متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
باب: في صفات أعدائه
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[ باب ]
[ في صفات أعدائه ](1)


وأمّا صفات أعدائه وما نُسب إليهم من المثالب وكثرة الخطايا والمعايب فكثيرة جداً، مرّ بعضها في الكتاب ونذكر أيضاً منها جملة يسيرة نختم بها الكتاب.

فمنها ما تضمّنه خبر وفاة الزهراء عليها السلام، قرّة عين الرسول، وأحبّ الناس إليه، مريم الكبرى، والحوراء التي أفرغت من ماء الجنّة من تفاحة من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله(2) التي قال في حقّها رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ

____________

1- انّ هذا الباب حُذف من النسخة المطبوعة الموجودة في الأسواق، وجاءت في جميع النسخ الخطية، وكذلك أورده العلاّمة المجلسي في البحار 30: 347 ح164 فلاحظ، وقال في ذيل الحديث: إنّما أوردت هذا الكلام لاشتماله على بعض الأخبار الغريبة، وإن كان في بعض ما احتجّ به وهن أو مخالفة للمشهور، فسيتّضح لك حقيقة الأمر في الأبواب الآتية، والله الموفّق.

2- ورد هذا الخبر بطرق مختلفة في عدّة مصادر، منها: ميزان الاعتدال 2: 518; نظم درر السمطين: 177; ذخائر العقبى: 36; فرائد السمطين 1: 50 تحت رقم 381; الدر المنثور 4: 153 في سورة الاسراء; المستدرك على الصحيحين 3: 169.


الصفحة 361
الله يرضى لرضاك يا فاطمة ويغضب لغضبك(1)، وقال عليه وآله السلام: فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني(2).

وروي أنّه لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس: إذا أنا متّ فانظري إلى الدار فإذا رأيت سجفاً(3) من سندس من الجنّة قد ضرب فسطاطاً في جانب الدار، فاحمليني وزينب واُمّ كلثوم فاجعلوني من وراء السجف وخلّوني وبين نفسي(4).

فلمّا توفّيت عليها السلام وظهر السجف حملتها وجعلتها وراءه، فغسلت وكفنت وحنطت بالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبرئيل عليه السلام من الجنّة في ثلاث صرر، فقال: يا رسول الله ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: هذا حنوطك وحنوط ابنتك وحنوط أخيك عليّ مقسوم أثلاثاً، وانّ أكفانها وماءها وأوانيها من الجنّة، وانّها أكرم على الله تعالى أن يتولّى ذلك منها أحد غيرها.

وروي انّها توفّيت عليها السلام بعد غسلها وتكفينها وحنوطها لأنّها طاهرة لا دنس فيها، وانّه لم يحضرها إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام، والحسن، والحسين، وزينب، واُمّ كلثوم، وفضّة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وانّ أمير المؤمنين عليه السلام أخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلّوا عليها، ولم

____________

1- قد ورد هذا الحديث بطرق مختلفة في مصادر الشيعة والسنة، منها: مستدرك الحاكم 3: 167 ح4730; مناقب الإمام عليّ عليه السلام للمغازلي: 351 ح401; ذخائر العقبى للمحبّ الطبري: 39; المعجم الكبير للطبراني 22: 401 ح1001; وغيرها.

2- صحيح البخاري 4: 210 باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله; الجامع الصحيح للترمذي 5: 359 ح3959; المسند لأحمد بن حنبل 4: 326; المعجم الكبير للطبراني 22: 405 ح1014; مستدرك الحاكم 3: 195 ح1013.

3- السجف: الستر.

4- في البحار: خلّوا بيني وبين نفسي.


الصفحة 362
يعلم بها أحد ولا حضروا وفاتها، ولا صلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، لأنّها عليها السلام أوصت بذلك وقالت: لا تصلّي عليّ اُمّة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين عليّ، وظلموني حقّي، وأخذوا ارثي، وحرقوا صحيفتي التي كتبها إليّ أبي بملك فدك، وكذبوا شهودي، وهم ـ والله ـ جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين واُمّ أيمن.

وطِفْتُ عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهاراً، آتي منازلهم اُذكّرهم الله بالله وبرسوله ألاّ تظلمونا ولا تغصبونا حقّنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهاراً. ثمّ ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه عمر وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمّي علياً إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة(1) رسول الله صلى الله عليه وآله وبأزواجه وبتأليف القرآن، وقضى ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عداتاً وديناً، فجعلوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقونا(2).

فأخذت(3) بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي عليه السلام أن يكفّوا عنّا وينصرفوا(4)، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي، فالتوى السوط على عضدي حتّى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تستعر، وسفع(5) وجهي بيده حتّى انتثر قرطي من اُذني، فجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلا بغير جرم(6)، فهذه اُمّة تصلّي عليّ

____________

1- في البحار: بما أوصاه به.

2- في البحار: ليحرقوه ويحرقونا.

3- في البحار: فوقفت.

4- في البحار: وينصرونا.

5- سَفَعَ فلانٌ فلاناً: لطمه وضربه. (القاموس)

6- وفي ذلك كلّه يقول العلاّمة محمد حسين الاصفهاني:


لكن كسر الضلع ليس ينجبر الاّ بصمصام عزيز مقتدر
إذ رضّ تلك الأضلع الزكيّة رزيّة لا مثلها رزيّة
ومن نبوع الدم من ثدييها يعرب عظم ما جرى عليها
وجاوزوا الحدّ بلطم الخدّ شلّت يد الطغيان والتعدي
فاحمرّت العين وعين المعرفة تذرف بالدمع على تلك الصفة
ولا تزيل حمرة العين سوى بيض السيوف يوم ينشر اللوى
وللسياط رنّة صداها في مسمع الدهر فما أشجاها
والأثر الباقي كمثل الدملج في عضد الزهراء أقوى الحجج
ولست أدري خبر المسمار سل صدرها خزانة الأسرار
والباب والجدار والدماء شهود صدق ما به خفاء


الصفحة 363
وقد تبرّأ الله ورسوله منهم وتبرّأت منهم(1).

فعمل أمير المؤمنين عليه السلام بوصيّتها ولم يعلم أحداً بها، فأصبح في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها السلام أربعون قبراً جدداً.

ثمّ انّ المسلمين لمّا علموا بوفاة فاطمة عليها السلام ودفنها جاؤوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يعزّونه لها وقالوا: يا أخا رسول الله أمرت(2) بتجهيزها وحفر تربتها؟ فقال عليه السلام: قد ورّيت ولحقت بأبيها صلوات الله عليه وآله، فقالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تموت ابنة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ولم يخلّف فينا ولداً غيرها ولا يصلّى عليها، إنّ هذا لشيء عظيم.

فقال عليه السلام: حسبكم ما جنيتم على الله وعلى رسوله في أهل بيته، ولم أكن والله لأعصيها في وصيّتها التي أوصت بها في أن لا يصلّي عليها أحد منكم، وما بعد العهد فأغدر، فنفض القوم أثوابهم وقالوا: لابدّ لنا من الصلاة على ابنة رسول

____________

1- انّ حديث الدار والباب والضرب واسقاط محسن وكسر الضلع ورد في كثير من مصادر الخاصة والعامة، منها: دلائل الإمامة للطبري: 45; وأمالي الصدوق: 116 ح2 مجلس 28; أمالي الطوسي 1: 191; كامل الزيارات لابن قولويه: 332-333; تفسير العيّاشي 2: 307-308; اقبال الأعمال لابن طاووس: 625; اثبات الوصية: 23-24; المناقب لابن شهر آشوب 3: 358 على ما نقله عن كتاب المعارف لابن قتيبة; الملل والنحل للشهرستانى 1: 57; الفرق بين الفرق للاسفرائيني: 107; الوافي بالوفيات 5: 347 على ما نقله المحدّث القمي في سفينة البحار; وغيرها من المصادر الكثيرة.

2- في البحار: لو أمرت.


الصفحة 364
الله صلى الله عليه وآله، ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً، فاشتبه عليهم قبرها عليها السلام بين تلك القبور، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً وقالوا: لم تحضروا وفاة بنت نبيّكم ولا الصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها فتزوروه، فقال أبو بكر: هاتوا من ثقاة المسلمين ينبش هذه القبور حتّى تجدوا قبرها، فنصلّي عليها ونزورها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج من داره مغضباً وقد احمرّ وجهه وقامت عيناه ودرّت أوداجه، وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلاّ في كلّ كريهة، يتوكّأ على سيفه ذي الفقار حتّى ورد البقيع، فسبق الناس النذير فقال لهم: هذا عليّ قد أقبل كما ترون، يقسم بالله لأن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعنّ السيف على غابر الاُمّة، فولّى القوم هاربين قطعاً قطعاً.

ومنها ما فعله الأوّل من التآمر على الاُمّة من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله، ولا مطالبته جميعهم بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعاً وكرهاً، وكان ذلك أوّل ظلم ظهر في الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ كان هو وأولياؤه جميعاً مقرّين بأنّ الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله لم يولّياه ذلك، ولا أوجبا طاعته ولا أمرا ببيعته(1).

وطالب الناس بالخروج إليه ممّا كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله من الأخماس والصدقات والحقوق الواجبات، ثمّ تسمّى بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد علم هو ومن معه من الخاص والعام انّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلفه، فقد جمع بين الظلم والمعصية والكذب على رسول الله صلى الله

____________

1- وممّا يدلّ على عدم أهليّته للخلافة قول صاحبه الثاني: "كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد مثلها فاقتلوه"، ورد هذا النص أو ما يقاربه في عدّة مصادر، منها: تاريخ الخلفاء للسيوطي: 67; صحيح البخاري، باب رجم الحبلى 5: 208; السيرة الحلبية 3: 363; الصواعق المحرقة 5: 5 و8 و21; تاريخ الطبري 3: 210.


الصفحة 365
عليه وآله، وقد قال صلى الله عليه وآله: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار(1).

ولمّا امتنع طائفة من الناس في دفع الزكاة إليه وقالوا: انّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأمر بدفع ذلك إليك، فسمّاهم أهل الردة وبعث إليهم خالد بن الوليد في جيش، فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم، وجعل ذلك فيئاً للمسلمين، وقتل خالد بن الوليد رئيس القوم مالك بن نويرة، وأخذ امرأته فوطأها من ليلته تلك، واستحلّ الباقون فروج نسائهم من غير استبراء.

