متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في فضائل مشهده الشريف عليه السلام
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[في فضائل مشهده الشريف عليه السلام]

ومن فضائله ما خصّ الله تعالى مشهده الشريف، وحرمه المقدّس من الفضل والمزيّة التي ليست لمكان آخر من الأمكنة الشريفة، وما جاء في فضل زيارته عليه السلام.

الأوّل: في ذكر قبره، وكيفية دفنه عليه السلام، وما يتعلّق بذلك.

اعلم انّ عمره عليه السلام المبارك كان ثلاثاً وستّين سنة، وقبض بالكوفة ليلة الجمعة احدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة وهو في الصلاة، وحمل إلى الغري ودفن حيث الآن قبره، والغري يقال بالافراد للتخفيف، والمسموع الغريّان، قال الجوهري: بناءان طويلان(4).

____________

1- في "ج": السقف.

2- في "ج": فأخرج المحبوسين.

3- كشف اليقين: 480; عنه البحار 42: 10 ح12.

4- الصحاح 4: 2445 / غرا.


الصفحة 345
وأمّا كيفية دفنه فهو لمّا قبض عليه السلام وغسل وكفن، اُخرج إلى مسجد الكوفة أربع توابيت وصلّى عليها، ثمّ اُدخل تابوت إلى البيت، والثلاثة الباقية منها ما بُعث إلى جهة بيت الله الحرام، ومنها ما بعث إلى مدينة الرسول، ومنها ما نقل إلى بيت المقدس، وفعل ذلك لاخفائه عليه السلام، ويأتي سبب ذلك.

وكان عليه السلام قال لولديه الحسن والحسين عليهما السلام عند الوفاة: إذا أنا متّ فاحملاني على سريري، وانتظرا حتّى إذا ارتفع لكما مقدّم السرير فاحملا مؤخّره، فلمّا مضى هزيع من الليل قام الحسن والحسين عليهما السلام وخواصّهما وارتفع مقدّم السرير وحملا مؤخّره.

قال من حضر من خواصّهم: كنّا حال حمل الجنازة نسمع دوي الملائكة بالتسبيح والتكبير والتهليل، وناطقاً لنا بالتعزية يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم وحجة الله على خلقه، حتّى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نوراً، فوضع المقدّم عندها فوضعنا المؤخّر، وحفرنا الصخرة فإذا ساجة مكتوب عليها: "هذا قبر ادّخره نوح النبي لوصيّ محمد صلى الله عليه وآله قبل الطوفان بسبعمائة عام". فدفنّاه هناك واُخفي قبره الشريف، وبقي مخفيّاً إلى زمان الرشيد، وظهر في زمانه.

و [أمّا](1) كيفيّة ظهوره ما روي عن عبد الله بن حازم قال: خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيّد، فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ضباء، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة، ثمّ لجأت الضباء إلى اكمة فسقطت عليها، فتراجعت الصقور والكلاب عنها، فتعجّب الرشيد من ذلك.

ثمّ انّ الضباء هبطت من الاكمة فسقطت الطيور والكلاب عليها، فرجعت الضباء إلى الاكمة فتراجعت الكلاب عنها مرّة ثانية، ثمّ فعلت ذلك مرّة اُخرى،

____________

1- أثبتناه من "ج".


الصفحة 346
فقال الرشيد: اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنّاً، فاُتي بشيخ من بني أسد فقال له الرشيد: أخبرني ما هذه الاكمة، فقال: حدّثني أبي عن آبائه انّهم كانوا يقولون انّ هذه الاكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام، جعله الله تعالى حرماً لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن.

فنزل هارون الرشيد ودعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الأكمة، وجعل يدعو ويبكي ويمرغ عليها وجهه، وأمر أن يبنى فيه [قبّة](1) بأربعة أبواب، فبني وبقي إلى أيّام السلطان عضد الدولة رحمه الله، فجاء وأقام في ذلك الطرف قريباً من سنة هو وعساكره، فبعث فاُتي بالصنّاع والأساتذة من الأطراف، وخرّب تلك العمارة وصرف أموالا كثيراً جزيلة، وعمّر عمارة جليلة حسنة، وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم(2).

