متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أحاديث في فضائل أهل البيت عليهم السلام
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[أحاديث في فضائل أهل البيت عليهم السلام]

يرفعه الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدّس الله روحه إلى زيد الشهيد قال: دخل أحمد بن بكر على زيد بن عليّ فقال له: يا ابن رسول الله حدّثني من فضل ما أنعم الله به عليكم؟ قال: نعم، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحبّنا أهل البيت فنحن شفعاؤه يوم القيامة.

يا ابن بكر من أحبّنا في الله حشر معنا وأدخلناه معنا الجنّة، يا ابن بكر من تمسّك بنا فهو معنا في الدرجات العلى، يا ابن بكر انّ الله تعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله واختارنا ذريّته، فلولانا لم يخلق الله الدنيا والآخرة، يا ابن بكر بنا عُرف الله، وبنا عُبِدَ الله، ونحن السبيل إلى الله، ومنّا المصطفى والمرتضى، ومنّا يكون المهدي قائم هذه الاُمّة.

فقلت: هذا الذي تقوله عنك أو عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: بل عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله(2).

يرفعه المفيد أيضاً إلى عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه

____________

1- عنه البحار 16: 341 ح33; ونحوه باختصار في الاحتجاج 1: 497.

2- راجع البحار 46: 202 ح77 عن كفاية الأثر بتفصيل أكثر.


الصفحة 316
وآله: انّ الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّاً، ثمّ اطلع ثانية فاختار منها عليّاً فجعله اماماً، ثمّ أمرني أن اتّخذه أخاً ووصيّاً وخليفة ووزيراً، فعليّ منّي وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ الحسن والحسين، ألا وانّ الله تعالى جعلني أنا وهم(1) حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائمهم(2).

يرفعه الشيخ المفيد إلى أنس بن مالك قال: كنت أنا، وأبو ذر، وسلمان، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم عند النبي صلى الله عليه وآله إذ دخل الحسن والحسين صلوات الله عليهما، فقبّلهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وقام أبو ذر فانكبّ عليهما وقبّل أيديهما، ثمّ رجع فقعد معنا فقلنا له سرّاً: يا أبا ذر أنت رجل شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، تقوم إلى صبيّين من بني هاشم فتنكبّ عليهما وتقبّل أيديهما؟

فقال: نعم، لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله صلى الله عليه وآله لفعلتم بهما أكثر ممّا فعلت، فقلنا: وماذا سمعت يا أبا ذر؟ قال: سمعته يقول لعليّ ولهما: يا عليّ والله لو أنّ رجلا صام وصلّى حتّى يصير كالشنّ البالي، إذن ما نفعته صلاته وصومه إلاّ بحبّك، يا عليّ من توسّل إلى الله عزوجل بحبّكم فحقّ على الله أن لا يردّه، يا عليّ من أحبّكم وتمسّك بكم فقد تمسّك بالعروة الوثقى.

قال: ثمّ قام أبو ذر وخرج وتقدّمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقلنا: يا رسول الله أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت، فقال: صدق أبو ذر، والله ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

ثمّ قال صلى الله عليه وآله: خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد

____________

1- في "ج": إيّاهم.

2- عنه البحار 36: 301 ح139.


الصفحة 317
قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثمّ نقلنا إلى صلب آدم، ثمّ نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات، قلت(1): يا رسول الله فأين كنتم، وعلى أيّ مثال كنتم؟ قال: كنّا أشباهاً من نور تحت العرش نسبّح الله ونقدّسه ونمجّده.

ثمّ قال صلى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودّعني جبرئيل عليه السلام، فقلت له: جبرئيل حبيبي أفي هذا المكان تفارقني؟ فقال: إنّي لا أجوزه فتحترق أجنحتي، قال: ثمّ زجّ بي في النور ما شاء الله، وأوحى الله إليّ: يا محمد إنّي اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً، ثمّ اطلعت ثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك، ووارث علمك، والإمام بعدك، واُخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة، والأئمة المعصومين خزّان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنّة ولا النار.