وقد روى أهل الحديث جميعاً بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد انّهم قالوا: أذّن مؤذّننا وأذّن مؤذّنهم، وصلّينا وصلّوا وتشهّدوا، فأي ردة هاهنا مع ما رووه جميعاً انّ عمر قال لأبي بكر: كيف تقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله وانّي محمد رسول الله، فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم؟!

فقال: لو منعوني عقالا ممّا كانوا يدفعونه إلى رسول الله لقاتلتهم ـ أو قال لجاهدتهم ـ وكان هذا فعلا فضيعاً في الإسلام وظلماً عظيماً، فكفى بذلك خزياً وكفراً وجهلا، وإنّما أخذ عليه عمر بسبب قتل مالك بن نويرة، لأنّه كان [بين عمر و](2) بين مالك خلّة أوجبت العصبيّة له من عمر(3).

ثمّ رووا جميعاً انّ عمر لما ولّي جمع من بقى من عشيرة مالك، واسترجع ما

____________

1- كنز العمال: ح29168.

2- أثبتناه من البحار.

3- راجع تاريخ الطبري 3: 280; والفتوح لابن أعثم 1: 25; والصراط المستقيم للبياظي: 279 الباب الثاني عشر; والغدير 7: 159; والملل والنحل 1: 25; الإمامة والسياسة 1: 23.


الصفحة 366
وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم، وردّ ذلك جميعاً عليهم، فإن كان فعل أبي بكر بهنّ خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم، وملكهم العبيد الأحرار من أبنائهم، وأوطأهم فروجاً حراماً من نسائهم، وإن كان ما فعله حقّاً فقد أخذ عمر نساء قوم ملكوهنّ بحق، فانتزعهنّ من أيديهم غصباً وظلماً، وردّهم إلى قوم لا يستحقّونهنّ بوطئهنّ حراماً من غير مباينة وقعت، ولا أثمان دفعت إلى من كنّ عنده في تملّكه. فعلى كلا الحالين قد أخطئا جميعاً أو أحدهما، لأنّهما أباحا للمسلمين فروجاً حراماً، وأطعماهم طعاماً حراماً من أموال المقتولين على دفع الزكاة إليه، وليس له ذلك على ما تقدّم ذكره.

ومنها تكذيبه لفاطمة صلوات الله عليها في دعواها فدك(1)، وردّ شهادة اُمّ أيمن مع انّهم رووا جميعاً انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة، وردّ شهادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقد رووا جميعاً انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيث ما دار، وأخبرهم أيضاً بتطهير عليّ وفاطمة من الرجس عن الله تعالى، فمن توهّم انّ علياً وفاطمة يدخلان ـ بعد هذه الأخبار عن الله عزوجل ـ في شيء من الكذب والباطل فقد كذّب الله، ومن كذّب الله كفر بغير خلاف.

ومنها قوله في الصلاة: لا يفعل خالد ما اُمر(2)، فهذه بدعة يقارنها كفر، وذلك انّه أمر خالداً بقتل أمير المؤمنين عليه السلام إذا هو سلّم من صلاة الفجر، فلمّا قام في الصلاة ندم على ذلك وخشى إن فعل خالد ما أمر به من قتل عليّ عليه السلام أن تهيج عليه فتنة لا يقومون لها، فقال: لا يفعل خالد ما اُمر قبل أن يسلّم، وكان

____________

1- راجع شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 80 و82; والصواعق: 22; السيرة الحلبية 3: 362; على ما في نهج الحق: 265; والصراط المستقيم: 282 باب12; مجمع الزوائد للهيثمي 9: 39.

2- راجع كتاب سليم: 214; عنه البحار 28: 305; مناقب ابن شهر آشوب 2: 290.


الصفحة 367
الكلام في الصلاة بدعة والأمر بقتل عليّ عليه السلام كفر.

ومنها انّهم رووا عنه بغير خلاف انّه قال وقت وفاته: ثلاث فعلتها ووددت انّي لم أفعلها، وثلاث لم أفعلها ووددت أنّي فعلتها، وثلاث أغفلت المسألة عنها ووددت انّي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنها. أمّا الثلاث التي وددت انّي لم أفعلها فبعث خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة وقومه المسمّين بأهل الردة، وكشف بيت فاطمة عليها السلام وإن كان اغلق على حرب...، واختلف أولياؤه في باقي الخصال فأهملنا ذكرها وذكرنا ما اجتمعوا عليه(1).

فقد دلّ قوله: انّي لم أكشف بيت فاطمة بنت رسول الله...، انّه أغضب فاطمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك، فقد أوجب بفعله هذا غضب الله عليه بغضب فاطمة، وقال صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عزوجل، فقد لزمه أن يكون قد آذى الله ورسوله بما لحق فاطمة عليها السلام من الأذى بكشف بيتها، وقال الله عزوجل:

{إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}(2).

وأمّا الثلاث التي ودّ أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فهي: الكلالة ما هي، وعن الجد ما له من الميراث، وعن الأمر لمن هو بعده ومن صاحبه. وكفى بهذا الاقرار على نفسه خزياً وفضيحةً لأنّه شهر نفسه بالجهل بأحكام الشريعة، ومن كان هذا حاله كان ظالماً فيما دخل فيه من الحكومة بين المسلمين بما

____________

1- ورد هذا الكلام بنصوص مختلفة متّحدة المعنى، منها: تاريخ الطبري 2: 353 في ذكر أسماء قضاته وكتابه...; تاريخ اليعقوبي 2: 137; شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 45-47; الصراط المستقيم: 301 باب12; الخصال: 171-173 ح288 باب3; عنه البحار 30: 122 ح2; مروج الذهب 2: 302; الإمامة والسياسة: 24.

2- الأحزاب: 57.


الصفحة 368
لا يعلمه، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

وقوله: انّي وددت انّي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله لمن الأمر بعده ومن صاحبه، فقد أقرّ وشهد على نفسه بأنّ الأمر لغيره وانّه لا حقّ له فيه، لأنّه لو كان له فيه حقّ لكان قد علمه من الله عزوجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله، فلمّا لم يكن له فيه حق لم يعلم لمن هو بزعمه، وإذا لم يكن له فيه حق ولم يعلم لمن هو فقد دخل فيما لم يكن له، وأخذ حقاً هو لغيره، وهذا يوجب الظلم والتعدّي وقال الله عزوجل: {ألا لعنة الله على الظالمين}(1)، وقال: والكافرون هم الظالمون.

ومنها ما وافقه عليه صاحبه الثاني انّه لما أراد أن يجمع ما تهيّأ له من القرآن أمر منادياً ينادي في المدينة: من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ثمّ قال: لا نقبل من أحد شيئاً إلاّ بشاهدي عدل، وهذا منهم مخالف لكتاب الله عزوجل، إذ يقول: {لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً}(2).

فإن كان الرجل وصاحبه جهلا هذا من كتاب الله، وظنّا انّه لا يجوز(3) لأحد من الناس أن يأتي بمثل هذا القرآن، فذلك غاية الجهل وقلّة الفهم، وهذا الوجه أحسن أحوالهما، ومن حلّ هذا المحلّ لم يجز أن يكون حاكماً بين المسلمين فضلا عن منزلة الامامة، وإن كانا قد علما ذلك من كتاب الله، ولم يصدّقا أخبار الله فيه، ولم يثقا بحكمه في ذلك، كانت هذه حالا توجب عليهما ما لا خفاء به على كلّ ذي فهم.

ولكن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام قالوا: انّهما قصدا بذلك علياً عليه السلام، فجعلا هذا سبباً لترك قبول ما كان عليّ عليه السلام جمعه وألّفه من القرآن

____________

1- هود: 18.

2- الاسراء: 88.

3- لعلّ الأصح: يجوز.


الصفحة 369
في مصحفه بتمام ما أنزل الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وآله منه، وخشيا أن يقبلا ذلك منه فيظهر ما يفسد عليهما عند الناس ما ارتكباه من الاستيلاء على اُمورهم، ويظهر فيه فضائح المذمومين بأسمائهم، وطهارة الفاضلين المحمودين بذكرهم، فلذلك قالا: لا نقبل القرآن من أحد إلاّ بشاهدي عدل.

هذا مع ما يلزم من يتولاّهما انّهما لم يكونا عالمين بتنزيل القرآن، لأنّهما لو كانا يعلمانه لما احتاجا أن يطلباه من غيرهما ببيّنة عادلة، وإذا لم يعلما التنزيل كان محالا أن يعلما التأويل، ومن لم يعلم التنزيل ولا التأويل كان جاهلا بأحكام الدين وبحدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله، ومن كان بهذه الصفة خرج عن حدود من يصلح أن يكون حاكماً بين المسلمين أو اماماً لهم، ومن لم يصلح لذلك ثمّ دخل فيه فقد استوجب المقت من الله عزوجل، لأنّ من لا يعلم حدود الله يكون حاكماً بغير ما أنزل الله، وقال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فاُولئك هم الكافرون}(1).

ومنها انّ الاُمّة مجمعة على انّ رسول الله صلى الله عليه وآله ضمّه وصاحبه مع جماعة من المهاجرين والأنصار إلى اُسامة بن زيد وولاّه عليهما، وأمره بالمسير فيهم، وأمرهم بالمسير تحت رايته وهو أمير عليهم إلى بلاد الشام، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لينفّذ جيش اُسامة حتّى توفّي صلى الله عليه وآله في مرضه ذلك، وانّهما لم ينفّذا وتأخّرا عن اُسامة في طلب ما استوليا عليه من اُمور الاُمة(2).

فبايع الناس لأبي بكر واُسامة معسكر في مكانه على حاله خارج المدينة،

____________

1- المائدة: 44.

2- راجع في تخلّف القوم عن جيش اُسامة: الملل والنحل 1: 23، وفيه: "جهّزوا جيش اُسامة لعن الله من تخلّف عنه"; السيرة الحلبيّة 3: 207; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 53; الكامل في التاريخ 2: 215; كنز العمال 5: 312; تاريخ اليعقوبي 2: 113; صراط المستقيم: 296 باب12.


الصفحة 370
والاُمة مجمعة على انّ من عصى رسول الله وخالفه فقد عصى الله، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله بنصّ الكتاب العزيز، والاُمة أيضاً مجمعة على انّ معصية الرسول بعد وفاته كمعصيته في حياته، وانّ طاعته بعد وفاته كطاعته في حياته، وانّهما لم يطيعاه في الحالتين وتركا أمره بالخروج، ومن ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله متعمّداً وخالفه وجب الحكم بارتداده.

