمام أثناء الزيارة[14].
كل ما لدينا هو من أهل البيت(ع) لاحظت شدة التزام الإمام ببرنامج عملي منظم طوال مدة إقامته في النجف الأشرف، فمثلاً كان موعد إقامته للصلاة او زيارة الحرم العلوي ثابتاً لا يتقدم ولا يتأخر ولا دقيقة واحدة. كان يتلو زيارة "أمين الله " من جهة الوجه الشريف، ويسلّم على سيد الشهداء عليه السلام من عند جهة الرأس الشريف ثم يرجع ويجلس ويقرأ زيارة "الجامعة الكبيرة " ويصلي ركعتين.
وقد التزم بذلك طوال إقامته في النجف، فلم أره ولامرة واحدة يقول مثلاً : لديّ الليلة ضيف فلا أستطيع الذهاب للزيارة، او يقول :إن أجوبة الاستفتاءات لم تكتمل ونظائر هذه الأعذار، كان يقوم بجميع أعماله في مواعيدها المعينة، ولم أر نظيراً له يعيش على وفق هذا النظام ويلتزم به بدقة. وقد قال بنفسه عن هذا الأمر :" كل مالدينا هو من أهل البيت عليهم السلام"[15].
الإخلاص لله في الزيارة كان الجو العام في النجف يعتبر الإكثار من زيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام نوعاً من "الدروشة " والتخلف، لكن الإمام لم يكن يعبأ بمثل هذه الأقوال، وكان يتوجه كل ليلة ـ بعد إقامته صلاتي المغرب والعشاء ـ لزيارة الحرم العلوي وكانت طريقته في الزيارة جديرة بالملاحظة أيضاً.كان يقف من جهة الرأس الشريف بصورة يكون وجهه مقابلاً للجدار، فلا يستطيع أحدّ التعرف عليه ـ وهو في هذه الحالة ـ إلاّ بواسطة القرائن[16].
لا يترك الزيارة عن قرب والا فعن بعد كانت زيارة الإمام لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام هي كإقامة لصلاة الجماعة وإلقاء الدرس، لا يتركها أبداً دون عذر، وحتى إذا لم يستطع التشرف بالذهاب إلى المرقد المطهر، كان يقرأ نص زيارته عليه السلام من منزله او من فوق السطح أحياناً[17].
لا يمنعه عن الزيارة حرُ ولا بردُ مثلما كان الإمام في ذروة الحنكة فيما يرتبط بالشؤون السياسية، كذلك كان حاله في الاهتمام بالشؤون العبادية، فمنذ اليوم الأول لإقامته في مدينة النجف الإشرف إلى يوم مغادرته لها، كان يذهب بعد ثلاث ساعات من غروب الشمس إلى حرم الإمام علي عليه السلام للزيارة، لا يترك ذلك لا في صيف وحر ولا في شتاء وبرد؛ بل وحتى في الليلة التي أعلن فيها منع التجول إثر قيام الإنقلاب العسكري في العراق! يقول المرحوم الحاج السيد مصطفى: في تلك الليلة فقدنا الإمام فجأة، ولم نجده في غرفته فخشينا إن يكون قد ذهب للزيارة، بحثنا عنه في أرجاء المنزل فلم نجده، واصلنا البحث حتى عرفنا انه صعد إلى سطح المنزل، ووقف في مكان يشاهد منه قبة المرقد العلوي حيث كان يتلو الزيارة وهو متوجه جهة المرقد[18].
شدة تعبده بالآداب الشرعية أثناء الزيارة رغم سمو المرتبة العلمية للإمام في الفلسفة والعرفان، إلاّ إن روحه التعبدية بظواهر الشرع تثير الإعجاب حقاً، وقلما تجتمع هذه الروح مع التعمق في الفلسفة والعرفان، وقد نقل عن المرحوم الحاج السيد مصطفى: إن الجو كان عاصفاً في النجف في إحدى الليالي والى درجة تجعل الخروج من المنزل أمراً صعباً للغاية فقلت له: لا معنى للقرب والبعد بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام فاقرأوا في المنزل هذه الليلة نص "الزيارة الجامعة" التي تقرأونها كل ليلة في الحرم فأجابني: "أرجوك يا مصطفى إن لا تسلبنا الروح العامية في التعبد".ثم ذهب إلى الحرم العلوي للزيارة عن قرب في تلك الليلة العاصفة أيضاً[19].
يتوجه بكله للمزور قلما كان الإمام يلتفت إلى هنا وهناك وهو في طريقه لزيارة الحرم المطهّر لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام، اما في داخل الحرم المطهر فلم يكن يتوجه للأمور الظاهرية أصلاً[20].
يقرأ نصوص الزيارات في كتب المزار كان الإمام يقرأ نصوص الدعاء والزيارة في كتاب مفاتيح الجنان عندما يتشرف بزيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا ما لم أره من باقي المراجع كما سمعت كثيراً إن ليس من عادة المراجع قراءة الأدعية من كتاب المفاتيح في الحرم.وكان الإمام يقرأ أحياناً زيارة عاشوراء في الحرم، وطريقته في الزيارة جديرة بالملاحظة حقاً، ولذلك كنا نحن بعض الطلبة نقف ـ من بعد ـ لمشاهدته وهو يزور عندما كنا نتشرف بزيارة الحرم العلوي[21].
زيارات متتابعة كان الإمام يشترك في مجالس التأبين لبعض العلماء، ثم يذهب بعدها لزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام كما كان يذهب للحرم ويزور الأمير عليه السلام زيارة مختصرة تستغرق أربع او خمس دقائق في ليالي الجمعة أو عصر كل يوم بعد انهاء إلقاء درسه، ثم يرجع إلى منزله[22].
لم يترك الزيارة حتى في مرضه كان الإمام شديد الالتزام بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام ولا أتذكر أنه ترك زيارته المسائية له عليه السلام حتى في أوقات مرضه او إصابته بالحمى. وكان يقرأ في الحرم زيارة " أمين الله " أحياناً وزيارة "الجامعة الكبيرة" أحياناً اخرى، وكان يمر عبر جهة القدمين الشريفين لأن العبور من جهة الرأس الشريف مكروه، فكان يصلي عند جهة القدمين ثم يقترب من الضريح ويدعو الله عنده ثم يخرج من الحرم المطهر[23].
لا يعيقه الخطر عن زيارة مولاه كان خطر الاغتيال محدقاً بالإمام أيام إقامته في النجف، خصوصاً في الفاصلة بين منزله وحرم أمير المؤمنين عليه السلام والتي كان الإمام يطويها ماشياً والطرق خالية من المارّة عادة ـ باستثناء المناسبات الخاصة ـ لأن عادة العرب النوم مبكراً في المساء، ولكن رغم كل ذلك لم يترك الإمام التزامه اليومي بزيارة الحرم العلوي بعد ثلاث ساعات من غروب الشمس، الأمر الذي يكشف شدة ولائه وحبه لأمير المؤمنين عليه السلام خاصة وأن تقدمه في السن لم يكن يعينه إلى الالتزام بهذه الزيارات المستمرة[24].
