متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فيه بعض قضايا أمير المؤمنين عليه السلام
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[ باب ]
[ فيه بعض قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ]


في أخذ الحد. روي انّ رجلا وافى(1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين خذ حدّ الله في جنبي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ماذا صنعت؟ قال: لطت بغلام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لم توقب، قال: بل أوقبت يا أمير المؤمنين، فقال له: اختر من احدى ثلاث(2)، ضرباً بالسيف أخذ السيف منك ما أخذ، أم هدم جدار عليك، أو حرقاً بالنار.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وأيّها أشدّ تمحيصاً لذنوبي؟ فقال عليّ عليه السلام: الحرق بالنار، فقال: إنّي قد اخترته، [فنادى أمير المؤمنين بقنبر و](3) قال: يا قنبر اضرم له ناراً، فأضرم له النار فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن اُصلّي ركعتين وأحسن؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صلّ.

____________

1- في "ب": أتى.

2- في "ج": واحداً من ثلاث.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 298
قال: فتوضّأ الغلام وأسبغ ثمّ صلّى ركعتين وأحسن، فلمّا فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر، وجعل يبكي في سجوده ويدعو ويقول: (اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك، مذنب خاطئ ارتكبت من ذنبي كيت وكيت، وقد أتيت حجّتك في أرضك وخليفتك في بلادك وكشفت له عن ذنبي، فعرّفني انّ تمحيصي في احدى ثلاث خصال: ضرباً بالسيف، أو هدم جدار، أو حرقاً بالنار، اللّهمّ وقد سألته عن أشدّها تمحيصاً لذنبي فعرّفني انّ الحرق بالنار، اللّهمّ وانّي قد اخترته، وصلّ على محمد وآل محمد، واجعله تمحيصاً لي من النار).

قال: فبكى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثمّ التفت إلى أصحابه وقال: من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا، ثمّ قال له: قم يا هذا الرجل فقد غفر الله لك ذنبك، ودرأ عنك الحد، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين فحدّ الله في جنبه لا تقيمه؟ فقال: الحدّ الذي عليه لله هو للإمام، فإن شاء أقامه وإن شاء وهبه(1).

مرفوعاً إلى سلمان الفارسى رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله في المسجد إذ دخل العباس بن عبد المطلب، فسلّم فردّ النبي صلى الله عليه وآله ورحّب به، فقال: يا رسول الله بما فضل علينا عليّ بن أبي طالب أهل البيت والمعادن واحدة؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله: اذن اُخبرك يا عم، انّ الله خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم، فلمّا أراد الله عزوجل بدؤ خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثمّ تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثمّ فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من العرش، ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات فعليّ أجلّ من السماوات، ثمّ فتق من نور الحسن

____________

1- عنه البحار 79: 73 ح29.


الصفحة 299
نور الشمس ومن نور الحسين نور القمر فهما أجلّ من نور الشمس والقمر.

وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله، فلمّا أراد الله عزوجل أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.

فقال الله: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق الله نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه فقال الله عزوجل: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها.

قال سلمان: فخرج العباس فلقيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله(1).

يرفعه إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: افتخر اسرافيل على جبرئيل فقال: أنا خير منك، قال: ولم أنت خير منّي؟ قال: لأنّي صاحب الثمانية حملة العرش، وأنا صاحب النفخة في الصور، وأنا أقرب الملائكة إلى الله عزوجل.

قال جبرئيل: أنا خير منك، فقال: بما أنت خير منّي؟ قال: لأنّي أمين الله على وحيه، وأنا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين، وأنا صاحب الخسوف والقذوف(2)، وما

____________

1- عنه البحار 43: 17 ح16.

2- في "ج": الكسوف والخسوف.


الصفحة 300
أهلك الله اُمّة من الاُمم إلاّ على يديّ، فاختصما إلى الله تبارك وتعالى، فأوحى الله إليهما: اسكتا فوعزّتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما، قالا: يا ربّ أوتخلق مَن هو خير منّا ونحن خلقتنا من نور؟

قال الله تعالى: نعم، وأوحى(1) إلى القدرة أن انكشفي فانكشفت، فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين [عليهم السلام أحبّاء الله](2)، فقال جبرئيل: يا ربّ فإنّي أسألك بحقّهم عليك إلاّ جعلتني خادمهم، قال الله تعالى: قد فعلت، فجبرئيل عليه السلام من أهل البيت وانّه لخادمنا(3).

يرفعه إلى محمد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: أنا رسول الله والمبلغ عنه، وأنت وجه الله والمؤتمّ به، فلا نظير لي إلاّ أنت ولا مثلك إلاّ أنا.

وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: يا عليّ انّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك من نوره الأعظم، ثمّ رشّ من نورنا على جميع الأنوار من بعد خلقه لها، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلينا، ومن أخطأه ذلك النور ضلّ عنّا، ثمّ قرأ: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}(4) يهتدي إلى نورنا(5).

وروي مسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، من عادانا عادى الله، ومن والانا وائتمّ بنا وقبل منّا ما أوحى الله

____________

1- في "ج": أومأ.

2- أثبتناه من "ج".

3- عنه البحار 16: 364 ح68.

4- النور: 40.

5- عنه البحار 68: 44 ح90.


