متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجمع بين الفضائل المتضادّات
الكتاب : إرشاد القلوب ج2    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

[الجمع بين الفضائل المتضادّات]

ومن فضائله صلوات الله عليه التي انفرد بها من المشاركة فيها، انّه جمع بين الفضائل المتضادّات، وألّف بين الكمالات المتباينات(3).

فإنّه كان يصوم النهار ويقوم الليل مع هذه المجاهدات التي ذكرناها، ويفطر على اليسير من جريش الشعير بغير إدام كما قلناه في صفة زهده، ومن يكون بهذه الحال يكون ضعيف القوّة، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كان مع ذلك أشدّ الناس قوّة، وانّه قلع باب خيبر وقد عجز عن حملها سبعون نفراً من المسلمين، ورمى بها(4) أذرعاً كثيرة ثمّ أعادها إلى مكانها بعد أن وضعها على الخندق جسراً.

وكان أكثر الوقت في الحروب يباشر قتل النفوس، ومَنْ هذا حاله يكون شديد اللقاء عبوس الوجه، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مع ذلك رحيماً رقيق القلب، حسن الأخلاق، طلق الوجه، حتّى نسبه بعض المنافقين إلى الدعابة لشرف

____________

1- في "ب": نقاتلهم.

2- راجع البحار 33: 331 ح577; عن كشف الغمة 1: 158.

3- قال صفيّ الدين الحلى المتوفي في المائة الثامنة:


جُمعت في صفاتك الأضداد ولهذا عزّت لك الأنداد
زاهد حاكم حليم شجاع فاتك ناسك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قط ولا حاز مثلهنّ العباد
خُلُق يخجل النسيم من اللطف وبأس يذوب منه الجماد
جلّ معناك أن تحيط به الشعر ويحصي صفاتك النقاد

4- في "ب": دحا بها.


الصفحة 74
أخلاقه صلوات الله عليه.

وهذه الفضائل قد وردت من طريق الخصم ولم يمكنه اخفاؤها لشهرتها من طريقهم وطريقنا(1)، وجميعها يدلّ على إمامته فكيف من طريق أهل البيت عليهم السلام.

إنّ علماء الشيعة رضوان الله عليهم قد ألّفوا في فضائله والأدلّة على إمامته كتباً كثيرة لا تُحصى، من جملتها كتاب واحد من جملة تصانيف الشيخ الأعظم، والبحر الخضم، ينبوع الفضائل والحكم، جمال الإسلام والمسلمين، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي قدّس الله نفسه الزكية، سمّاه بكتاب "الألفين" فيه ألف دليل من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ كما قال سبحانه وتعالى ـ، وألف دليل من سنّة النبي صلّى الله عليه وآله على إمامة عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

ولولم يكن من الدلائل على إمامته سوى العصمة والنص من النبي صلّى الله عليه وآله لكان كافياً، وذلك لأنّ الإمام إذا لم يكن معصوماً لجاز عليه الخطأ، فيحتاج إلى امام آخر يردّه عن خطائه، ويلزم التسلسل وهو محال لأنّ السبب المحوج إلى الإمام جواز الخطأ على الاُمّة، فلا يجوز أن يكون الإمام كذلك وإلاّ لانتفت الفائدة من إمامته.

ولأنّ الإمام حافظ للشرع، فلولم يكن معصوماً لجاز عليه الاخلال بشيء من الشرع والزيادة فيه، فلا يكون الشرع محفوظاً.

____________

1- قال الشاعر:


صفات أمير المؤمنين مَنِ اقْتفى مدارجها أقنته ثوب ثوابه
صفات جلال ما اغتدى بلبانها سواه ولا حلّت بغير جنابه
تفوّقها طفلا وكهلا فأينعت معاني المعالي فهي ملئ إهابه
مناقب من قامت به شهدت له بازلافه من ربّه واقترابه
مناقب لطف الله أنزلها له وشرّف ذكراه بها في كتابه


الصفحة 75
ولأنّ الإمام مع جواز المعصية عليه امّا أن يتّبع أو لا، فإن اتّبع لزم التعاون على الاثم المنفي بقوله تعالى: {ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}(1) أو لا يتّبع فلا يكون إماماً لعدم الفائدة، ومع هذا فالإمامة لطف من الله تعالى، والله تعالى حكيم فلا يختار إلاّ المعصوم، فحينئذ يجب أن يكون الإمام بعد النبي صلّى الله عليه وآله بلا فصل عليّ بن أبي طالب عليه السلام للاجماع على عصمته عليه السلام دون غيره.