وأمّا الدليل الواضح والبرهان اللاّئح على انّ قبره الشريف عليه السلام بالغري فمن وجوه: الأوّل: تواتر الامامية الاثنا عشرية يروونه خلفاً عن سلف، الثاني: اجماع الشيعة والاجماع حجة، و [الثالث](3) منها: ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات، ومنها ما ذكر في كيفية ظهوره في أيام الرشيد، ومنها ما حصل فيه من قيام الزمن وردّ بصر الأعمى.

ومنها ما حكي عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، قالوا: فلمّا وصلنا إلى القبر الشريف ـ وكان يومئذ قبراً حوله حجارة ولا بناء عنده، وذلك بعد أن أظهره الرشيد وقبل أن يعمّره ـ فبينما نحن عنده بعضنا يقرأ وبعضنا يصلّي وبعضنا يزور، وإذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلمّا قرب منّا

____________

1- أثبتناه من "ب".

2- فرحة الغري: 119; عنه البحار 42: 329 ح16.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 347
قدر رمح قال بعضنا لبعض: ابعدواعن القبر لننظر ما يصنع.

فتباعدنا عن القبر الشريف، فجاء الأسد وجعل يمرغ ذراعيه على القبر، فمضى رجل منّا فشاهده وعاد فأعلمنا، فزال الرعب عنّا فجئنا فأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعيه على القبر وفيه جراح، فلم يزل يمرغه ساعة ثمّ انزاح عن القبر ومضى، وعُدنا إلى ما كنّا عليه لاتمام الزيارة والصلاة وقراءة القرآن(1).

ومنها ما روي عن كمال الدين بن عنان(2) القمي قال: دخلت حضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فزرت وتحوّلت إلى المسألة ودعوت وتوسّلت بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ قمت فعلق مسمار من الضريح المقدّس سلام الله على مشرفه في قبائي فمزّقه، فقلت مخاطباً لأمير المؤمنين عليه السلام: ما أعرف عوض هذا القباء إلاّ منك.

وكان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي، فقال لي مستهزئاً: ما يعطيك عوضه إلاّ قباء وردياً(3)، وانفصلنا من الزيارة وجئنا إلى الحلّة، وكان جمال الدين بن قشتم(4) الناصري قد هيّأ لشخص يريد أن ينفذه إلى بغداد قباء وردياً(5)، فخرج الخادم على لسان ابن قشتم وقال: اُطلبوا كمال الدين القمي.

فجئت وأخذ بيدي ودخل الخزانة وألبسني قباء وردياً(6)، فخرجت ودخلت حتّى اُسلّم على ابن قشتم واُقبّل كفّه، فنظر نظراً شزراً عرفت الكراهية في وجهه، والتفت إلى الخادم كالمغضب وقال له: طلبت فلان فأين هو؟ فقال الخادم: إنّما طلبت كمال الدين القمي، وشهد الجماعة الذين كانوا جلساء الأمير انّه أمر

____________

1- فرحة الغري: 141; عنه البحار 42: 315 ح2.

2- في "ج": غياث.

3- في "ج": قباءً ورداءً.

4- في "ج": قشم، وفي فرحة الغري: قشتمر.

5 و 6) في "ج": قباء ورداء.


الصفحة 348
بحضور كمال الدين القمي.

فقلت: أيّها الأمير ما خلعت أنت عليّ هذه الخلعة بل أمير المؤمنين عليه السلام خلعها عليّ، فالتمس منّي الحكاية فحكيت له، فخرّ ساجداً وقال: الحمد لله إذ كانت الخلعة على يدي(1).

ومنها ما روي عن عليّ بن يحيى بن الحسن بن الطحال المقدادي قال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جدّه ـ وكان من الملازمين للقبّة الشريفة صلوات الله على مشرفها ـ انّه أتاه رجل مليح الصورة نقي الأثواب ودفع إليه مثقالين(2) وقال له: اغلق عليّ باب القبّة وذرني وحدي أعبد الله.