يا محمد أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فنوديت: يا محمد ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار عليّ، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمد بن عليّ، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمد بن عليّ، وعليّ بن محمد، والحسن بن عليّ، والحجة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّي.

فقلت: يا ربّ من هؤلاء؟ ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة من بعدك المطهّرون من صلبك، وهذا الحجّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا، ويشفي صدور قوم مؤمنين، فقلنا: بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله لقد قلت عجباً، فقال صلى الله عليه وآله: وأعجب من هذا انّ قوماً يسمعون منّي هذا الكلام ثمّ يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذونني فيهم، ما لهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي(2).

وعنه يرفعه إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لي أمير المؤمنين

____________

1- في "ج": فقلنا.

2- عنه البحار 36: 301 ح140; ومعالم الزلفى: 252; وانظر أيضاً كفاية الأثر: 70.


الصفحة 318
عليه السلام: يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا وانكر فضلنا، يا سلمان أيّما أفضل محمداً صلى الله عليه وآله أو سليمان بن داود عليه السلام؟ قال سلمان: بل محمد صلى الله عليه وآله [أفضل](1).

فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس إلى سبأ في طرفة عين وعنده علم من الكتاب، ولأفعل أنا أضعاف ذلك وعندي ألف كتاب، أنزل الله على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة، وعلى ادريس النبي عليه السلام ثلاثين صحيفة، وعلى ابراهيم الخليل عليه السلام عشرين صحيفة، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان.

فقلت: صدقت يا سيّدي، قال الإمام عليه السلام: اعلم يا سلمان انّ الشاك في اُمورنا وعلومنا كالممتري(2) في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض الله ولايتنا في كتابه في غير موضع، وبيّن فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف(3).

وعن الشيخ محمد بن يعقوب مرفوعاً إلى اسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام انّه كتب إلى أصحابه المؤمنين بهذه الرسالة، من جملتها قال: من سرّه أن يلقى الله وهو مؤمن حقاً حقاً فليتولّى الله ورسوله والذين آمنوا، وليتبرّأ إلى الله من عدوّهم(4)، وليسلم لما انتهى إليه من فضلهم، لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا من دون ذلك.

ألم تسمعوا ما ذكر(5) من فضل اتّباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون، قال: {فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ب": كالمستهزئ.

3- عنه البحار 26: 221 ح47.

4- في "ج": من أعدائهم.

5- في "ج": ما ذكر الله تعالى.


الصفحة 319
وحسن اُولئك رفيقاً}(1) فهذا وجه من وجوه فضل اتّباع الأئمة، فكيف بهم وبفضلهم، واعلموا انّ أحداً من خلق الله لم يصب رضى الله إلاّ بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة ولاة الأمر من آل محمد صلوات الله عليهم، ومعصيتهم من معصية الله، ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر(2).

وعن أبي جعفر بن بابويه رضي الله عنه يرفعه إلى ابراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا عليه السلام: نحن حجج الله في أرضه، وخلفاؤه على عباده، واُمناؤه(3)على سرّه، ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى(4)، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله(5).


سوى الله لم يعرفكم يا بني الهدى وما عرف الله العلي سواكم
وما عرف الأملاك من عظم قدركم وجبريل يعنو(6) رفعة لعلاكم
فمن فوه مثلي أن يفوه بفضلكم ومن للساني أن يعد علاكم
خذوا بيدي يوم المعاد(7) واغفروا ذنوبي فما للعبد إلاّ ولاكم

____________

1- في "ج": ما ذكر الله تعالى.

2- الكافي 8: 10 ح1; عنه البحار 78: 219 ح93.

3- في "ج": وأوصياؤه.