ومنها انّه لمّا حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلم في الاستيلاء عليه لعمر من بعده(1)، وطالب الناس بالبيعة له والرضا به، كره في ذلك من كره ورغب من رغب، وقد أجمعوا في روايتهم انّ الغالب كان من الناس يومئذ الكراهة، فلم يفكّر في ذلك وجعله الوالي عليهم على كره منهم، وخوّفوه من الله عزوجل في توليته فقال: بالله تخوّفوني، إذا أنا لقيته قلت له: إنّي استخلفت عليهم خير أهلك(2).

فكان هذا القول جامعاً لعجائب من المنكرات الفضيعات، أرأيت لو أجابه الله تعالى فقال: من جعل إليك ذلك، ومن ولاّك أنت حتّى تستخلف عليهم غيرك؟! فقد تقلّد الظلم في حياته وبعد وفاته.

ثمّ انّ قوله: أتخوّفوني بالله، اما هو دليل على الاستهانة بملاقاة الله تعالى، أو يزعم انّه زكيّ عند الله برئ من كلّ زلّة وهفوة، وهذا مخالفة لقوله تعالى، فإنّه قال: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى}(3) ثمّ انّه لم يكتف بذلك حتّى شهد لعمر انّه خير القوم، وهذا ممّا لا يصل إليه مثله ولا يعرفه.

ثمّ انّه ختم ذلك بالطامة الكبرى انّه أمر وقت وفاته بالدفن مع رسول الله

____________

1- وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الشقشقية: فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عَقَدَها لآخر بعد وفاته ـ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ـ فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها....

2- راجع الملل والنحل 1: 25; تاريخ الطبري 2: 355.

3- النجم: 32.


الصفحة 371
صلى الله عليه وآله في بيته وموضع قبره، وجعل أيضاً بذلك سبيلا لعمر عليه، فإنّه فعل كما فعله وصيّرت العامة ذلك منقبة لهما بقولهم: ضجيعا رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن عقل وميّز وفهم على انّهما قد جنيا على أنفسهما جناية لا يستقيلانها أبداً، وأوجبا على أنفسهما المعصية لله ولرسوله والظلم الظاهر الواضح، لأنّ الله سبحانه قد نهى عن الدخول إلى بيوت النبي إلاّ باذنه حيث يقول: {يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلاّ أن يؤذن لكم}(1).

والحال في ذلك بعد وفاته كالحال في حياته إلاّ أن يخصّ الله عزوجل ذلك أو رسوله، فإن كان البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول خاصة فقد عصيا الله بدخولهما بيته بغير اذن الرسول، وختما أعمالهما بمعصية الله في ذلك، وإن كان البيت من جملة التركة فامّا أن يكون كما زعموا انّه صدقة، أو يكون للورثة، فإن كان صدقة فحينئذ يكون لسائر المسلمين لا يجوز أن يختصّ واحد دون واحد، ولا يجوز أيضاً شراؤه من المسلمين ولا استيهابه.

وإن كان ميراثاً فليس هما ممّن يرث الرسول صلى الله عليه وآله، وإن ادّعى جاهل ميراث ابنتيهما من الرسول فإنّ نصيبهما تسع الثمن، لأنّ الرسول مات عن تسع نسوة وعن ولد للصلب، فلكلّ واحدة منها تسع الثمن، وهذا القدر لا يبلغ مفحص قطاة، وبالجملة فإنّهما غصبا الموضع حتّى تقع القسمة على تركة الرسول، ولا قسمة مع زعمهم انّ ما تركه صدقة.

وأمّا ما جعل أولياءه له فضيلة في آية الغار فهو أيضاً رذيلة، كما ذكر الشيخ المفيد ما حكاه الطبرسي في كتاب الاحتجاج، احتجاج الشيخ السديد المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمة الله عليه.

حدّث الشيخ أبو عليّ الحسن بن معمر الرقي بالرملة في شوال سنة ثلاث

____________

1- الأحزاب: 53.


الصفحة 372
وعشرين وأربعمائة، عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه انّه قال: رأيت في المنام سنة من السنين كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير، فقلت: ما هذه؟ قالوا: هذه حلقة فيها رجل يعظ الناس، فقلت: من هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب.

ففرّقت الناس ودخلت الحلقة وإذا أنا برجل يتكلّم على الناس بشيء لم أحصله، فقطعت عليه الكلام فقلت: يا شيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار}(1) فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية ستة مواضع:

الأوّل: انّ الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أبا بكر ثانيه، وقال: {ثاني اثنين}.

الثاني: انّه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد بتألّفه بينهما، فقال: {إذ هما في الغار}.

الثالث: انّه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما تقتضي الرتبة، فقال: {إذ يقول لصاحبه}.

الرابع: انّه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله ورفقه به لموضعه عنده، فقال: {لا تحزن}.

الخامس: انّه أخبر انّ الله معهما على حدّ سواء، ناصراً لهما ودافعاً عنهما، فقال: {إنّ الله معنا}.

السادس: انّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة، فقال: {فأنزل الله سكينته عليه}، فهذه ستّة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.

____________

1- التوبة: 40.


الصفحة 373
فقلت له: خبرت كلامك في الاحتجاج لصاحبك، وانّي بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، فأمّا قولك: فإنّ الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو اخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل، ونحن نعلم انّ مؤمناً ومؤمناً أو كافراً ومؤمناً اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.

وأمّا قولك بأنّه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنّه كالأوّل لأنّ المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكافرين، وأيضاً فإنّ مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار ولقد جمع المؤمنين والكافرين والمنافقين، وفي ذلك قوله عزوجل: {فمالِ الذين كفروا قبلك مهطعين * عن اليمين وعن الشمال عزين}(1)، وأيضاً فإنّ سفينة نوح عليه السلام قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة، والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل وجهان.

وأمّا قولك انّه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنّه أضعف من الفضلين الأوّلين، لأنّ اسم الصحبة تجمع المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلا}(2)وأيضاً فإنّ اسم الصحبة يُطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك كلام العرب كما قيل:


إنّ الحمار مع الحمار مطية فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضاً فقد سمّوا الجماد مع الحي صاحباً قالوا ذلك في السيف، فقالوا:


زرت هنداً وذاك غير اختيان ومعي صاحب كتوم اللسان

يعني السيف، فإذا كان اسم الصحبة تقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل

____________

1- المعارج: 36-37.

2- الكهف: 37.


الصفحة 374
والبهيمة وبين الحيوان والجماد، فأيّ حجّة لصاحبك فيه.

وأمّا قولك: انّه قال: (لا تحزن) فإنّه وبال عليه ومنقصة له، ودليل على خطائه، لأنّ قوله: (لا تحزن) نهي وصورة النهي قول القائل لا تفعل، فلا يخلو امّا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإنّ النبي صلى الله عليه وآله لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل انّه نهاه.

وأمّا قولك انّه قال (انّ الله معنا) فإنّ النبي صلى الله عليه وآله أخبر انّ الله معه وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}(1) وقد قيل أيضاً في هذا أنّ أبا بكر قال: يا رسول الله حزني على أخيك عليّ بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لا تحزن انّ الله معنا [أي] معي ومع أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وأمّا قولك انّ السكينة نزلت على أبي بكر فإنّه ترك للظاهر، لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده الله بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها}(2) فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا اخراج النبي صلى الله عليه وآله من النبوّة على انّ هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيراً له، لأنّ الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها.

فقال في أحد الموضعين: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين

____________

1- الحجر: 9.

2- التوبة: 40.


الصفحة 375
وألزمهم كلمة التقوى}(1) وقال في الموضع الآخر: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها}(2) ولمّا كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة دلّ ذلك على انّه لم يكن عنده مؤمناً، لأنّه لو كان عنده مؤمناً شركه معه بالسكينة كما شرك من كان معه من المؤمنين في الموضعين الأوّلين، فدلّ اخراجه من السكينة على خروجه من الايمان، فلم يحر جواباً وتفرّق الناس(3).

وأمّا صاحبه الثاني فقد حذا حذوه، وزاد عليه فيما غيّر من حدود الله تعالى في الوضوء والأذان والاقامة والصلاة وسائر أحكام الدين.

أمّا الوضوء، فقد قال عزّ من قائل: {يا أيّها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}(4) فقد جعل سبحانه وتعالى للوضوء حدوداً أربعة، حدّان منها غسل وحدّان منها مسح، فلمّا قدم الثاني بعد الأوّل جعل المسح على الرجلين غسلا وأمر الناس بذلك فاتّبعوه إلاّ فرقة الحق، وأفسد على من اتّبعه وضوءه وصلاته لفساد الوضوء، لأنّه على غير ما أمر الله(5) من حدود الوضوء، وأجاز أيضاً المسح على الخفّين من غير أمر من الله ورسوله.

وأمّا الأذان والاقامة فأسقط منهما وزاد فيهما، أمّا الأذان فإنّه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله "حيّ على خير العمل" باجماع العلماء وأهل المعرفة بالأثر والخبر(6)، فقال الثاني: ينبغي لنا أن نسقط "حيّ على خير العمل" من

____________

1- الفتح: 26.

2- التوبة: 26.

3- الاحتجاج 2: 607 ح361; عنه البحار 27: 327 ح1; وأورده الكراجكي في كنز الفوائد: 202.

4- المائدة: 6.

5- في البحار: على غير ما أنزل الله به....

6- راجع في ذلك: سنن البيهقي 1: 254-525; السيرة الحلبية 2: 105; ميزان الاعتدال 1: 139; لسان الميزان 1: 268; البحار 84: 179 ح11; عن دعائم الإسلام 1: 145.


الصفحة 376
الأذان لئلاّ يتّكل الناس على الصلاة فيتركوا الجهاد، فأسقط ذلك من الأذان والاقامة جميعاً لهذه العلّة بزعمه، فقبلوا ذلك منه واتبعوه عليه(1).

فلزمهم في حقّ النظر أن يكون عمر قد أبصر من الرشد في ذلك ما لم يعلمه الله عزوجل ولا رسوله صلى الله عليه وآله، لأنّ الله ورسوله قد أثبتا ذلك في الأذان والاقامة ولم يخافا على الناس ما خشيه عليهم عمر وقدّره فيهم، ومن ظنّ ذلك وجهله لزمه الكفر، فأفسد عليهم الأذان بذلك أيضاً لأنّه من تعمّد الزيادة أو النقيصة في فريضة أو سنّة فقد أفسدها.