فأخذهما منه وأغلق عليه الباب، فنام فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: اُقعد أخرجه عنّي فإنّه نصراني. فنهض عليّ بن طحال فأخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل وقال له: اُخرج تخدعني بالمثقالين وأنت نصراني، فقال: لست بنصراني، قال: بلى انّ أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في المنام وأخبرني انّك نصراني، وقال أخرجه عنّي.

فقال الرجل: امدد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وانّ علياً أمير المؤمنين خليفة الله، والله ما علم أحد بخروجي من الشام، ولا عرفني أحد من أهل العراق، ثمّ حسن اسلامه(3).

ومنها ما حكي انّ عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على السلطان عضد الدولة، فطلبه طلباً شديداً فهرب منه إلى المشهد الشريف متخفيّاً(4)، وقصد أمير المؤمنين عليه السلام ودعا عنده وسأله السلامة.

____________

1- فرحة الغري: 142; عنه البحار 42: 316 ح3.

2- في "ج": دينارين.

3- فرحة الغري: 146; عنه البحار 42: 319 ح6.

4- في "ج": مستخفياً.


الصفحة 349
فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: يا عمران انّ في غد يأتي فناخسرو إلى مشهدي للزيارة، فتقف أنت هاهنا ـ وأشار إلى زاوية من زوايا القبّة ـ وانّهم لا يرونك، ويدخل هو إلى الضريح ويزور ويصلّي ويبتهل في الدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفر بك، فادن منه وقل له: أيّها الملك ما هذا الذي قد ألجأت(1) بالقسم بمحمد وآله أن يظفرك به؟ فيقول: رجل عصاني ونازعني في سلطاني، فقل له: ما لمن يظفرك به؟ فيقول: إن طلب منّي العفو عنه قبلت منه، فأعلمه بنفسك فإنّك تجد منه ما تريد.

قال: فكان ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أنا عمران بن شاهين(2)، قال له: من أوقفك هاهنا؟ فقال: هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أوقفني هاهنا، وقال لي في منامي: غداً يحضر فناخسرو إلى هاهنا، وأعاد عليه القول، فقال له السلطان: بحقّه عليك قال لك فناخسرو؟ قلت: اي وحقّه.

فقال عضد الدولة: انّه لحق والله، ما عرف أحد انّ اسمي فناخسرو إلاّ اُمّي والقابلة وأنا، ثمّ خلع عليه خلع الوزارة وطلع بين يديه إلى الكوفة.

وكان عمران هذا قد نذر عليه انّه متى عفى عنه عضد الدولة أن يأتي إلى زيارة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حافياً حاسراً، فلمّا جنّه الليل خرج من الكوفة وحده، فرأى بعض من كان في الحضرة الشريفة من القوّام ـ وهو عليّ بن طحال المقدادي ـ مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: اقعد وافتح لوليّي عمران بن شاهين الباب.

فقعد وفتح الباب فإذا بالرجل قد أقبل، فلمّا وصل قال له: بسم الله يا مولانا، فقال له: ومن أنا؟ فقال: عمران بن شاهين، فقال: لست بعمران بن شاهين(3)،

____________

1- في "ج": ألحت.

2- زاد في "ج": فقال: من أنت؟ قال: أنا عمران....

3- في "ج": من أين علمت انّي عمران بن شاهين.


الصفحة 350
فقال: بلى انّ أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في منامي فقال لي: اقعد وافتح الباب لوليّي عمران بن شاهين.

قال له: بحقّه هو قال لك؟ فقال: اي وحقّه هو قال لي، فوقع على العتبة الشريفة يقبّلها ويبكي، وأحال لذلك الرجل بستّين مثقالا، وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين ـ الغروي والحائري على مشرفهما أفضل الصلاة والسلام ـ والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة(1).

وأمّا السبب الموجب لاخفاء قبره فهو انّه قد تحقّق وعلم ما جرى لأمير المؤمنين عليه السلام من الوقائع العظيمة والحروب الكثيرة زمان النبي صلى الله عليه وآله وبعده، وأوجب ذلك حقد المنافقين المارقين عليه حتّى ابن ملجم لعنه الله لمّا اُخذ ليُقتل قال للحسن(2) عليه السلام: انّي اُريد أن اُسارّك(3) بكلمة يا ابن رسول الله، فأبى الحسن(4) عليه السلام وقال: انّه يريد أن يعضّ اُذني، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخه(5).