4- قال العلاّمة المجلسي رحمه الله ذيل الحديث: قوله عليه السلام: "نحن كلمة التقوى" اشارة الى قوله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى) وفسّرها المفسّرون بكلمة الشهادة وبالعقائد الحقة إذ بها يتّقى من النار، أو هي كلمة أهل التقوى واطلاقها عليهم امّا باعتبار انّهم عليهم السلام كلمات الله يعبرون عن مراد الله كما انّ الكلمات تعبّر عمّا في الضمير، أو باعتبار انّ ولايتهم والقول بامامتهم سبب للاتقاء من النار، ففيه تقدير مضاف أي ذو كلمة التقوى. "والعروة الوثقى" اشارة الى انّهم هم المقصودون بها في قوله تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى)ويحتمل هنا أيضاً حذف المضاف، والعروة: كلّ ما يتعلّق أو يتمسّك به.

5- كمال الدين: 202 ح6; عنه البحار 23: 35 ح59.

6- لعلّه بمعنى يخضع، وفي "ج": يعلو.

7- في "ج": يوم القيامة.


الصفحة 320

فإن تغفروا فالله راض وغافر لأنّ رضى الله العليّ رضاكم

يرفعه إلى خيثمة الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته وهو يقول: نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن خيرته(1)، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن اُمناء الله عزوجل، ونحن حجّته، ونحن أركان الايمان ودعائم الإسلام، ونحن رحمة الله على خلقه، ونحن بنا يفتح وبنا يختم.

ونحن أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخلق، من تمسّك بنا لحق ومن تأخّر عنّا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عزوجل، ونحن من نعم الله على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوّة، ونحن موضع الرسالة.

ونحن الدين، ونحن النبأ ومختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنّة، ونحن عرى(2) الإسلام، ونحن الجسور والقناطر، من مضى عليها لم يسبق ومن تخلّف عنها محق، ونحن السنام الأعظم، ونحن الذين ينزل الله عزوجل بنا الرحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف الله عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا(3).

مرفوعاً إلى الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: تكون الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: [فيكون](4) إمامان في وقت واحد؟ قال:

____________

1- في "ج": خيرة الله.

2- في "ج": عزّ الإسلام.

3- بصائر الدرجات: 82 ح10 الجزء الثاني; عنه البحار 26: 248 ح18; وكمال الدين: 205 ح20; وانظر أمالي الطوسي: 654 ح1354.

4- أثبتناه من "ج".


الصفحة 321
لا، إلاّ وأحدهما صامت، قلت: الإمام يعرف الإمام الذي بعده؟ قال: نعم، قلت: القائم إمام؟ قال: إمام ابن إمام، قد ائتمّ(1) به قبل ذلك(2).

يرفعه إلى عليّ بن أبي حمزة عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة تبارك وتعالى قال: من علم انّه لا إله إلاّ أنا وحدي، وأنّ محمداً عبدي ورسولي، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الأئمة من ولده حججي على بريّتي، أدخلته الجنّة ونجّيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي. إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ منّي دعوته، وإن رجع إليّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.

ومن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي، أو شهد ولم يشهد أنّ محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمة من بعده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أسمع دعاءه، وإن رجاني خيّبته، وذلك جزاؤه منّي، وما أنا بظلاّم للعبيد(3).

يرفعه إلى سلمان الفارسى رحمه الله قال: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام، فلمّا رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دموعها على خدّيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول الله أخشى الضيعة على نفسي وولدي بعدك.

____________

1- في البحار: قد اوذنتم به.

2- كمال الدين: 223 ح17 باب 22; عنه البحار 25: 107 ح7.

3- كمال الدين: 258 ح3 باب24; عنه البحار 36: 251 ح68.


الصفحة 322
فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله بالبكاء ثمّ قال: يا فاطمة أما علمت إنّا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وانّه حتم الفناء على جميع خلقه، وانّ الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك، ثمّ اطلع اطلاعة فاختار منها زوجك، فأوحى الله إليّ أن اُزوّجك إيّاه وأن أتّخذه وليّاً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في اُمّتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي.

