متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خبر الأشجع بن مزاحم الثقفي ـ لقاه الله غب عمله
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[خبر الأشجع بن مزاحم الثقفي ـ لقاه الله غب عمله ـ]

بحذف الاسناد مرفوعاً إلى جابر الجعفي قال: قلّد أبو بكر الصدقات بقرى المدينة وضياع فدك رجلا من ثقيف يقال له: الأشجع بن مزاحم الثقفي وكان شجاعاً، وكان له أخ قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام في وقعة هوازن وثقيف، فلمّا خرج الرجل عن المدينة جعل أوّل قصده ضيعة من ضياع أهل البيت تُعرف بـ "بانقيا"(4).

____________

1- في "ج": يجذب.

2- أثبتناه من "ج".

3- عنه البحار 29: 161 ح37; وقطعة منه في مناقب ابن شهر آشوب 2: 290.

وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله: وفي الرواية الاُخرى زيادة، وهي هذه: فانصرفت الجماعة شاكرين له وهم متعجبّون من ذلك، فقال أبو بكر: لا تعجبوا من أبي الحسن، والله لقد كنت بجنب رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم قلع عليّ باب خيبر، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله قد ضحك حتّى بدت ثناياه، ثمّ بكى حتّى اخضلّت لحيته، فقلت: يا رسول الله أضحك وبكاء في ساعة واحدة؟ قال: نعم، أمّا ضحكي ففرحت بقلع عليّ باب خيبر، وأمّا بكائي فلعليّ عليه السلام، فإنّه ما قلعه إلاّ وهو صائم منذ ثلاثة أيّام على الماء القراح، ولو كان فاطراً على طعام لدحا به من وراء السور.

4- بانقيا: رستاق على أميال من المدينة، وهناك ناحية من نواحي الكوفة تسمّى بهذا الاسم أيضاً، كما ذكر ذلك في معجم البلدان 1: 331.


الصفحة 273
فجاء بغتة واحتوى عليها وعلى صدقات كانت لعليّ عليه السلام، فوكّل بها وتغطرس(1) على أهلها، وكان الرجل زنديقاً منافقاً، فابتدر أهل القرية إلى أمير المؤمنين عليه السلام برسول يعلمونه ما فرط من الرجل. فدعا عليّ عليه السلام بدابة له تسمّى السابح ـ وكان أهداه إليه ابن عمّ لسيف بن ذي يزن ـ وتعمّم بعمامة سوداء، وتقلّد بسيفين، واجنب إلى دابته المرتجز، وأصحب معه الحسين عليه السلام، وعمّار بن ياسر، والفضل بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن العباس حتّى وافى القرية، فأنزله عظيم القرية في مسجد يُعرف بمسجد القضاء، ثمّ وجّه أمير المؤمنين عليه السلام بالحسين عليه السلام يسأله المصير(2) إليه.

فصار إليه الحسين عليه السلام فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: ومن أمير المؤمنين؟ فقال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: أمير المؤمنين أبو بكر خلّفته بالمدينة، فقال له الحسين: فأجب عليّ بن أبي طالب، فقال: أنا سلطان وهو من العوام والحاجة له، فليصير هو إليّ.

قال له الحسين: ويلك أيكون مثل والدي من العوام ومثلك يكون سلطان، فقال: أجل لأنّ والدك لم يدخل في بيعة أبي بكر إلاّ كرهاً، وبايعناه طائعين وكنّا له غير كارهين، فشتان بيننا وبينه.

فصار(3) الحسين عليه السلام فأعلمه ما كان من قول الرجل، فالتفت إلى عمّار فقال: يا أبا اليقظان صِر إليه وألطف له في القول واسأله أن يصير إلينا، فإنّه لا يجب لوصيّ من الأوصياء أن يصير إلى أهل الضلالة، فنحن مثل بيت الله يؤتى ولا يأتي.