يقبل على زيارة مولاه رغم المضايقات لم يستطع المعاندون من ذوي القلوب المريضة ومرتزقة " الساواك" الذين تستروا بزي رجال الدين وكانت مهمتهم إغتيال شخصية الإمام والإساءة إليه وهو مقيم في النجف، هؤلاء لم يستطيعوا العثور على نقطة ضعف في الإمام، ولذلك سعوا ـ بكل وقاحة وخبث، وبادعاء القدسيةـ إلى ترويج مقولة إن سيرة السيد الخميني في الالتزام المنظم بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام كل يوم أدت إلى هتك حرمة باقي المراجع والعلماء الكبار الذين لا يزورون الحرم العلوي كل يوم! وكان أحد هؤلاء ـ وكان مع الأسف من مقربي أحد المراجع ـ يتعمد الدخول إلى الحرم في الساعة التي اعتاد الإمام دخول الحرم فيها للزيارة، كما كان يتعمد قطع طريق الإمام والنظر إليه بنظرات عدائية عابسة، ويتعمد أيضاً الوقوف بينه وبين الضريح المقدس أثناء قراءة الإمام للزيارة، ولكن الإمام لم يكن يعبأ بكل هذه المضايقات المزعجة بل كان يقبل على زيارة مولاه عليه السلام بتوجهه القلبي المعهود وكأنه ليس في هذه العوالم أصلاً[25].
يتلو دعاء عرفة واقفاً في الحرم الحسيني كان حال الإمام أثناء العبادة حال المتعبد الذي ليس له من عمل غير العبادة، وكأنه ليس من العلماء ولا من الساسة، فهو يتفرغ للعبادة بكل وجوده، فمثلاً كان يقف على قدميه ـ ورغم كبر سنة ـ طوال المدة التي تستغرقها قراءته لدعاء عرفة الذي تستغرق قراءته ساعتين او ثلاث، كان يقرأه في حرم سيد الشهداء عليه السلام وهو واقف على قدميه متوجهاً للقبلة الأمر الذي يثير فينا الخجل لأننا كنا نقرأه جالسين رغم أننا كنا شباباً يومئذ، ولذلك كنا نضطر إلى القيام وتلاوة هذا الدعاء ونحن واقفون[26].
... ثم أخذ بمتابعة الزيارة دخل عددُ من الإيرانيين العراق بصورة غير رسمية فاعتقلهم النظام البعثي وسجنهم جمعياً، وقد توسط المرحوم السيد الحكيم في إطلاق سراحهم والسماح لهم بزيارة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، وكانوا في الحرم العلوي عندما دخل الإمام في زيارته المسائية المعتادة فعلت أصواتهم بالصلاة على محمد وآله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ثم جلس الإمام لقراءة الزيارة، فعلت بعد لحظات أصواتهم بالبكاء الشديد، لكن الإمام لم يظهر أي رد فعل سوى توجيه نظرة اليهم لفترة وجيزة ثم أخذ بمتابعة قراءة الزيارة! إن طريقته في الإقبال والإنقطاع للزيارة تجذب كل إنسان حقاً[27].
كل البركة في الازدحام في المرقد المقدس لم يترك الإمام زيارته اليومية لحرم أمير المؤمنين عليه السلام حتى في الليلة التي اشتد فيها الازدحام في الحرم أكثر من المعتاد بسبب زيارة السيد الحكيم له إثر عودته من مكة المكرمة، وقد شكلنا ـ أنا وبعض الإخوة ـ حلقة حوله لكي لا يتعرض للضغط المؤذي بسبب شدة الأزدحام، وقد قلت له يومها وبأذى: ليس الوقت مناسباً لزيارة الحرم يا سيدي، فلماذا تتشرفون بزيارة الحرم في ظل هذا الازدحام ؟ أجابني: " كل البركة في أمثال هذا الازدحام"[28].
من الظلم إن ينام الإنسان ظمآناً قال لي الإمام ذات صباح:" يا فلان! والله إن من الظلم أن ينام الإنسان ظمآناً على ساحل بحر علم أمير المؤمنين عليه السلام "! وكان من سيرته اثناء زيارة الحرم العلوي إن يتلو أولاً زيارة "أمين الله " ثم يصلي ركعتين الزيارة ثم يتلو "الزيارة الجامعة " ودعاء "عالي المضامين"[29]، وكانت هذه السنة ثابتة له في زيارته لحرم أميرالمؤمنين عليه السلام[30].
إلى جوار البحر العلوي طلب عددُ من علماء النجف وقتاً للالتقاء بالإمام، فلما دخلو عليه قالو له: ياسيدي، ليس من المناسب لشأنكم المرجعي ولا لعمركم إن تذهبوا لزيارة الحرم كل يوم مرتين في الصباح والمساء، لأن عرف المراجع هنا عدم الذهاب للحرم أكثر من مرتين او ثلاث في الأسبوع، لذا فالمناسب لكم إن تذهبوا للتشرف بزيارة الحرم مرة او مرتين في الأسبوع!
أصغى الإمام لكلامهم إلى النهاية وهو ساكت، ثم رفع رأسه وقال: "والله إن من الظلم إن يكون الإنسان على ساحل بحر علم أمير المؤمنين عليه السلام وينام ظمآناً، فماذا تقولون؟!".
لقد أثرت هذه الكلمة في الحاضرين إلى درجة جعلتهم يخرجون من عنده بوجوه مستبشرة[31].
اهتمامه بزيارة عاشوراء كان الإمام ملتزماً بالبقاء في النجف إلى يوم السابع من محرم ثم يذهب ظهر هذا اليوم او عصره إلى كربلاء، كما كان ملتزماً بتلاوة زيارة عاشوراء يومياً في هذه الأيام من شهر محرم، والتي كان يزور فيها الحرم العلوي مرتين في اليوم فيقرأ فيه نهاراُ زيارة عاشوراء فيما يزور زيارته المعتاد في المساء إلى اليوم السابع، حيث كان يسافر إلى كربلاء ويبقى فيها إلى اليوم الثالث عشر من شهر محرم، ويقوم خلالها بزيارة الحرم الحسيني مرتين يومياً قبل الظهر وبعد الظهر، دون إن يمنعه من ذلك شدّة الازدحام المألوف في تلك الأيام، وعلى الرغم من وضعه البدني الخاص، لم يكن يترك زيارة سيد الشهداء عليه السلام حتى في ظل ازدحام حشود مواكب العزاء واللّطم.
يقول الشيخ الفرقاني: لقد اشتد ضغط الازدحام مرة على الإمام إلى درجة اضطررت معها إلى التوسل بسيد الشهداء ـ سلام الله عليه ـ لإنقاذه من خطر الهلاك في ظل هذا الضغط، وبعد إن خرجنا رأيت الإمام غارقاً في العرق وقد سقطت عباءته ولم يكن حالي أفضل من حاله.ولكن لم يكن بالإمكان ـ رغم ذلك ـ الطلب منه الامتناع عن الزيارة بسبب شدة الازدحام لأنه لم يكن يستجيب لهذا الطلب[32].
المواظبة على زيارة الحسين (ع) طوال مدة إقامته في النجف الأشرف كان الإمام يسافر إلى كربلاء عدة مرات في السنة بمناسبة الزيارات المخصوصة للإمام الحسين عليه السلام وكان يقيم في منزل متواضع وضعه تحت تصرفه أحد الإيرانيين المقيمين في الكويت[33].
يزور حرمي كربلاء مرتين في اليوم كان الإمام يذهب ـ أيام إقامته في كربلاء ـ مرتين في اليوم صباحاً ومساءً لزيارة حرم جده الإمام الحسين عليه السلام وحرم أخيه أبي الفضل العباس عليه السلام[34].
الالتزام بالزيارات المخصوصة كنت يوماً في حرم الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء عندما دخل الإمام للزيارة، وكان ملتزماً بزيارة كربلاء في الزيارات المخصوصة وللإمام الحسين عليه السلام سبع زيارات مخصوصة، ولأمير المؤمنين عليه السلام ثلاث زيارات مخصوصة، إضافة إلى التزامه بزيارة كربلاء في ليالي الجمعة، لكنه لم يكن يصل إلى الحرم في هذه الليالي.
