متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في جوابه عليه السلام عن حبر اليهود
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[في جوابه عليه السلام عن حبر اليهود]

يرفعه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال: حدّثني أبي جعفر، عن أبيه قال: حدّثني أبي قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: بينما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله جلوس في مسجده بعد وفاتهيتذاكرون فضل رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل علينا حبر من أحبار اليهود من أهل الشام، قد قرأ التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم والأنبياء عليهم السلام، وعرف دلائلهم، فسلّم علينا وجلس ثمّ لبث هنيئة ثمّ قال: يا اُمّة محمد ما تركتم لنبيّ درجة ولا لمرسل فضيلة إلاّ وقد نحلتموها لنبيّكم، فهل عندكم جواب إن أنا سألتكم؟.

فقال له أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: سل يا أخا اليهود ما أحببت فإنّي اُجيبك عن كلّ ما تسأل بعون الله ومشيئته(1)، فوالله ما أعطى الله عزوجل نبيّاً ولا مرسلا درجة ولا فضيلة إلاّ وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله، وزاده على الأنبياء والمرسلين أضعافاً مضاعفة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ولا فخر، وأنا ذاكر لك اليوم من فضله صلى الله عليه وآله من غير إزراء على أحد من الأنبياء ما يقرّ الله به أعين المؤمنين، شكراً لله على ما أعطى محمداً صلى الله عليه وآله [وزاده عليهم](2) الآن.

فاعلم يا أخا اليهود انّه كان من فضله صلى الله عليه وآله عند ربّه تبارك وتعالى وشرفه ما أوجب المغفرة والعفو لمن خفض الصوت عنده، فقال جلّ ثناؤه في كتابه: {انّ الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله اُولئك الذين امتحن الله

____________

1- في "ب": ومَنِّه.

2- أثبتناه من "ج".


الصفحة 305
قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}(1).

ثمّ قرن طاعته بطاعته فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}(2) ثمّ قرّبه من قلوب المؤمنين وحبّبه(3) إليهم، وكان يقول صلى الله عليه وآله: حبّي خالط دماء اُمّتي، فهم يؤثروني على الآباء والاُمّهات وعلى أنفسهم، ولقد كان أقرب الناس وأرأفهم، فقال تبارك وتعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(4)، وقال عزوجل: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه اُمّهاتهم}(5).

والله لقد بلغ من فضله صلى الله عليه وآله في الدنيا ومن فضله في الآخرة ما تقصر عنه الصفات، ولكن اُخبرك بما يحمله قلبك ولا يدفعه عقلك، ولا تنكره بعلم إن كان عندك، لقد بلغ من فضله صلى الله عليه وآله انّ أهل النار يهتفون ويصرخون بأصواتهم ندماً أن لا يكونوا أجابوه في الدنيا، فقال الله عزوجل: {يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}(6).

والله لقد ذكره الله تبارك وتعالى مع الرسل، فبدأ به وهو آخرهم لكرامته صلى الله عليه وآله فقال جلّ ثناؤه: {وإذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح}(7) وقال: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيّين من بعده}(8) والنبيّون قبله فبدأ به صلى الله عليه وآله وهو آخرهم.

____________

1- الحجرات: 3.

2- النساء: 80.

3- في "الف": أحبّه.

4- التوبة: 128.

5- الأحزاب: 6.

6- الأحزاب: 66.

7- الأحزاب: 7.

8- النساء: 163.


الصفحة 306
والله لقد فضّله الله على جميع الأنبياء، وفضّل اُمّته على جميع الاُمم، فقال عزوجل: {كنتم خير اُمّة اُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}(1).

فقال اليهودي: إنّ آدم عليه السلام أسجد الله عزوجل له ملائكته، فهل فضل لمحمّد مثل ذلك؟ فقال عليّ عليه السلام: قد كان ذلك، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإنّ ذلك لما أودع الله عزوجل صلبه من الأنوار والشرف إذ كان هو الوعاء، ولم يكن سجودهم عبادة له وإنّما كان سجودهم طاعة لأمر الله وتكرمة وتحيّة، مثل السلام من الإنسان على الإنسان، واعترافاً لآدم عليه السلام بالفضيلة.