فإذا كان هذا فعال هذا الكافر وحقده إلى هذه الغاية، وهو على تلك الحال وقد اُتي به للقتل، فكيف يكون حال معاوية وأصحابه وبني اُميّة والدولة لهم والملك بيدهم، وكانوا يبالغون في اطفاء نور أهل البيت واخفاء آثارهم، فلهذا السبب أوصى عليه السلام أن يدفن سرّاً خوفاً من بني اُميّة وأعوانهم، والخوارج وأمثالهم أن يتهجّموا على قبره الشريف لو كان ظاهراً.

وأيضاً ربّما لو نبشوه مع العلم بمكانه لحمل ذلك بني هاشم على المحاربة

____________

1- فرحة الغري: 147; عنه البحار 42: 319 ح7 باختلاف.

2- في "الف": للحسين عليه السلام.

3- في "ب": اُشاورك.

4- في "الف: للحسين عليه السلام.

5- انظر فرحة الغري: 19.


الصفحة 351
والمشاقة(1) التي أغضى عنها عليه السلام في حال حياته فكيف لا يرضى بترك ما فيه مادة النزاع بعد وفاته، ولمّا عرف أهل بيته عليهم السلام انّهم متى أظهروه لم يتوجّه له إلاّ التعظيم والتبجيل، لا جرم انّهم دلّوا عليه وأظهروه.

الثاني: فضل مشهده الشريف الغروي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام وما لتربته والدفن فيها من المنزلة والشرف.

روي عن أبي عبد الله(2) عليه السلام انّه قال: الغريّ قطعة من الجبل الذي كلّم الله عليه موسى تكليماً، وقدّس عليه تقدسياً، واتّخذ عليه ابراهيم خليلا، ومحمداً صلى الله عليه وآله حبيباً، وجعله للنبيّين مسكناً(3).

وروي انّ أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى الكوفة فقال: ما أحسن منظرك، وأطيب قعرك، اللّهمّ اجعل قبري بها(4).

ومن خواص تربته اسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام.

وروي عن القاضي ابن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلا صالحاً متعبّداً ـ قال: كنت في جامع الكوفة ذات ليلة وكانت ليلة مطيرة، فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم، وذكر بعضهم انّ معهم جنازة، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

ثمّ انّ أحدهم نعس فنام، فرأى في منامه قائلا يقول لآخر: ما نبصره(5) حتّى نبصر هل لنا معه حساب أم لا؟ فكشف عن وجه الميّت وقال لصاحبه: بل لنا معه

____________

1- في "ج": المناقشة.

2- في "ج": ابن عباس، والظاهر انّه خطأ.

3 و4) عنه البحار 100: 232.

5- في البحار: ما تبصره.


الصفحة 352
حساب وينبغي أن نأخذه منه معجلا قبل أن يتعدّى الرصافة، فما يبقى لنا معه طريق، فانتبه وحكى لهم المنام وقال: خذوه عجلا، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف صلوات الله وسلامه على مشرفه(1).


إذا متّ فادفنّي إلى جنب حيدر أبي شبر أكرم به وشبير
فلست أخاف النار عند جواره ولا أتّقي من منكر ونكير
فعار على حامي الحمى وهو في الحمى إذا ضلّ(2) في المرعى عقال بعير

وروى جماعة من صلحاء المشهد الشريف الغروي صلّى الله على مشرفه، انّه رأى أنّ كلّ واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره، قد خرج منه حبل ممتد متصل بالقبة الشريفة صلوات الله على مشرفها(3).

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا رجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقة وقدّامه جنازة، فحين رأى علياً عليه السلام قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه، فردّ عليه السلام وقال له: من أين؟ قال: من اليمن.

قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي أتيت لأدفنه في هذه الأرض، فقال له عليه السلام: لِمَ لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى إليّ بذلك وقال: انّه يُدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال له عليه السلام: أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، فقال عليه السلام: أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، قم فادفن أباك، فقام فدفنه(4).

