متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المحدود لا يدرك اللا محدود
الكتاب : الآلوهية عند الفرق الإسلامية    |    القسم : مكتبة العقائد الإسلامية

المحدود لا يدرك اللا محدود


قال تعالى "ألا أنه بكل شيء محيط" (فصلت / السجدة: 54).
وقال أيضا "وكان الله بكل شيء محيطاً" (النساء: 126).
وقال كذلك "الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء لو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم". (النور: 35).
وقال الإمام علي عليه السلام في خطبته وفي حديث ذعلب اليماني "داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل وخارج عنها لا كشيء في شيء خارج" (1).
وقال أيضا "هو في الأشياء على غير مما زجه خارج منها على غير مباينة" (2).
وقال علي عليه السلام "مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة" (3)وقال أمير المؤمنين أيضاً "قريب من الأشياء غير ملامس بعيد عنها غير مباين" (4).
___________________________________

(1) توحيد الصدوق ص 306، حديث ذعلب.
(2) توحيد الصدوق، حديث ذعلب.
(3) حق اليقين، عبد الله شبّر.(4) حديث ذعلب الشهورم


توضيح ذلك يحتاج قليلاً من التأمل لاننا كما نعلم بأن الحركة هي خروج الشيء من القوة إلى الفعل تدريجاً أي بإعانة الحساب أو بعبارة أخرى الحركة: هي الحصول الأول في المكان الثاني، أو حصول الجسم في مكان بعد مكان آخر.
فالحركة: هي كون الجسم في حيز بعد كونه في حيز آخر، أي إنتقال الجسم من مكان إلى مكان آخر.
السكون: كون الجسم في حيز بعد كونه في ذلك الحيز، أي إستمرار بقاء الجسم في مكانه. أو بتعبير آخر هو الحصول الثاني في المكان الأول أي حصول ثان في مكان واحد.
الآن: هو اللحظة بالنسبة إلى الزمان كالنقطة بالنسبة إلى المكان لا امتداد لها ولا مدة، إنما هي المشترك بين مدتين متعاقبتين.
الزمان: موجود وماهيته أنه مقدار متصل غير قارّ عارض للحركة.
الجوهر: هو المتحيز بذاته والموجود لا في موضوع.
العرض: هو الموجود القائم بغيره كالألوان القائمة في الأجسام. لما عرفنا هذا يجب أن نميز بين المحدود (المتناهي) واللامحدود أي (اللامتناهي) فنقول الحركة خروج الشيء من القوة إلى الفعل ويحتاج لتدرج الأحداث كون بعد كون، وجود بعد وجود. فالمادة بجوهرها كون بعد كون، كل كون يحد الكون السابق ابتداءاً فالمادة محدودة والحركة جوهرية في المادة كما قلنا أنها عارضة. إذا داخلة بذاتها فهي كون بعد كون والمادة من السابق يحد اللاحق إذن مبتدأ بدء أو آنتها لما قبله وجوه، فيكون محدود والمحدود لا يكون موجداً ومصدراً للوجود بأسره أي هنالك محركاً للعالم وهو غير متحرك.

المحدود لا يكون   السابق بعد اللاحق
موجداً (خالقاً)  وهي عارضة عليه
       كون بعد كون