وكان يتعبد في الحرم مثل سائر المتعبدين، يتلو الدعاء ونصوص الزيارات، أما باقي العلماء فلم يكن زيارتهم تستغرق أكثر من عشر دقائق او ربع ساعة، ويتلون الدعاء من حفظ، ويؤدون ركعتي صلاة الزيارة، ثم يخرجون في حين كان الإمام يجلس مثل باقي الزوار العاديين ويقرأ الدعاء والزيارة من كتاب مفاتيح الجنان[35].
أريد التشرف بالزيارة رجع الإمام إلى بغداد بعد رفض الكويت السماح له بدخول أراضيها، وقد وصل إلى بغداد مع غروب الشمس وكانت ليلة جمعة فقال:"أريد الذهاب للتشرف بزيارة الحرم "مرقد الإمامين الكاظمين عليهم السلام"، فقال الإخوة: ونحن نتأتي معك، وبعد انتهاء الزيارة ذهب إلى الفندق وبمجرد دخول الغرفة فرش عباءته وصلى ركعتين تنفلاً[36].
زيارته لمرقد السيد عبد العظيم بعيد عودته إلى إيران أنثاء أيام إقامته في "مدرسة علوي" أراد الامام ليلة الذهاب لزيارة مرقد السيد عبد العظيم الحسني عليه السلام فقال" أحضروا سيارة تقلني للذهاب إلى الزيارة ".لكننا كنا نعلم ان الامر ليس بهذه البساطة والسهولة، ومهدنا لذلك بان أرسلنا في احدى الليالي مجموعة من المسلحين السيطرة على المواقع المهمة حول مرقد السيد عبد العظيم عليه السلام ثم نقلنا الإمام بواسطة سيارة محمية إلى المرقد المطهر الذي دخله الإمام فجأة، فلم يشعر أحد بالأمر إلى ان دخل المرقد، ولكن بمجرد انتشار بخبر زيارته للمرقد الشريف، احتشد الأهالي في ازدحام شديد مما اضطرنا إلى نقل السيارة من بداية السوق السوق المؤدي إلى المرقد إلى باب المرقد، ورغم ذلك فقد تجمع الناس حولها في ازدحام شديد يصوره سائق سيارة الامام الأخ أبو الفضل التوكلي بقوله: لقد شعرت بضيق النفس من شدة الأزدحام ولم أستطع الخروج بالسيارة من هذا الازدحام والعودة إلى طهران إلاّ بعد تجاوز صعوبات كثيرة[37].
آسف من عدم توفر الفرصة لزيارته قبل اليوم في أيام إقامة الإمام في مدرسة علوي ذهبنا ـ أنا والمرحوم الشهيد مهدي العراقي ـ مع سماحته في الساعة العاشرة من مساء يوم 19/11/1357"هـ.ش، 29/1979م" لزيارة مرقد السيد عبد العظيم ـ سلام الله عليه ـوبصورة متخفية، وكان المسؤولون قد أخلوا المرقد من قبل دون إن يعرفوا سبب تخليته، وبسبب هذا الكتمان أتم الإمام زيارته قبل معرفة الأهالي بخبر قدومه.
وكان الإمام قد قال بعد يومين أو ثلاثة من عودته من باريس إلى طهران: "إنني أسف لأن التوفيق لم يحالفني خلال هذه الأيام التي تلت وصولي إلى إيران لزيارة السيد عبد العظيم عليه السلام "[38].
أقرأوا الزيارة الرجبية في كلمة له في النجف الأشرف خاطب الإمام ـ وعلى نحو الموعظة ـ تلاميذه بالوصية التالية:" أقرأوا هذه الزيارة الرجبية التي ذكرت للأئمة عليهم السلام مقامات تبينها عبارة "لا فرق بينك وبينهم إلاّ انهم عبادك" أي إن كونهم عبادك هو الفرق الوحيد".
وكان الإمام يؤكد على هذه الفقرة ويقول: "إن كونهم عباد الله هو الفارق بينهم وبين الله، أي إن جميع القوى الإلهية هي بيد الأئمة عليهم السلام". ثم كان يقول بعد ذلك: "أقرأوا هذه الزيارة لكي لا تنكروا ما قد ينقل من مقامات أولياء الله، أو على الأقل تقبلون به كمجرد احتمال"[39].
مواظبة الإمام على زيارة السيدة المعصومة
عندما كان الإمام يلقي دروسه في الصحن الكبير لحرم السيدة المعصومة "فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام"، كان يدخل كل يوم بعد انتهاء درسه إلى الحرم لزيارتها عليها السلام، وهذا ما لم يكن يقوم به أي من طلبة الحوزة، بل ولا أعرف من المراجع الكبار من يتشرف بزيارة حرم هذه السيدة ـ سلام الله عليها ـ كل يوم[40].
زيارة السيدة بعد الدرس كان الإمام والى آخر أيام إقامته في قم، ملتزماً بزيارة الحرم المطهر للسيدة المعصومة ـ سلام الله عليها ـ كل يوم بع انتهاء إلقائه لدرسه في الصباح، وأحياناً بعد انتهاء درسه عصراً؛ كما كان ملتزماً أيام إقامته في النجف الأشرف بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام كل يوم مساء بعد مضي ثلاث ساعات على غروب الشمس، وكان يتلو عادة زيارة " الجامعة الكبيرة"[41].
لم يترك زيارته اليومية لها كنت أشاهد الإمام ـ أيام حضوري لدروسه في قم ـ انه كان يتوجه كل يوم عصراً وفور انتهاء الدرس إلى حرم السيدة المعصومة عليها السلام للزيارة، ولا أتذكر انه ترك ذلك يوماً، وكان معروفاً في الحوزة بالتزامه بهذه الزيارة[42].
بكاء على المصاب الحسيني لايمكن بيان شدة حب الإمام وتعلقه بأهل البيت عليهم السلام، انه عاشق لهم، عاشق تنهمر من عينيه دموع الوجد لمجرد ارتفاع صوت "ياحسين" رغم ما عرف به من جلادة وصبر في مواجهة المصائب، انه لم يبك حتى عند استشهاد ولده الحاج السيد مصطفى، لكن الدموع تنهمر على وجنتيه بمجرد بدء الخطيب الحسيني بعبارة" السلام عليك يا أبا عبد الله"[43].
لا يبكي على مصابه بولده
يقول السيد الكوثري الذي كان يقرأ لسنين عدة في مجالس العزاء التي يقيمها الإمام عندما كان في قم: زرت النجف بعيد استشهاد المرحوم السيد مصطفى فقال الإخوة: لقد جئت في الوقت المناسب، هلم للتفريج عن الإمام، فلم نستطع جعل الإمام يبكي على مصابه بولده السيد مصطفى رغم كل ما فعلنا، لعلك تستطيع انت القيام بذلك.
ومن اجل ذلك قلت للإمام: هل تأذن لي بقراءة مجلس للعزاء؟ فأذن لي بذلك، فشرعت بالقراءة واجتهدت في ذكر اسم ولده الشهيد بنبرة حزينة لكي يبكي على مصابه به لكنه لم يتأثر بكل ذلك أصلاً وبقي على سكينته المعهودة إلى إن ذكرت اسم علي الأكبر عليه السلام وعندها انفجر بالكباء وبلوعة لا يمكن وصفها[44].