ومن خواص ذلك الحرم الشريف انّ جميع المؤمنين يحشرون فيه، روي عن

____________

1- عنه البحار 100: 232.

2- في "ج": ضاع.

3- عنه البحار 100: 233.

4- عنه البحار 100: 233; ومستدرك الوسائل 2: 310 ح2056.


الصفحة 353
أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام.

قال: ما جاء في ذلك من الأخبار والآثار انّه(1) بين وادي النجف والكوفة، كأنّي بهم حلق قعود يتحدّثون على منابر من نور(2). والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

الثالث: في فضل زيارته عليه السلام وما جاء في ذلك من الأخبار والآثار.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال للحسين عليه السلام: تزوركم طائفة من اُمّتي تريد برّي وصلتي، إذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف، وأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده(3).

وعنه صلى الله عليه وآله انّه قال لعليّ عليه السلام: والله لتقتلنّ بأرض العراق فتدفن بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن انّ الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله تعالى جعل قلوباً من خلقه وصفوة من عباده تحنّ اليكم، وتحمل الأذى فيكم، فيعمرون قبوركم تقرّباً منهم إلى الله ومودّة لرسوله، اُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة.

يا عليّ من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حين يخرج(4) من زيارتكم كيوم ولدته اُمّه، فأبشر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر

____________

1- هكذا في "الف" و "ب" والبحار، وفي "ج": قيل: وأين وادي السلام؟ قال: بين وادي النجف....

2- عنه البحار 100: 233; ونحوه في الكافي 3: 243 ح2; عنه البحار 6: 268 ح118.

3- البحار 10: 441; ومستدرك الوسائل 10: 228 ح11910 عن الفصول للسيد المرتضى.

4- في "ج": حين يرجع.


الصفحة 354
الزانية بزناها، اُولئك شرار اُمّتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي(1).

وروي عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مع مولاي جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الغريّ(2) يريد أبا جعفر المنصور، قال لي: يا صفوان أنخ الناقة فإنّ هذا حرم جدّي أمير المؤمنين عليه السلام، فأنختها فنزل واغتسل وغيّر ثوبه وتحفّى وقال لي: افعل مثل ما أفعل.

ففعلت ثمّ قال: خُذ نحو الذكوات، وقال لي: قصّر خطاك، وألق ذقنك(3)الأرض، فإنّ لك بكلّ خطوة مائة ألف حسنة، ويمحى عنك [مائة](4) ألف سيّئة، ويرفع لك مائة ألف درجة، ويقضى لك مائة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كلّ صدّيق وشهيد مات أو قتل.

ثمّ مشى ومشيت معه [حافياً](5) وعلينا السكينة والوقار، نسبّح الله ونقدّس ونهلل إلى أن بلغنا الذكوات، فوقف عليه ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازه وقال لي: اطلب، فطلبت فإذا أثر القبر في الخط، ثمّ أرسل دمعه وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثمّ قال:

"السلام عليك أيّها الوصي البرّ التقي، السلام عليك أيّها النبأ العظيم، السلام عليك أيّها الصديق الشهيد، السلام عليك أيّها الوصي(6) الزكي، السلام عليك يا وصيّ [رسول](7) ربّ العالمين، السلام عليك يا خيرة الله من الخلائق أجمعين، أشهد أنّك حبيب الله وخاصته وخالصته، السلام عليك يا وليّ الله وموضع سرّه،

____________

1- فرحة الغري: 77; عنه البحار 100: 120 ح22.

2- في "ب": الكوفة.

3- في "ج": عينيك.

4- أثبتناه من "ج".

5- أثبتناه من "ج".

6- في "ج": الرضي.

7- أثبتناه من "ج".


الصفحة 355
وعيبة علمه، وخازن وحيه".

ثمّ انكبّ على القبر وقال:

"بأبي أنت واُمّي يا أمير المؤمنين، بأبي أنت واُمّي يا حجّة الخصام، بأبي أنت واُمّي يا باب المقام، بأبي أنت واُمّي يا نور الله التام، أشهد أنّك قد بلغت عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وآله ما حمّلت، ورعيت ما استحفظت، وحفظت ما استودعت، وحلّلت حلال الله، وحرّمت حرام الله، وأقمت أحكام الله، ولم تتعدّ حدود الله، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين، صلّى الله عليك وعلى الأئمة من بعدك".