فصار إليه عمّار وقال: مرحباً يا أخا ثقيف، ما الذي أقدمك على مثل أمير

____________

1- الغِطريس: الظالم المتكبر.

2- في "ج": المسير.

3- في "ب": فسار.


الصفحة 274
المؤمنين في حيازته، وحملك على الدخول في مساءته، فصر إليه وأفصح عن حجّتك، فانتهر عمار وأفحش له في الكلام، وكان عمّار شديد الغضب، فوضع حمائل سيفه في عنقه فمدّ يده إلى السيف، فقيل لأمير المؤمنين عليه السلام: الحق عمّاراً فالساعة يقطّعوه.

فوجّه أمير المؤمنين بالجميع وقال لهم: لا تهابوه وصيروا به إليّ، وكان مع الرجل ثلاثون فارساً من جياد قومه(1)، فقالوا له: ويلك هذا عليّ بن أبي طالب قتلك والله وقتل أصحابك عنده دون النطفة(2)، فسكت القوم جزعاً(3) من أمير المؤمنين، فَسُحِبَ الأشجع إلى أمير المؤمنين على حرّ وجهه سحباً.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه ولا تعجلوه، فإنّ العجلة والطيش لا يقوم بها حجج الله وبراهينه، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك بما استحللت أخذ أموال أهل البيت، وما حجّتك في ذلك؟ فقال لأمير المؤمنين: وأنت فيما استحللت قتل هذا الخلق في كلّ حق وباطل، وانّ مرضاة صاحبي لهي أحبّ إليّ من اتّباع موافقتك.

فقال عليّ عليه السلام: أيْهاً عليك، ما أعرف من نفسي إليك ذنباً إلاّ قتل أخيك يوم هوازن، وليس بمثل هذا الفعل تطلب الثارات، فقبّحك الله وترحك، فقال له الأشجع: بل قبّحك الله وبتر عمرك ـ أو قال: ترحك ـ فإنّ حسدك الخلفاء لا يزال بك حتّى يوردك موارد الهلكة والمعاطب، وبغيك عليهم يقصر بك عن مرادك.

فغضب الفضل بن العباس من قوله، ثمّ تمطى عليه بسيفه فحمل عنقه(4)

____________

1- في "ج": رجلا من خيار قومه.

2- في "ج": دون النقطة.

3- في "ج": خوفاً.

4- في "ب": فجزّ عنقه.


الصفحة 275
ورماه عن جسده بساعده اليمنى، فاجتمع أصحابه على الفضل فسلّ أمير المؤمنين عليه السلام سيفه ذوالفقار، فلمّا نظر القوم إلى بريق عيني أمير المؤمنين عليه السلام ولمعان ذي الفقار في كفّه(1) رموا سلاحهم وقالوا: الطاعة الطاعة.

فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: اُفّ لكم انصرفوا برأس صاحبكم هذا الأصغر إلى صاحبكم الأكبر، فما بمثل قتلكم يطلب الثار، ولا تنقضي الأوتار، فانصرفوا ومعهم رأس صاحبهم حتّى ألقوه بين يدي أبي بكر، فجمع المهاجرين والأنصار وقال: يا معاشر الناس انّ أخاكم الثقفي أطاع الله ورسوله واُولي الأمر منكم، فقلّدته صدقات المدينة وما يليها، فغافصه(2) ابن أبي طالب فقتله أخبث(3)قتلة، ومثّل به أخبث(4) مثلة، وقد خرج في نفر من أصحابه إلى قرى الحجاز، فليخرج إليه من شجعانكم وليردوه عن سنته، واستعدوا له من رباط الخيل والسلاح وما يتهيّأ لكم، وهو من تعرفونه الداء الذي لا دواء له، والفارس الذي لا نظير له.