الصفحة 301
إلينا، وعلّمنا الله إيّاه، وأطاع الله فينا فقد وإلى الله، ونحن خير البريّة، وولدنا منّا ومن أنفسنا، وشيعتنا [معنا](1)، من آذاهم آذانا ومن أكرمهم أكرمنا، ومن أكرمنا كان من أهل الجنّة(2).

يرفعه إلى محمد بن زياد قال: سأل ابن مهران عبد الله بن العباس في تفسير قول الله: {وإنّا لنحن الصافون * وإنّا لنحن المسبّحون}(3).

قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه وآله تبسّم في وجهه وقال: مرحباً بمن خلقه الله تعالى قبل أبيه آدم(4) بأربعين ألف عام، فقلت: يا رسول الله أكان الابن قبل الأب؟ فقال: نعم، انّ الله تعالى خلقني وخلق علياً قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نوراً فقسّمه نصفين، فخلقني من نصفه وخلق علياً من النصف الآخر قبل الأشياء، فنورها من نوري ونور عليّ ثمّ جعلنا عن يمين العرش، ثمّ خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة، وهلّلنا فهلّلت الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي وتعليم عليّ، وكان ذلك في علم الله السابق انّ الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتهليل والتكبير، وكلّ شيء سبّح الله وكبّره وهلّله بتعليمي وتعليم عليّ.

وكان في علم الله السابق أن لا يدخل النار محبّ لي ولعليّ، وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنّة مبغض لي ولعليّ، ألا وإنّ الله عزوجل خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوّة من ماء الجنّة من الفردوس، فما أحد من شيعة عليّ إلاّ وهو طاهر الوالدين تقي نقي مؤمن بالله، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق الجنّة، فطرح من ذلك الماء في إنائه الذي يشرب

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- عنه البحار 68: 45 ح90.

3- الصافات: 165-166.

4- في "ج": خلقه الله تبارك وتعالى قبل كلّ شيء، خلقني الله وعلياً قبل أن يخلق آدم....


الصفحة 302
به فيشرب، وذلك الماء ينبت الايمان في قلبه كما ينبت الزرع، فهم على بيّنة من ربّهم، ومن نبيّهم، ومن وصيّي عليّ، ومن ابنتي الزهراء، ثمّ الحسن ثمّ الحسين والأئمة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

قلت: يا رسول الله ومن هم(1)؟ قال: أحد عشر منّي أبوهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذي جعل محبّة عليّ والايمان سببين(2).

مرفوعاً إلى مسعدة قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى ظهره متّكئاً على عصاه، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، ثمّ قال الشيخ: يا ابن رسول الله ناولني يدك لاُقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يبكيك يا شيخ؟

فقال: جعلت فداك أقمت [أنتظر](3) على قائمكم منذ مائة سنة، أقول هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبر سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحبّ، أراكم مقتولين مشرّدين، وأرى أعداؤكم يطيرون بالأجنحة، وكيف لا أبكي.

فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى الله عليه وآله، ونحن ثقله فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: أنا مخلف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما فلن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

فقال الشيخ: لا اُبالي بعدما سمعت هذا الخبر، ثمّ قال الشيخ: يا سيّدي

____________

1- في "ج": كم هم.

2- عنه البحار 26: 345 ح18.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 303
بعضكم أفضل من بعض؟ قال: لا نحن في الفضل سواء ولكن بعضنا أعلم من بعض، ثمّ قال: يا شيخ ألا إنّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبت على هداه المخلصون، اللّهمّ أعِنْهُم على ذلك(1).

مرفوعاً إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال: حدّثني الإمام عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن اسرافيل، عن الله تعالى، قال الله: أنا الله الذي لا إله إلاّ أنا، خالق الخلق بقدرتي، واخترت منهم من شئت نبيّاً، واخترت من جملتهم(2) محمداً حبيباً وخليلا وصفيّاً، وبعثته رسولا إلى سائر خلقي، وجعلته سيّدهم وخيرهم وأحبّهم إليّ.

واصطفيت عليّاً فجعلته أخاً له ووزيراً ووصيّاً ومؤدّياً عنه بعده إلى خلقي، وخليفته على عبادي يبيّن لهم كتابي، ويسير فيهم بحجّتي، وجعلته العلم الهادي من الضلالة، وبابي الذي اُوتي منه، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة، ووجهي الذي من توجّه به لم أصرف وجهي عنه، وحجّتي في أهل السماوات والأرض على جميع من فيهنّ من خلقي.

لا أقبل عمل عامل منهم إلاّ بالاقرار بولايته مع نبوّة أحمد، فهو يدي المبسوطة على عبادي، وعيني الناظرة إلى خلقي بالرحمة، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببت من عبادي، فمن أحبّه وتولاّه أنعمت عليه بولايته ومعرفته، فبعزّتي حلفت وبجلالي أقسمت انّه لا يتولاّه أحد من عبادي إلاّ حرّمت عليه النار وأدخلته الجنّة، ولا أبغضه أحد من عبادي أو عدل عن ولايته إلاّ أبغضته وأدخلته النار(3).

____________

1- راجع البحار 36: 408 ح17 عن كفاية الأثر.

2- في "ج": جميعهم.

3- أمالي الصدوق: 184 ح10 مجلس 39; عنه البحار 38: 98 ح17.


الصفحة 304


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net