وقد أعطى الله محمداً صلى الله عليه وآله أفضل من ذلك، وهو انّ الله عزوجل صلّى عليه وأمر ملائكته أن يصلّوا عليه، وتعيد(2) جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة، فقال جلّ ثناؤه: {إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً}(3) فلا يصلّي عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته إلاّ صلّى الله عليه بذلك عشراً، وأعطاه من الحسنات عشراً بكلّ صلاة صلّى عليه، ولا أحد يصلّي عليه بعد وفاته إلاّ وهو يعلم ذلك، ويرد على المصلّي والمسلّم مثل ذلك.

ثمّ انّ الله عزوجل جعل دعاء اُمّته فيما يسألون ربّهم جلّ ثناؤه موقوفاً عن الاجابة حتّى يصلّوا فيه عليه صلى الله عليه وآله، فهذا أكبر وأعظم ممّا أعطى الله لآدم عليه السلام، ولقد أنطق الله عزوجل صمّ الصخور والشجر بالسلام والتحيّة له، وكنّا نمرّ معه صلى الله عليه وآله فلا يمرّ بشعب ولا شجرة إلاّ قالت: السلام عليك يا رسول الله، تحيّة له واقراراً بنبوّته صلى الله عليه وآله.

____________

1- آل عمران: 110.

2- في "ج": أمر.

3- الأحزاب: 56.


الصفحة 307
وزاده الله عزوجل تكرمة بأخذ ميثاقه قبل النبيّين، وأخذ ميثاق النبيّين بالتسليم والرضا والتصديق له، فقال جلّ ثناؤه: {وإذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم}(1) أن آمنوا بي وبرسولي، قالوا: آمنّا.

وقال الله عزوجل: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}(2) وقال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}(3) فلا يرفع رافع صوته بكلمة الاخلاص بشهادة أن لا إله إلاّ الله، حتّى يرفع صوته معها بأنّ محمداً رسول الله في الأذان، والاقامة، والصلوات، والأعياد، والجمع، ومواقيت الحجّ، وفي كلّ خطبة حتّى في خطب النكاح وفي الأدعية.

ثمّ ذكر اليهودي مناقب الأنبياء، وأمير المؤمنين عليه السلام يثبت للنبي ما هو أعظم منها تركنا ذكرها طلباً للاختصار، حتّى وصل إلى أن قال اليهودي: فإنّ الله عزوجل ناجى موسى على جبل طور سيناء بثلاثمائة وثلاث عشرة كلمة مع كلّ كلمة يقول له فيها: يا موسى إنّي أنا الله، فهل فعل بمحمّد شيئاً من ذلك؟

قال عليّ صلوات الله عليه: [لقد كان كذلك ومحمد](4) ناجاه الله جلّ ثناؤه فوق سبع سماوات، رفعه عليهنّ فناجاه في موطنين، أحدهما عند سدرة المنتهى وكان له هناك مقام محمود، ثمّ عرج به حتّى انتهى به إلى ساق العرش، فقال عزوجل: {ثمّ دنا فتدلّى}(5) ودنا ودلى له رفرفاً أخضر غشي عليه نور عظيم حتّى كان في دنوّه كقاب قوسين أو أدنى، وهو مقدار ما بين الحاجب إلى الحاجب، وناجاه بما ذكره الله عزوجل في كتابه، قال الله تعالى: {لله ما في السماوات وما في

____________

1- إلى هنا في سورة الأحزاب: 7.

2- الأحزاب: 6.

3- الشرح: 4.

4- أثبتناه من "ج".

5- النجم: 8.


الصفحة 308
الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء}(1).

وكانت هذه الآية قد عرضت على سائر الاُمم من لدن آدم إلى مبعث محمد صلى الله عليه وآله، فأبوا جميعاً أن يقبلوها من ثقلها وقبلها محمد صلى الله عليه وآله واُمّته، فلمّا رأى الله عزوجل منه ومن اُمّته القبول خفّف عنه ثقلها، فقال الله عزوجل: {آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه}(2) ثمّ انّ الله عزوجل تكرّم على محمد، وأشفق على اُمّته(3) من تشديد الآية التي قبلها هو واُمّته، فأجاب عن نفسه وعن اُمّته فقال: {والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله}(4). فقال الله عزوجل: لهم المغفرة والجنّة إذا فعلوا ذلك.

فقال النبي صلى الله عليه وآله: {سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}(5) يعني المرجع في الآخرة، فأجابه سبحانه: قد فعلت ذلك بتأبي اُمّتك(6)، قد أوجبت لهم المغفرة، ثمّ قال الله عزوجل: أمّا إذا قبلتها أنت واُمّتك وقد كانت عُرضت من قبل على الأنبياء والاُمم فلم يقبلوا، فحقّ عليّ أن أرفعها عن اُمّتك، فقال الله: لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شرّ.