قال: فسكت القوم مليّاً كأنّ الطير على رؤوسهم، فقال: أخرس أنتم أم ذو ألسن؟! فالتفت إليه رجل من الأعراب يقال له: الحجاج بن السخر(5) فقال له: إن سرت إليه سرنا معك، فأمّا لو سار إليه جيشك هذا لينحرنّهم عن آخرهم كنحر البدن، ثمّ قام آخر فقال: أتعلم إلى من توجّهنا إليه، إنّك توجّهنا إلى الجزّار الأعظم الذي يختطف الأرواح بسيفه خطفاً، والله إنّ لقاء ملك الموت أسهل(6) علينا من لقاء عليّ بن أبي طالب.

____________

1- في "ج": في يده.

2- في "ج": فاعترضه.

3- في "ج": أشنع.

4- في "ج": أعظم.

5- في البحار: الصخر.

6- في "ج": أهون.


الصفحة 276
فقال ابن أبي قحافة: لا جزيتم قوم عن إمامكم خيراً، إذا ذكر لكم عليّ بن أبي طالب دارت أعينكم في وجوهكم وأخذتكم سكرة الموت، أهكذا يقال لمثلي؟! قال: فالتفت إليه عمر بن الخطاب فقال: ليس له إلاّ خالد بن الوليد، فالتفت إليه أبو بكر فقال: يا أبا سليمان أنت اليوم [سيف](1) من سيوف الله وركن من أركانه، وحتف الله على أعدائه، وقد شق عليّ بن أبي طالب عصى هذه الاُمّة، وخرج في نفر من أصحابه على ضياع الحجاز، وقد قتل من شيعتنا ليثاً [صؤولا](2)وكهفاً منيعاً، فصر إليه في كثيف من قومك وسله أن يدخل الحضرة فقد عفونا عنه، وإن نابذك الحرب فجئنا به أسيراً.

فخرج خالد في خمسمائة فارس من أبطال قومه قد اُشحنوا سلاحاً(3) حتّى قدموا على أمير المؤمنين عليه السلام، قال: فنظر الفضل بن العباس إلى غبرة الخيل من البُعد فقال: يا أمير المؤمنين قد وجّه إليك ابن أبي قحافة بقسطل(4)يدقّون الأرض بحوافر الخيل دقّاً، فقال: يا ابن العباس هوّن عليك، فلو كانوا صناديد قريش وقبائل حنين وفرسان هوازن لما استوحشت إلاّ من ضلالتهم.

ثمّ قام أمير المؤمنين عليه السلام فشدّ محزم الدابة، ثمّ استلقى نائماً على قفاه ـ تهاوناً بخالد ـ حتّى وافاه، فانتبه لصهيل الخيل فقال: يا أبا سليمان ما الذي أعدل(5) بك إليّ؟ فقال: أعدل(6) بي إليك ما أنت أعلم به منّي، فقال: فأسمعنا الآن، فقال: يا أبا الحسن أنت فهم غير مفهم، وعالم غير معلم، فما هذه اللوثة(7) التي قد

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ج": أثقلوا بالسلاح.

4- القسطل: الغبار، وهو كناية عن الجمّ الغفير.

5- في "ج": أتى.

6- في "ج": أتى.

7- اللوثة ـ بالضم ـ: الاسترخاء والبطء، ومسّ الجنون.


الصفحة 277
بدرت منك، والنبوة(1) التي قد ظهرت فيك؟!

إن كنت كرهت هذا الرجل فليس يكرهك، ولا تكوننّ ولايته ثقلا على كاهلك ولا شجاً في حلقك، فليس بعد الهجرة بينك وبينه خلاف، ودع الناس وما تولّوه، وضلّ من ضلّ وهدي من هدي، ولا تفرّق بين كلمة مجتمعة، ولا تضرم النار بعد خمودها، فإنّك إن فعلت ذلك وجدت غبّه غير محمود.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تهدّدني يا خالد بنفسك وبابن أبي قحافة؟! فما بمثلك ومثله تهديد، فدع عنك ترهاتك التي أعرفها منك، واقصد نحو ما وجّهت(2) له، قال: فإنّه قد تقدّم إليّ إن رجعت عن سنتك كنت مخصوصاً بالكرامة والحبور، وإن أقمت على ما أنت عليه من خلاف(3) الحقّ حملتك إليه أسيراً.