ثمّ قام فصلّى ركعتين عند الرأس الكريم، ثمّ قال: يا صفوان! من زار أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الزيارة، وصلّى هذه الصلاة، رجع إلى أهله مغفوراً ذنبه، مشكوراً سعيه، ويكتب له ثواب كلّ من زاره من الملائكة، وانّه ليزوره في كلّ ليلة سبعون قبيلة، قلت: وكم القبيلة؟ قال: مائة ألف.

ثمّ خرج القهقرى وهو يقول: "يا جدّاه يا سيّداه يا طيّباه يا طاهر، لا جعله الله آخر العهد منك(1) ورزقني العود إليك، والمقام في حرمك، والكون معك ومع الأبرار من ولدك، صلّى الله عليك وعلى الملائكة المحدقين بك"، قلت: يا سيّدي أتأذن لي أن اُخبر أصحابنا(2) من أهل الكوفة؟ فقال: نعم، وأعطاني درهم فأصلحت القبر(3).

وقال الصادق عليه السلام: من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر الله إليه، ألا تزوروا من تزوره الملائكة والنبيّون عليهم السلام، وانّ أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من كلّ الأئمة، وله مثل ثواب أعمالهم وعلى قدر

____________

1- في "ج": من زيارتك.

2- في "ج": أصحابك.

3- فرحة الغري: 94; عنه البحار 100: 279 ح15.


الصفحة 356
أعمالهم فضّلوا(1).

وقال عليه السلام: انّ أبواب السماء لتفتح عند دخول الزائر لأمير المؤمنين عليه السلام(2).

وقال عليه السلام: انّ بظاهر الكوفة قبر ما زاره مهموم إلاّ فرّج الله همّه.

وحكى بعضهم قال: كنت عند الصادق عليه السلام فذكر أمير المؤمنينعليه السلام فقال:(3) يا ابن مارد من زار جدّي عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، والله يا ابن مارد ما يطعم الله النار قدماً تغبّرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ماشياً كان أو راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب(4). والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

الرابع: إيتاء ذي القربى.

وهو صلة الذرية العلوية، فإنّ الله تعالى أكّد الوصية فيهم، وجعل مودّتهم أجر الرسالة بقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى}(5).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الأرض، رجل نصر ذريتي(6)، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل سعى في قضاء حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا، ورجل أحبّ

____________

1- الخصائص للرضي: 40; عنه مستدرك الوسائل 10: 212 ح11883.

2- عنه البحار 100: 262 ح16.

3- زاد في "ج": فقال ابن مارد لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار جدّك أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال:....

4- فرحة الغري: 75; عنه البحار 100: 260 ح10.

5- الشورى: 23.

6- في "ب": ديني.


الصفحة 357
ذريتي باللسان والقلب(1).

وقال الصادق عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيّها الخلائقانصتوا فإنّ محمّداً يكلّمكم، فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله ويقول: يا معاشر الخلائق من كان له عندي يداً أو منّة أو معروفاً فليقم حتّى اُكافيه، فيقولون: وأيّ يد، وأيّ منّة، وأيّ معروف لنا؟! بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق.

فيقول صلى الله عليه وآله: من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برّهم، أو كساهم من عرى، أو أشبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه، فيقوم اُناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله: يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم(2).

وذكر ابن الجوزي ـ وكان حنبلي المذهب ـ في كتاب تذكرة الخواص انّ عبد الله بن المبارك كان يحجّ سنة ويغزو سنة وداوم على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض سنيّ الحج وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري جمالا للحج، فرأى امرأة علويّة على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة.

قال: فتقدّمت إليها فقلت: لِمَ تفعلين [هذا](3)؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عمّا لا يعنيك(4)، قال: فوقع من كلامها في خاطري شيء فألححت عليها، فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني أن أكشف سرّي إليك، أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى مات أبوهنّ من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئاً وقد حلّت لنا الميتة،

____________

1- الكافي 4: 60 ح9; من لا يحضره الفقيه 2: 65 ح1726.