وأمّا النصّ فكثير تواترت به الشيعة خلفاً عن سلف انّ النبي صلّى الله عليه وآله نصّ عليه بالخلافة نصّاً جليّاً، كقوله: أنت الخليفة من بعدي، سلّموا عليه بامرة المؤمنين، اسمعوا له وأطيعوا، إلى غير ذلك من الأخبار.

وأمّا الدلائل على إمامته كقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين}(2) أي المعلوم منهم الصدق، ولا يعلم الصدق إلاّ من المعصوم، ولا معصوم ممّن قيل بإمامته إلاّ هو، فتعيّن للإمامة.

ومنها انّ أبا بكر والعباس كانا كافرين فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}(3) فتعيّن هو لها.

ومنها انّ غيره ظالماً لكونه كافراً، والركون إلى الظالم منهيّ عنه لقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}(4) فتعيّن هو لها.

ومنها قوله تعالى: {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(5) والولي هو الأولى بالتصرّف، كقولهم: لا نكاح إلاّ بولي، والسلطان وليّ من لا وليّ له، فلا يخلو امّا أن يكون المراد بالذين

____________

1- المائدة: 2.

2- التوبة: 119.

3- البقرة: 124.

4- هود: 113.

5- المائدة: 55.


الصفحة 76
آمنوا الجمع أو البعض، والأوّل باطل وإلاّ لكان الولي والمولّى عليه واحداً، ولأنّه قيّده بايتاء الزكاة حال الركوع وهو وصف له لم يحصل للكل، فتعيّن أن يكون المراد البعض، وحينئذ يكون هو علياً عليه السلام.

لأنّ كلّ من قال المراد بالآية البعض قال انّه عليّ عليه السلام، فلو قيل غيره مع انّ المراد به البعض كان خرقاً للاجماع، ولأنّ علياً عليه السلام مراد بالاجماع، امّا على قول من يقول المراد به الجميع فدخوله ظاهر لأنّه سيّدهم، وأمّا على قول الآخر فظاهر.

ومنها خبر الغدير المشهور وسيأتي، ومنها قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم}(1) وليس المراد بذلك الجميع وإلاّ لكان المطاع والمطيع واحداً، فتعيّن أن يكون البعض وهو المعصوم لاستحالة الترجيح من غير مرجح، ولا معصوم سواه فيكون هو المطاع.

ومن أعجب الأشياء انّ علياً عليه السلام ما زال في زمن النبي صلّى الله عليه وآله أميراً والياً مستخلفاً مطاعاً، وولاّه المدينة، واستقضاه على اليمن، وأخذ(2)الراية واللواء في جميع الحروب، ولم يكن في عسكر غاب النبي صلّى الله عليه وآله عنه إلاّ كان هو الأمير عليه، واستخلفه حين هاجر في مكة في قضاء ديونه، وردّ ودائعه، وحمل نسائه وأهله.

وبات على فراشه، وبذل نفسه وقاية له مع انّ غيره لم يستصلح لشيء من ذلك في حياة النبي صلّى الله عليه وآله مع كونه ظهيراً له، وعزل عن تبليغ براءة ولم يستصلح لها، ولما استخلفته عائشة في الصلاة سأل من المصلّي؟ فقيل له: أبو بكر، فخرج متّكئاً على عليّ والفضل بن العباس فزحزحه وصلّى، وكان اُسامة أميراً

____________

1- النساء: 59.

2- في "ج": وأعطاه.


الصفحة 77
عليه وعلى عمر وعثمان، ولم يكن عليّ فيه.

فليت شعري كيف يفوّض إليه أمر الاُمّة مع انّه لم يصلح لتفويض البعض اليسير، ويترك من استصلحه صلّى الله عليه وآله لأكثر الاُمور وشدائد الوقائع؟ انّ هذا لشيء عجاب، أعاذنا الله وإيّاكم من اتّباع الهوى، والاغترار بالأباطيل والمنى بمحمد وآله الطاهرين.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net