تزول سكينته عن ذكر مصائب أهل البيت (ع) لعل بعض الناس شاهدوا عبر جهاز التلفاز، مراسم التأبين التي أقامها الإمام في المدرسة الفيضية على روح الأستاذ الشهيد المطهري، ولاحظوا حالة الإمام فيها، فقد شارك فيها لأنه كان مقيماً يومها في قم، لقد كان يجلس في حالة عميقة من السكينة طوال المدة التي كان الخطيب يتحدث فيهاـ وهو واقف جوار الإمام ـ عن شخصية تلميذه الجليل وبضعته العزيزة، وعن استشهاده المفجع، ولكن حالة السكينة هذه تغيرت عندما وصل الخطيب إلى ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام وعندها أخرج الإمام منديله ووضعه على وجهه وأجهش بالبكاء[45].
يجزع لمصيبة أبي عبد الله الحسين (ع) ينقل ولدي الأكبر عن السيدة الدكتورة "ميهن.ت." الأستاذة في علم الفنون الجملية، أنها ذهبت إلى باريس إثر انتقال الإمام إليها، وتطوعت للخدمة في محل إقامته فيها، وهناك لم تلاحظ عليه أي تغير في حاله يشير إلى نفاذ صبره، عندما كانوا ينقلون اليه أخبار مجزرة السابع عشر من شهر "شهريور"[46]التي ارتكبها الحكم الملكي في طهران وضخامة عدد القتلى والجرحى فيها، وتنقل هذه السيدة إن حال الإمام لم يتغير حتى عندما أجهشت هي بالبكاء إثر سماع هذه الأخبار بل كان يسليها قائلاً: "لماذا البكاء، تحلي بالصبر".
وبعد بضعة أيام قام أحد الأشخاص لقراءة مجلس عزاء حسيني في حضور الإمام، وبمجرد إن بدأ المجلس بعبارة "السلام عليك يا أبا عبد الله "تغير لون وجه الإمام وانهمرت الدموع من عينيه وغطت وجنتيه[47].
يشارك في المجالس الحسينية كان الإمام يشارك في مجالس العزاء الحسيني التي كانت تقام في محلات قم بمناسبة ليالي شهر محرم، وكان بذلك يشجع الناس ويرغبهم في حضورها كما كان يزيد هذه المجالس حرارة بحضوره[48].
الأشد صبراً والأشد جزعاً على مصائب أهل البيت(ع) لقد شاهدت الإمام مراراً في مجالس العزاء الحسيني التي كانت تعقد في بيوت بعض السادة العلماء أو في مسجد" بالاي سر" في حرم السيدة المعصومة "فاطمة بنت موسى بن جعفر عليها السلام "، وكانت تظهر من الحاضرين ردود فعل متخلفة تتناسب وطبيعة ما يقوله الخطيب، فبعضهم كان يبتسم بل ويضحك إذا كان ما يقوله الخطيب مثيراً للابتسام أو الضحك، أو يهز رأسه تحزناً إذا كان ما يقوله الخطيب مثيراً للحزن، وبعضهم يبكي بصوت عال أو منخفض. اما الإمام فكان يجلس مصغياً بسكينة تثير الاعجاب في كل من يراه فاذا وصل الخطيب إلى ذكر مصائب أهل البيت "عليهم السلام"، أخرج المنديل من جيبه وشرع بالبكاء دون اختيار وانهمرت دموعه بغزارة.
كنت أراه أحياناً يضع المنديل على فمه وهو يصغي لما ينقله الخطيب من مصائب أهل البيت عليهم السلام والدموع تجري من عينيه، ويمكن القول إن صبر الإمام وتحمله تجاه مختلف الحوادث أشد من الاخرين مثلما إن بكاءه وجزعه على مصائب أهل البيت عليهم السلام أشد من الاخرين أيضاً[49].
ارتباط وثيق بالزهراء (ع) كان للإمام منذ شبابه ارتباط وتعلق خاص بجدته السيدة الزهراء ـ عليها السلام ـ وكان يقيم مجلساً سنوياً في بيته يستمر خمسة أيام لذكر مصائبها ـ سلام الله عليها ـ[50].
يقيم مجالس العزاء لذكرى شهادتها كان الإمام يقيم في بيته مجلساً في "عشرة الفاطمية الثانية"[51]للعزاء للسيدة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ يستمر ثلاثة أيام، وكانت له حساسية خاصة تجاه ذكر مصائبها عليها السلام، وكان يبكي اكثر من الاخرين عند ذكرها وذكر ولدها الحسين عليه السلام[52].
ومجلس يوم عاشوراء كنت أذهب أحياناً في أيام العزاء إلى منزل الإمام، حيث كان يقيم مجالس عزاء بمناسبة وفاة السيدة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ وكذلك بمناسبة يوم عاشوراء وكان يقرأ في كل مجلس عدة خطباء[53].
يشارك في المواكب الحسينية عندما كان الإمام في إيران كان يقيم ـ ولثلاثة أيام ـ مجلساً للعزاء في "أيام الفاطمية الثانية" أي من اليوم الاول إلى اليوم الثالث من شهر جمادى الثاني، وقد أضاف اليها في النجف ليالي الإحياء الثلاث من شهر رمضان المبارك، وكان يشارك أيضاً في مواكب العزاء الحسيني للاطمين على الصدور في كربلاء، كما كانت مواكب العزاء في النجف تزوره فكان يشكر المشاركين فيها على مشاعرهم الإيمانية[54].
يلطخ عمامته بالطين في يوم عاشوراء ذهب الإمام عصر يوم عاشوراء من سنة 1342"هـ.ش/1383هـ.ق" إلى المدرسة الفيضية " في قم " لإلقاء خطاب تحليلي لذكرى استشهاد سيد الشهداء عليه السلام وكانت عمامته مفتوحة وقد لطخها بالطين" تعبيراً عن الحزن بهذه المناسبة" ووضع ذؤابتها تحت حنكه" كتعبير مماثل لسابقه"[55].
يقيم مجالس عزاء في ذكريات استشهاد المعصومين (ع) أثناء مدة إقامته في النجف الأشرف، كان يقيم في منزله مجالس للعزاء في جميع ليالي ذكريات استشهاد المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وكانت هذه المجالس تستمر لثلاثة أيام بمناسبة ذكرى وفاة الصديقة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ وكان يبكي بلوعة وحرقة في جميع هذه المجالس دون استثناء[56].
ويكرم خدمة سيد الشهداء(ع) قبل عدة سنين تشرفت بزيارة الإمام فسألني عن أحوال أبي، فأخبرته بأنه بخير وأبلغته سلام والدي، وهو السيد علي أكبر الكوثري أسن خطباء المنبر الحسيني في قم، وكنت قد رافقته قبل سنتين من ذلك، وكانت صحته مساعدة لزيارة الإمام الذي قام فور دخول الوالد وعانقه بحفاوة بالغة، وأراد الجلوس على الارض إجلالاً، وقد قال الشيخ الصانعي لما شاهد ذلك: قلما رأيت الإمام يبدي مثل هذا الاحترام لأحد، فقلت: أنه يفعل مثل هذا مع والدي لأنه خادم في بيت سيد الشهداء عليه السلام.أجل، انه يتعامل بمثل هذا الاحترام مع جميع المنسوبين لسيد الشهداء عليه السلام، بسبب شدة حبه بل عشقه القدسي للإمام الحسين وأهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين[57].
يشجع الحوزويين عملياً على الخدمة في الشعائر الحسينية كان تواضع الإمام في تعامله مع طلبة الحوزة المجدين يثير الأعجاب حقا، وكان يقوم بالكامل للطلبة الذين يقرأون مجالس العزاء الحسيني ومدائح أهل البيت عليهم السلام؛ كما كان يقوم لتوديعهم إذا أرادوا الخروج من عنده ولا يرجع إلاّ استجابة لطلبهم الملح[58].
يشارك في المجالس الحسينية كان الإمام يحضر في مجلس للعزاء الحسيني يقيمه إخوة آية الله السيد بسنديده في منزله[59].
