الباب الثالث والأربعون في حسن الخلق وثوابه
قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: {وانّك لعلى خلق عظيم}(1)، مادحاً له بذلك وكفى بذلك مدحة.
وقيل: انّ سبب نزول هذا الآية انّه كان قد لبس برداً نجرانياً ذا حاشية قويّة، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه فحزّت في عنقه، وقال له: أعطني عطائي يا محمد، فالتفت إليه صلوات الله عليه وآله متبسّماً وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: {وانّك لعلى خلق عظيم}، فمدحه الله بهذه مدحة لم يمدح بها أحداً من خلقه.
وسئل النبي صلى الله عليه وآله: أيّ المؤمنين أفضلهم ايماناً؟ فقال: أحسنهم خلقاً(2).
وقال الصادق عليه السلام: أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً(3).
____________
1- القلم: 4.
2- راجع البحار 71: 395 ح 70.
3- أمالي الطوسي: 139 ح40 مجلس: 5; عنه البحار 71: 389 ح 44.
وقال: انّ الصبر والصدق وحسن الخلق والحلم من اخلاق الأنبياء(1). وما يوضع في ميزان امرىء يوم القيامة شيء أفضل من حسن الخلق(2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ الخلق الحسن يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وانّ الخلق السيّىء يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل(3).
وقال: انّ حسن الخلق ينبت(4) المودّة، وحسن البشر يذهب بالسخيمة، ومن أيقن بالخلف سخت(5) نفسه بالنفقة، فاستنزلوا الرزق بالصدقة، واياكم أن يمنع أحدكم من [ذي ]حق [حقه] فينفق مثله في معصية.
وقال: انّ حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم(6).
وقال عليه السلام: انّ الله يعطي العبد على حسن خلقه من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله(7).
وقال: الرفق يمن، والخرق شؤم(8).
وقال: أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وأداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً(9).
وقال: يا بني عبد المطلب إفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام، تدخلوا الجنة بسلام(10).
____________
1- الخصال: 251 ح 121 باب 4; عنه البحار 74: 394 ح 17.
2- الكافي 2: 99 ح 2; عنه البحار 71: 374 ح 2.
3- راجع البحار 71: 395 ح 74.
4- في "ج": يثبت.
5- في "ب": سمحت.
6- الكافي 2: 103 ح 18; عنه البحار 71: 381 ح 16.
7- الكافي 2: 101 ح 12; عنه البحار 71: 377 ح 10.
8- الكافي 2: 119 ح 4; عنه البحار 75: 59 ح 23.
9- روضة الواعظين: 377; والبحار 69: 381 ح 41 نحوه.
10- المحاسن 2: 141 ح 3; عنه البحار 74: 10 ح 40.
وقال أبو حمزة الثمالي: قال علي بن الحسين عليه السلام: انّ أحبّكم إلى الله أحسنكم خلقاً، وأعظمكم عملاً أشدّكم فيما عند الله رغبة، وأبعدكم من عذاب الله أشدّكم خشية، وأكرمكم عند الله أتقاكم(1).
وقال الصادق عليه السلام لجراح المدائني: ألا [اُحدّثك](2) بمكارم الأخلاق؟ قال: بلى، قال: الصفح عن الناس، ومواساة الرجل أخاه في الله، وذكر الله كثيراً(3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أحلم الناس الذين إذا غضبوا عفوا، وأصبرهم أكظمهم للغيظ، وأغناهم أرضاهم بما قسّم الله، وأحبّهم إلى الله أكثرهم ذكراً، وأعدلهم من أعطى الحق من نفسه، وأحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه.
وقال الحسين بن عطية: قال أبو الحسن عليه السلام: مكارم الأخلاق عشرة، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فانّها تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في ولده ولا تكون فيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحر: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، وإعطاء السائل، والمكافاة على الصنائع، والتذمّم للجار وللصاحب، ورأسهنّ الحياء وكثرة الذكر(4).
وقال ابو عبد الله عليه السلام: من صدق لسانه زكى عمله، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه، ومن حسن برّه بأهل بيته مدّ في عمره(5).
وقال عليه السلام: لا تغتروا بصلاتهم وصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج
____________
1- راجع البحار 104: 73 ح 25.
2- أثبتناه من "ب"، وفي "الف" و"ج": اُحدّثكم.
3- معاني الأخبار: 191 ح2; عنه البحار 69: 372 ح 18.
4- الكافي 2: 55 ح 1; عنه البحار 70: 367 ح 17.
5- الكافي 2: 105 ح 11; عنه البحار 71: 8 ح 9.
بالصلاة والصيام حتّى لو تركها استوحش لذلك، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، والبرّ بالإخوان(1).
قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلّمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم المنقري، قال: كان عنده ضيف فجاءت جارية بشواء في سفود(2)، فوقع على ابن له فمات من ساعته، فدهشت الجارية فقال لها: لا روع ولا خوف ولا جزع عليك، وأنت حرّة لوجه الله.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه، وحسن الخلق(3).
