[جوابه عليه السلام عن مسائل أحبار اليهود، وفيه خبر أصحاب الكهف]
بحذف الاسناد مرفوعاً إلى ابن عباس قال: لمّا ولى عمر بن الخطاب الخلافة أتاه أقوام من أحبار اليهود فقالوا: يا عمر أنت وليّ الأمر بعد محمد؟ قال: نعم، قالوا: نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام، وعلمنا انّ دين الإسلام حق، وانّ محمداً كان نبيّاً، وإن لم تخبرنا بها علمنا انّ دين الإسلام باطل، وانّ محمداً لم يكن نبيّاً، قال عمر: سلوا عمّا بدا لكم ولا قوّة إلاّ بالله.
قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي، وأخبرنا عن مفاتيح هذه الأقفال ما هي، و[أخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو](1)، وأخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجنّ ولا من الانس، وأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض لم تخلق في الأرحام، وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه، وما يقول الديك في صدحه، وما يقول الفرس في صهيله، وما يقول الحمار في نهيقه، وما يقول الضفدع في نقيقه، وما يقول القبّر(2) في أنيقه.
قال: فنكس عمر رأسه في الأرض، ثمّ رفع رأسه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلاّ عندك، فإن كان لها جواب فأجب، فقال لهم عليّ عليه السلام: سلوا عمّا بدا لكم ولي عليكم شريطة، قالوا: فما شريطتك؟ قال عليه السلام: إذا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا، قالوا: نعم، قال عليه السلام: سلوني عن خصلة خصلة.
فقالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ قال عليه السلام: أمّا أقفال السماوات فهو(3) الشرك بالله، فإنّ العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما إلى الله
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- في "ج": القنبرة.
3- في "ب": فهي.
عزوجل عمل، فهذه أقفال السماوات، قالوا: أخبرنا عن مفاتيح هذه الأقفال، قال عليه السلام: مفاتيحها شهادة(1) أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله.
قالوا: أخبرنا عن قبر سار بصاحبه، قال: ذلك الحوت حين ابتلع يونس بن متّى فدار به في البحار السبعة، قالوا: فأخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجن ولا من الانس، قال: تلك نملة سليمان إذ قالت: يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده، قالوا: أخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على الأرض لم يُخلقوا في الأرحام، قال عليه السلام: ذاك آدم، وحوّاء، وناقة صالح، وكبش ابراهيم، وعصى موسى عليه السلام.
قالوا: أخبرنا ما يقول الدرّاج في صياحه، قال: يقول: الرحمن على العرش استوى، قالوا: أخبرنا ما يقول الديك في صدحه، قال: فإنّه يقول: اذكروا الله يا غافلين، قالوا: أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله، قال: يقول: اللّهمّ انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين، قالوا: أخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه، قال: الحمار يلعن العشار(2) وينهق في أعين الشياطين.
قالوا: أخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه، قال: الضفدع يقول: سبحان ربّي المعبود المسبَّح في لجج البحار، قالوا: فأخبرنا ما يقول القبّر(3) في أنيقه، قال: يقول: اللّهمّ العن مبغض محمد ومبغض آل محمد ومبغض أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.
قال: وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان وقالا: نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، قال: فوقف الحبر الآخر(4) فقال: يا عليّ لقد وقع في قلبي ما
____________
1- في "ج": أشهد.
2- في "ج": العشارين.
3- في "ج": القنبرة.
4- في "ب": الثالث.
وقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة، أخبرني عن قوم كانوا في أوّل الزمان، فماتوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ثمّ أحياهم الله، ما كانت قصّتهم؟
فابتدأ عليه السلام فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أراد أن يقرأ سورة الكهف فقال اليهودي: ما أكثر ما سمعنا قراءتكم(1)، فإن كنت فاعلا(2) فأخبرنا بقصّة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم، واسم كلبهم، واسم كهفهم، واسم ملكهم، واسم مدينتهم.
فقال عليّ عليه السلام: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، يا أخا اليهود حدّثني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله انّه كان بأرض الروم مدينة يقال لها: "اقسوس"، وكان لها ملك صالح، فمات ملكهم وتشتّت أمرهم(3) واختلفت كلمتهم، فسمع بهم ملك من ملوك الفارس يقال له: "دقيانوس" فأقبل في مائة ألف حتّى دخل مدينة "اقسوس" فاتّخذها دار مملكته، واتّخذ فيها قصراً طوله فرسخ في عرض فرسخ، واتّخذ في ذلك القصر مجلساً طوله ألف ذراع في عرض ذلك من الزجاج الممرّد.