ويبقى إلى نهايتها
كان الامام يقيم مجلساً للعزاء الحسني يومي التاسع والعاشر من المحرم في كربلاء ويبقى الى نهاية المجلس حاضراً فيه[60]
ويبكي فيها بحرقة وبصوت عال كان الإمام ملتزماً بإقامة مجالس لعزاء أهل البيت عليهم السلام في المناسبات المهمة خاصة في يوم عاشوراء، وكان يقرأ التعزية فيها عادة، خطباء المنبر الحسيني التقليديون، والامام يبكي بحرقة، وكان الخطباء يقرأون الأشعار الرثائية التقليدية، ويقللون من ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام، رعاية لحال الإمام لأنه شديد الحب لأهل البيت عليهم السلام ويمكن إن يؤدي شدة تأثره إلى إصابته بأزمة قلبية، وكان الإمام يبكي في هذه المجالس بصوت عال.[61]
اختصار ذكر المصيبة رعاية لحاله أقام أعضاء مكتب الإمام يوماً مجلس عزاء بمناسبة ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ ودعوا الإمام لحضوره فحضر وجلس، وبمجرد بدء أحد الأخوة من أعضاء المكتب بقراءة المجلس أخذ الإمام بالبكاء بصوت عال فاضطر القارئ إلى اختصار ذكر المصيبة رعاية لحال الإمام[62].
يجهش بالبكاء فور البدء بذكر المصيبة ذهبنا ـ وكنا عدة أشخاص ـ إلى غرفة الإمام لتلاوة دعاء التوسل بمناسبة ذكرى وفاة أحد الأئمة عليهم السلام، فجلس الجميع باتجاه القبلة وبدأوا تلاوة الدعاء، ثم دخل الإمام وجلس في مصاف الجالسين وشرع بالدعاء معهم، ثم قرأ أحد السادةـ وسط الدعاء، جانباً من مصائب أهل البيت عليهم السلام فأجهش الامام بالبكاء فور بدء القارئ بذكر المصيبة، ورغم انه لم يكن خطيباً محترفاً، وقد ارتبك هيبة من حضور الإمام، وارتعش صوته أثناء قراءته المصيبة التي لم تكن تشتمل على مقاطع حساسة، رغم كل ذلك أجهش الإمام بالبكاء وبحرقة بحيث أخذت أكتافه ترتعش بشدة، وقد لاحظت ـ وقد اختلست نظرات إلى وجه الإمام ـ إن دموعه تنهمر بغزارة وتجري على لحيته الكريمة وتسقط على حجره. وبعد لحظات أشار أحد الاخوة من حيث لا يراه الإمام إلى القارئ إن يقطع قراءته للمصيبة لأن من المحتمل إن يؤدي البكاء الشديد إلى آثار سيئة على قلب الإمام[63].
يقيم مجلساً حسينياً في نوافل لوشاتو احتشد ـ في محل إقامة الإمام في ضاحية "نوفل لوشاتو" ـ عدد كبير من الزوار القادمين من عدة بلدان من أوروبا وغيرها، كان فيهم الأطباء والمهندسون والطلبة والأساتذة الجامعيون، وكان عددهم حدود "500" شخص، قدموا لزيارة الإمام، وقد احتشد حولهم عدد كبير من الصحفيين ومراسلي محطات الإذاعة والتلفزيون من بلدان شتى، وقد وجهوا عدسات أجزتهم التصويرية لتصوير المراسم المقامة.
ثم خرج الإمام من مسكنه بهيبته وسكينته التي يتميزها بها، ودخل تلك الخيمة، وجلس فيها بوقار، فالتف حوله الحاضرين، وبعد لحظات قال لي: اقرأ مجلس التعزية"، فقرأت ـ بمناسبة يوم التاسع من شهر محرم ـ قصة استشهاد، أبي الفضل العباس عليه السلام، وقد أخرج الإمام منديله الأبيض وأجهش بالبكاء، فأثر بكاءه بالحاضرين وأثر بعمق عليّ انا أيضاً الذي يعبر عن شدة حب الإمام لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.[64]
هل من قارئ يذكر مصيبة سيد الشهداء (ع)؟ بعد انتهاء صلاة العشاء من ليلة عاشورة التي مرت على الإمام وهو مقيم في ضاحية نوفل لوشاتو، التفت الإمام وقال:" هل يوجد من يحسن قراءة التعزية؟"، ثم أمر أحد الإخوة بقراءة ذلك، وقد لاحظ جميع الحاضرين إن الإمام أخرج منديله وأجهش بالبكاء بمجرد أن بدأ القارئ مجلسه العزائي.
لقد علّمنا الإمام بعمله هذا انه لا ينبغي نسيان الهدف، وهو إحياء سنة رسول الله صل الله عليه وآله في أصعب التحركات السياسية والاجتماعية وأكثرها حساسية[65].
يأمر بالإطعام يوم عاشوراء أمر الإمام بإطعام جميع الحاضرين في محل إقامته في نوفل لوشاتو بمناسبة حلول يوم عاشوراء.
سماع المصائب الحسينية ينفذ إلى أعماق وجوده كان الإمام ليلة مضطجعاً وهو يؤدي الحركات الرياضية العلاجية التي أوصاه بها الأطباء، وأثناء ذلك كان التلفزيون يبث مراسم تعزية، فأخذ يبكي وهو يحسب ـ في الوقت نفسه ـ عدد الحركات الرياضية لكي يؤديها طبق العدد الذي حدده له الأطباء، لقد كنت ارى وجهه وأنا واقفة على رأسه فرأيت الدموع تنهمر من عينيه، فسماع التعزية قد ترك آثاره على كل وجوده لكنه رغم ذلك لم يترك الرياضة العلاجية التي كان يمارسها لأن الوقت هو وقتها[66].
يجلس على الأرض في المجالس الحسينية كان الإمام يجلس على الأرض بدلاً من الكرسي المخصص له في مجلس العزاء الحسيني الذي كان يعقد في حسينية جمران بمناسبة يوم عاشوراء.فكان جلوسه على الأرض في هذا المجلس تعبيراً عن شدة احترامه لمراسم سيد الشهداء ـ سلام الله عليه ـ[67].
ويستشفي بالتربة الحسينية كان الإمام يتناول تربة الإمام الحسين عليه السلام بقصد الاستشفاء[68].
توجهوا اولا لزيارة الإمام الرضا والتوسل به عندما طرحت في مجلس الشورى الوطني لائحة اتحادات المدن والقرى، رأى الإمام إن امن الضروري ـ إضافة إلى عقد اجتماعات للتشاور مع أساتذة الحوزة العلميةـ إن يبعث رسائل إلى علماء المحافظات والمدن لكي يناصروا موقف حوزة قم، وقد كلفت ـ أنا أيضاً ـ من قبل الإمام بأن أسافر إلى المنطقة الممتدة من مشهد إلى زاهدان وأجتمع بعلمائها وأسلمهم رسائل الإمام وأطلب منهم إن يطلعوا الأهالي على ما يجري وعلى المصائب النازلة بالإسلام، وان يبعثوا رسائل جماهيرية اعتراضاً على ذلك.
