الذات الإلهية
عندما نتحدث عن الذات الإلهية نريد إبانة ما ورد إلينا من الكتاب ومن سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين وما حكمه العقل بإمضاء وتأييد الشارع المقدس. إن الله تعالى لا يرى بحاسة البصر لا في الدنيا ولا في الآخرة. وذلك لأن الذي نراه لا بد أن يكون جسماً (1) ويشار إليه، وفي جهة المقابلة، وله صورة وشكل ومكان. والله سبحانه منزه عن جميع ذلك، ولأن المرئي محاط بالنظر ضرورة، والله محيط، فلا يكون محاطا، وكل ذلك من لوازم الجسمية، والله أظهر الموجودات وأجلاها، فلو تأملت حواس الإنسان، تجدها قاصرة فحاسة البصر لا ترى النمل على بعد أميال مثلا، إلا أنها تستطيع الرؤية لغاية منظورها. ولكن نستطيع ذلك باستعمال الناظور لرؤية الأماكن البعيدة.
كذلك الحيوانات الصغيرة في برك الماء، والجراثيم فإننا لا نستطيع رؤيتها إلا بالمجهر وتطلع إلى السمع تجده قاصراً، لأن الأذن تسمع الهزات من خمس إلى عشرين ألف، فالذي ينقص عن ذلك لا تسمعه، وما زاد يشق طبلة الأذن. والإنسان لا يشم رائحة السكر، مع أن الذباب والنمل يشمها ويسرع إليها عن بعد.
وكذلك العقل، لا يستطيع أن يرسم أكثر من صورة واحدة فيه بآن واحد وحتى الخيال، فلا تستطيع تخيل شيء وليس له وجود في الكون. فإننا لا نستطيع تخيل رائحة حمراء، والسمك في البحر لا يستطيع تخيل عالم البر إلا إذا أخرج في حوض ماء مثلا، والإنسان لا يستطيع تخيل صوراً ليس لعالمها وجود. فالثور المجنح تشكيل في الكون، فالجناح موجود، والثور موجود في الكون ولا شيء جديد قد قام بتوسعه الخيال.
فالوهم قاصر أيضا، فكيف تستطيع عقولنا القاصرة أن تدرك الله سبحانه. إن السبب يعود لشيئين: ___________________________________
(1) الجسم يفتقر للمكان، والعرض يفتقر للجسم، كاللون يفتقر للجسم ليعرض عليه لأنه ممكن.
1- خفائه في نفسه، أو غموضه وهذا الإدعاء غير مقنع أن يختفي بلا سبب. 2- ما يتناهى وضوحه بحيث أن هذا الوضوح هو الذي حجبه عنا. والحقيقة تقر بذلك. لأننا إذا تأملنا الخفاش وهو يبصر في الليل، ولا يبصر في النهار، ليس لأن النهار غامض، وغير واضح، أو معدوم لكن السبب هو شدة وضوح النهار وجلائه. ولكن حقيقة طبيعة الخفاش هو إنسجامه مع الليل وعدم إنسجامه في النهار بعكس أحداق العيون البشرية، فإن بصر الخفاش ضعيف، يبهره نور الشمس، فإذا ظهر النور قوي، فمع سبب ضعف بصره جعل من ذلك سبباً لإمتناع رؤية لضوء النهار، فلا يرى شيئا. إلا إذا امتزج الظلام بالنور، وضعف ظهور الضوء، مع العلم أن الرؤية تتم تحت شروط وهي الضوء أو عدم وجود الحاجب والشفافية. فكذلك الحال بالنسبة إلى عقولنا وأبصارنا، وإن جمال الحضرة الإلهية كما بين بعض العلماء في نهاية الأشراق والإستنارة. وفي غاية الإستغراق والشمول، حتى صار ظهوره ووضوحه سبباً لخفائه. 1- قال تعالى "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (شورى: 11) أي أنه موجود مجرد من المادة.
2- عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال: "لا جسم ولا صورة وهو مجسم الأجسام ومصور الصور لم يتجرأ ولم يتناه، ولم يتزايد ولم يتناقص." (1)
3- وعن الصادق عليه السلام: "إنه قال للزنديق حين سأله ما هو؟ قال عليه السلام: هو شيء بخلاف الأشياء. أرجع بقولي "شيء" إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة. (2)
4- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من زعم أن الله في شيء ومن شيء فقد أشرك، ولو كان الله عز وجل على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصوراً ولو كان من شيء لكان محدثا." (3)
___________________________________
(1) توحيد الصدوق ص 98 – 7 باب أنه ليس جسم ولا صورة. (2) توحيد الصدوق ص 140 – باب تبارك وتعالى شيء. (3) توحيد الصدوق ص 178 – 9 باب نفي الزمان والمكان والحركة عنه تعالى.
|