واتّخذ في المجلس أربعة آلاف اُسطوانة من ذهب، واتّخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج بأطيب الأدهان، واتّخذ في شرقي المجلس ثمانين كوّة وفي غربيّه ثمانين كوّة، وكانت الشمس إذا طلعت تدور في المجلس كيف ما دارت، واتّخذ سريراً من ذهب [طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً](4) له قوائم من فضة مرصّعة بالجواهر وعلاه بالنمارق، واتّخذ عن يمين السرير ثمانين كرسياً من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته، واتّخذ عن يسار السرير ثمانين كرسياً من الفضة مرصّعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته،
____________
1- في "ج": من قرآنكم.
2- في "ج": عالماً.
3- في "ج": تشتّتت اُمورهم.
4- أثبتناه من "ج".
ثمّ جلس على السرير فوضع التاج على رأسه.
قال: فوثب اليهودي فقال: يا أمير المؤمنين ممّ كان تاجه؟ فقال عليه السلام: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، كان تاجه من الذهب المشبّك له شبه سبعة أركان، على كلّ ركن لؤلؤة بيضاء [تضيء](1) كضوء المصباح في الليلة الظلماء، واتّخذ خمسين غلاماً من أولاد الهراقلة فقرطقهم بقراطق(2) الديباج الأحمر، وسرولهم سراويلات من الفرند الأخضر، وتوّجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم أعمدة من الذهب وأوقفهم على رأسه، واتّخذ ستّة أغلمة(3) من أولاد العلماء واتّخذهم وزراءه، فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره.
قال اليهودي: ما كان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه والثلاثة الذين عن يساره؟ فقال عليه السلام: أمّا الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكان أسماؤهم: تمليخا ومكسلمينا ومحسمينا(4)، وأمّا الثلاثة الذين كانوا عن يساره فكانت أسماؤهم: مرطوس وكينطوس وسارينوس(5)، وكان يستشيرهم في جميع اُموره.
قال: وكان يجلس كلّ يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، قال: ويدخل ثلاثة أغلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المشرق(6)، وفي يد الآخر جام من فضّة مملوء من ماء الورد، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر.
قال: فإذا نظر إلى ذلك الطائر صفر به، فيطير الطير(7) حتّى يقع في جام ماء
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- في "ج": فقرطهم بقراط.
3- في "ج": غلمان.
4- في "ج": مجسلينا.
5- في "ب": مرطوس وكسطوس وسارسوس. وفي "ج": مرنوس وديرنوس وشاذرنوس.
6- في "ج": المسحوق.
7- في "ج": الطائر.
الورد، فيتمرّغ فيه فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه، ثمّ يصفر به الثانية، فيطير الطائر حتّى يقع في جام المسك، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه، ثمّ يصفر به الثالثة فيطير الطائر على تاج الملك فينفض ريشه وجناحيه على رأس الملك.
فلمّا نظر(1) الملك إلى ذلك عتا(2) وتجبّر وادّعى الربوبية من دون الله عزوجل، قال: فدعا إلى ذلك وجوه قومه، فكلّ من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه، وكلّ من لم يتابعه قتله، فاستجاب له اُناس فاتّخذ لهم عيداً في كلّ سنة مرّة(3)، فبينما هم ذات يوم في عيدهم والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن شماله إذا ببطريق من بطارقته قد أخبره انّ عساكر الفرس قد غشيته، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً حتّى سقط التاج عن ناصيته(4).
فنظر إليه أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له "تمليخا" فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلهاً كما يزعم ما كان يغتمّ ولا كان يفزع، ولا كان يبول ولا يتغوّط، ولا كان ينام ولا كان يستيقظ، وليس هذا من فعل الآلهة.
قال: وكان الفتية الستّة كلّ يوم عند أحدهم يأكلون ويشربون، وكان ذلك اليوم يوم(5) تمليخا، فاتّخذ لهم من أطيب الطعام وأعذب الشراب، فطعموا وشربوا ثمّ قال: يا اخوتاه قد وقع في نفسي شيء قد منعني الطعام والشراب والمنام، قالوا: وما ذلك يا تمليخا؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظاً بلا علاقة من فوقها ولا دعائم من تحتها؟ ومن أجرى فيها شمساً وقمراً نيّران مضيئان(6)؟ ومن زيّنها بالنجوم؟
____________
1- في "ب": رأى.
2- في "ب" و "ج": طغى.
3- في "ب": مرّتين.
4- في "ج": رأسه.
5- في "ج": وكانوا في ذلك اليوم عند تمليخا.
6- في "ج": آيتين مبصرتين.
ثمّ أطلت الفكر في هذه الأرض فقلت: من سطحها على صميم الماء الزاخر؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كلّ شيء، وأطلت فكري في نفسي فقلت: من أخرجني جنيناً من بطن اُمّي؟ ومن غذّاني؟ ومن ربّاني في بطنها؟ انّ لهذا صانعاً ومدبراً غير دقيانوس الملك، وما هو إلاّ ملك الملوك وجبّار السماوات.