ثمّ انّه بعد اسقاط ما أسقط من الأذان والاقامة من حيّ على خير العمل، أثبت في بعض الأذان زيادة من عنده وذلك في صلاة الفجر، زاد في الأذان "الصلاة خير من النوم" فصارت هذه البدعة عند من اتّبعه من السنن الواجبة لا يستحلّون تركها، فبدعة الرجل عندهم معمورة متّبعة معمول بها، يطالب من تركها بالقهر عليها، وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله عندهم مهجورة مطرحة يضرب من استعملها ويقتل من أقامها.

وجعل أيضاً الاقامة فرادى فقال: ينبغي لنا أن نجعل بين الأذان والاقامة فرقاً بيّناً، وكانت الاقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سبيلها كسبيل الأذان مثنى مثنى، وكان فيها "حيّ على خير العمل" مثنى، وكانت أنقص من الأذان بحرف واحد في آخرها، لأنّ في آخر الأذان "لا إله إلاّ الله" مرّتين وفي آخر الاقامة مرّة واحدة، وكان هذا هو الفرق فغيّره وجعل بينهما فرقاً من عنده.

فقد خالف الله ورسوله وزعم انّه قد أبصر من الرشد في ذلك، وأضاف من الحق ما لم يعلمه الله ورسوله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلّ محدثة

____________

1- راجع دعائم الإسلام 1: 144; علل الشرائع 2: 56; عنه البحار 84: 140 ح34; الصراط المستقيم: 21 تتمّة الباب الثاني عشر.


الصفحة 377
بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار. ولا شك انّه كلّ من ابتدع بدعة كان عليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم القيامة.

وأمّا الصلاة فقد أفسد من حدودها ما فيه الفضيحة والهتك لمذهبهم وهوانهم، رووا انّ تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم، وانّ الصلاة المفروضة على الحاضرين الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والعشاء الآخرة أربعاً لا سلام إلاّ في آخر التسليم في الرابعة، وأجمعوا انّه من سلّم قبل التشهّد عامداً متعمّداً فلا صلاة له وقد لزمه الاعادة، وانّه من سلّم في كلّ ركعتين من هذه الصلوات الأربع عامداً غير ناس فقد أفسد صلاته، وعليه الاعادة.

فاستنّ الرجل لهم التشهّد الأوّل والثاني ما أفسد صلاتهم وأبطل عليهم تشهّدهم، فليس منهم أحد يتشهّد في صلاته قط ولا يصلّي من هذه الصلوات الأربع التي ذكرناها، وذلك انّهم يصلّون ركعتين ثمّ يقعدون للتشهّد الأوّل، فيقولون عوضاً عن التشهّد: "التحيّات لله، الصلوات الطيّبات، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".

فإذا قالوا ذلك فقد سلّموا أتمّ سلام وأكمله، لأنّه إذا سلّم المصلّي على النبي وعلى نفسه وعلى عباد الله الصالحين لم يبق بعد هؤلاء من يجوز صرف التسليم إليه، فإنّ عباد الله الصالحين في جملتهم الأوّلون والآخرون والجنّ والانس والملائكة وأهل السماوات والأرض والأنبياء والأوصياء، وجميع المرسلين من الأحياء والأموات، ومن قد مضى ومن هو آت، فحينئذ يكون المصلّي منهم قد قطع صلاته الأربع ركعات بسلامه هذا.

ثمّ يقول بعد التسليم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله" والتشهّد هو الشهادتان، والمصلّي منهم يأتي بالشهادتين بعد التسليم الذي ذكرناه منهم، فلزم انّه ليس منهم أحد يتشهّد في الصلاة إذا كان التسليم

الصفحة 378
موجباً للخروج من الصلاة، ولا عبرة بالتشهّد بعد الصلاة، فهذا بيان فضيحتهم، وابطال اُصولهم، وفساد مذاهبهم، وهلاكهم وهلاك من استنّ بهم، ومن يقتدي بهم إلى يوم القيامة.

ثمّ أتبع ذلك بقوله آمين عند الفراغ من قراءة سورة الحمد، فصارت عند أوليائه سنّة واجبة حتّى أنّ من يتلقّن القرآن من الأعاجم وغيرهم وعوام الناس وجهالهم يلقنونهم من بعد قوله "ولا الضالين" آمين، فقد زيدوا آية في اُمّ الكتاب، وصار عندهم من لم يأت بها في صلاته وغير صلاته كأنّه قد ترك آية من كتاب الله عزوجل.

وقد أجمع أهل النقل عن الأئمة عليهم السلام عن أهل البيت انّهم قالوا: من قال آمين في صلاته فقد أفسد صلاته وعليه الاعادة، لأنّها عندهم كلمة سريانيّة معناها بالعربية: افعل، كسبيل من يدعو بدعاء فيقول في آخره: اللّهمّ افعل، ثمّ استنّ أولياؤه وأنصاره رواية متخرّصة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه كان يقول ذلك بأعلى صوته في الصلاة، فأنكر أهل البيت ذلك ولما رأينا أهل البيت عليهم السلام مجمعين على انكارها صحّ عندنا فساد اخبارهم فيها، لأنّ الرسول صلوات الله عليه وآله حكم بالاجماع لئلاّ(1) نضلّ ما تمسّكنا بأهل بيته، فتعيّن ضلالة من تمسّك بغيرهم.

وأمّا الدليل على خرص روايتهم انّهم مختلفون في الرواية، فمنهم من يروي: إذا أمّن الإمام فأمّنوا، ومنهم من يروي: إذا قال الإمام: {ولا الضالين} فقولوا: آمين، ومنهم من يروي رفع(2) الصوت بها، ومنهم من يروي الاخفات بها، فكان هذا اختلافهم فيما وصفناه من هذه المعاني دليلا واضحاً ـ لمن فهم ـ على تخرّص

____________

1- في البحار: أن لا نضلّ.

2- في البحار: ندب رفع الصوت.


الصفحة 379
روايتهم.

ثمّ أتبع ذلك بفعل من أفعال اليهود، وذلك عقد اليدين في الصدر إذا قاموا في الصلاة لأنّ اليهود تفعل في صلاتها ذلك، فلمّا رآهم الرجل يستعملون ذلك استعمله هو أيضاً اقتداءً بهم، وأمر الناس بفعل ذلك وقال: انّ هذا تأويل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين}(1) يريد بزعمه التذلّل والتواضع.

وممّا رووه عنه بلا خلاف انّه قال للرسول صلى الله عليه وآله يوماً: انّا لنسمع من اليهود أشياء فنستحسنها منهم فنكتب ذلك منهم، فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وقال: أمتهوّدون(2) أنتم يا ابن الخطاب؟! لو كان موسى حيّاً لم يسعه إلاّ اتّباعي(3).

ومن استحسن ذلك في حياة الرسول من قول اليهود فاستحسانه بعد فقد الرسول أولى، وقد أنكر أهل البيت عليهم السلام ونهوا عنه نهياً مؤكّداً، وحال أهل البيت ما شرحناه من شهادة الرسول لهم بازالة الضلالة عنهم وعمّن تمسّك بهم.

فليس من بدعة ابتدعها هذا الرجل إلاّ أولياؤه متحفّظون بها، مواظبون عليها وعلى العمل بها، طاعنون على تاركها، وكلّ تأديب الرسول الذي قد خالفه الرجل ببدعه فهو عندهم مطرح متروك مهجور، يطعن على من استعمله وينسب عندهم إلى الاُمور المنكرات.

ولقد رووا جميعاً أنّ الرسول قال: لا تبركوا في الصلاة كبرك البعير، ولا تنقروا كنقر الديك، ولا تقعوا كإقعاء الكلب، ولا تلتفتوا كالتفات القرد، فهم لأكثر

____________

1- البقرة: 238.

2- في البحار: أمتهوّكون، والتهوّك: التحيّر.

3- راجع النهاية لابن الأثير 5: 282; ولسان العرب 12: 400; على ما في تدوين السنّة: 342-346.


الصفحة 380
ذلك فاعلون، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله مخالفون، فإذا أرادوا السجود بدأوا بركبهم فيطرحونها إلى الأرض قبل أيديهم، وذلك منهم كبرك البعير على ركبتيه، ويعملون(1) ذلك جهالهم خلافاً على تأديب رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا شأنهم في سائر أحكام الدين فلا نطول بذكرها الكتاب.

ولمّا أمر الله سبحانه نبيّه صلى الله عليه وآله بسدّ أبواب الناس عن مسجد النبي صلى الله عليه وآله تشريفاً له وصوناً له عن النجاسة سوى باب النبي صلى الله عليه وآله وباب عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمره أن ينادي في الناس بذلك، فمن أطاعه فاز وغنم ومن عصاه هلك وندم، فأمر النبي صلى الله عليه وآله المنادي فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يهرعون.

فلمّا تكاملوا صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الله سبحانه وتعالى قد أمرني بسدّ أبوابكم المفتوحة إلى المسجد، وبعد يومي لا يدخله جنب ولا نجس فبذلك أمرني ربّي جلّ جلاله، فلا يكن في نفس أحد منكم أمر، ولا تقولوا: لِمَ، وكيف، وأنّى ذلك، فتحبط أعمالكم وتكونوا من الخاسرين، وإيّاكم والمخالفة والشقاق، فإنّ الله تعالى أوحى إليّ أن اُجاهد من عصاني وانّه لا ذمّة له في الإسلام.

وقد جعلت مسجدي طاهراً من كلّ دنس، محرماً على كلّ من يدخل إليه من هذه الصفة التي ذكرتها غير أنا، وأخي عليّ بن أبي طالب، وابنتي فاطمة، وولدي الحسن والحسين، كما كان مسجد هارون وموسى، فإنّ الله أوحى إليهما أن اجعلا بيوتكما قبلةً لقومكما، وانّي قد بلّغتكم ما أمرني به ربّي وأمرتكم بذلك، ألا فاحذروا الحسد والشقاق وأطيعوا الله طاعة يوافق فيها سرّكم علانيتكم، واتّقوا

____________

1- في البحار: يعلّمون.


الصفحة 381
الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون.