ثمّ ألهم الله عزوجل نبيّه صلى الله عليه وآله أن قال: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}(7) فقال الله سبحانه: لكرامتك يا محمد عليّ انّ الاُمم السالفة كانوا

____________

1- البقرة: 284.

2- البقرة: 285.

3- في "ج": أشفق عليه.

4- البقرة: 285.

5- البقرة: 285.

6- في "ج": تباهي اُمّتك الاُمم.

7- البقرة: 286.


الصفحة 309
إذا نسوا ما ذكروا فتحت عليهم أبواب عذابي، وقد رفعت ذلك عن اُمّتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: {ربّنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا}(1) يعني بالآصار الشدائد التي كانت على الاُمم ممّن كان قبل محمد صلى الله عليه وآله، فقال عزوجل: قد رفعت عن اُمّتك الآصار التي كانت على الاُمم السالفة، وذلك إنّي جعلت على الاُمم أن لا أقبل فعلا إلاّ في بقاع من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض لك ولاُمّتك طهوراً ومسجداً، فهذه من الآصار وقد رفعتها عن اُمّتك.

وقد كانت الاُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى البيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت على قربانه ناراً تأكله، وإن لم أقبل ذلك منه رجع به مثبوراً، وقد جعلت قربان اُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها، فمن قبلت ذلك منه اُضاعف له الثواب أضعافاً مضاعفة، وإن لم أقبل ذلك منه رفعت به عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن اُمّتك وهي من الآصار التي كانت [على الاُمم السالفة](2).

وكانت الاُمم السالفة مفروضاً عليها صلواتها في كبد الليل وأنصاف النهار، وهي الشدائد التي كانت وقد رفعتها عن اُمّتك، وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم.

وكانت الاُمم السالفة مفروضاً عليهم خمسون صلاة في خمسين وقتاً، وهي من الآصار التي كانت عليهم وقد رفعتها عن اُمّتك، وكانت الاُمم السالفة حسنتهم بحسنة واحدة وسيّئتهم بسيّئة واحدة، وجعلت لاُمّتك الحسنة بعشر(3) والسيّئة بواحدة.

وكانت الاُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة لم تُكتب له، وإذا همّ بالسيّئة

____________

1- البقرة: 286.

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ب": بعشرة أمثالها.


الصفحة 310
كتبتها عليه وإن لم يعملها، وقد رفعت ذلك عن اُمّتك، فإذا همّ أحدهم بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه، وإذا همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة.

وكانت الاُمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنب أن اُحرّم عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام إليهم، وكانت الاُمم يتوب أحدهم من الذنب الواحد المائة سنة والمائتي سنة، ثمّ لم أقبل توبته دون أن اُعاقبه في الدنيا بعقوبة، وقد رفعت ذلك عن اُمّتك، وانّ الرجل من اُمّتك ليذنب المائة سنة ثمّ يتوب ويندم طرفة عين فأغفر له ذلك كلّه وأقبل توبته.

وكانت الاُمم السالفة إذا أصابهم أدنى نجس قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء طهوراً لاُمّتك من جميع الأنجاس والصعيد في الأوقات، وهذه من الآصار التي كانت عليهم ورفعتها عن اُمّتك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذ قد فعلت ذلك بي فزدني، فألهمه الله سبحانه أن قال: {ربّنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}(1) قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك باُمّتك، وقد رفعت عنهم عظيم بلايا الاُمم، وذلك حكمي في جميع الاُمم أن لا اُكلّف نفساً فوق طاقتها، قال: {واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا}(2) قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك بتأبي اُمّتك.

ثمّ قال: {فانصرنا على القوم الكافرين}(3) قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك وجعلت اُمّتك يا أحمد كالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون وهم القاهرون، يستخدمون ولا يُستخدمون لكرامتك، وحقّ عليَّ أن أظهر دينك على الأديان حتّى لا يبقى في شرق الأرض ولا في غربها دين إلاّ دينك، ويؤدّون إلى أهل

____________

1- البقرة: 286.

2- البقرة: 286.

3- البقرة: 286.


الصفحة 311
دينك الجزية وهم صاغرون، {ولقد رآه نزلة اُخرى عند سدرة المنتهى * عندها جنّة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربّه الكبرى}(1).