فقال له عليّ عليه السلام: يا ابن اللخناء وأنت تعرف الحقّ من الباطل؟! ومثلك يحمل مثلي أسيراً؟! يا ابن الرادة عن الإسلام أتحسبني ويلك مالك بن نويرة حيث قتلته ونكحت امرأته، يا خالد جئتني برقة عقلك، وتغاير نحيرتك، واكفهرار وجهك، وتشمّخ أنفك، والله لئن تمطيت بسيفي هذا عليك وعلى أوغادك لاشبعنّ من لحومكم عرج(4) الضباع، وطلس الذئاب، لست ويلك ممّن تقتلني أنت ولا صاحبك، وإنّي لأعرف قاتلي وأطلب منيّتي صباحاً ومساءً، وما مثلك يحمل مثلي أسيراً، ولو أردت ذلك لقتلتك في فناء هذا المسجد.

فغضب خالد وقال: توعد وعيد(5) الأسد وتروغ روغان الثعالب، ما أعداك في المقال، وما مثلك إلاّ من اتبع قوله بفعله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا كان

____________

1- النبوة: الرفعة.

2- في "ج": وجّهك له.

3- في "ج": مخالفة.

4- في "ب": جوع.

5- في "ب": ترعد رعيد.


الصفحة 278
هذا قولك فشأنك، وسلّ أمير المؤمنين على خالد ذا الفقار وحقّق عليه.

فلمّا نظر خالد إلى بريق عيني أمير المؤمنين عليه السلام وبريق(1) ذي الفقار في يده، وتصمّمه عليه نظر إلى الموت عياناً، فاستحقّها(2) خالد وقال: يا أبا الحسن لم نرد هذا، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بقفاء رأس ذي الفقار على ظهره فنكسه عن دابته، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام ليردّ يده إذا بدت به(3) لئلاّ يُنسب إلى الجبن.

فلحق أصحاب خالد من فعل أمير المؤمنين عليه السلام هولا عجباً وخوفاً عنيفاً(4)، ثمّ قال: ما لكم لا تكافحون عن سيّدكم، والله لو كان أمركم إليّ لتركت رؤوسكم، وهو أخفّ على يدي من جني الهبيد(5) على أيدي العبيد، وعلى هذا السبيل تقضمون مال الفيء؟ اُفّ لكم.

فقام إليه رجل من القوم يقال له المثنّى بن الصباح(6)، وكان عاقلا فقال: والله ما جئناك لعداوة بيننا وبينك، ولا عن غير معرفة بك، وإنّا لنعرفك كبيراً وصغيراً، وأنت أسد الله في أرضه، وسيف نقمته على أعدائه، وما مثلنا من جهل مثلك ونحن اتباع مأمورون، وجند موازرون، وأطواع غير مخالفين، فتبّاً لمن وجّه بنا إليك، أما كان له معرفة بيوم بدر واُحد وحنين؟!.

فاستحى أمير المؤمنين عليه السلام من قول الرجل وترك الجميع، وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يمازح خالداً لما به من ألم الضربة(7) وهو ساكت، فقال له

____________

1- في "ج": لمعان.

2- في "ج": فاستخفى.

3- في "ج": إذا رفعها.

4- في "ج": هول عجيب ورعب عنيف.

5- الهبيد: الحنظل أو حبّه.

6- في البحار: الصياح.

7- في "ج": الذي كان ساكتاً لا ينطق بكلمة من ألم الضربة، قائلا له.


