[في جوابه عليه السلام عن مسألة يهودي آخر]
وبحذف الاسناد مرفوعاً إلى الصادق عليه السلام قال: لمّا بايع الناس عمر بعد وفاة أبي بكر أتاه رجل من شبّان اليهود وهو في المسجد، فسلّم عليه والناس حوله فقال: يا عمر(2) دلّني على أعلمكم بالله وبرسوله وبكتابه وسنّته، فأومأ إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: هذا.
فتحوّل الرجل إلى عليّ عليه السلام فسأله: أنت كذلك؟ فقال: نعم، فقال: انّي أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، قال: أفلا قلت عن سبع؟ قال اليهودي: لا، إنّما أسألك عن ثلاث فإن أصبت(3) فيهنّ سألتك عن ثلاث بعدها، وإن لم تصب لم أسألك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني إذا أجبتك بالصواب والحقّ تعرف ذلك ـ وكان الفتى من علماء اليهود وأحبارها، يروون(4) انّه من ولد هارون أخي موسى بن عمران ـ؟ فقال: نعم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: بالله الذي لا إله إلاّ هو لئن أجبتك بالصواب والحق لتسلمنّ وتدع اليهودية؟ فحلف له وقال: ما جئتك إلاّ مرتاداً اُريد الإسلام، فقال: يا هاروني سل عمّا بدا لك تخبر إن شاء الله تعالى.
[قال اليهودي](5): فأخبرني عن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض، وعن أوّل عين نبعت في الأرض، وعن أوّل حجر وضع على وجه الأرض، فقال أمير
____________
1- عنه البحار 30: 86 ح3.
2- في "الف": يا أمير المؤمنين.
3- في "ب": أجبت.
4- في "ج": يرون.
5- أثبتناه من "ج".
المؤمنين عليه السلام: أمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإنّ أهل الأرض يزعمون انّها الزيتونة وكذبوا، إنّها هي النخلة وهي العجوة، هبط بها آدم من الجنّة فغرسها، وأصل النخل كلّه منها.
وأمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون انّها العين التي في بيت المقدس تحت الحجر وكذبوا، بل هي عين الحياة التي انتهى موسى وفتاه اليها، فغسلا فيها السمكة(1) فحييت، وليس من ميّت يصيبه ذلك الماء إلاّ حيي، وكان الخضر عليه السلام شرب منها ولم يجدها ذو القرنين.
وأمّا أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون انّه الحجر الذي في بيت المقدس وكذبوا، إنّما هو الحجر الأسود هبط به آدم من الجنّة، فوضعه على الركن والناس يستلمونه، وكان أشدّ بياضاً من الثلج فاسودّ من خطايا بني آدم.
قال: فأخبرني كم لهذه الاُمّة من امام هدى، هادين مهديّين، لا يضرّهم خذلان من خذلهم؟ وأين منزل محمد من الجنّة؟ ومن معه من اُمّته في الجنّة؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا قولك كم لهذه الاُمة من امام هدى، وأين منزل محمد من الجنّة، ومن معه من اُمّته في الجنّة، فإنّ أئمة الهدى اثنا عشر، امّا منزل محمد صلّى الله عليه وآله ففي أشرف الجنان وأفضلها وجنّة عدن، وأمّا الذين معه فهؤلاء الأئمة الاثني عشر أئمة الهدى.
قال الفتى: صدقت، فوالله الذي لا إله إلاّ هو انّه لمكتوب عندي باملاء موسى وخطّ هارون بيده، قال: فأخبرني كم يعيش وصيّ محمد بعده، وهل يموت موتاً أو يُقتل قتلا؟ قال له: ويحك أنا وصيّ محمد، أعيش بعده ثلاثين لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً(2)، ثمّ يبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة صالح، فيضربني ضربة في قرني
____________
1- في "ج": السمكة المالحة.
2- قال العلامة المجلسي رحمه الله في ذيل الحديث: أقول: ليس هذا في أكثر الروايات، ويشكل تصحيحه لعدم اتحاد يومي وفاتهما صلوات الله عليهما، ويمكن أن يقال بناء الثلاثين على التقريب وقوله عليه السلام: "لا يزيد" استئناف لبيان انّ الموعد الذي وعدت لك لا يتخلّف وأعلمه بحيث لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، وقيل: الضمير راجع إلى كتاب هارون، وربّما يُقرأ تزيد وتنقص على صيغة الخطاب [أقول: كما هو في نسخة "ب" ]أي انّك رأيت في كتاب أبيك هارون ثلاثين سنة فتتوهّم انّه لا كسر فيها، وليس ذلك بل هو مبني على إتمام الكسر، ولا يخفى بعدها.
فتخضب منه لحيتي، ثمّ بكى عليّ عليه السلام بكاءً شديداً، قال: فصرخ الفتى وقطع سبحته(1) وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، [وأنّك وصيّه وخليفته، وهادي الاُمّة، ومحيي السنّة من بعده](2) والحمد لله ربّ العالمين(3).
>>>>>>
|