ثمّ اطلع اطلاعة ثالثة فاختارك وولدك، فأنت سيّدة نساء [العالم و](1) أهل الجنّة، وابناك حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبناء(2) بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلّهم هادون مهديّون، فالأوصياء بعدي أخي عليّ، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنّة درجة أقرب إلى الله عزوجل من درجتي ودرجة أبي ابراهيم، أما تعلمين يا بنيّة انّ من كرامة الله عزوجل إيّاك أن زوّجك خير اُمّتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً.

فاستبشرت فاطمة صلوات الله عليها وفرحت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، ثمّ قال: يا بنيّة انّ لبعلك مناقب، ايمانه بالله ورسوله قبل كلّ أحد لم يسبقه إلى ذلك أحد من اُمّتي، وعلمه بكتاب الله عزوجل وسنّتي، وليس أحد من اُمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ، فإنّ الله عزوجل علّمني علماً لا يعلمه غيري، وعلّم ملائكته ورسله علماً، فكلّ ما علّمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه، وأمرني عزوجل أن اُعلّمه إيّاه ففعلت، فليس أحد من اُمّتي يعلم علمي وفهمي وحكمي غيره، وانّك يا بنيّة زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين، وهما سبطا اُمّتي، أمره

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ب": وأبناؤك وبعلك.


الصفحة 323
بالمعروف ونهيه عن المنكر، وانّ الله عزوجل آتاه الحكمة وفصل الخطاب.

يا بنيّة إنّا أهل بيت أعطانا الله عزوجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم، ولا يعطيها أحداً من الآخرين غيرنا: نبيّنا خير الأنبياء والمرسلين وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك، قالت: يا رسول الله هو سيّد شهداء الذين قتلوا معه؟ قال: لا بل سيّد شهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطائر في الجنّة مع الملائكة، وابناي حسن وحسين سبطا اُمّتي وسيّدا شباب أهل الجنّة، ومنّا والذي نفسي بيده مهديّ هذه الاُمّة، الذي تملأ الأرض به قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً.

قالت: فأيّ هؤلاء أفضل من الذين سمّيت؟ قال: عليّ بعدي أفضل اُمّتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ وبعدك وبعد ابنيّ وسبطيّ حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا ـ وأشار إلى الحسين عليه السلام ـ منهم المهدي، إنّا أهل بيت اختار الله عزوجل لنا الآخرة على الدنيا.

ثمّ نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان اشهد إنّي سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، أما إنّي معهم(1) في الجنّة، ثمّ أقبل على عليّ عليه السلام فقال: يا أخي إنّك ستبقى بعدي، وستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعواناً فقاتل من خالفك بمن أطاعك ووافقك، وإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون اُسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إيّاك وتظاهرهم عليك، فإنّك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه.

____________

1- في "ب": انّهم معي وأنا معهم.


الصفحة 324
يا عليّ انّ الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الاُمّة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الاُمّة، ولا يتنازع في شيء من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء لجعل(1) النقمة وكان منه التغيير حتّى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكنّه جعل الدنيا دار الأعمال والآخرة دار القرار، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وقال عليّ عليه السلام: الحمد لله وشكراً على نعمائه، وصبراً على بلائه(2).

يرفعه إلى الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: سألته عن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأحقّهم بالأمر، فقال: عليّ بن أبي طالب، إمام المتّقين، وأمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، وأفضل الوصيّين، وخير الخلق أجمعين بعد رسول ربّ العالمين، وبعده الحسن ثمّ الحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وابنا خيرة النسوان.

ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمد بن عليّ(3)، ثمّ من بعده الأئمة الهادية المهديّة(4)صلوات الله عليهم أجمعين، فإنّ فيهم الورع، والعفّة، والصدق، والصلاح، والاجتهاد، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، وطول السجود، وقيام الليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة، وحسن الجوار(5).

يرفعه المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: {وإذ ابتلى ابراهيم ربّه بكلمات}(6) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم عليه السلام من ربّه فتاب عليه، وهو انّه قال: يا ربّ أسألك بحقّ

____________

1- في "ج": لعجل.