وعشية توجهي للقيام بهذه المهمة تشرفت بلقاء الإمام في الساعة العاشرة مساء لتوديعه، فسلمني الرسائل وقال: " قبل إن تلتقوا أحداً اذهبوا اولا إلى الحرم المطهر لثامن الحجج علي بن موسى الرضا عليه السلام، وقولوا له نيابة عني : يا سيدي، لو وقعت حادثة جليلة خطيرة، وقد رأينا إن واجبنا إن ننهض ضدها ونتحرك، فان كان عملنا مرضياً لكم فسددونا"[69]
حذار من إن يصدكم البحث العلمي عن زيارة الأئمة (ع) عزم أحد العلماء من اساتذة حوزة قم على السفر لزيارة العتبات المقدسة للأئمة عليهم السلام في العراق، فذهبنا برفقة الإمام ـ وكان من أصدقائه ـ لزيارته، وقد قال له الإمام في هذا اللقاء:" أنتم تسافرون إلى العراق بقصد زيارة العتبات المقدسة، والحوزة العلمية في النجف الأشرف محل المباحثات والمذاكرات العلمية، لذلك فان الذين سيزورونكم قد يفتحون باب المناقشات العلمية معكم فاحذروا من أن تصدكم هذه المباحثات العلمية عن زيارة الأئمة عليهم السلام، وينقضي سفركم بأمثال تلك اللقاءات، إن لديكم هدفاً آخراً فلا تغفلوا عنه"[70].
كل ما لدينا هو من إمام العصر"عج" قال احد الطلبة الحوزويين يوماً للإمام في مدرسة "رفاه": لماذا لا تذكرون إمام العصر ـ سلام الله عليه ـ في خطاباتكم إلاّ قليلاً؟ عندما سمع الإمام هذا الكلام قام واقفاً على قدميه وقال: " ماذا تقول؟! ألا تعلمون إن كل ما لدينا هو من إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ ؟ ألا تعلمون إن كل ما لدي وكل ما أنجزته ثورتنا هو من إمام الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ؟!"[71].
غيرته على الصديقة الزهراء(ع) بشأن قضية البرنامج الذي بث عبر الإذاعة تحت عنوان "قدوة النساء" ووردت فيه إساءة إلى المقام القدسي للسيدة الزهراء ـ عليها السلام على لسان إحدى اللواتي أجريت معهن مقابلة ضمن هذا البرنامج[72]؛ بشأن هذه القضية بعث الإمام رسالة شديدة اللهجة قال فيها :" إن هذا العمل " بث هذا البرنامج" يستتبع التوبيخ والعقاب الصارم والجاد لكبار المسؤولين في مؤسسة الإذاعة واللتلفزيون، وبالطبع ستقوم السلطة القضائية باللازم في مختلف المجالات"[73].
يضع في غرفته صورة منسوبة للنبي الأكرم (ص) توجد في الغرفة التي يجلس فيها السيد صورة يحبها كثيراً منسوبة للرسول الأكرم صل الله عليه وآله والله أعلم بمدى صحة هذه النسبة لكن الإمام كان يحبها كثيراً، لقد وضعها نصب عينيه منذ اليوم الذي رآها فيه، وضعها أمامه أعلى المدفئة. وهي صورة كبيرة ومن الصعب إن يصدق الإنسان أنها صورة الرسول الأكرم صل الله عليه وآله، لأنها صورة شاب ابن "17ـ 18" سنة مكشوف الصدر، لكن الإمام قال عنها:" إنني أحب هذه الصورة كثيراً لأنني اقتنعت بأنها صورة رسول الله الأكرم صل الله عليه وآله"[74].
مكافأة الساعين في إحياء أمر أهل البيت(ع) بتأريخ 20/3/1359هـ.ش"10/6/1980م" وفي الساعة العاشرة صباحاً زار عدد من افراد حرس الثورة الإمام، وقد عرض اثناء اللقاء فيلم "باتجاه شاطئ الأمن" الذي أعدته العلاقات العامة لقوات حرس الثورة في منطقة "ري" بمناسبة ذكرى البعثة النبوية المباركة، وقد كافأ الإمام إثر مشاهدة هذا الفيلم ـ الذي يبين جانباً من بركات البعثة المباركة ـ المشاركين في انتاجه تشجيعاً لهم على عملهم المبارك[75].
زيارة الإمام الرضا (ع) أمنيتي وجهت للإمام ـ أثناء لقائه بقادة قوات حرس الثورة واللجان الثورية في محافظة خراسان بتاريخ 12/1358 هـ.ش" 3/11/1979م" دعوة للسفر إلى مدينة مشهد المقدسة زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال: "إن زيارة ثامن الأئمة عليه السلام أمنيتي، ولكنها لا تتيسر لي بسبب كثرة ابتلاءاتي من جهة ومن جهة اخرى بسبب استمرار اللقاءات الاجتماعية، وكل أملي إن يوفقني الله تبارك وتعالى لهذه الزيارة "[76].
يشارك في مراسم مواليد أهل البيت (ع) شارك الإمام في الساعة السابعة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 10/7/1358هـ.ش /2/10/1979م" في مراسم خاصة أقامتها دائرة البلدية وخدمات المرور في مدينة قم في قاعة الاجتماعات بمناسبة مولد الإمام الرضا عليه السلام[77].
اختار اسمي علي وفاطمة بتأريخ 14/4/1358هـ.ش /5/7/1979م" زار رجل مسيحي مع زوجته الإمام الخميني وتشرفا باعتناق الإسلام، وقد طلبا منه اختيار اسماء إسلامية لهما، فاختار الإمام للزوج اسم "علي " وللزوجة اسم "فاطمة"[78].
سمى الاولى فاطمة والثانية زهراء رزقني الله خلال الأعوام التسعة التي تشرفت فيها بالخدمة في مكتب الإمام في جمران، ثلاثة اطفال، عندما حملت اليه وليدتي الاولى لكي يؤذن ويقيم في أذنيها ويسميها قال:"لأنها أنثى، فاسم فاطمة مناسب لها".وبعد سنتين ونصف حملت له وليدتي الثانية وأنا خجل، وكنت قد اصطحبت معي لزيارته والدتي وأختي وزوجتي، وقد احتملت إن يقول الإمام شيئاً" بشأن تسميتها" لكنه اكتفى بتلاوة الأذان والإقامة في أذنيها فقلت: " اختاروا الأسم أيضاً يا سيدي، فقال:" هل الوليد ذكر ام انثى؟" قلت : هي بنت، فابتسم وقال: "أنتم لديكم فاطمة، فاختاروا لهذه أسم زهراء".
تعجبت كثيراً من عدم نسيانه لاسم ابنتي الاولى رغم كثرة مشاغله وعدم تحديثي معه ولا لمرة واحدة عنها.
ثم تشرفت بزيارته لتسمية الوليد الثالث وتلاوة الأذان والإقامة في أذنيه، وكان الثلج يهطل بغزارة يومها، حملت له الوليد الذي كان يبكي بشدة ولم نستطع إسكاته رغم كل ما فعلنا فقال السيد ـ وكان يولي الاطفال اهتماماً واحتراماً خاصاً ـ: "أعطوني الطفل"، فوضعناه بين يديه وهو لا يزال يبكي بشدة لكن بمجرد إن قرأ الإمام في أذنه: الله اكبر سكت الطفل وظهرت على وجهه أبتسامة محببة"![79].
يشارك في احتفال عيد الغدير شارك الإمام في احتفال أقيم في مركز لرعاية المعوقين بمناسبة عيد الغدير، استجابة لدعوة وجهت اليه، وقد تفقد أثناء ذلك أحوال المعوقين[80].
وفي احتفالات مولد الإمام المهدي(عج) في الساعة العاشرة من مساء الاثنين 18/4/1358هـ.ش"9/7/1979م" طاف الإمام ـ ودون اطلاع مسبق ـ في شوارع قم التي نشرت فيها وسائل الزينة بمناسبة احتفالات ذكرى مولد الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في النصف من شهر شعبان، ثم شارك في مراسم احتفال عقد بالمناسبة في شارع " جهار مردان"[81].
