متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
إستحالة إتحاده بالغير
الكتاب : الآلوهية عند الفرق الإسلامية    |    القسم : مكتبة العقائد الإسلامية

إستحالة إتحاده بالغير

قال: "ولا يتحد بغيره لامتناع الإتحاد مطلقاً" أقول: "الإتحاد يقال على معنيين: مجازي وحقيقي، أما المجازي: فهو صيرورة الشيء شيئاً آخر بالكون والفساد، أما من غير إضافة شيء آخر كقولهم: صار الماء هواء وصار الهواء ماء, أو مع إضافة شيء آخر كما يقال: صار التراب طيناً بانضياف الماء إليه. وأما الحقيقي: فهو صيرورة الشيئين الموجودين شيئاً واحداً موجوداً. إذا تقرر هذا فاعلم: أن الأول مستحيل عليه تعالى قطعاً، لاستحالة الكون والفساد عليه.
وأما الثاني فقد قال بعض النصارى: إنه اتحد بالمسيح، فإنهم قالوا إتحدت لاهوتية الباري مع ناسوتية عيسى عليه السلام.

وقالت النصيرية: إنه اتحد بعلي عليه السلام. وقال المتصوفة أنه اتحد بالعارفين. فإن عنوا غير ما ذكرناه, فلا بد من تصوره أولاً ثم يحكم عليه، وإن عنوا ما ذكرناه فهو باطل قطعاً، لأن الإتحاد مستحيل في نفسه, فيستحيل إثباته لغيره.

أما إستحالته؛ فهو إن المتحدين بعد إتحادهما إن بقيا موجودين فلا إتحاد، لأنهما إثنان لا واحد، وإن عدما معاً، فلا إتحاد أيضاً بل وجد ثالث، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلا إتحاد أيضاً لأن المعدوم لا يتحد بالموجود". (1)
  __________________________________
(1) الباب الحادي عشر للمقداد السيوري، صفحة 56.


وبيان  ذلك  بان  الذات الالهية  لا  تتحد  بالغير مطلقا. لان الاتحاد  يقال  على
معنيين , المعنى الحقيقي والمعنى المجازي . أما المعنى المجازي فهو صيرورة شئ شيئا آخر. اذا تحولّ شئ الى شيئاً آخر, هذا قد يقال بانه اتحد مع ذلك الشئ فتحولّ الى شيئا آخر. وهذا لا يكون الا اذا فسد الاصل ووجد شئ جديد, وهذا يكون بأضافة شئ آخر, وتارة لا يكون بأضافة شئ آخر.

المثال الاول وهو صيرورة شئ شيئا آخر, كتحولّ الماء الى هواء او الى بخار, يعني تحول الهواء بخاربمعنىان تلك الذرات غير المائية وتسمى عندهم بخار. وهنا تحولّ الشئ الى شيئاً آخر لكن بدون اضافة شئ, وانما هذا الماء وضع على النار فصار هواءًا, وصار بخارًا. وتارة أخرى ان الاتحاد هو صيرورة الشئ شيئا آخر, بأضافة شئ آخر اليه. من قبيل تحول التراب الى طين باضافة الماء اليه, اما اذا لم يضاف اليه شئ من الخارج كالماء, فلا يكون التراب طينا.

فالماء امتزج شئ منه بالتراب حتى صار التراب طينا. طبعا يكون بعوامل خارجية, يحتاج الى سبب من الخارج, ولكن هذا الشئ الذي صار شيئا جديدا, او تحول الى شئ آخر, كان بأضافة شئ اليه, أو لم يكن بأضافة شئ اليه. هذان كلاهما نسميه اتحاد مجازي. لان السابق اما عدّم وذهب وفقد صورته المائية وذهبت, وجائت معها الصورة البخارية. وهنا الصورة الترابية لم تعدّم, لكن أضفت اليها شئ آخر فتحولت الى شئ جديد وهو الطين. وبحثنا ليس هنا. نحن لما نقول ان الله لا يتحدّ, ليس مرادنا من الاتحاد يعني لا يفسد لانه واجب الوجود, وواجب الوجود يستحيل عليه الفساد ويستحيل عليه العدّم. البحث ليس في الاتحاد المجازي, لانه لا اشكال ولا شبهة بان الله عندما نقول اتحد بغيره, ليس من قبيل تحولّ الماء الى هواء او بخار, أو تحول التراب الى طين, انما الكلام في الاتحاد الحقيقي . فصيرورة الشئ شيئا آخر بالكون والفساد. بان يفسد الثابت, وتحصل صورة جديدة , وهي الصورة البخارية, اوالصورة الهوائية .فالانسان قبل ان يصل الى ان يكون انساناً, كان نطفة في صلب أبيه , وقبل ان يكون نطفة, كان غذاءا. الانسان عند اكله للطعام صارالطعام نطفة في صلب الاب, ثم صارت النطفة في رحم الام جنينا, ثم صار انسانا. هذه الصورة النباتية او الغذائية ياتي مكانها الصورة الحيوانية . وهذا معنى الكون والفساد .