فقال الناس بأجمعهم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله لا نخالف ما اُمرنا به، ثمّ خرجوا وسدّوا أبوابهم جميعاً غير باب النبي وعليّ عليهما السلام، فأظهر الناس الحسد والكلام، فقال عمر: ما بال رسول الله يؤثر ابن عمّه عليّ بن أبي طالب علينا، ويقول على الله الكذب، ويخبر عن الله بما لم يقل في ابن أبي طالب؟! وإنّما قول محمد محبّة لعليّ بن أبي طالب واجابة إلى ما يريد، فلو سأل الله ذلك لنا لأجابه، وأراد عمر أن يكون له باب مفتوح إلى المسجد.

ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله قول عمر وخوض القوم في الكلام أمر المنادي بالنداء إلى الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: معاشر الناس قد بلغني ما خضتم فيه وما قال قائلكم، وإنّي اُقسم بالله العظيم انّي لم أتقوّل على الله الكذب، ولا كذبت فيما قلت، ولا أنا سددت أبوابكم، ولا أنا فتحت باب عليّ بن أبي طالب، ولا أمرني في ذلك إلاّ الله عزوجل الذي خلقني وخلقكم أجمعين، فلا تحاسدوا فتهلكوا، ولا تحسدوا الناس على ما آتاهم الله من فضله فإنّه يقول في محكم كتابه: {تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض}(1) فاتّقوا الله وكونوا من الصابرين.

ثمّ صدّق الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله بنزول الكوكب من السماء على دار عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ وقد مرّ حديث النجم ـ وأنزل الله سبحانه قرآناً وأقسم فيه بالنجم تصديقاً لرسوله صلى الله عليه وآله وقال: {والنجم إذا هوى * ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى}(2) الآيات كلّها، وتلاها النبي صلى الله عليه وآله فلم يزدادوا إلاّ

____________

1- البقرة: 253.

2- النجم: 1-4.


الصفحة 382
غضباً وحسداً ونفاقاً واستكباراً، ثمّ تفرّقوا وفي قلوبهم من الحسد والنفاق ما لا يعلمه إلاّ الله سبحانه.

فلمّا كان بعد أيّام دخل عليه عمّه العباس فقال: يا رسول الله قد علمت ما بيني وبينك من القرابة والرحم الماسة، وأنا ممّن يدين الله بطاعتك، فاسأل الله تعالى أن يجعل لي باباً إلى المسجد أتشرّف بها على من سواي، فقال له صلى الله عليه وآله: يا عمّ ليس إلى ذلك سبيل، فقال: فميزاباً يكون من داري إلى المسجد أتشرّف به على القريب والبعيد.

فسكت النبي صلى الله عليه وآله ـ وكان كثير الحياء لا يدري ما يعيد من الجواب خوفاً من الله تعالى وحياءً من عمّه العباس ـ فهبط جبرئيل عليه السلام في الحال على النبي صلى الله عليه وآله ـ وقد علم الله تعالى من نبيّه اشفاقه بذلك ـ فقال: يا محمد إنّ الله يأمرك أن تجيب سؤال عمّك، وأمرك أن تنصب له ميزاباً إلى المسجد كما أراد، فقد علمت ما في نفسك، وقد أجبتك إلى ذلك كرامةً لك، ونعمةً منّي عليك وعلى عمّك العباس.

فكبّر النبي صلى الله عليه وآله وقال: أبى الله إلاّ إكرامكم يا بني هاشم وتفضيلكم على الخلق أجمعين، ثمّ قام ومعه جماعة من الصحابة والعباس بين يديه حتّى صار على سطح العباس، فنصب له ميزاباً إلى المسجد وقال: معاشر المسلمين إنّ الله قد شرّف عمّي العباس بهذا الميزاب فلا تؤذونني في عمّي فإنّه بقيّة الآباء والأجداد، فلعن الله من آذاني في عمّي وبخسه حقّه أو أعان عليه.

ولم يزل الميزاب على حاله مدّة أيام النبي صلى الله عليه وآله وخلافة أبي بكر، وثلاث سنين من خلافة عمر بن الخطاب، فلمّا كان في بعض الأيام وعك العباس ومرض مرضاً شديداً، وصعدت الجارية تغسل قميصه، فجرى الماء من الميزاب إلى صحن المسجد، فنال بعض الماء مرقعة الرجل، فغضب غضباً شديداً

الصفحة 383
وقال لغلامه: اصعد واقلع الميزاب، فصعد الغلام فقلعه ورمى به إلى سطح العباس، وقال: والله لإن ردّه أحد إلى مكانه لأضربنّ عنقه.

فشقّ ذلك على العباس ودعا بولديه عبد الله وعبيد الله، ونهض يمشي متوكّئاً عليهما وهو يرتعد من شدّة المرض، وسار حتّى دخل على أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام انزعج لذلك وقال: يا عم ما جاء بك وأنت على هذه الحالة؟ فقصّ عليه القصة وما فعل معه عمر من قلع الميزاب، وتهدده من يعيده إلى مكانه وقال له: يا ابن أخي إنّه كان لي عينان أنظر بهما فمضت احداهما وهي رسول الله صلى الله عليه وآله، وبقيت الاُخرى وهي أنت يا عليّ، وما أظنّ انّي اُظلم ويزول ما شرّفني به رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت لي، فانظر في أمري.

فقال له: يا عمّ ارجع إلى بيتك فسترى منّي ما يسرّك إن شاء الله تعالى، ثمّ نادى: يا قنبر عليّ بذي الفقار، فتقلّده ثمّ خرج إلى المسجد والناس حوله، وقال: يا قنبر اصعد فردّ الميزاب إلى مكانه، فصعد قنبر فردّه إلى موضعه، وقال عليّ عليه السلام: وحقّ صاحب هذا القبر والمنبر لئن قلعه قالع لأضربنّ عنقه وعنق الآمر له بذلك، ولأصلبنّهما في الشمس حتّى يتقدّدا.

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فنهض ودخل المسجد، ونظر إلى الميزاب وهو في موضعه فقال: لا يُغضِب أحد أبا الحسن فيما فعله ونكفّر عنه عن اليمين، فلما كان من الغداة مضى أمير المؤمنين عليه السلام إلى عمّه العباس فقال له: كيف أصبحت يا عمّ؟ قال: بأفضل النعم ما دمت لي يا ابن أخي، فقال: يا عم طب نفساً فوالله لو خاصمني أهل الأرض في الميزاب لخصمتهم، ثمّ لقتلتهم بحول الله وقوّته، ولا ينالك ضيم يا عمّ، فقام العباس فقبّل بين عينيه وقال: يا ابن أخي ما خاب من أنت ناصره.


الصفحة 384
فكان هذا فعل عمر بالعباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد قال في غير موطن وصيّة منه في انّ عمّه العباس بقية الآباء والأجداد فاحفظوني فيه، كلّ في كنفي وأنا في كنف عمّي العباس، فمن آذاه فقد آذاني ومن عاداه فقد عاداني، سلمه سلمي وحربه حربي. وقد آذاه عمر في ثلاث مواطن ظاهرة غير خفيّة.

منها قصة الميزاب ولولا خوفه من عليّ لم يتركه على حاله.

ومنها انّ النبي صلى الله عليه وآله قبل الهجرة خرج يوماً إلى خارج مكة ورجع طالباً منزله، فاجتاز بمناد ينادي من بني تيم، وكان لهم سيد يسمّى عبد الله بن جذعان، وكان يعدّ من سادات قريش وأشياخهم، وكان له منادية ينادون في شعاب مكة وأوديتها: من أراد الضيافة والقرى فليأت مائدة عبد الله بن جذعان، وكان مناديه أبو قحافة واُجرته أربعة دوانيق، وله مناد آخر ينادي فوق سطح داره.

فاُخبر عبد الله بن جذعان بجواز النبي صلى الله عليه وآله على بابه، فخرج يسعى حتّى لحق به وقال: يا محمد بالبيت الحرام إلاّ ما شرّفتني بدخولك إلى منزلي وتحرّمك بزادي، وأقسم عليه بربّ البيت والبطحاء وبشيبة عبد المطلب، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك ودخل منزله وتحرّم بزاده، فلمّا خرج النبي صلى الله عليه وآله خرج معه ابن جذعان مشيّعاً له، فلمّا أراد الرجوع عنه قال له النبي صلى الله عليه وآله: إنّي اُحبّ أن تكون غداً ضيفي أنت وتيم وأتباعها وحلفاؤها عند طلوع الغزالة.

ثمّ افترقا ومضى النبي صلى الله عليه وآله إلى دار عمّه أبي طالب وجلس متفكّراً فيما وعده لعبد الله بن جذعان، إذ دخلت عليه فاطمة بنت أسد زوجة عمّه أبي طالب، وكانت هي مربيته وكان يسمّيها اُمّي، فلمّا رأته مهموماً قالت: فداك أبي واُمّي ما لي أراك مهموماً، أعارضك أحد من أهل مكة؟! فقال: لا، فقالت: فبحقّي

الصفحة 385
عليك إلاّ ما أخبرتني بحالك، فقصّ عليها قصة ابن جذعان وما قال له وما وعده من الضيافة، فقالت: يا ولدي لا يضيق صدرك مع اتيان عمّك يقوم لك بكلّ ما تريد.

فبينما هما في الحديث إذ دخل أبو طالب رضي الله عنه فقال لزوجته: فيما أنتما؟ فأعلمته بذلك كلّه وبما قال النبي صلى الله عليه وآله لابن جذعان، فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال: يا ولدي بالله عليك لا يضيق صدرك من ذلك، في نهار غد أقوم لك بجميع ما يُحتاج إليه إن شاء الله، وأصنع وليمة تتحدّث بها الركبان في سائر البلدان، وعزم على وليمة تعمّ سائر القبائل، وقصد نحو أخيه العباس ليقترض من ماله شيئاً يضمّه إلى ماله، فوجد بني عبد المطلب في الطريق فأقرضوه من الجمال والذهب ما يكفيه، فرجع عن القصد إلى أخيه العباس وآثر التخفيف عنه.

فبلغ أخاه العباس ذلك وعظم عليه رجوعه عن القصد إليه، فأقبل إلى أخيه أبي طالب وهو مغموم كئيب، فسلّم عليه فقال له أبو طالب: ما لي أراك حزيناً كئيباً؟ فقال: بلغني انّك قصدتني في حاجة ثمّ بدا لك عنها فرجعت من الطريق، فما هذا الحال؟

فقصّ عليه القصة إلى آخرها، فقال له العباس: الأمر إليك وانّك لم تزل أهلا لكلّ مكرمة وموئلا لكلّ نائبة، ثمّ جلس عنده ساعة وقد أخذ أبو طالب فيما يحتاج إليه من آلة الطبخ وغير ذلك، فقال له العباس: يا أخي ولي إليك حاجة، فقال أبو طالب: هي مقضيّة فاذكرها، فقال العباس: أقسمت عليك بحقّ البيت وبشيبة الحمد إلاّ ما قضيتها، فقال: لك ذلك ولو سألت النفس والولد، فقال: تهب لي هذه المكرمة تشرّفني بها، فقال: قد أجبتك إلى ذلك مع ما أصنعه أنا.