لا يترك زيارة عاشوراء لم يكن الإمام يترك تلاوة زيارة عاشوراء، وقد عرفت ـ خلال حديث مع سماحته، انه لا يتركها أبداً ويتلوها مع تكرار اللعن الوارد فيها مائة مرة والسلام الوارد فيها مائة مرة أيضاً[82].
ويكرر اللعن والسلام فيها مائة مرة عندما يتلو الإمام زيارة عاشوراء، يكرر عادة اللعن والسلام الواردين فيها مائة مرة لكل منها وهو يتمشي، وهو يتلو زيارة عاشوراء في شهر محرم وعادة على شكل دورة أربعينية، أي على مدى أربعين يوماً متوالية[83].
زيارة عاشوراء في نوافل لوشاتو في الليلة الاولى من شهر محرم الحرام التي مرت علينا ونحن في ضاحية نوفل لوشاتو، وهي الليلة التي شهدت في إيران اول مرة التكبير الجماعي لأبناء الشعب الإيراني من فوق سطوح المنازل، اتصل أحد الاشخاص من طهران وأسمعنا عبر الهاتف أصوات التكبير المختلطة بأصوات اطلاق الرصاص وقد سجلت هذه الأصوات وحملت الشريط للإمام، ولماد دخلت عليه وجدته واقفاً وبيده المسبحة وهو يتلو الذكر الوارد في زيارة عاشوراء: اجل كان يتلو زيارة عاشوراء ولعله للمرة الاولى التي تتلى فيها الزيارة في تلك الديار وفي وقت كنا نحن غافلين عن قضايا شهر محرم[84].
لم يتغير برنامجه في تلاوة زيارة عاشوراء حتى في باريس تتغير حالات الكثير من الاشخاص والشخصيات وبرامجهم بتغير الاوضاع، ولكن حالات الإمام لم تكن تتغير بسبب ذلك، فمثلاُ كان ملتزماً بتلاوة زيارة عاشوراء في أيام العشر الاولى من المحرم، وكانت سيرته منذ اليوم الاول إلى اليوم الثامن من شهر محرم التوجه إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام في الساعة التاسعة صباحاً حيث كان يتلو فيه زيارتي أمين الله وعاشوراء، ثم يواصل القيام بذلك في حرم الإمام الحسين عليه السلام ي كربلاء التي يزروها عصر اليوم الثامن من المحرم.
وقد بقي ملتزماً بهذه السيرة طوال أربعة عشر عاماً قضاها في العراق. وفي العشرة الاولى من شهر محرم سنة 1357هـ.ش"1399هـ.ق" كان الإمام مقيماً في باريس حيث كان احد الاخوة مكلفاً بتقديم تقارير الاخبار إلى الإمام في الساعة التاسعة صباحاً، وقد دخلت بيت الإمام في باريس ـ طبق البرنامج اليومي المعتاد ـ صباح اليوم من المحرم فوجدته مقبلاً على تلاوة زيارة عاشوراء، ثم استلم التقارير الخبرية في وقتها المعني لكنه قال: "غيروا بدءاً من يوم غد البرنامج اليومي المعتاد، لا تأتوني بالاخبار في التاسعة بل قبل زيارة عاشوراء أو بعدها"[85].
ولا يلتقي بأحد أثناء وقت تلاوتها جاء الشهيد القدوسي المدعي العام للثورة صباح أحد الأيام إلى بيت الإمام للقائه في الوقت الذي لا يستقبل فيه أحداً، فقال له الشيخ التوسلي المسؤول عن تنظيم لقاءات الإمام : عليك إن تتمشى لفترة فالامام منشغل الان بعمل مهم، فسأل الشيخ القدوسي عن هذا العمل، فقيل له: انه يتلو زيارة عاشوراء[86].
يتلوها فوق سطح المنزل روى احد الاخوة الحادثة التالية: سمعت قبيل الظهر صوت بكاء، فأخذت أبحث عن مصدره، فعرفت إن الإمام قد صعد على سطح منزله وهو يتلو زيارة عاشوراء ويبكي[87].
يتلو الزيارة الجامعة في جميع المراقد المقدسة كان الإمام يتلو نص " الزيارة الجامعة" اكثر من بقية نصوص الزيارات، وكان ملتزماً بتلاوة الزيارة الجامعة في جميع العتبات المقدسة[88].
يوصي بالمواظبة على تلاوة دعاء العهد لإمام العصر (عج) من الأمور التي كان الإمام يوصيني بها في الايام الأخيرة من حياته المباركة تلاوة دعاء العهد. كان يقول:" اجتهدي في تلاوة هذا الدعاء في الاصباح فهو مؤثر في مصير وعاقبة الانسان"[89].
يتلو دعاء العهد في المستشفى عندما ارتدى الإمام ملابس المستشفى الخاصة استعداداً لإجراء العملية الجراحية له، كان كتاب مفاتيح الجنان بيده المباركة وهو يتلو دعاء العهد بسكينة خاصة[90].
ويلتزم بتلاوته في دورات أربعينية لم يغفل الإمام ـ حتى في أيام رقوده في المستشفى للعلاج ـ عن الأنس بالأدعية الواردة في كتاب مفاتيح الجنان، وعندما نقلنا ـ بعد فاجعة وفاته المؤلمةـ نسخته من كتاب مفاتيح الجنان من المستشفى إلى منزله؛ لاحظنا إنه وضع علامة عند دعاء العهد الشريف في نسخته من هذا الكتاب تشير إلى انه بدأ دورة جديدة لتلاوة هذا الدعاء في تاريخ "8شوال " فقد كان يتلوه في دورات أربعينية[91].
__________________________
[1] تشرف الإمام بحج بيت الله في سنة 1312هـ.ش، 1933م.
[2] حجة الإسلام والمسلمين مصطفى الزماني، كتاب " خطوات في أثر الشمس "، ج3، ص 178.
[3] السيدة خديجة الثقفي "زوجة الإمام " مجلة "ندا" العدد:12.
[4] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.
[5] حجة الإسلام والمسلمين عميد الزنجاني، مجلة " حوزة "، العدد المزدوج 37 ـ 38.
[6] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلة "باسدار اسلام "، العدد:6.
[7] حجة الإسلام والمسلمين عميد الزنجاني، كتاب" خطوات في أثر الشمس "، ج4، ص 39.
[8] المألوف في بيوت العلماء وكثير من الأهالي سابقاً في قم والنجف إن يتم تقسيم البيت إلى قسمين اصطلح عليهما وصف " البراني" و" الجواني" او " الدخلاني "، فيخصص الأول للرجال من الضيوف ويكون معزولاً عن البيت الثاني الذي يكون مخصصاً للعائلة والحياة العائلية لصاحب البيت ـ وعادة ما يكون القسم "البراني" في بيوت العلماء والمراجع أشبه ما يكون بمكتب العمل لحاشية العالم، ومحلاً للمراجعات من قبل الطلاب والأهالي على العالم للحاجات المختلفة. المترجم.
[9] آية الله محمد هادي معرفت: مجلة " حوزة "، العدد:32.
[10] حجة الإسلام والمسلمين مجتبى الرودباري، مجلة 15خرداد، العدد المزدوج:5ـ6.
[11] آية الله القديري، ملحق صحيفة جمهوري إسلامي الخاص بالذكرى السنوية الثانية لوفاة الإمام الخميني.
[12] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان، كتاب " درساية أفتاب:في ظل الشمس"، ص38.
[13] المصدر السابق.
[14] حجة الإسلام والمسلمين عبد العلي القرهي، كتاب " حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج 6.
[15] حجة الإسلام والمسلمين نصر الله الشاه آبادي، كتاب " خطوات في أثر الشمس"، ج3، ص 262.