وعنه عليه السلام: ثلاثة لا تعرف إلاّ في ثلاثة: لا يعرف الحليم إلاّ في الغضب، ولا الشجاع إلاّ عند الحرب، ولا الأخ الا عند الحاجة(4).
وتبع الأحنف رجل يشتمه في طريقه، فلما قرب من داره قال له: يا هذا ان كان بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك خدمي وقومي فيقتلوك.
ودعا علي بن الحسين عليه السلام عبداً له فلم يجبه مرات، فقال له: ما منعك من جوابي؟ فقال: أمنت عقوبتك، فقال: امض فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى(5).
ومن حسن الخلق انّ العبد يعطي الناس من نفسه ما يحبّ أن يعطوه من أنفسهم، وهو أيضاً احتمال ما يقع من جفاء الناس، واحتمالهم من غير ضجر ولا حرد، وقال موسى عليه السلام في مناجاته: أسألك يا رب أن لا يقال فيّ ما ليس فيّ، فقال: يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك؟!.
____________
1- الكافي 2: 104 ح 2; عنه البحار 71: 2 ح 2.
2- السَّفُود والسُّفُود ـ بالتشديد ـ: حديدة ذات شعب مُعَقَّفَة معروف يُشوى به اللحم، وجمعه سفافيد. (لسان العرب) 3- مجموعة ورام 1: 90; وروضة الواعظين: 376.
4- تحف العقول: 233; عنه البحار 78: 229 ح 9.
5- ارشاد المفيد: 258; عنه البحار 46: 56 ح 6 نحوه.
والخلق الحسن احتمال المكروه مع بسط الوجه وتبسّم السنّ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الشؤم، فقال: سوء الخلق(1).
وقيل: يا رسول الله ادع الله على المشركين يهلكهم الله، قال: انّما بعثت رحمة لا عذاباً.
وقال رجل للرضا عليه السلام: ما حد حسن الخلق؟ فقال: أن تعطي الناسمن نفسك ما تحبّ أن يعطوك مثله، فقال: ما حدّ التوكّل؟ فقال: أن لا تخاف مع الله أحداً، فقال: احب أن أعرف كيف أنا عندك، فقال: انظر كيف أنا عندك(2).
وقال المتوكل لعليّ الهادي عليه السلام كلاماً يعاتبه ويلومه فيه، فقال له: لا تطلب الصفو ممن كدرت عليه، ولا الوفاء ممن صرفت سوء ظنّك إليه، فانّما قلب غيرك لك كقلبك له(3).
وقال عليه السلام: لا يكمل المؤمن ايمانه حتّى تكون فيه ثلاث خصال، خصلة من ربه، وخصلة من نبيّه، وخصلة من امامه، فاما التي من ربه: فكتمان السرّ فانّه قال تعالى: {فلا يظهر على غيبه احد * إلاّ من ارتضى من رسول}(4). واما من نبيه: [فمداراة الناس](5)، فانّه قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}(6)، واما من امامه: فالصبر على البأسآء والضرّآء فإنّ الله تعالى يقول: {والصابرين في البأسآء والضرآء}(7).
ومن حسن الخلق أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الأذى، صدوق
____________
1- مجموعة ورام 1: 89.
2- أمالي الصدوق: 199 ح 8 مجلس: 42; عنه البحار 71: 134 ح 11.
3- راجع البحار 74: 182 ح 8; عن الدرة الباهرة.
4- الجن: 26-27.
5- أثبتناه من الخصال.
6- الأعراف: 199.
7- الخصال: 82 ح 7 باب 3; عنه البحار 75: 417 ح 71; والآية في سورة البقرة: 177.
اللسان، قليل الكذب، كثير العمل، قليل الزلل، وقوراً صبوراً، [رضيّاً](1) تقيّاً شكوراً، رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا نمّام ولا غيّاب ولا مغتاب، ولا عجول ولا حسود ولا بخيل، يحبّ في الله، ويبغض في الله، ويعطي في الله، [ويمنع في الله](2)، ويرضى في الله، ويسخط في الله، يحسن ويبكي كما انّ المنافق يُسيء ويضحك.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا، فهم الأتقياء الأنقياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفقدوا، تعرفهم بقاع الأرض، وتحفّ بهم ملائكة السماء، ينعم الناس بالدنيا وتنعّموا بذكر الله.
افترش الناس الفرش وافترشوا الجباه والركب، وَسَعُوا الناس بأخلاقهم، تبكي الأرض لفقدهم، ويسخط الله على بلد ليس فيها منهم احد، لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف، شعثاً غبراً تراهم الناس فيظنّون انّ بهم داء وقد خولطوا أو ذهبت عقولهم، وما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حبّ الدنيا عن قلوبهم، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس، فكونوا أمثالهم(3).
وقال ابو عبد الله عليه السلام: مكارم الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك(4).
____________
1- أثبتناه من "ب" و"ج".
2- أثبتناه من "ج".
3- مجموعة ورام 1: 100.
4- الكافي 2: 107 ح 3; عنه البحار 71: 399 ح 3، وفيه: تحلم إذا جهل عليك.
|