وإن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود يأبى بذاته العدم (الحق ماهيته إنيته) أي أن الخالق ماهيته نفس وجوده كما ذكرناه في قول الحكيم السبزواري في منظومته الفلسفية وبما أنه غير متناه غير محدود والكون متناه ومحدود والكون محيط والله سبحانه محاط فليس بإمكان المحيط أن يدرك المحاط أو المحدود أن يدرك اللامحدود، وقوله داخل في الأشياء خارج عنها أي محيط بالأشياء فإنك، إذا لاحظت البحر أو حوض الأسماك فستجد الماء محيط بالحيوانات أو الأسماك. فالماء داخل في هذه الأشياء، ولكن خارج عنها وهذا بالنسبة للماديات مع الفارق لأن الله تعالى ليس مادياً والعالم مادي. أي أن الماء خارج عن جوفها وليس بداخلها وإحاطة الله كلية بكل ذرة منها حتى الجراثيم والميكروبات وأجزاء الذرة والله فيض وكمال وهو أفاض الوجود إلى الكائنات، والماء محيط بها فقط، ولا يدخل في باطنها، لأنك لو فتحت باطن السمكة لا تراها مملوءة بالماء لأن الماء خارج عنها أو محيط بها فقط بل ترى في باطنها الأمعاء، وما إليه من محتويات هذا بالنسبة للماديات مثلنا بالسمكة لتقريب الفهم لعدم استحضار شيء بسيط للإيضاع الصوري أما الله فإنه محيط إحاطه تامة بكل دقائق الكون وأجزاءه وجزئياته.

أظن هنا المثال واضح للفكر لأجل التشبيه بالله لأن الله ليس صفة وموصوف لكي يعرض على شيء أو هو جسم ليحل بمكان أو يحويه ويستوعبه كالظرف والمظروف لا بل ذات (قائم بذاته) ولم يكن قائماً بغيره ليحل فيه. كذلك الآية الكريمة مصداقا لذلك نرى المصباح داخلاً في الزجاجة إذا ما نظرنا إليه من الخارج. لكنه ليس داخل فيها بل هو خارج عنها أيضا كما بينا في سورة النور وبنفس الوقت فهو في باطنها، لكن لا بملامسة وخارج عنها لا بمزايلة.

إن علم الله موجود في كل ذرة من المادة وقدرته في الممكنات كلها وفيضه عليها بالتساوي لأن مرتبة الممكنات بالنسبة له بدرجة واحدة وإلا لكان ترجيح بلا مرجح، وكونه كامل والمادة ناقصة فتسبح له لتنزهه عن النقص كقوله لا بمقارنة أي لا نقارنه معها بأنه جسم ومادة وممكن أو هو مادة لأنه موجود والمادة موجودة، ولا بمزايلة كون هذا التجرد لا يخرجه عن الإحاطة بها.

قال بعض الزنادقة للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: "إن الحجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم، فإما هو فلا تخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار.
قال: فلم لا تدركه حاسة البصر؟
قال: للفرق بينه وبين خلقه: الذين تدركهم حاسة الأبصار ثم هو أجل من أن تدركه الأبصار أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل.
قال: فحده لي؟
قال: إنه لم يحد.

قال: ولِمَ؟

قال: لأن كل محدود متناه إلى حد، فإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان. فهو غير محدود، ولا متزايد، ولا متجزيء، ولا متوهم". (1)

أما البساطة أن الله سبحانه تعالى بسيط وليس بمركب وللإيضاح نجد أننا إذا نظرنا إلى شيء أو أية مادة في الميكروسكوب وقطعناها لأجزاء أقل حجماً، ثم هذه القطعة المقطعة نقطعها إلى قطعة أصغر ماذا نصل؟ إننا نصل إلى قطعة صغيرة لو قطعناها لم نر شيئا، فهذه الذرة الأخيرة نمثلها في البساطة أي الشيء البسيط كونه إذا قطعنا منه جزءاً سينتفي بأكمله مع الفارق طبعاً لأن الذرة نفسها تنقسم إلى النيوترونات والبروتونات والإلكترونات والعالم كله ينقسم إلى الزوجية، فمع الفارق لكن لتقريب ذلك إلى الذهن ولما كان سبحانه بسيطاً فكيف يقطع جزءا منه أو يزيله، وهذه البساطة ماسكة الكون هذه القوة الخفية الإلهية الكاملة الغنية لأنها بسيطة لا جزء لها، وإلا لو كانت مركبة لكانت مفتقرة إلى أجزاءها.

 


___________________________________

(1) علل الشرائع للصدوق ص 119، باب 98


 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net