فنحر العباس الجزر، ونصب القدور، وعقد الحلاوات، وسوّى المشويّ،

الصفحة 386
وأكثر من الزاد فوق ما يراد، ونادى في سائر الناس، فاجتمع أهل مكة، وبطون قريش، وسائر العرب على اختلاف طبقاتها يهرعون من كلّ مكان حتّى كأنّه عيد الله الأكبر، ونصب للنبي صلى الله عليه وآله منصباً عالياً وزينة بالدر والياقوت والثياب الفاخرة، وبقى الناس معجبون من حسن النبي صلى الله عليه وآله ووقاره وعقله وكماله، وضوؤه يعلو على ضوء الشمس، وتفرّق الناس مسرورين قد أخذوا في الخطب والأشعار ومدح النبي صلى الله عليه وآله وأهله وعشيرته على حسن ضيافتهم، وكانت يد العباس رحمة الله عليه عند النبي صلى الله عليه وآله اليد العليا.

فلمّا تكامل النبي صلى الله عليه وآله وبلغ أشدّه وتزوّج خديجة، وأوحى الله إليه، وأنبأه وأرسله إلى سائر العرب والعجم، وأظهره على المشركين وفتح مكة ودخلها مؤيّداً منصوراً، وقتل من قتل وبقي من بقي، أوحى الله إليه: يا محمد إنّ عمّك العباس له عليك يدٌ سابقة وجميل متقدّم، وهو ما أنفق عليك في وليمة عبد الله بن جذعان، وهو ستّون ألف دينار مع ما له عليك في سائر الأزمان، وفي نفسه شهوة من سوق عكاظ فامنحه إيّاه في مدّة حياته، ولولده بعد وفاته.

[فأعطاه ذلك](1) ثمّ قال صلى الله عليه وآله: ألا لعنة الله على من عارض عمّي العباس في سوق عكاظ أو نازعه فيه، ومن أخذه منه فأنا بريء منه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلم يكترث عمر بذلك وحسد العباس على دخل سوق عكاظ، وغصبه منه ولم يزل العباس متظلّماً منه عليه إلى حين وفاته.

ومنها انّ النبي صلى الله عليه وآله كان جالساً في مسجده يوماً وحوله جماعة من الصحابة، إذ دخل عليه عمّه العباس ـ وكان رجلا صبيحاً حسناً حلو الشمائل ـ

____________

1- أثبتناه من البحار.


الصفحة 387
فلمّا رآه النبى صلى الله عليه وآله قام إليه واستقبله وقبّل ما بين عينيه، ورحّب به وأجلسه إلى جانبه، وجعل يفديه بأبيه واُمّه، فجعل العباس يقول:


من قبلها كنت في الظلال(1) وفي مستودع حين يخصف الورق
ثمّ هبطت(2) البلاد لا بشر أنت ولا نطفة ولا علق
بل حجة تركب السفين وقد ألجم براً وأهله الغرق
وخضت نار الكثيب مكتتماً تجول فيها وليس تحترق
من صلب طاهر إلى رحم إذا بدا عالم به طبق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وتلألأ بنورك الاُفق
ونحن في ذلك الضياء على النـ ـور وسبيل الرشاد نحترق

فقال النبي صلى الله عليه وآله: جزاك الله يا عمّ خيراً ومكافاتك على الله عزوجل، ثمّ قال: معاشر الناس احفظوني في عمّي العباس وانصروه ولا تخذلوه، ثمّ قال: يا عمّ اطلب منّي شيئاً أتحفك به على سبيل الهدية، فقال: يا ابن أخي اُريد من الشام الملعب، ومن العراق الحيرة، ومن هجر الخط ـ وكانت هذه المواضع كثيرة العمارة ـ فقال له النبي صلى الله عليه وآله: حبّاً وكرامة.

ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: اُكتب لعمّك العباس هذه المواضع، فكتب له أمير المؤمنين عليه السلام كتاباً بذلك وأملا رسول الله صلى الله عليه وآله على عليّ، وأشهد رسول الله صلى الله عليه وآله الجماعة الحاضرين، وختمه النبي صلى الله عليه وآله بخاتمه وقال: يا عم إن يفتح الله لي هذه المواضع فهي لك هبة من الله ورسوله، وإن فتحت بعد موتي فإنّي أوصي الذي ينظر بعدي في الاُمة وآمر بتسليم هذه المواضع إليك.

____________

1- في "الف": الضلال.

2- كذا الظاهر، وفي "الف" و "ب": هبطن.


الصفحة 388
ثمّ قال: معاشر المسلمين إنّ هذه المواضع المذكورة لعمّي العباس، فعلى من يغير عليه أو يبدل أو يمنعه أو يظلمه لعنة الله ولعنة اللاّعنين ثمّ ناوله الكتاب، فلمّا ولي عمر وفتح هذه المواضع المذكورة أقبل إليه العباس بالكتاب، فلمّا نظر فيه دعا رجلا من أهل الشام وسأله عن الملعب، فقال: يزيد ارتفاعه على عشرين ألف درهم، ثمّ سأل عن النواحي الاُخر، فذكر له انّ ارتفاعها يقوم بمال كثير، فقال: يا أبا الفضل إنّ هذا مال كثير لا يجوز لك أخذه من دون المسلمين، فقال العباس: هذا كتاب رسول الله يشهد لي بذلك قليلا أو كثيراً، فقال عمر: لا والله إن كنت تساوي المسلمين في ذلك وإلاّ فارجع من حيث أتيت.

فجرى بينهما كلام كثير غليظ، فغضب عمر وكان سريع الغضب، وأخذ الكتاب من العباس ومزّقه وتفل فيه، ورمى به وجه العباس وقال: والله لو طلبت منّي جنّة واحدة ما أعطيتك.

فأخذ العباس بقية الكتاب وعاد إلى منزله حزيناً كئيباً باكياً شاكياً إلى الله تعالى وإلى رسوله، فصاح العباس بالمهاجرين والأنصار، فغضبوا لذلك وقالوا: يا عمر تخرق كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وتلقى به إلى الأرض، هذا شيء لا نصبر عليه، فخاف عمر أن ينخرم عليه الأمر فقال: قوموا بنا إلى العباس نسترضيه ونفعل معه ما يصلحه.

فنهضوا بأجمعهم إلى دار العباس، فوجدوه موعوكاً لشدّة ما لحقه من الغبن والألم والظلم، فقال: نحن في الغداة عائدوه إن شاء الله ومعتذرون إليه من فعلنا، فمضى غد وبعد غد ولم يعد إليه ولا اعتذر منه، ثمّ فرّق الأموال على المهاجرين والأنصار، وبقى كذلك إلى أن مات.

ولو أخذنا في ذكر أفعاله لطال الكتاب، وهذا القدر فيه عبرة لاُولي الألباب.

وأمّا صاحبهما الثالث فقد استبدّ أيضاً بأخذ الأموال ظلماً على ما تقدّم به

الصفحة 389
الشرح في صاحبيه، واختصّ بها مع أهل بيته من بني اُمية دون المسلمين، فهل يستحلّ هذا أو يستجيزه مسلم، ثمّ انّه ابتدع أشياء اُخر:

فمنها انّه منع المراعي من الجبال والأودية وحماها حتّى أخذ عليها مالا باعها به من المسلمين(1).

ومنها انّ رسول الله صلى الله عليه وآله نفى الحكم بن أبي العاص عمّ عثمان عن المدينة وطرده من جواره، فلم يزل طريداً من المدينة ومعه ابنه مروان أيّام رسول الله صلى الله عليه وآله وأيّام أبي بكر وأيّام عمر يسمّى طريد رسول الله، حتّى استولى عثمان فردّه إلى المدينة وآواه، وجعل ابنه مروان كاتبه وصاحب تدبيره في داره(2).

فهل هذا منه إلاّ خلافاً على رسول الله ومضادة لفعله؟ وهل يستجيز هذا الخلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله والمضادة لأفعاله إلاّ خارج عن الدين بريء من المسلمين؟ وهل يظنّ ذو فهم انّ رسول الله صلى الله عليه وآله طرد الحكم ولعنه وهو مؤمن، وإذا لم يكن مؤمناً فما الحال التي دعت عثمان إلى ردّه والاحسان إليه وهو رجل كافر، لولا انّه تعصّب لرحمه ولم يفكّر في دينه، فحقّت عليه الآية قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم}(3).

ومنها انّه جمع ما كان عند المسلمين من صحف القرآن، وطبخه بالماء على النار وغسلها ورمى بها إلاّ ما كان عند ابن مسعود، فإنّه امتنع من الدفع إليه، فأتى

____________

1- راجع السيرة الحلبية 2: 78; وتاريخ الخميس 2: 262; تاريخ الخلفاء: 164; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 135.

2- الاصابة 1: 345; اُسد الغابة 2: 33; المعارف لابن قتيبة: 83; تاريخ اليعقوبي 2: 154; الملل والنحل للشهرستاني 1: 26; السيرة الحلبية 2: 76.

3- المجادلة: 22.


الصفحة 390
إليه فضربه حتّى كسر منه ضلعين، وحمل من موضعه ذلك فبقى عليلا حتى مات.

وهذه بدعة عظيمة، لأنّ تلك الصحف إن كان فيها زيادة عمّا في أيدي الناس وقصد لذهابه ومنع الناس منه فقد قصد إلى ابطال بعض كتاب الله، وتعطيل بعض شريعته، ومن قصد إلى ذلك فقد حقّ عليه قوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون}(1).

هذا مع ما يلزمه انّه لم يترك ذلك ويطرحه تعمّداً إلاّ وفيه ما قد كرهه، ومن كره ما أنزل الله في كتابه حبط جميع عمله، كما قال الله تعالى: {ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}(2) فإن لم تكن في تلك الصحف زيادة عمّا في أيدي الناس فلا معنى لما فعله.