يعني يأتي شئ ويقوم مقامه شئ آخر. فتارة صيرورة او تحول الشئ الى شيئا آخر, من قبيل الكون والفساد, وهذا محال وفيه اشكال . فعندما نقول ان الله يتحدّ, ليس المراد منه هذا وانما مرادهم شئ آخر. وهذا الكون والفساد اما من غير اضافة شئ آخر اليه, كقولهم صار الماء بخارا, أو مع اضافة شئ آخر, كما يقال صار التراب طينا بأنضياف الماء اليه, وهذا ليس محال النزاع. الذي نريد ان نبطله, ليس ذلك لان الله واجب الوجود ويستحيل عليه العدم. لكن النزاع في المعنى الحقيقي الذي هو صيرورة الشيئين الموجودين موجودا واحدا, وهو محل كلامنا. الله موجود وزيد موجود, هذان الموجودان يتحدان معا فيكوّنان موجودا واحدا, وهذا هو محل النزاع الذي يثبته القائل بالاتحاد, وينفيه النافي للاتحاد بهذا المعنى .

فهل هذا أساسا ممكن أو ليس بممكن, وعلى فرض امكانه هل هو موجود بالواجب والممكن . محل النزاع هل ان الاتحاد الحقيقي اي ان يتحد موجودان فيما بينهما ويشكلان موجودا ثالثا , هل هو من الامور الممكنة او غير الممكنة .اذا ثبت انه من الامور الممكنة, عند ذلك يأتي هذا السؤال وهو هل يمكن الاتحاد بين الواجب والممكن, أو لايمكن ذلك بين الله والانسان؟ وعلى فرض الامكان, هل يمكن ان يتحد الواجب مع الممكن أو لا يمكن؟ على فرض استحالة الاتحاد بالمعنى الحقيقي, او انه مستحيل في ذاته من قبيل اجتماع الوجود والعدم, فلا فرق بان يكون الاتحاد بين الواجب والممكن, أو بين الممكنات فيما بينها. واما اذا ثبت انه من الامور الممكنة . عند ذلك يأتي هذا السؤال بأن الله تعالى هل يتحد بالممكن أو لا يتحد ؟ حتى لو قلنا بان الاتحاد الحقيقي موجود ممكن , يستحيل ان يتحد الواجب بالممكن, لانه اذا اتحد الواجب يكون ممكنا, أو ان الممكن يكون واجبا وهذه الفروض كلها باطلة , بان يكون الممكن واجبا مستحيل, لانه يستحيل اجتماع الغنى والفقر في شخص واحد, ان لا يكون لا ممكن ولا واجب يعني ممتنع ومعدوم, او بان يكون واجبا لا ممكنا, يلزم ان الممكن يكون واجبا وهذا محال.اوان يكون ممكنا لا واجبا يلزم ان يكون الواجب ممكنا وهو محال.

 لقائل ان يقول لا دليل على استحالة الاتحاد الحقيقي لانه معقول, والحق ان الاتحاد بين الواجب والممكن مستحيل, لانه فيه فروض وهذه الفروض كلها باطلة . اذا تقرر هذا فاعلم ان الاتحاد المجازي مستحيل عليه لحالة الكون والفساد على الواجب, وهذا ليس محل النزاع لان محل النزاع هو الاتحاد الحقيقي . قالت النصارى ان الواجب اتحد بالمسيح, فانهم قالوا اتحدت لاهوتية الباري (الوجود المجرد) مع ناسوتية عيسى عليه السلام (الوجود المادي) فاتحد هذا المجرد مع هذا المادي . وقالت النصيرية بان الواجب اتحد بعلي عليه السلام. وقال مدعّي الصوفية انه اتحد بالعارفين. وهؤلاء ان كان مقصدهم من الاتحاد, الاتحاد الحقيقي وصيرورة الشيئين شيئا آخر فهذا واضح, وان كان مرادهم شئ آخرفلا بد ان نتصور ما يقولون ,ثم نبين على انه صحيح, او ليس بصحيح. فان عنوا الاتحاد الحقيقي فهو باطل عقلا , لان الاتحاد الحقيقي مستحيل في نفسه (ليس في الممكنات) اذا كان مستحيلا في نفسه فيستحيل اثباته لغيره, اي ليس للواجب فقط بل لغير الواجب ايضًا مستحيل. لانه من الامور المستحيلة, من قبيل اجتماع الوجود والعدم, او اجتماع النقيضين, ليس فقط بين الواجب والممكن بل بين الممكنات فيما بينها ايضا. لذا قلنا الاتحاد بنفسه مستحيل, لانه يستحيل الاتحاد لغير الواجب فضلا عن اثبات الاتحاد للواجب.

اما استحالته فهو بفروض كلها باطلة. الفرض الاول: اما بعد الاتحاد بقياهذان الاثنان, والفرض الثاني: اما يعدما معا والفرض الثالث: ان يوجد أحدهما ويعدم الاخر. الاتحاد صيرورة الشيئين شيئا واحدا, فلا نستطيع ان نقول بعد الاتحاد يوجد اثنان على ما هما عليه, واما ان يعدما ويوجد ثالث, وبهذا لم يحصل اتحاد, وانما عدّما ووجد ثالث فلا اتحاد, واما ان يوجد احدهما ويعدم الاخر, فلا يوجد اتحاد. اذ لامعنى لان يتحد الموجود مع العدم, فالاتحاد الحقيقي في نفسه مستحيل, بغض النظر عن انه بين الواجب والممكن, او بين الممكنات فيما بينها. كما ذكرنا وقلنا انه يستحيل الاتحاد الحقيقي, لان المتحدين بعد اتحادهما, ان بقيا موجودين فلا اتحاد, لانهما اثنان لا واحد, وان عدما معا فلا اتحاد ايضا بل يوجد ثالث , وان عدم احدهما وبقي الاخر فلا اتحاد ايضا, لان المعدوم لا يتحد بالموجودفالاتحاد محال.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net