فأكبّت(1) الفتية على رجليه يقبّلوهما ويقولون له: قد هدانا الله من الضلالة إلى الهدى بك فأشر علينا، قال: فوثب تمليخا فباع تمراً من حائط له بثلاثة دراهم(2) وصرّها في كمّه وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة، فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال تمليخا: يا اخوتاه ذهب ملك الدنيا وزال أمرها انزلوا عن خيولكم، وامشوا على أرجلكم [لعلّ الله يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً، فنزلوا عن خيولهم](3)، ومشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم، فجعلت أرجلهم تقطر دماً.
قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيّها الراعي هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي: عندي ما تحبّون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنّكم إلاّ هرابا من دقيانوس الملك، فقالوا: يا أيّها الراعي لا يحلّ لنا الكذب، أفينجينا معك الصدق؟ قال: نعم، فأخبروه بقصّتهم، فأكبّ الراعي على أرجلهم يقبّلها وقال: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتّى أردّ الأغنام على أربابها وألحق بكم، فوقفوا له فردّ الأغنام وأقبل يسعى يتبعه كلب له.
فقال اليهودي: يا عليّ ما كان اسم الكلب وما لونه؟ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود أمّا لون الكلب فكان أبلق بسواد، وأمّا اسمه فكان قطمير، فلمّا نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض: إنّا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه،
____________
1- في "ج": قال: فانكبّت.
2- في "ج": بثلاثة آلاف درهم.
3- أثبتناه من "ج".
فألحّوا عليه بالحجارة، فلمّا نظر الكلب إليهم قد ألحّوا عليه بالطرد أقعى على ذنبه وتمطى، ونطق بلسان طلق ذلق وهو ينادي: يا قوم لِمَ تطردوني(1) وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له؟ ذروني أحرسكم عن عدوّكم، قال: فجعلوا يبتدرونه فحملوه على أعناقهم.
قال: فلم يزل الراعي يسير بهم حتّى علا بهم جبلا، فانحطّ بهم على كهف يقال له "الوصيد" فإذا بازاء الكهف عين وأشجار مثمرة، فأكلوا من الثمرة وشربوا من الماء، وجنّهم الليل فآووا إلى الكهف، فأوحى الله جلّ جلاله إلى ملك الموت أن يقبض أرواحهم، ووكّل الله عزوجل بكلّ رجل منهم ملكين يقلبانهم ذات اليمين إلى ذات الشمال ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين، فأوحى الله إلى خزّان الشمس وكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال.
فلمّا رجع دقيانوس من عيده سأل عن الفتية فاُخبر انّهم خرجوا هرابا، فركب في ثمانين ألف حصان، فلم يزل يقفو أثرهم حتّى علا الجبل وانحطّ إلى الكهف، فلمّا نظر إليهم إذا هم نيام، فقال الملك: لو أردت أن اُعاقبهم بشيء ما عاقبتهم بأكثر ما عاقبوا به أنفسهم ولكن ائتوني بالبنائين، وسدّ باب الكهف بالكلس(2) والحجارة، ثمّ قال لأصحابه: قولوا لهم يقولون لإلههم الذي في السماء يذهب بهم(3) إن كانوا صادقين أن يخرجهم من هذا الموضع.
ثمّ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر اسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح، قال: فنفخ فقاموا من رقدتهم، فلمّا أن بزغت الشمس قال بعضهم لبعض: قد غفلنا هذه الليلة عن عبادة
____________
1- في "ب": أتطردوني.
2- الكِلْسُ: مثل الصاروج يُبنى به، وقيل: الكلس ما طُلي به حائط أو باطن قصر شبه الجِصّ من غير آجر. (لسان العرب)
3- في "ج": لينجيهم ممّا بهم.
إله السماوات، فقاموا فإذا العين قد غارت والأشجار قد جفّت، فقال بعضهم لبعض: إنّ في أمرنا لعجباً، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة، ومثل تلك الأشجار قد جفّت في ليلة.
قال: ومسّهم الجوع فقالوا: ابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيّها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه، وليتلطّف ولا يشعرنّ بكم أحداً، فقال لهم تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري، ولكن ادفع إليّ أيّها الراعي ثيابك، قال: فدفع الراعي ثيابه إليه ومضى إلى المدينة، فجعل يرى مواضع لا يعرفها وطرقاً هو منكرها حتّى أتى باب المدينة، وإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه بصفرة: "لا إله إلاّ الله عيسى رسول الله [وروحه](1)".
قال: فجعل ينظر إلى العلم ويمسح عينيه ويقول: كأنّي نائم، ثمّ دخل المدينة حتّى أتى السوق، فإذا رجل خبّاز فقال: أيّها الخبّاز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال: اقسوس، قال: وما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمن، قال: يا هذا حرّكني كأنّي نائم، فقال الخبّاز: أتهزأ بي؟ تكلّمني وأنت نائم، فقال تمليخا للخبّاز: فادفع إليّ بهذا الورق طعاماً.