ومنها: انّ عمار بن ياسر قام يوماً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وعثمان يخطب على المنبر، فوبّخ عثمان بشيء من أفعاله، فنزل عثمان إليه فركله برجله وألقاه على قفاه وجعل يدوس على بطنه ويأمر أعوانه بذلك حتّى غشي على عمّار، وهو يفتري على عمّار ويشتمه، وقد رووا جميعاً انّ النبي صلى الله عليه وآله قال: الحق مع عمار يدور معه حيث ما دار(3).

وقال صلى الله عليه وآله: إذا افترق الناس يميناً وشمالا فانظروا الفرقة التي فيها عمار فاتّبعوها، فإنّه يدور مع الحق حيث دار، فلا يخلو حال ضربه لعمار من أمرين، أحدهما انّه يزعم انّ ما قال عمار وما فعل باطل، وهذا ممّا فيه تكذيب لقول رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: الحقّ مع عمار، فثبت أن يكون ما قاله

____________

1- البقرة: 85.

2- محمد: 9.

3- الاستيعاب بهامش الاصابة 2: 480; البحار 44: 35 ح1.


الصفحة 391
عمّار حقّاً كرهه عثمان فضربه عليه.

ومنها: ما فعل بأبي ذر حين نفاه عن المدينة إلى الربذة مع اجماع الاُمة في الرواية انّ الرسول صلى الله عليه وآله قال: ما أقلّت الغبراء وما أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر(1).

ورووا انّه قال: انّ الله عزوجل أوحى إليّ انّه يحبّ أربعة من أصحابيوأمرني بحبّهم، فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: عليّ سيّدهم، وسلمان، والمقداد، وأبوذر(2).

فحينئذ ثبت انّ أباذر أحبّه الله وأحبّه رسوله، ومحال عند ذي الفهم أن يكون الله ورسوله يحبّان رجلا وهو يجوز أن يفعل فعلا يستوجب به النفي عن حرم الله وحرم رسوله، ومحال أيضاً أن يشهد رسول الله لرجل انّه ما على وجه الأرض ولا تحت السماء أصدق منه ثمّ يقول باطلا، فتعيّن أن يكون ما فعله وما قاله حقّاً كرهه عثمان فنفاه عن الحرمين، ومن كره الحق ولم يحبّ الصدق فقد كره ما أنزل الله في كتابه، لأنّه تعالى أمر بالكون مع الصادقين فقال: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين}(3).

ومنها: انّ عبد الله بن عمر بن الخطاب لمّا ضرب أبو لؤلؤة عمر الضربة التي مات فيها سمع قوماً يقولون: قتل العلج أمير المؤمنين، فقدّر انّهم يعنون الهرمزان ـ رئيس فارس ـ وكان قد أسلم على يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ أعتقه من قسمه من الفيء، فبادر إليه عبد الله بن عمر فقتله قبل أن يموت

____________

1- الاصابة 4: 64; وفي هامشها الاستيعاب 1: 216; مستدرك الحاكم 4: 64; اُسد الغابة 1: 301; التاج الجامع للاُصول 3: 404; نهج الحق: 300.

2- كنز العمال 11: 643 ح33127.

3- التوبة: 119.


الصفحة 392
عمر، فقيل لعمر: انّ عبد الله بن عمر قد قتل الهرمزان، فقال: أخطأ فإنّ الذي ضربني أبو لؤلؤة وما كان للهرمزان في أمري صنع، وإن عشت احتجت أن اُقيّده به، فإنّ عليّ بن أبي طالب لا يقبل منّا الدية وهو مولاه.

فمات عمر واستولى عثمان على الناس بعده، فقال عليّ عليه السلام لعثمان: انّ عبد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليّه والطالب بدمه سلّمه لاُقيّده به، فقال عثمان: بالأمس قتل عمر وأقتل ابنه أورد على آل عمر ما لا قوام لهم به، وامتنع من تسليمه إلى عليّ شفقة منه بزعمه على آل عمر، فلمّا رجع الأمر إلى عليّ عليه السلام هرب منه عبد الله بن عمر إلى الشام فصار مع معاوية، وحضر يوم صفين مع معاوية محارباً لأمير المؤمنين عليه السلام، فقتل في معركة الحرب ووجد متقلّداً بسيفين يومئذ(1).

فانظروا يا أهل الفهم في أمر عثمان كيف عطّل حدّاً من حدود الله لا شبهة فيه شفقة منه بزعمه على آل عمر، ولم يشفق على نفسه من عقوبة تعطيل حدود الله ومخالفته، وأشفق على آل عمر في قتل من أوجب الله قتله، وأمر به رسوله صلى الله عليه وآله.

ومنها: انّه عمد إلى صلاة الفجر فنقلها من أوّل وقتها في حين طلوع الفجر، فجعلها بعد الإسفار واظهار ضياء النهار، واتبعه أكثر الناس إلى يومنا هذا، وزعم انّه فعله ذلك اشفاقاً منه على نفسه في خروجه إلى المسجد خوفاً أن يقتل في غلس الفجر كما قتل عمر، وذلك انّ عمر كان قد جعل لنفسه سرباً تحت الأرض من بيته إلى المسجد، وكان يخرج من منزله في وقت الفجر في ذلك السرب إلى المسجد، فقعد أبو لؤلؤة في السرب فضربه بخنجره في بطنه، فلمّا ولي عثمان أخّر صلاة الفجر إلى

____________

1- راجع في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 242; تاريخ الخميس 2: 273; الاصابة 1: 619; تاريخ اليعقوبي 2: 153; نهج الحق: 301.


الصفحة 393
الإسفار.

فعطّل وقت فريضة الله وحمل الناس على صلاتها في غير وقتها، لأنّ الله سبحانه قال: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(1) يعني ظلمته، ثمّ قال: {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً}(2) والفجر هو أوّل ما يبدؤ من المشرق في الظلمة وعنده تجب الصلاة، فإذا علا في الاُفق وانبسط الضياء وزالت الظلمة صار صبحاً وزال عن أن يكون فجراً.

ودرج على هذه البدعة أولياؤه، ثمّ تخرّص بنو اُمية بعده أحاديث انّ النبي صلى الله عليه وآله غلس بالفجر وأسفر بها، وقال للناس: اسفروا بها أعظم لأجركم، فصار المصلّي للفجر في وقتها من طلوع الفجر عند كثير من أوليائهم مبتدعاً، ومن ابتدع بدعة عثمان فهو على السنّة، فما أعجب أحوالهم وأشنعها.

ثمّ ختم بدعه بأنّ أهل مصر شكوا من عامله وسألوه أن يصرفه عنهم، أو يبعث رجلا ناظراً بينهم وبينه، فوقع الاختيار على محمد بن أبي بكر يكون ناظراً، وكان محمد ممّن يشير بالحق ويأمر به وينهى عن مخالفته، فثقل أمره على عثمان وكاده وبقي حريصاً على قتله بحيلة، فلمّا وقع الاختيار عليه أن يكون ناظراً بين أهل مصر وعامله خرج معهم، وكتب عثمان في عقب خروجه إلى عامله بمصر يأمره بقتل محمد بن أبي بكر إذا صار إليه، ودفع الكتاب إلى عبد من عبيده.

فركب العبد راحلته وسار نحو مصر بالكتاب مسرعاً ليدخل مصر قبل دخول محمد بن أبي بكر، فقيل: إنّ العبد مرّ يركض بحيث نظر إليه القوم الذين مع محمد بن أبي بكر، فأخبروا محمداً بذلك، فبعث خلفه خيلا فأخذوه وارتاب به محمد، فلمّا ردّوه إليه وجد الكتاب معه، فقرأه وانصرف راجعاً مع القوم والعبد والراحلة معهم، فصاروا إلى عثمان في ذلك فقال: أمّا العبد فعبدي، والراحلة

____________

1 و3) الاسراء: 78.


الصفحة 394
راحلتي، وختم الكتاب ختمي، وليس الكتاب كتابي، ولا أمرت به.

وكان الكتاب بخطّ مروان فقيل له: إن كنت صادقاً فادفع إلينا مروان فهذا خطّه وهو كاتبك، فامتنع عليهم فحاصروه وكان ذلك سبب قتله، فهذه جملة يسيرة من بدع القوم ممّا يقرّ بها أولياؤهم، فسحقاً لهم وبُعداً(1).

ثمّ ما أغفلهم عن قوله تعالى: {إنّ الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى}(2).

وقال عزوجل: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}(3).

وقال عزّ من قائل: {وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين}(4).

وقال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا}(5).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: السلطان العادل ظلّ الله في أرضه(6).

وقال عليه السلام: عدل ساعة تعدل عبادة سبعين سنة بعد أداء الفرائض(7).

وافتخر النبي صلى الله عليه وآله بولادته في زمان أنوشيروان العادل مع كفره، بقوله صلى الله عليه وآله: ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان، ويكفيهم ما أعدّ الله تعالى للظالمين من النكال وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، فقال: {وما للظالمين من أنصار}(8).

____________

1- عنه البحار 30: 347 ح164.

2- النحل: 90.

3- النحل: 90.

4- الأنعام: 152.

5- النحل: 90.

6- راجع كنز العمال 6: 6 ح14589 نحوه.

7- راجع الترغيب والترهيب 3: 167 ح6; وفيه: عدل ساعة أفضل من عبادة ستين سنة.

8- البقرة: 270.


الصفحة 395
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ولّى اُمور سبعة من المسلمين ولم يعدل فيهم، جعل الله رأسه ورجليه في ثقب فأس من نار حتّى يفرغ من حساب الخلائق.

ويكفي في التنبيه على فضيلة العدل حال فرعون وموسى عليه السلام، فإنّ الله عزوجل أنعم عليه بجميع أنواع النعم من الأمن والصحة والملك إلى غير ذلك من النعم، وقابل على ذلك بأبلغ مراتب الكفر وأنهى أحوال الشرك، وهو ادّعا الربوبيّة مع نفيها عنه تعالى، كما حكى عنه سبحانه وتعالى: {ما علمت لكم من إله غيري}(1).

ثمّ بعث إليه أنبياءه ورسله الذين هم أخصّ خلقه وأقربهم إليه ليعظوه ويزجروه عن ذلك، فغلظ عليهما في الكلام وخاطبهما بما يخاطب به العوام، فرجعا إليه تعالى وشكيا منه، فقال لهما الحكيم الكريم جلّ جلاله: {فقولا له قولا ليّناً لعلّه يتذكّر أو يخشى}(2) وبقي موسى يدعو عليه أربعين سنة فلا يُستجاب له، فخاطب الله تعالى في ذلك، فقال جلّ جلاله: يا موسى ما دام آمناً لعبادي، عامراً لبلادي، لم أجب فيه دعوة مناد.