فهذه أعظم يا أخا اليهود من مناجاته لموسى على طور سيناء، ثمّ زاد الله محمداً صلى الله عليه وآله ان مثّل النبيّين فصلّى بهم وهم خلفه يقتدون به، ولقد عاين تلك الليلة الجنّة والنار، وعرج به إلى السماء(2) فسلّمت عليه الملائكة، فهذا أكثر من ذلك.

قال اليهودي: فإنّ الله عزوجل ألقى على موسى محبّة منه، فقال له عليّ عليه السلام: لقد كان كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله ألقى عليه محبّة منه فسماه حبيباً، وذلك انّ الله جلّ ثناؤه أرى ابراهيم صورة محمّد واُمّته فقال: يا ربّ ما رأيت من اُمم الأنبياء أنور [ولا أزهر](3) من هذه الاُمّة، فمن هذا؟ فنودي: هذا محمد حبيبي، لا حبيب لي من خلقي غيره، أجريت ذكره(4) قبل أن أخلق سمائي وأرضي، وسمّيته نبيّاً وأبوك آدم يومئذ من الطين ما أجريت فيه روحاً، ولقد ألقيت أنت معه في الذروة الاُولى، وأقسم بحياته في كتابه فقال عزوجل: {لعمرك انّهم لفي سكرتهم يعمهون}(5) أي وحياتك يا محمد، وكفى بهذا رفعة وشرفاً من الله عزوجل ورتبة.

قال اليهودي: فأخبرني بما فضّل الله به اُمّته على سائر الاُمم؟ قال عليّ عليه السلام: لقد فضّل الله اُمّته صلى الله عليه وآله على سائر الاُمم بأشياء كثيرة أنا أذكر لك منها قليلا من كثير، من ذلك قول الله عزوجل: {كنتم خير اُمّة اُخرجت

____________

1- النجم: 13-18.

2- عرج به إلى سماء سماء.

3- أثبتناه من "ب".

4- في "ج": أحببته.

5- الحجر: 72.


الصفحة 312
للناس}(1).

ومن ذلك انّه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلق في صعيد، سأل الله عزوجل النبيّين: هل بلّغتم؟ فيقولون: نعم، فيسأل الاُمم فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقول الله جلّ ثناؤه ـ وهو أعلم بذلك ـ للنبيّين: من شهداءكم اليوم؟ فيقولون: محمد واُمّته، فتشهد لهم اُمّة محمد بالتبليغ وتصدق شهادتهم شهادة محمد صلى الله عليه وآله، فيؤمنون عند ذلك، وذلك قول الله عزوجل: {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}(2) يقول: يكون محمد عليكم شهيداً انّكم قد بلّغتم الرسالة.

ومنها انّه أوّل الناس حساباً، وأسرعهم دخولا إلى الجنّة قبل سائر الاُمم كلّها، ومنها أيضاً انّ الله عزوجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات في خمس أوقات، اثنتان بالليل وثلاث بالنهار، ثمّ جعل هذه الخمس صلوات تعدل خمسين صلاة، وجعلها كفارة خطاياهم، فقال عزوجل: {انّ الحسنات يذهبن السيّئات}(3) يقول: صلوات الخمس تكفّر الذنوب ما اجتنب العبد الكبائر.

ومنها أيضاً انّ الله تبارك وتعالى جعل لهم الحسنة الواحدة التي يهمّ بها العبد ولا يعملها حسنة واحدة يكتبها له، فإن عملها كتب له عشر حسنات، وأمثالها إلى سبعمائة ضعف فصاعداً.

ومنها انّ الله عزوجل يدخل الجنّة من أهل هذه الاُمّة سبعين ألفاً بغير حساب، ووجوههم مثل القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أحسن ما يكون الكوكب الدري في اُفق السماء، والذين [قلوبهم](4) على أشدّ كوكب في السماء

____________

1- آل عمران: 110.

2- البقرة: 143.

3- هود: 114.

4- أثبتناه من "ب"، وفي "الف": يلوهم.


الصفحة 313
إضاءة، ولا اختلاف بينهم ولا تباغض بينهم.

ومنها انّ القاتل منهم عمداً إن شاء أولياء المقتول أن يعفوا عنه فعلوا، وإن شاؤوا قبلوا الدية، وعلى أهل التوراة ـ وهم أهل دينك ـ يقتل القاتل ولا يُعفى عنه ولا تؤخذ منه دية، قال الله عزوجل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة.