الصفحة 279
أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك يا خالد ما أطوعك للخائنين الناكثين، أما كان لك بيوم الغدير مقنع إذ بدر إليك صاحبك في المسجد حتّى كان منك ما كان، فوالذي فلق الحبّة وبرئ النسمة لو كان ما رمته أنت وصاحبك(1) ابن أبي قحافة وابن الصهاك شيء لكانا هما أوّل مقتولين بسيفي هذا وأنت معهما، ويفعل الله ما يشاء.

ولا يزال يحملك على افساد حالتك عندي، فقد تركتَ الحق على معرفة وجئتني تجوب مفاوز البسابس(2) لتحملني إلى ابن أبي قحافة أسيراً بعد معرفتك انّي قاتل عمرو بن عبدود ومرحب، وقالع باب خيبر، وانّي لمستحي منكم ومن قلّة عقولكم.

أَوَتزعم أنّه قد خفي عليّ ما تقدّم به إليك صاحبك حين أخرجك إليّ وأنت تذكره ما كان منّي إلى عمرو بن معدي كرب وإلى أصيد(3) بن سلمة المخزومي، فقال لك ابن أبي قحافة: لا تزال تذكر له ذلك، وإنّما كان ذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وقد ذهب ذلك كلّه وهو الآن أقلّ من ذلك، أليس كذلك يا خالد؟!.

فلولا ما تقدّم به إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله لكان منّي إليهما وهما أعلم به منك، يا خالد أين كان ابن أبي قحافة وأنت تخوض معي المنايا في لجج الموت خوضاً، وقومك بادون في الانصراف كالنعجة القوداء والديك النافش، فاتّق الله يا خالد ولا تكن للخائنين رفيقاً(4) ولا للظالمين ظهيراً.

فقال خالد: يا أبا الحسن إنّي أعرف ما تقول، وما عدلت العرب والجماهير عنك إلاّ طلب ذحول أيّامهم(5) قديماً وتنكل رؤوسهم قريباً، فراغت عنك

____________

1- في "ج": صاحباك.

2- البسبس: القفر الخالي.

3- في البحار: أسيد.

4- في البحار: خصمياً.

5- في "ج" والبحار: آبائهم.


الصفحة 280
كروغان الثعلب فيما بين الفجاج والدكادك(1)، وصعوبة اخراج ملك من يدك، وهرباً من سيفك، وما دعاهم إلى بيعة أبي بكر إلاّ استلانة جانبه، ولين عريكته، وأمن جانبه، وأخذهم الأموال فوق استحقاقهم، وأقلّ ما تره اليوم(2) يميل إلى الحق، وأنت قد بعت الدنيا بالآخرة، ولو اجتمعت أخلاقهم إلى أخلاقك لما خالفك خالد.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما اُوتي خالداً إلاّ من قبل(3) هذا الخؤون الظلوم المفتن ابن الصهاك، فإنّه لا يزال يؤلّب على القبائل ويفزعهم منّي ويؤيسهم(4) من عطاياهم، ويذكرهم ما أنساهم الدهر، وسيعلم غب أمره إذا فاضت نفسه.

فقال خالد: يا أبا الحسن بحقّ أخيك لما قطعت هذا من نفسك، وصرت إلى منزلك مكرماً إذا كان القوم رضوا بالكفاف منك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا جزاهم الله عن أنفسهم ولا عن المسلمين خيراً.

قال: ثمّ دعا بدابته فاتبعه أصحابه وخالد يحدّثه ويضاحكه حتّى دخل المدينة، فبادر خالد إلى أبي بكر فحدّثه بما كان منه، فصار أمير المؤمنين عليه السلام إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله ثمّ صار إلى الروضة فصلّى أربع ركعات فدعا وقام يريد الانصراف إلى منزله، وكان أبو بكر جالساً في المسجد والعباس جالساً إلى جنبه.

فأقبل أبو بكر على العباس فقال: يا أبا الفضل اُدع لي ابن أخيك علياً لاُعاتبه على ما كان منه إلى الأشجع، فقال له العباس: أوليس قد تقدّم إليك

____________

1- الدكادك: الأراضي التي فيها غلظ.