وقال تعالى: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}(3) والقاسط الجائر والمقسط العادل، يقال: أقسط إذا عدل وقسط إذا جار، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: يؤتى يوم القيامة بالحاكم الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنّم، فيدور فيها كما تدور الرحاء، ثمّ يرتبط في قعرها.

____________

1- القصص: 38.

2- طه: 44.

3- الجن: 15.


الصفحة 396
وقال الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {إنّ ربّك لبالمرصاد}(1)قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة(2).

وقال بعض الحكماء: السلطان الجائر الذي يغصب مال رعيّته كمن يأخذ التراب من أساس داره ويبني به عاليها، وكان كسرى قد فتح بابه، ورفع حجابه، وبسط إذنه لكلّ واصل إليه، فقال له رسول ملك الروم: لقد أقدرت عليك عدوّك بفتح بابك ورفع حجابك، فقال: أتحصّن من عدوّي بعدلي، إنّما انتصبت هذا المنصب وجلست هذا المجلس لقضاء الحاجات، وإذا لم تصل الرعية إليّ فمتى أقضي الحاجة وأكشف الظلامة؟!.

وروى المظفري في تاريخه قال: لمّا حجّ المنصور في سنة أربع وأربعين ومائة نزل بدار الندوة وكان يطوف ليلا ولا يشعر به، فإذا طلع الفجر صلّى بالناس وراح في موكبه إلى منزله، فبينما هو ذات ليلة يطوف إذ سمع قائلا يقول: اللّهمّ إنّا نشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحق وبين أهله من الظلم.

قال: فملأ المنصور مسامعه منه ثمّ استدعاه فقال له: ما الذي سمعته منك؟ قال: إن أمنتني على نفسي نبأتك بالاُمور من أصلها، قال: أنت آمن على نفسك، قال: أنت الذي دخله الطمع حتّى حال بينه وبين الحق، وسبب حصول ما ظهر في الأرض من البغي والفساد، فإنّ الله سبحانه وتعالى استرعاك اُمور المسلمين فأغفلتها، وجعلت بينك وبينهم حجاباً وحصوناً من الجص والآجر، وأبواباً من الحديد، وحجبة معهم السلاح.

واتّخذت وزراء ظلمة، وأعواناً فجرة، إن أحسنت لا يعينوك وإن أسأت لا يردّوك، وقويتهم على ظلم الناس ولم تأمرهم باعانة المظلوم والجائع والعاري،

____________

1- الفجر: 14.

2- الفجر: 14.


الصفحة 397
فصاروا شركاؤك في سلطانك، وصانعهم العمال بالهدايا خوفاً منهم فقالوا: هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه، فاختزنوا الأموال وحالوا بين المتظلّم ودونك، فامتلأت بلاد الله فساداً وبغياً وظلماً، فما بقي الإسلام وأهله على هذا.

وقد كنت اُسافر إلى بلاد الصين وبها ملك قد ذهب سمعه فجعل يبكي، فقال له وزراؤه: ما يبكيك؟ فقال: لست أبكي على ما نزل من ذهاب سمعي، ولكن لمظلوم يصرخ بالباب ولا أسمع نداءه، ولكن إن كان سمعي قد ذهب فبصري باق، نادوا في الناس: لا يلبس ثوب أحمر إلاّ مظلوم، فكان يركب الفيل في كلّ طرف نهار هل يرى مظلوماً فلا يجده.

هذا وهو مشرك بالله وقد غلبت رأفته بالمشركين على شحّ نفسه، وأنت مؤمن بالله وابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله ولا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شحّ نفسك، فإنّك لا تجمع المال إلاّ لواحدة من ثلاث، إن قلت: إنّك تجمع لولدك فقد أراك الله تعالى الطفل الصغير يخرج من بطن اُمّه لا مال له فيعطيه الله، فلست بالذي تعطيه بل الله سبحانه الذي يعطي، وإن قلت: أجمعها لتشييد سلطاني، فقد أراك الله القدير عبراً في الذين تقدّموا ما أغنى عنهم ما جمعوا من الأموال، ولا ما أعدّوا من السلاح، وإن قلت: أجمعها لغاية هي أحسن من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنت فيه منزلة إلاّ العمل الصالح.

يا هذا هل تعاقب من عصاك إلاّ بالقتل؟! فكيف تصنع بالله الذي لا يعاقب إلاّ بأليم العذاب، وهو يعلم منك ما أضمره قلبك وعقدت عليه جوارحك، فماذا تقول إذا كنت بين يديه للحساب عرياناً؟! هل يغني عنك ما كنت فيه شيئاً؟!.

قال: فبكى المنصور بكاءً شديداً وقال: يا ليتني لم اُخلق ولم أك شيئاً، ثمّ قال: ما الحيلة فيما حولت؟ قال: عليك بالأعلام العلماء الراشدين، قال: فرّوا منّي، قال: فرّوا منك مخافة أن تحملهم على ظهر من طريقتك، ولكن افتح الباب، وسهّل

الصفحة 398
الحجاب، وخُذ الشيء ممّا حلّ وطاب، وانتصف للمظلوم من الظالم، وأنا ضامن عمّن هرب منك أن يعود إليك فيعاونك على أمرك.

فقال المنصور: اللّهمّ وفّقني لأن أعمل بما قال هذا الرجل، ثمّ حضر المؤذّنون وأقاموا الصلاة، فلمّا فرغ من صلاته قال: عليّ بالرجل، فطلبوه فلم يجدوا له أثراً، فقيل: انّه كان الخضر عليه السلام(1).

وأمّا الاحسان فهو التفضّل والمعروف، قال الله تبارك وتعالى: {إنّ الله يحبّ المحسنين}(2).

وقال جلّ جلاله: {وأحسن كما أحسن الله إليك}(3).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: صنائع المعروف تقي مصارع السوء(4).

وقال صلى الله عليه وآله: البيوت التي يسار فيها المعروف تضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض.

وقال صلى الله عليه وآله: خياركم سمحاؤكم.

وقال صلى الله عليه وآله: الخلق كلّهم عباد الله فأحبّ خلقه إليه أنفعهم لعباده.

وقال صلى الله عليه وآله: إنّ لله سبحانه وتعالى عباداً خلقهم لقضاء حوائج الناس، آلى على نفسه أن لا يعذّبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور يسبّحون الله ويقدّسونه والناس في الحساب.

ومرّ صلى الله عليه وآله بيهودي يحطب، فقال لأصحابه: إنّ هذا اليهودي

____________

1- عنه البحار 75: 351 ح60.

2- البقرة: 195.

3- البقرة: 195.

4- الترغيب والترهيب 2: 30 ح4.


الصفحة 399
يلدغه اليوم أفعى فيموت، فلمّا كان آخر النهار رجع اليهودي والحطب على رأسه كالعادة، فقال الجماعة: يا رسول الله ما عهدناك تخبر بما لم يكن، فقال صلى الله عليه وآله: وما ذلك؟ قالوا: إنّك أخبرت اليوم انّ هذا اليهودي يلدغه أفعى فيموت، وقد رجع سالماً.

فقال: عليّ به، فأحضروه إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له: يا يهودي ضع الحطب وحلّه، فحلّه فرأى فيه أفعى، فقال: يا يهودي ما صنعت اليوم من المعروف؟ قال: إنّي لم أصنع شيئاً منه غير انّي خرجت ومعي كعكتان، فأكلت احداهما ثمّ سألني سائل فدفعت إليه الاُخرى، فقال صلى الله عليه وآله: تلك الكعكة خلّصتك من شرّ هذا الأفعى، فأسلم على يده(1).

وروى اسحاق بن عمار قال: كنت بين يدي الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عند مقام ابراهيم عليه السلام، فقال لي: يا ابن عمار من طاف بهذا البيت طوافاً واحداً كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، وأعتق عنه ألف نسمة، وغرس له ألف شجرة في الجنّة.

قال: قلت: هذا كلّه لمن طاف طوافاً واحداً؟ فقال: نعم، أفلا اُخبرك بأفضل منه؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال: قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف ـ حتّى عدّ عشرة ـ(2).

ودخل عليّ بن يقطين رحمه الله على الإمام الكاظم عليه السلام ـ وكان قد حجّ في تلك السنة وهو يومئذ وزير الرشيد ـ فقال له: يا ابن رسول الله أوصني بحاجة، فقال له عليه السلام: اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، فقال له: يا مولاي وما هي؟ فقال: تضمن انّه لا يقف على باب هذا الجبّار أحد من شيعتنا أو أهل بيتنا

____________

1- الكافي 4: 5 ح3; عنه البحار 4: 121 ح67.

2- الكافي 2: 194 ح8; عنه البحار 74: 326 ح97.


الصفحة 400
إلاّ قضيت حاجته، أضمن لك أن لا يظلّ رأسك سقف سجن، ولا يصيب جسدك حدّ سيف، ولا تمسّك النار يوم القيامة(1).

وأمّا ايتاء ذي القربى وقد تقدّم ذكره في مدح عليّ بن أبي طالب عليه السلام.


يقولون لي قل في عليّ مدائحاً فإن أنا لم أفعل يقولوا معاند
فماصنت عنه الشعر عن ضعف هاجس ولا انّني عن مذهب الحق حائد
ولكن عن الأشعار والله صنت من عليه بنى قرباننا والمساجد
ولو أنّ ماء السبعة الأبحر التي خلقن مداد والسماوات كاغد
وأشجار كلّ الأرض أقلام كاتب إذا الخطّ أفناهنّ عُدن عوائد
وكان جميع الانس والجنّ كتباً إذا كَلَّ منهم واحد قام واحد
وخطوا جميعاً منقباً بعد(2) منقب لما خط من تلك المناقب واحد

وقال الصادق عليه السلام: انّ القائم عليه السلام يمدّ في أيّام غيبته ليصرح الحقّ عند من محضه، ويصفو الايمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة التي يخشي عليهم النفاق(3).

تمّ الكتاب بعون الله وتوفيقه، وصلّى الله على من لا نبيّ بعده محمد وآله خير خلقه، وسلّم تسليماً كثيراً.

____________

1- راجع البحار 48: 136 ح10 عن كتاب حقوق المؤمنين، نحوه.

2- في "د": اثر منقب.

3- كمال الدين: 356 ضمن حديث 53; عنه البحار 51: 222 ح9.


الصفحة 401


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net