ومنها انّ الله عزوجل جعل فاتحة الكتاب نصفها لنفسه، ونصفها لعبده، قال الله تعالى: قسمت بيني وبين عبدي هذه السورة، فإذا قال أحدهم: {الحمد لله} فقد حمدني، وإذا قال: {ربّ العالمين} فقد عرفني، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} فقد مدحني، وإذا قال: {مالك يوم الدين} فقد أثنى عليَّ، وإذا قال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} فقد صدق عبدي في عبادتي بعدما سألني، وبقيّة هذه السورة له.

ومنها انّ الله عزوجل بعث جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله أن بشّر اُمّتك بالزين والسناء(1) والرفعة والكرامة والنصر.

ومنها انّ الله سبحانه أباحهم صدقاتهم يأكلونها، ويجعلونها في بطون فقرائهم يأكلون منها ويطعمون، وكانت صدقات من كان قبلهم من الاُمم المؤمنين(2) يحملونها إلى مكان قصي فيحرقونها بالنار.

ومنها انّ الله عزوجل جعل الشفاعة لهم خاصة دون الاُمم، والله تعالى متجاوز(3) عن ذنوبهم العظام لشفاعة نبيّهم صلى الله عليه وآله.

ومنها انّه يقال يوم القيامة: ليتقدّم الحامدون، فتتقدّم اُمّة محمد صلى الله عليه وآله قبل الاُمم، وهو مكتوب اُمّة محمد الحامدون، يحمدون الله عزوجل على كلّ منزلة ويكبّرونه على كلّ محل، مناديهم في جوف السماء لهم دوي كدوي النحل.

____________

1- في "ج": النساء.

2- في "ج": الماضين.

3- في "ج": يتجاوز.


الصفحة 314
ومنها انّ الله لا يهلكهم بجوع، ولا يجمعهم على ضلالة، ولا يسلّط عليهم عدوّاً من غيرهم، ولا يساخ ببقيّتهم، وجعل لهم الطاعون شهادة.

ومنها انّ الله جعل لمن صلّى منهم على نبيّه صلى الله عليه وآله صلاة واحدة عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، وردّ الله سبحانه عليه مثل صلاته على النبي صلى الله عليه وآله.

ومنها انّه جعلهم أزواجاً ثلاثة اُمماً، منهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، والسابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً، والظالم لنفسه مغفوراً له إن شاء الله.

ومنها انّ الله عزوجل جعل توبتهم الندم والاستغفار والترك للاصرار، وكانت بنو اسرائيل توبتهم قتل أنفسهم، ومنها قول الله عزوجل لنبيّه صلى الله عليه وآله: اُمّتك هذه مرحومة، عذابها في الدنيا الزلزلة والفقر.

ومنها انّ الله عزوجل يكتب للمريض الكبير من الحسنات على حسب ما كان يعمل في شبابه وصحّته من أعمال الخير، يقول الله سبحانه للملائكة: اكتبوا لعبدي مثل حسناته قبل ذلك مادام في وثاقي.

ومنها انّ الله عزوجل ألزم اُمّة محمد صلى الله عليه وآله كلمة التقوى، وجعل بدو الشفاعة لهم في الآخرة.

ومنها انّ النبي صلى الله عليه وآله رأى في السماء ليلة عرج به إليها ملائكة قياماً وركوعاً منذ خلقوا، فقال: يا جبرئيل هذه هي العبادة، فقال له جبرئيل: صدقت يا محمد فسل الله ربّك أن يعطي اُمّتك(1) القنوت والركوع والسجود في صلاتهم، فأعطاهم الله عزوجل ذلك، فاُمّة محمد صلى الله عليه وآله يقتدون بالملائكة الذين في السماء.

____________

1- في "ج": يعطيك.


الصفحة 315
وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ اليهود يحسدونكم على صلاتكم وركوعكم وسجودكم، فالحمد لله الذي اختصّ اُمّة محمد صلى الله عليه وآله بهذه الكرامة فبعث إليهم خير النبيّين، ووفّقهم للاقتداء بالملائكة الذين في السماوات، ونسخ بكتابهم كلّ كتاب نزل من السماء، وجعله مهيمناً على الكتب، وجعلهم يدخلون الجنّة قبل مؤمني الاُمم كلّها، كرامة من الله عزوجل ورحمة اختصّهم بها(1).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net