[قوله عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني]
وبحذف الاسناد روي أنّ قوماً حضروا(3) عند أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب بالكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني فأنا لا اُسأل عن شيء دون العرش إلاّ أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلاّ مدّع أو كذّاب مفتر(4)، فقام إليه رجل من جنب مجلسه في عنقه كتاب كالمصحف ـ وهو رجل أدم ضرب طوال جعد الشعر كأنّه من يهود العرب ـ فقال رافعاً صوته لعليّ عليه السلام: يا أيّها الداعي لما
____________
1- في "ب": لا يحسن شيئاً.
2- التوحيد للصدوق: 304 ح1 باب 42; وأمالي الصدوق: 280 ح1 مجلس 55; عنهما البحار 10: 117 ح1; والاختصاص: 235.
3- في "ج": انّ يوماً حضر الناس.
4- قال المحدّث القمي رحمه الله في منتهى الآمال 1: 288: ومن الغرائب انّ مَن تفوّه بهذه الجملة بعده عليه السلام انفضح أمره وذلّ عند الناس، كما وقع هذا الأمر لابن الجوزي، ومقاتل بن سليمان، والواعظ البغدادي في عهد الناصر لدين الله العباسي... فمن أراد المزيد فليراجع الكتاب المذكور.
لا يعلم، والمتقدّم لما لا يفهم، أنا سائلك فأجب.
قال: فوثب به أصحابه وشيعته من كلّ ناحية وهمّوا به، فنهرهم عليّ عليه السلام وقال: دعوه ولا تعجلوه فإنّ الطيش(1) لا تقوم به حجج الله، ولا باعجال السائل تظهر براهين الله عزوجل، ثم التفت إلى السائل فقال: سل بكلّ لسانك ومبلغ علمك اُجبك إن شاء الله بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا يهيجنّه دنس ريب الزيغ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟ قال عليّ عليه السلام: مسافة الهوى، قال الرجل: وما مسافة الهوى؟ قال عليه السلام: دوران الفلك، قال الرجل: وما دوران الفلك؟ قال عليّ عليه السلام: مسيرة يوم للشمس، قال: صدقت، فمتى القيامة؟ قال عليّ عليه السلام: عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل.
قال الرجل: صدقت، فكم عمر الدنيا؟ قال عليّ عليه السلام: يقال سبعة(2)ثمّ لا تحديد، قال الرجل: صدقت، فأين بكّة من مكّة؟ قال عليه السلام: مكة أكناف الحرم وبكّة موضع البيت، قال الرجل: صدقت، فلم سمّيت مكة؟ قال عليه السلام: لأنّ الله عزوجل مدّ الأرض من تحتها، قال صدقت، فلم سمّيت بكة؟ قال عليّ عليه السلام: لأنّها بكّت رقاب الجبّارين وعنوق المذنبين.
قال: صدقت، فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟ قال عليه السلام: سبحان من [لا تدركه الأبصار و](3) لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته، ولا الملائكة [المقرّبون من أنوار](4) سبحات جلاله، ويحك لا يقال: الله أين، ولا فيم، ولا أي، ولا كيف.
____________
1- في "ب" و "ج": فإنّ العجلة والبطش والطيش.
2- في البحار: سبعة آلاف.
3- أثبتناه من "ج".
4- أثبتناه من البحار، وفي "ج": من زاخر رشحات جلاله.
قال الرجل: صدقت، فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟ قال عليه السلام: أتحسن تحسب؟ قال الرجل: نعم، قال للرجل: لعلّك لا تحسن أن تحسب، قال الرجل: بلى إنّي لأحسن أن أحسب، قال عليه السلام: أرأيت إن صبّ خردل في الأرض حتّى سدّ الهواء وما بين الأرض والسماء، ثمّ اُذن لك على ضعفك بنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق إلى المغرب، ومُدّ في عمرك، واُعطيت القوّة على ذلك حتّى نقلته وأحصيته، لكان ذلك أيسر من احصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء، وإنّما وصفت ذلك منتقص عشر عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء، وأستغفر الله من التقليل والتحديد.
قال: فحرّك الرجل رأسه وأنشد يقول:
أنت أصل العلم يا ذا الهدى(1) |
تجلو من الشكّ الغياهبا |
حُزت أقاصي علوماً(2) فما |
تبصر أن غولبت مغلوبا |
تقوم إن قمت مقالاته |
حولا يعانيه وقلوبا |
لا تنثني عن كلّ اُشكولة |
تبدي إذا حلت أعاجيبا |
لله درّ العلم من صاحب |
يطلب انساناً ومطلوباً(3) |
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: انّ حلقة باب الجنّة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فإذا دقّت الحلقة على الصفيحة طنّت وقالت: يا عليّ(4).
وعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعليّ بن أبي طالب، وعليّ بن أبي طالب أفضل لكم من كتاب الله،
____________
1- في "ب": أنت أهل العلم يا هادي الهدى.
2- في "ج": كلّ علم.
3- عنه البحار 10: 126 ح6.
4- أمالي الصدوق: 471 ح13 مجلس 86; عنه البحار 39: 235 ح18.
لأنّه يترجم لكم كتاب الله(1).
>>>>>>
|