2- كمال الدين: 262 ح10 باب 24; عنه البحار 28: 52 ح21.

3- زاد في "ج": ثمّ جعفر بن محمد.

4- في "ج": الهداة المهديّون.

5- راجع كمال الدين: 336 ح9 باب 33; والخصال: 478 ح46 أبواب الاثنى عشر، باختلاف.

6- البقرة: 124.


الصفحة 325
محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين الاّ تبت عليّ، فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم.

فقلت: يا ابن رسول الله فما معنى قوله عزوجل: {فأتمّهنّ} قال: يعني فأتمهنّ إلى القائم عليه السلام اثنا عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين، قال المفضل: فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف صارت الامامة في ولد الحسين دون الحسن، وهما جميعاً ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال عليه السلام: إنّ موسى وهارون كانا نبيّين مرسلين أخوين، فجعل الله تبارك وتعالى النبوّة في صلب ولد هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول لِمَ فعل الله ذلك، وانّ الامامة خلافة من الله عزوجل ليس لأحد أن يقول لِمَ جعل الله الامامة في صلب الحسين دون صلب الحسن، فإنّ الله عزوجل هو الحكيم في أفعاله لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون(1).

يرفعه إلى سعد بن عبد الله القمي قال: أعددت نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً، فقصدت مولانا أبا محمد الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام بسر من رأى، فلمّا انتهينا إلى باب سيّدنا عليه السلام فاستأذنّا عليه فخرج الاذن بالدخول.

قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفى لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلمّا جلسنا سألته شيعته عن اُمورهم في دينهم ودنياهم(2)، فنظر أبو محمد الحسن عليه السلام

____________

1- كمال الدين: 358 ح55 باب 33; عنه البحار 24: 177 ح8; وانظر الخصال: 304 ح84 باب 5; ومعاني الأخبار: 126 ح1.

2- في "الف" و "ج": وهداياهم.


الصفحة 326
إلى الغلام وقال: يا بني أجب شيعتك ومواليك، فأجاب كلّ واحد عمّا في نفسه وعن حاجته من قبل أن يسأله عنها في أحسن جواب، وأوضح برهان، حتّى حارت عقولنا من غامر علمه، واخباره بالغائبات.

ثمّ التفت إليّ أبو محمد عليه السلام وقال: ما جاء بك يا سعد؟ قلت: شوقي إلى لقاء مولانا، فقال: المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرّة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ عمّا بدا لك منها.

فكان من بعض ما سألته أن قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عن تأويل: {كهيعص}(1)، قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمد صلى الله عليه وآله، وذلك انّ زكريا سأل الله تعالى أن يعلّمه أسماء الخمسة، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلّمه إيّاها، وكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن سري عنه همّه وانجلى عنه كربه، فإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة.

فقال ذات يوم: يا الهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي، فأنبأه الله عزوجل عن قصّته، فقال: كهيعص، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره.

فلمّا سمع بذلك زكريّا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام، ومنع فيهنّ الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: "الهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، الهي أتنزل هذه الرزية بفنائه، الهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، الهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟!".

ثمّ قال: اللّهمّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، وتجعله وارثاً رضيّاً

____________

1- مريم: 1.


الصفحة 327
يوازي محلّه منّي محلّ الحسين عليه السلام، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً حبيبك، وكان حمل يحيى ستة أشهر وكان الحسين عليه السلام كذلك، وله قصة طويلة(1).

مرفوعاً إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: يا عليّ شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، من أهان واحد منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني أدخله الله نار جهنّم خالداً فيها وبئس المصير.

يا عليّ أنت منّي وأنا منك، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، وشعيتك خلقوا من فضل طينتنا، فمن أحبّهم فقد أحبّنا، ومن أبغضهم فقد أبغضنا، ومن عاداهم فقد عادانا، ومن ردّهم فقد ردّنا، يا عليّ انّ شيعتك مغفور لهم على ما كان منهم من ذنوب وعيوب، يا عليّ أنا الشفيع لشيعتك غداً إذا قمت المقام المحمود فبشّرهم بذلك، يا عليّ سعد من تولاّك وشقي من عاداك، يا عليّ لك كنز في الجنّة وأنت ذو قرنيها(2)(3).

يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة بهجة(4)قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي، وحبله

____________

1- كمال الدين: 461 ضمن حديث 21; عنه البحار 52: 80 ح1.

2- أمالي الصدوق: 23 ح8 مجلس 4; عنه البحار 68: 7 ح1; وانظر أيضاً بشارة المصطفى: 18.

3- قال الشيخ الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار ص206:... وقد سمعت بعض المشايخ يذكر انّ هذا الكنز هو ولده المحسن عليه السلام، وهو السقط الذي ألقته فاطمة عليها السلام لما ضغطت بين البابين، واحتجّ في ذلك بما روي في السقط من انّه يكون محبنطأً على باب الجنّة، فيقال له: اُدخل الجنّة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي... وأمّا قوله صلى الله عليه وآله: "وأنت ذو قرنيها" فإنّ قرني الجنّة الحسن والحسين لما روي انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنّ الله عزوجل يزيّن بهما جنّته كما تزين المرأة بقرطيها، وفي خبر آخر يزين الله بهما عرشه، وفي وجه آخر معنى قوله صلى الله عليه وآله: "وأنت ذو قرنيها" أي إنّك صاحب قرني الدنيا وانّك الحجّة على شرق الدنيا وغربها وصاحب الأمر فيها والنهي فيها.

4- في "الف": مهجة.


الصفحة 328
الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم بهم نجا، ومن تخلّف عنهم هوى(1).

وروى الشيخ المفيد رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه ذكر في خبر طويل من جملته قال: انّ لمحمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة قبل الحساب مقاماً يقوم فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله عزوجل، يقوم فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن أحد من قبله، ثمّ تثني عليه الملائكة فلا يبقى ملك إلاّ أثنى على محمد وآل محمد.

ثمّ تثني عليهم الرسل، ثمّ يثني عليهم كلّ مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصدّيقين والشهداء والصالحين، ثمّ تحمده أهل السماوات والأرض، وذلك قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً}(2) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ونصيب، وويل لمن لم يكن له فيه حظّ ولا نصيب(3).

يرفعه إلى أبي حمزة قال: قدم قتادة على أبي جعفر عليه السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحجّ وغيره فجلس قريباً منه، فلمّا قضى أبو جعفر عليه السلام حوائج القوم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له: من أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامة السدوسي البصري، قال أبو جعفر عليه السلام: فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم.

قال: ويحك يا قتادة انّ الله تعالى خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على عباده، أوتاداً في أرضه، قواماً بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلا ثمّ قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي العلماء والفقهاء وبين يدي ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم

____________

1- فضائل ابن شاذان: 146; ومائة منقبة: 100 ح44; عنهما البحار 23: 142 ح95.

2- الاسراء: 79.

3- انظر التوحيد للصدوق: 261 ح5 باب 36; عنه البحار 7: 119 ح55; وانظر الاحتجاج 1: 567 ح136; ولم نعثر عليه في كتب الشيخ المفيد رحمه الله.


الصفحة 329
اضطرابه قدامك.

فقال أبو جعفر: ويحك أتدري بين يدي من أنت، أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة، فأنت ثمّ ونحن اُولئك، قال قتادة: صدقتوالله جعلني الله فداك ياابن رسول الله، ماهي بيوت حجارة ولابيوت طين(1).

مرفوعاً إلى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويتمسّك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين فليتوال علياً من بعدي ولياً، وليعادي عدوّه، ثمّ يتوال(2) الأئمة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة اُمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان(3).