2- من لا يحضره الفقيه 2: 65 ح1727; والوسائل 11: 556 ح3.

3- أثبتناه من "ج".

4- زاد في "ب": تقع في ما لا يرضيك.


الصفحة 358
فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي ليأكلنها.

قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه الفرصة، [قلت:](1) افتحي ازارك، فصببت الدنانير في طرف ازارها وهي مطرقة لا تلتفت، قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام، ثمّ تجهّزت إلى بلادي وأقمت حتّى حجّ الناس وعادوا، فخرجت أتلقّى جيراني وأصحابي، فجعلت كلّ من أقول له: قبل الله حجّك وسعيك، يقول: وأنت قبل الله حجّك وشكر سعيك، إنّنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر عليّ الناس في هذا القول.

فبتّ متفكّراً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول: يا عبد الله أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله عزوجل أن يخلق على صورتك ملكاً يحجّ عنك كلّ عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحجّ وإن شئت أن لا تحج(2).

وذكر ابن الجوزي أيضاً قال: كان ببلخ رجل من العلويين نازلا بها وله زوجة وبنات فتوفى، قالت المرأة: فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء، واتّفق وصولي في شدّة البرد، فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال في القوت.

فرأيت الناس مجتمعين على شيخ فسألت عنه فقيل: هذا شيخ البلد، فشرحت له الحال فقال: أقيمي البيّنة انّك علوية ولم يلتفت إليّ، فيئست منه وعُدت إلى المسجد فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة، فقلت: من هذا؟ فقيل: ضامن البلد وهو مجوسي، فقلت: [أمضي إليه](3) عسى أن يكون لنا عنده فرج.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- تذكرة الخواص: 381; عنه كشف اليقين: 485; والبحار 42: 11 ح12; وينابيع المودّة: 467.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 359
[فجئت إليه](1) فحدّثته حديثي وما جرى لي مع شيخ البلد، فصاح بخادم له فخرج فقال: قل لسيّدتك تلبس ثيابها، فدخل وخرجت امرأته ومعها جوارها، فقال لها: اذهبي مع المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار، فجاءت معي وحملت البنات، فجئنا وقد أفرد لنا مقاماً في داره وأدخلنا الحمّام وكسانا ثياباً فاخرة، وجاءنا بألوان الطعام، وبتنا بأطيب ليلة.

فلمّا كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأنّ يوم القيامة قد قامت واللواء على رأس محمّد صلى الله عليه وآله، وإذا بقصر من الزمرد الأخضر، فقال: لمن هذا القصر؟ فقيل: لرجل مسلم موحّد، فتقدّم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأعرض عنه فقال: يا رسول الله تعرض عنّي وأنا رجل مسلم؟! فقال صلى الله عليه وآله: أقم البيّنة عندي انّك مسلم، فتحيّر الشيخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: نسيت قولك للعلوية، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره.

فانتبه الشيخ وهو يلطم ويبكي، وبعث غلمانه إلى البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية، فاُخبر انّها في دار المجوسي فجاء إليه وقال له: أين العلوية(2)؟ قال: عندي، قال: اُريدها، فقال: ما إلى هذا من سبيل، قال: هذه ألف دينار وسلمهنّ(3)إليّ، فقال: لا والله ولا مائة ألف دينار.

فلمّا ألحّ عليه قال: المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضاً، والقصر الذي رأيته لي اُعدّ وأنت تدلّ عليّ باسلامك، والله ما نمت أنا ولا أحد في داري حتّى أسلمنا على يد العلوية، وعادت بركتها علينا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لي: القصر لك ولأهلك بما فعلت مع العلوية، وأنت من أهل الجنّة، خلقكم الله عزوجل مؤمنين في القدم(4).

والأخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطوّل بذكرها الكتاب.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ج": ألك علم بالعلوية.

3- في "ج": خذها وسلّمها إليّ.

4- تذكرة الخواص: 383; عنه كشف اليقين: 486; والبحار 42: 12 ح12; وينابيع المودّة: 468.


الصفحة 360


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net