قال: فتعجّب الخبّاز من ثقل الدرهم ومن كبره، قال: فوثب اليهودي وقال: يا عليّ وما كان وزن كلّ درهم؟ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود كان وزن كلّ درهم منها عشرة دراهم وثلثي درهم، فقال له الخباز: يا هذا انّك أصبت كنزاً؟ فقال تمليخا: ما هذه إلاّ ثمن تمرة بعتها منذ ثلاث، وخرجت من هذه المدينة وتركت الناس يعبدون دقيانوس الملك، فغضب وقال: ألا تعطيني بعضها وتنجو، تذكر رجلا خمّاراً(2) كان يدّعي الربوبية قد مات أكثر من ثلاثمائة سنة.
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- في "ب": جبّاراً.
قال: فتثبت بتمليخا حتّى أدخله على الملك فقال: ما شأن هذا الفتى؟ قال الخباز: هذا الرجل أصاب كنزاً، قال له الملك: يا فتى لا تخف فإنّ نبيّنا عيسى بن مريم عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلاّ خمسها، فأعطني خمسها وامض سالماً.
قال تمليخا: انظر أيّها الملك في أمري ما أصبت كنزاً، أنا من أهل هذه المدينة، فقال له الملك: أنت من أهلها؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها أحداً؟ قال: نعم، قال: فسمّ، قال: فسمّى تمليخا نحواً من ألف رجل لا يعرف منهم رجل واحد، قال(1): ما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا، قال: فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال: نعم، اركب أيّها الملك معي.
قال: فركب الناس معه فأتى بهم أرفع باب دار بالمدينة، فقال تمليخا: هذه الدار داري، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر فقال: ما شأنكم؟ فقال له الملك: أتينا بالعجب، هذا الغلام يزعم انّ هذه الدار داره، فقال له الشيخ: من أنت؟ فقال: أنا تمليخا قسطيطين(2).
قال: فأكبّ الشيخ على رجليه يقبّلها ويقول: هذا جدّي وربّ الكعبة، فقال: أيّها الملك هؤلاء الستّة الذين خرجوا هرابا من دقيانوس الملك، قال: فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه، وجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه، فقال: يا تمليخا ما فعل أصحابك؟ فأخبرهم انّهم في الكهف ـ وكان يومئذ بالمدينة واليها ملكان: ملك مسلم وملك نصراني ـ فركبا أصحابهما.
فلمّا صاروا قريباً من الكهف قال لهم تمليخا: يا قوم إنّي أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيل فيظنّوا أنّ دقيانوس الملك قد جاء في طلبهم، ولكن
____________
1- زاد في "ج": قال: ما اسمك؟ قال: اسمي تمليخا، قال:....
2- في "ج": تمليخا بن قسطين.
أمهلوني حتّى أتقدّم فاُخبرهم، قال: فوقف الناس وأقبل تمليخا حتّى دخل الكهف، فلمّا نظروا إليه اعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجّاك من دقيانوس.
قال تمليخا: دعوني عنكم وعن دقيانوس، كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، قال تمليخا: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين، وقد مات دقيانوس وذهب قرن بعد قرن، وبعث الله عزوجل نبيّاً يقال له المسيح عيسى بن مريم، ورفعه الله عزوجل إليه، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه، قالوا: يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا: فما تريدون؟ قالوا: تدعو(1) الله وندعوه معك أن يقبض أرواحنا، ويجعل عشانا عنده في الجنّة.
قال: فرفعوا أيديهم وقالوا: إلهنا بحقّ ما اُتينا(2) من الدين فمر بقبض أرواحنا، فأمر الله عزوجل بقبض أرواحهم، وطمس الله عزوجل على باب الكهف عن الناس، وأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيّام لا يجدان للكهف باباً، فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف مسجداً، قال النصراني: لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف ديراً، فاقتتلا فغلب المسلم النصراني وبنى على باب الكهف مسجداً.
ثمّ قال عليّ عليه السلام: سألتك بالله يا يهودي أيوافق ما في توراتكم؟ فقال اليهودي: والله ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وأنّك يا أمير المؤمنين وصيّ رسول الله، فأسلم، وهذا ما انتهى إلينا من حديث أهل الكهف، والحمد لله حقّ حمده وصلّى الله على محمد وآله(3).
____________
1- في "ج": اُدع.
2- في "ج": آتيناه.
3- راجع عرائس المجالس: 371; وكشف اليقين: 431; وقصص الأنبياء للراوندي: 255 ح300; عنه البحار 14: 411 ح1; وتفسير البرهان 2: 460 ح2; والتحصين: 642 باب 27.
|