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: انّ الله عزوجل يقول: يا عبادي أوليس من كان له اليكم حاجة من كبار الحوائج لا تجودون(4) بها إلاّ إذا تحمل عليكم بأحبّ الخلق اليكم تقضونها كرامة لشفيعهم، ألا فاعلموا انّ أكرم الخلق عليّ، وأحبّهم إليّ، وأفضلهم لديّ محمد وأخوه عليّ من بعده والأئمة الذين هم الوسائل، ألا فليدعني من أهمّته حاجة يريد نفعها، أو دهمته داهية يريد كشف ضرّها(5) بمحمد وآله الطاهرين أقضها أحسن ما

____________

1- الكافي 6: 256 ح1; عنه البحار 46: 357 ح11.

2- في "ج": ثمّ ليأتمّ بالأئمة.

3- أمالي الصدوق: 26 ح5 مجلس 5; عنه البحار 38: 92 ح5.

4- في "ج": لا تجدون.

5- في "الف": ضررها.


الصفحة 330
يقضيها من يتشفّعون إليه بأحبّ الخلق إليه.

فقال له قوم من المنافقين والمشركين ـ وهم يستهزؤون ـ: يا أبا عبد الله ما لك لا تقترح(1) على الله وتتوسّل بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟ فقال لهم سلمان رضي الله عنه: قد دعوت الله وسألته بهم ما هو أجل وأنفع وأعظم وأفضل من الدنيا بأسرها، سألته بهم صلّى الله عليهم أن يهب لي لساناً بحمده وثنائه ذاكراً، وقلباً لآلائه شاكراً، وبدناً على الدواهي الداهية لي صابراً، وهو عزوجل قد أجابني إلى ملتمسي من ذلك، وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها، وما يشتمل عليه من خيراتها بمائة ألف ألف مرّة(2).

وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام انّه قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام انّ أبا ذر الغفاري جاء ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وكان من خيار أصحابه ـ فقال: يا رسول الله انّ لي غنيمات قدر ستين شاة أكره أن أبدو فيها واُفارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن اكلها إلى راع فيظلمها ويسيء إليها في رعايتها، فكيف أصنع؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ابد فيها فبدا فيها، فلمّا كان اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر فقال: لبّيك يا رسول الله، فقال: ما فعلت غنمك؟ فقال: يا رسول الله إنّ لها قصّة عجيبة، فقال: وما هي؟ فقال: يا رسول الله بينا أنا في صلاتي إذا عدا على غنمي الذئب، فقلت في قلبي: يا ربّ صلاتي يا ربّ غنمي، فأخطر الشيطان على بالي: يا أبا ذر أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي، فأهلكتها جميعاً، وما يبقى لك في الدنيا ما تعيش به.

____________

1- في "الف": تقرح.

2- راجع البحار 22: 369 ح9 عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام.


الصفحة 331
فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله والايمان بمحمد صلى الله عليه وآله، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده عليّ بن أبي طالب، وموالاة الأئمة الطاهرين من ولده عليهم السلام، ومعاداة أعدائهم وكلّ ما فات من الدنيا بعد ذلك باطل، وأقبلت على صلاتي، فجاء الذئب فأخذ حملا وذهب، وأنا أحس به إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين واستخلص الحمل وردّه إلى القطيع، ثمّ نادى: يا أبا ذر أقبل على صلاتك فإنّ الله سبحانه قد وكّلني بغنمك إلى أن تصلّي.

فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من العجب ما لا يعلمه إلاّ الله، فجاءني الأسد وقال لي: امض إلى محمد واقرأه عنّي السلام، وأخبره انّ الله قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، ووكّل أسداً بغنمه يحفظها، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وعجب من كان حوله لما سمعوا ذلك(1).

مرفوعاً إلى سماعة قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إذا كان يا سماعة لك حاجة إلى الله فقل: "اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وعلي(2) فإنّ لهما عندك شأناً من الشأن، وقدراً من القدر، فبحقّ ذلك الشأن وبحقّ ذلك القدر أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا" فإنّه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان إلاّ وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم(3).

