متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي بكر في مسجد قبا
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي بكر في مسجد قبا]

وروي عن الصادق عليه السلام: انّ أبا بكر لقى أمير المؤمنين عليه السلام في سكة [من سكك](1) بني النجار، فسلّم عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن أفي نفسك شيء من استخلاف الناس إيّاي، وما كان من يوم السقيفة وكراهيتك للبيعة، والله ما كان ذلك من ارادتي إلاّ انّ المسلمين أجمعوا على أمر لم يكن لي أن اُخالف عليهم فيه، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: لا تجتمع اُمّتي على الضلال.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر اُمّته الذين أطاعوه في عهده من بعده، وأخذوا بهداه، وأوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولم يبدّلوا ولم يغيّروا، قال له أبوبكر: والله يا عليّ لو شهد عندي الساعة من أثق به إنّك أحق بهذا الأمر سلّمته إليك رضى من رضى، وسخط من سخط.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر فهل تعلم أحداً أوثق من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن، وعلى جماعة معك وفيهم عمر وعثمان، في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت اُمّ سلمة، ويوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع، فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله.

فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين؟ فقلتم بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين، فقال لكم: فليشهد بعضكم على بعض وليبلغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع، فقلتم: نعم يا رسول الله، وقمتم بأجمعكم تهنّون رسول الله صلّى الله عليه وآله وتهنّوني بكرامة الله لنا، فدنى عمر وضرب على كتفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي(2)

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "الف": مولانا.


الصفحة 97
ومولى المؤمنين.

فقال أبو بكر: لقد ذكّرتني أمراً يا أبا الحسن لو يكون رسول الله صلّى الله عليه وآله شاهداً فأسمع منه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: الله ورسوله عليك من الشاهدين يا أبا بكر إن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله حيّاً يقول لك إنّك ظالم لي في أخذ حقّي الذي جعله الله ورسوله لي دونك ودون المسلمين، أن تسلّم هذا الأمر لي، وتخلع نفسك منه؟.

فقال أبو بكر: يا أبا الحسن وهذا يكون أن أرى رسول الله صلّى الله عليه وآله حيّاً بعد موته ويقول لي ذلك؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: نعم يا أبابكر، قال: فأرني ذلك إن كان حقّاً، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: والله ورسوله عليك من الشاهدين إنّك تفي بما قلت؟ قال أبو بكر: نعم.

فضرب أمير المؤمنين عليه السلام على يده وقال: تسعى معي نحو قبا، فلمّا ورداه تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه، فإذا هم برسول الله صلّى الله عليه وآله جالس في قبلة المسجد، فلمّا رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشيّ عليه، فناداه رسول الله صلّى الله عليه وآله: ارفع رأسك أيّها الضليل المفتون، فرفع أبو بكر رأسه وقال: لبيك يا رسول الله، أحياة بعد الموت يا رسول الله؟.

فقال له: ويلك يا أبا بكر إنّ الذي أحياها لمحيي الموتى إنّه على كلّ شيء قدير، قال: فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: ويلك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليه في المواطن الأربعة لعليّ عليه السلام؟ فقال: ما أنساها(1) يا رسول الله.

فقال: ما بالك اليوم تناشد عليّاً فيها ويذكرك فتقول: نسيت، وقصّ عليه

____________

1- في "ج": ما نسيتها.


الصفحة 98
رسول الله صلّى الله عليه وآله ما جرى بينه وبين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى آخره، فما نقص منه كلمة ولا زاد فيه كلمة، فقال أبو بكر: يا رسول الله فهل من توبة؟ وهل يعفو الله عنّي إذا سلّمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟ قال: نعم يا أبابكر، وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت.

قال: وغاب رسول الله صلّى الله عليه وآله عنهما، فتشبّث أبو بكر بأمير المؤمنين عليه السلام وقال: الله الله فيّ يا عليّ، سر معي إلى منبر رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى أعلو المنبر فأقص على الناس ما شاهدت ورأيت من أمر رسول الله، وما قال لي وما قلت له وما أمرني به، وأخلع نفسي من هذا الأمر واُسلّمه إليك.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنا معك إن تركك شيطانك، فقال أبوبكر: إن لم يتركني تركته وعصيته، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذن تطيعه ولا تعصيه، وإنّما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجة عليك.

وأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأبو بكر يخفق بعضه بعضاً ويتلوّن ألواناً، والناس ينظرون إليه ولا يدرون ما الذي كان حتّى لقيه عمر، فقال له: يا خليفة رسول الله ما شأنك، وما الذي دهاك؟ فقال أبو بكر: خلّ عنّي يا عمر، فوالله لا سمعت لك قولا، فقال له عمر: وأين تريد يا خليفة رسول الله؟ فقال أبو بكر: اُريد المسجد والمنبر.

فقال: هذا ليس وقت صلاة ومنبر، قال: خلّ عنّي فلا حاجة لي في كلامك، فقال عمر: يا خليفة رسول الله أفلا تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء؟ قال: بلى، ثمّ التفت أبو بكر إلى عليّ عليه السلام فقال: يا أبا الحسن تجلس إلى جانب المنبر حتّى أخرج إليك، فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ قال له: يا أبابكر قد قلت لك انّ شيطانك لا يدعك أو يرديك، ومضى أمير المؤمنين عليه السلام وجلس بجانب المنبر.


