بسيط الحقيقة كل الأشياء
"يعود هذا البرهان إلى صدر الدين الشيرازي، الذي ذكره في كتابه الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة الجزء الرابع الصفحة أربعون ويقوم على القاعدة الفلسفية المعروفة بقاعدة بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها، التي برهن الشيرازي على إثباتها خلال بحوثه، وأكدها في كتابه الأسفار الأربعة وينطلق في إثبات القاعدة من نفي التركيب، فكل هويته صح أن يسلب عنها شيء فهي، متحصلة من إيجاب وسلب، وكل ما كان كذلك فهو مركب من إيجاب وسلب، وبعكس النقيض: فإن كل ذات بسيطة الحقيقة لا يسلب عنها شيء، وقد ثبت أن الله بسيطة الحقيقة، فإذن بسيط الحقيقة كل الأشياء. أن الهوية البسيطة الإلهية لو لم يكن كل الأشياء لكانت ذات متحصلة القوام من كون شيء ولا كون شيء آخر، فيتركب ذاته ولو يحسب إعتبار العقل وتحليله من حيثيتين مختلفتين، وقد فرض وثبت أنه بسيط الحقيقة، هذا خلف. فالمفروض أنه بسيط إذا كان شيئا دون شيء آخر، كأن يكون "أ" دون "ب" فحيثية كون "أ" ليس بعينها حيثية كونه "ليس ب" والألكان مفهوم "أ" ومفهوم "ليس ب" شيئا واحداً، واللازم باطل.
لإستحالة كون الوجود والعدم أمراً واحداً، فالملزوم مثله، فثبت أن البسيط كل الأشياء. إذا كان الله واجداً لشيء وفاقداً لشيء آخر يلزم التركيب وحيث ثبت أن الله سبحانه ليس مركب بل هو بسيط من كل جهة، إذا بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها. فعلم الواجب بالأشياء تفصيلاً قبل الإيجاد وهو المبدأ الفياض بجميع الحقائق والمهيات، فيجب أن يكون ذاته تعالى مع بساطته وأحديته كل الأشياء. وعلمنا أن البسيط الحقيقي من الوجود يجب أن يكون كل الأشياء. فإذن لما كان وجوده تعالى وجود كل الأشياء، فمن عقل ذلك الوجود عقل جميع الأشياء، وذلك ولوجود هو بعينه عقل لذاته وعاقل.
فواجب الوجود عاقل لذاته بذاته، فعقله لذاته عقل لجميع ما سواه، وعقله لذاته مقدم على وجود جميع ما سواه، فعقله لجميع ما سواه سابق على جميع ما سواه، فثبت أن علمه تعالى بجميع الأشياء حاصل في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه سواء كانت صورة عقلية قائمة بذاته أو خارجية منفصلة عنها، فهذا هو العلم الكمالي التفصيلي بوجه والاجمالي بوجه، وذلك لأن المعلومات على كثرتها وتفصيلها بحسب المعنى موجودة بوجود واحد بسيط". (1)
___________________________ (1) الأسفار الأربعة لصدر الدين الشيرازي، ج 6، ص 269.
|