مرفوعاً إلى الحسن بن عليّ العسكري قال: إنّ الله تعالى قال: يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لاُسامحكم إن قصّرتم فيما سواها، واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلاّ اُناقشكم في ركوب ما عداها، إنّ أعظم الطاعات توحيدي وتصديق نبيّي، والتسليم لمن ينصبه بعده، وهو عليّ بن أبي طالب والأئمة الطاهرين من نسله، وانّ أعظم المعاصي عندي الكفر بي وبنبيّي، ومنابذة وليّ محمد بعده عليّ

____________

1- راجع البحار 22: 393 ح1; عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 73 ح37.

2- زاد في "ب": وفاطمة.

3- دعوات الراوندي: 51 ح127; عنه البحار 8: 59 ح81.


الصفحة 332
بن أبي طالب وأوليائه من بعده.

وإن أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الأعلى والشرف الأشرف، فلا يكون أحد من عبادي آثر عندكم من محمد وبعده من أخيه عليّ، وبعدهما أبناؤهما(1)القائمين بأمر عبادي بعدهما، فإنّ من كان ذلك عقيدته جعلته من أشرف ملوك جناني.

واعلموا انّ من أبغض عبادي من الخلق إليّ من تمثّل بي وادّعى ربوبيّتي، وأبغضهم إليّ بعده من تمثّل بمحمّد ونازعه في محلّه وشرفه وادّعاهما، وأبغض الخلق لهؤلاء المدّعون لما هم(2) به لسخطي متعرّضون، ومن كان لهم على ذلك من المعاونين، وأبغض الخلق إليّ بعد هؤلاء مَنْ كان مِن الراضين وإن لم يكن لهم من المعاونين.

كذلك أحبّ الخلق إليّ القوّامون بحقّي، وأفضلهم لديّ وأكرمهم عليّ سيّد الورى، وأكرمهم وأفضلهم بعده عليّ أخو المصطفى المرتضى، ثمّ من بعده القوّامون بالقسط من أئمة الحق، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقّهم، وأحبّ الخلق إليّ بعدهم من أحبّهم وأبغض أعداءهم وإن لم يمكنه معرفتهم(3).

ثمّ قال الإمام العسكري عليه السلام: انّ رجلا قال للصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم ولم أملك إلاّ البراءة من أعدائكم واللعن عليهم، فكيف حالي؟.

فقال له الصادق عليه السلام: حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ضعف عن نصرتنا أهل البيت فلعن في صلاته أعداءنابلغ الله صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش، وكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا

____________

1- في "ج": إبناهما.

2- في البحار: وأبغض الخلق إليّ بعد هؤلاء المدّعين لما هم به.

3- إلى هنا البحار 27: 96 ح59; عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 42 ح19.


الصفحة 333
ساعدوه فلعنوا من يلعنه، ثمّ ثنّوا(1) وقالوا: اللّهمّ صلّ على عبدك هذا بَذَلَ ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل الله عزوجل: قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه في الأرواح، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار(2).

وجميع هذه الأخبار تدلّ على انّ آل محمد هم أشرف خلق الله تعالى، وهم الوسائل إليه لا يقبل الله عملا إلاّ بولايتهم والبراءة من أعدائهم، حتّى الملائكة والأنبياء والرسل لا شرف للجميع إلاّ بهم، وانّ فضلهم عليهم السلام لا يحصى، كما ورد عنهم عليهم السلام: انفوا عنّا الربوبيّة وقولوا ما شئتم، ولا سيّما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه فإنّ فضائله لا تحصيها البشر، فلنقتصر على هذا القدر.


من رام أن يحصي فضائلكم رام المحال وحاول التلفا
إنّي وفضل الله ليس له عدّ وأنتم فضله وكفى

وقد ذكرنا في الكتاب ما يتضمّن حصول الفضائل له قبل وجوده وولادته، فلنذكر أيضاً بعض ما له من الفضائل بعد مضيّه وحياته، ونختم الكتاب بذكر شيء من صفات أعدائه بعد ايراد هذين الحديثين.

____________

1- في "ج": أثنوا.

2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 47 ح21; عنه البحار 27: 222 ح11.

الصفحة 334


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net