الصفحة 99
فدخل أبو بكر منزله ومعه عمر، فقال له: يا خليفة رسول الله لم لا تنبئني أمرك، وتحدّثني بما دهاك به عليّ بن أبي طالب؟ فقال أبو بكر: ويحك يا عمر يرجع رسول الله بعد موته حيّاً فيخاطبني في ظلمي لعليّ وبردّ حقّه عليه وخلع نفسي من هذا الأمر، فقال له عمر: قص عليّ قصّتك من أوّلها إلى آخرها، فقال له أبو بكر: ويحك يا عمر والله قد قال لي عليّ إنّك لا تدعني أخرج من هذه المظلمة، وإنّك شيطاني فدعني عنك.

فلم يزل يرقبه(1) إلى أن حدّثه بحديثه كلّه، فقال له: يا أبا بكر أنسيت شعرك من أوّل شهر رمضان فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان، وسهل بن حنيف، ونعمان الأزدي، وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلى دارك ليقضيك(2) ديناً عليك، فلمّا انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار، فوقفوا بالباب ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا اُمّ بكر زوجتك تناشدك وتقول: قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك، قم إلى داخل البيت وأبعد عن الباب لا يسمعك بعض أصحاب محمد فيهدر دمك، فقد علمت انّ محمداً قد أهدر دم من أفطر يوماً من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافاً على الله وعلى محمد.

فقلت لها: هات لا اُمّ لك فضل طعامي من الليل، وأترعي(3) الكأس من الخمر، وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما، فجاءت بصحفة(4) فيها طعام من الليل وقعب مملوء خمراً، فأكلتَ من الصحفة وكرعتَ الخمر في ضحى النهار وقلتَ لزوجتك هذا الشعر:

____________

1- رقبه: انتظره. (القاموس)

2- في "ج": ليتقاضونك.

3- أترعه: ملأه. (القاموس)

4- في "الف" و "ب": صحيفة.


الصفحة 100

ذريني أصطبح(1) يا اُمّ بكر فإنّ الموت نقب عن هشام

إلى أن انتهيت في شعرك:


يقول لنا ابن كبشة سوف نُحيى وكيف حياة أشلاء(2) وهام
ولكن باطل قد قال هذا وإفك من زخاريف الكلام
ألا هل مبلغ الرحمن عنّي بانّي تارك شهر الصيام
وتارك كلّما أوحى إلينا محمد من أساطير الكلام
فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعني طعامي
ولكن الحكيم رأى حميراً فألجمها فتاهت في اللجام

فلمّا سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمداً قمحوا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها، فقالوا لك: يا عدوّ الله خالفت الله ورسوله، وحملوك كهيأتك إلى مجمع الناس بباب رسول الله، وقصّوا عليه قصّتك، وأعادوا شعرك.

فدنوت منك وشاورتك وقلت لك في ضجيج الناس: قل إنّي شربت الخمر ليلا فثملتُ(3) فزال عقلي فأتيت ما أتيته نهاراً ولا علم لي بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحدّ، وخرج محمد فنظر إليك فقال: استيقضوه، فقلت: رأيناه وهو ثمل يا رسول الله لا يعقل، فقال: ويحكم الخمر يزيل العقل، تعلمون هذا من أنفسكم فأنتم تشربونها، فقلنا: نعم يا رسول الله، وقد قال فيها امرء القيس الشاعر:


شربت الخمر حتّى زال عقلي كذاك الاثم(4) يفعل بالعقول

____________

1- اصطَبَحَ: أسرج وشرب الصبوح. (القاموس)

2- أشلاء الإنسان: أعضاؤه بعد البلى والتفرّق.

3- الثمل: السكر. (القاموس)

4- في "ب" و "ج": الخمر.


الصفحة 101
ثمّ قال محمد: اُنظروا إلى افاقته من سكرته، فأمهلوك حتّى أريتهم انّك قد صحوت، فساءلك محمد فأخبرته بما أوعزته إليك من شربك لها بالليل، فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وما جاء به وهو عندنا ساحر كذّاب؟

فقال: ويحك(1) يا أبا حفص لا شكّ عندي فيما قصصته عليّ، فاخرج إلى ابن أبي طالب فاصرفه عن المنبر.

قال: فخرج عمر وأمير المؤمنين عليه السلام جالس بجنب المنبر، فقال: ما بالك يا عليّ قد تصدّيت لها، هيهات هيهات دون والله ما تروم من علوّ هذا المنبر خرط القتاد، فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام حتّى بدت نواجذه ثمّ قال: ويلك منها والله يا عمر إذا أفضت إليك، والويل للاُمّة من بلائك.

فقال عمر: هذه بشرى يا ابن أبي طالب صدقت ظنونك وحقّ قولك، وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام إلى منزله وكان هذا من دلائله عليه السلام(2).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net