[16] آية الله السيد عز الدين الزنجاني، المصدر السابق، ج 3، ص 199.
[17] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان، كتاب" في ظل الشمس"، ص 39.
[18] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، كتاب " حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج1.
[19] آية الله حسين المظاهري، كتاب " حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج 5.
[20] حجة الإسلام والمسملمين رحيميان، مجلة "باسدار اسلام "، العدد:39.
[21] حجة الإسلام والمسلمين عميد الزنجاني، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج5.
[22] حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الطاهري الخرم آبادي.
[23] آية الله السيد عباس خاتم اليزدي.
[24] حجة الإسلام والمسملمين السيد مرتضى الموسوي الأردبيلي الأبركوهي.
[25] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.
[26] حجة الإسلام والمسلمين السيد مرتضى الموسوي الأردبيلي الأبركوهي.
[27] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.
[28] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.
[29] وهو دعاء جليل نقله الشيخ القمي عن كتاب مصباح الزائر للسيد ابن طاووس بعد إحدى الزيارات الجامعة، وهذا الدعاء يشتمل على الكثير من الإشارات المهمة للإرتباط بأئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ والتوسل إلى الله تبارك وتعالى بهم، لاحظ الدعاء في ملحق مفاتيح الجنان بعد نقله لإحدى الزيارات الجامعة، ص 583 من الطبعة المعربة /المترجم.
[30] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني، وهو من ملازمي الإمام في النجف الأشرف.
[31] حجة الإسلام والمسلمين الفرقاني.
[32] آية الله خاتم اليزدي.
[33] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان، مجلة " باسدار اسلام "، العدد:39.
[34] حجة الاسلام والمسلمين الكروبي.
[35] آية الله محمد هادي معرفت، مجلة "حوزة "، العدد: 32.
[36] حجة الإسلام والمسلمين محمد رضا الناصري، مجلة "باسدار إسلام "، العدد 58.
[37] اللواء حرس الثورة محسن رفيق دوست، مجلة " أميد انقلاب" العدد: 25.
[38] حجة الإسلام والمسلمين ناطق النوري.
[39] آية الله المؤمن، مجلة" باسدار إسلام "، العدد:102.
[40] حجة الإسلام والمسلمين أحمد الصابري الهمداني، كتاب " خطوات في أثر الشمس "، ج 3، ص 271
[41] حجة الإسلام المسلمين الرسولي المحلاتي، مجلة الحوزة، العدد المزدوج: 37ـ 38.
[42] آية الله الإمامي الكاشاني.
[43] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، كتاب " حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني ".
[44] حجة الإسلام والمسلمين علي الدواني، المصدر السابق، ج6.
[45] حجة الإسلام والمسلمين علي الدواني، كتاب " خطوات في أثر الشمس "، ج3، ص106
[46] من أشهر السنة الشمسية الإيرانية والمقصود المجزرة التي عرفت بمجزرة "يوم الجمعة السوداء "قبيل انتصار الثورة.
[47] المصدر السابق، ص107
[48] حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الطاهري الحزم آبادي.
[49] حجة الإسلام والمسلمين علي الدواني.
[50] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي.
[51] الأيام العشرة التي تضم الرواية الثانية من روايات استشهاد الصديقة الزهراءـ سلام الله عليها ـ أي رواية غرة جمادى الأخرة. االمترجم.
[52] حجة الإسلام والمسلمين محمد الكوثري، كتاب " خطوات في أثر الشمس "، ج4، ص 123.
[53] آية الله الخلخالي، مجلة "ياد " العدد: 4.
[54] حجة الإسلام والمسلمين عبد العلي القرهي، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج6.
[55] آية الله المؤمن، المصدر السابق، ج3.
[56] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان
[57] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد الكوثري، كتاب" خطوات في أثر الشمس"، ج4، ص126.
[58] حجة الإسلام والمسلمين محمد الفاضلي الاشتهاردي، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج5.
[59] صحيفة كيهان "10/9/1358هـ.ش" وكتاب " محضر نور"، ج1، ص248.
[60] حجة الاسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي.
[61] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، كتاب " خصوصيات من سيرة الإمام "، ص 26.
[62] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، كتاب" خصوصيات من سيرة الإمام "، ص 26.
[63] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان، كتاب " في ظل الشمس "، ص 36.
[64] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي، كتاب " حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج1.
[65] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أكبر المحتشمي.
[66] السيدة مرضية الحديدجي، ، مجلة "ندا" العدد الاول.
[67] السيدة زهراء المصطفوي "ابنة الإمام ".
[68] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.
[69] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، مجلة" بيام انقلاب " العدد:60.
[70] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد جواد علم الهدى، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج5.
[71] آية الله إبراهيم الأميني، مجلة" بيام انقلاب"، العدد:105.
[72] حجة الإسلام والمسلمين الأنصاري الكرماني، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج2.
[73] الإهانة كانت غير مباشرة إذ قالت المرأة المشار اليها في المقابلة إن قدوتها أمرأة يابانية كان التلفزيون الإيراني يعرض في تلك الأيام قصة حياتها " وهي ليست واقعية" في مسلسل تمثيلي طويل يحكي أشكال المصائب والصعاب التي مرت فيها هذه المرأة، ورغم ذلك فقد كان الأمر مؤلما إن تتخذ أمرأة مسلمة أمامها قدوات مثل سيدة نساء العالمين ـ سلام الله عليها، أمرأة يابانية قدوة لها، وفي ذلك إشارة إلى شدة غيرة الإمام على قدسية الزهراء ـ سلام الله عليهاـ والتي تجلت في موقفه الحازم في معاقبة المسؤولين عن بث هذه المقابلة من إذاعة الجمهورية الإسلامية. المترجم.
[74] ملحق صحيفة رسالت الصادر بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لوفاة الإمام الخميني.
[75] السيدة زهراء المصطفوي.
[76] صحيفة كيهان "22/3/1359هـ.ش"، وكتاب "محضر نور"، ج1، ص 318.
[77] صحيفة كيهان "13/8/1358هـ.ش" وكتاب " محضر نور"، ج 1، ص 237.
[78] صحيفة إطلاعات "12/7/1358هـ.ش"، وكتاب "محضر نور "، ج1، ص 128.
[79] السيد أحمد بهاء الديني، كتاب" خطوات في أثر الشمس"، ج1، ص 264.
[80] صحيفة اطلاعات "19/8/1358" هـ.ش "، وكتاب"محضر نور"، ج1، ص 242.
[81] صحيفة كيهان"20/4/1358هـ.ش"وكتاب" حضر نور"، ج1، ص 146.
[82] حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي الغيوري، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج6.
[83] حجة الإسلام والمسلمين الرسولي المحلاتي، مجلة" حوزة " العدد المزدوج 37ـ 38.
[84] حجة الإسلام والمسلمين فردوسي بور، صحيفة رسالت، "14/4/1367هـ.ش"
[85] حجة الإسلام والمسلمين السيد علي اكبر المحتشمي.
[86] آية الله الحائري، مجلة "جهاد"، العدد: 35.
[87] السيد المشهدي جعفر "خادم الإمام"، مجلة "أميد انقلاب"، العدد: 205.
[88] حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد المهري، مجلة" شاهد بانوان"، العدد:167.
[89] السيدة فاطمة الطباطبائي "زوجة ولده السيد أحمد"، صحيفة اطلاعات "14/3/1369هـ.ش"
[90] حجة الإسلام والمسلمين الآشتياني، صحيفة أبرار "12/3/1372هـ.ش"
[91] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي.
|