2- في "ج": ولقلّ اليوم من يميل.

3- في "ب": جهة.

4- في "ج": يواسيهم.


الصفحة 281
صاحبك خالد بترك معاتبته، وإنّي أخاف عليك منه إن عاتبته ألاّ تنتصر منه، فقال أبو بكر: انّي أراك يا أبا الفضل تخوّفني منه دعني وإيّاه، فامّا ما كلّمني خالد بترك معاتبته فقد رأيته يكلّمني بكلام خلاف الذي خرج به إليه، ولا أشك إلاّ أنّه قد كان منه إليه شيء أفزعه.

فقال له العباس: أنت وذاك يا ابن أبي قحافة، فدعاه العباس فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فجلس إلى جنب العباس، فقال له العباس: انّ أبا بكر استبطاك وهو يريد أن يسألك بما جرى، فقال: يا عمّ لو دعاني لما أتيته، فقال له أبوبكر: يا أبا الحسن ما أرضى لمثلك هذا الفعال، قال: وأيّ فعل؟ قال: قتلك مسلماً بغير حق، فما تملّ من القتل قد جعلته شعارك ودثارك.

فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أمّا عتابك عليّ في قتل مسلم فمعاذ الله أن أقتل مسلماً بغير حق لأنّ من وجب عليه القتل رفع عنه اسم الإسلام، وأمّا قتلي الأشجع فإن كان اسلامك كاسلامه فقد فزت فوزاً عظيماً، أقول وما عذري إلاّ من الله، وما قتلته إلاّ عن بيّنة من ربّي، وما أنت أعلم بالحلال والحرام منّي، وما كان الرجل إلاّ زنديقاً منافقاً وانّ لفي منزله صنماً من رخام يتمسّح به ثمّ يصير إليك، وما كان من عدل الله أن يؤاخذ بقتل عبدة الأوثان والزنادقة.

وافتتح أمير المؤمنين عليه السلام الكلام، فحجز بينهما المغيرة بن شعبة وعمار بن ياسر، وأقسموا على عليّ فسكت وعلى أبي بكر فأمسك، ثمّ أقبل أبو بكر على الفضل بن العباس وقال: لو قيدتك بالأشجع لما فعلت مثلها، ثمّ قال: كيف اُقيّدك بمثله وأنت ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وغاسله.

فالتفت إليه العباس فقال: دعونا ونحن حكماء، بلغ من شأنك انّك تتعرّض لولدي وابن أخي، وأنت ابن أبي قحافة بن مرّة، ونحن بنو عبد المطلب بن هاشم أهل بيت النبوة واُولوا الخلافة، تسمّيتم بأسمائنا، ووثبتم علينا في سلطاننا، وقطعتم

الصفحة 282
أرحامنا، ومنعتم ميراثنا، ثمّ أنتم تزعمون أن لا ارث لنا وأنتم أحق وأولى بهذا الأمر منّا، فبُعداً وسُحقاً لكم أنّى تؤفكون.

ثمّ انصرف القوم وأخذ العباس بيد عليّ وجعل عليّ عليه السلام يقول: أقسمت عليك يا عمّ لا تتكلّم، وإن تكلّمت لا تتكلّم إلاّ بما يسرّه، وليس لهم عندي إلاّ الصبر كما أمرني نبيّ الله صلى الله عليه وآله، دعهم ما كان لهم يا عمّ بيوم غدير مقنع، دعهم يستضعفونا جهدهم فإنّ الله مولانا وهو خير الحاكمين.

فقال له العباس: يا ابن أخي أليس قد كفيتك، وإن شئت حتّى أعود إليه فاعرفه [مكانه](1) وأنزع عنه سلطانه، فأقسم عليه عليّ عليه السلام فأسكته(2).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net