متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب السابع والثلاثون: في الشكر وفضل الشاكرين
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب السابع والثلاثون
في الشكر وفضل الشاكرين


قال الله تعالى: {واشكروا لي ولا تكفرون}(1).

وقال الله سبحانه: {لئن شكرتم لأزيدنّكم}(2).

وقال: {ومن يشكر فانّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غني حميد}(3)، يريد به الجحود لنعمته، وحقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم.

وأوحى الله إلى داود عليه السلام: اشكرني حق شكري، فقال: الهي كيف أشكرك حق شكرك، وشكري اياك نعمة منك؟! فقال: الآن شكرتني حق شكري(4).

وقال داود: يا رب وكيف كان آدم يشكرك حق شكرك، وقد جعلته أبا أنبيائك وصفوتك، وأسجدت له ملائكتك؟! فقال: انّه اعترف انّ ذلك من عندي

____________

1- البقرة: 152.

2- ابراهيم: 7.

3- لقمان: 12.

4- عنه البحار 14: 40 ح 25.


الصفحة 243
فكان اعترافه بذلك حق شكري(1).

وينبغي للعبد أن يشكر على البلاء كما يشكر على الرخاء، وروي انّ الله سبحانه قال: يا داود انّي خلقت الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وجعلت سقوفها الزمرد، وطليها(2) الياقوت، وترابها المسك الأذفر، وأحجارها الدر واللؤلؤ، وسكّانها الحور العين، أتدري يا داود لمن أعددت هذا؟ قال: لا وعزتك يا الهي، فقال: هذا أعددته لقوم كانوا يعدّون البلاء نعمة، والرخاء مصيبة(3).

ولا شك انّ البلاء من الأمراض وغيرها يوجب العوض على الألم والثواب على الصبر عليه، ويكفّر السيئات، ويذكر بالنعمة أيّام الصحة، ويحث على التوبة والصدقة، وهو اختيار الله تعالى للعبد، وقد قال سبحانه: {ويختار ما كان لهم الخيرة}(4).

عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: مثل المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه ليلقى الله عزوجل ولا خطيئة له(5).

والنعم قد تكون استدراجاً فتكون أعظم المصائب، وان لم تكن استدراجاً فانّها توجب الشكر، والشكر أيضاً نعمة توجب الاعتراف بالتقصير، ولا شك انّ زيادة النعم وكثرتها ملهية عن الله تعالى، ولهذا اختار لأوليائه وعباده الصالحين الفقر، وحبس الدنيا عنهم لأنّه قال في بعض وحيه:

"وعزتي وجلالي لولا حيائي من عبدي المؤمن ما تركت له خرقة يواري بها جسده، وانّي إذا أكملت ايمان عبدي المؤمن أبليته بفقر الدنيا في ماله أو مرض في

____________

1- عنه البحار 14: 40 ح 25.

2- في "ج": طينها.

3- عنه معالم الزلفى: 433.

4- القصص: 68.

5- أمالي الطوسي: 631 ح1 مجلس: 25; عنه البحار 67: 243 ح 82.


الصفحة 244
بدنه، فإن هو جزع أضعفت ذلك عليه، وان هو صبر باهيت به ملائكتي".

وتمام [هذا](1) الحديث: "انّي جعلت علياً علماً للايمان، فمن أحبه واتبعه كان هادياً، ومن تركه وأبغضه كان ضالاً، وانّه لا يحبه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق"(2).

ومن شكر النعمة أن لا يتقوى به أحد على معصية الله تعالى، وشكر العوام على المطعم والملبس، وشكر الخواص على ما يختاره سبحانه من بأساء وضرّاء ومنع(3) غيره.

وروي انّ الصادق عليه السلام قال لشقيق: كيف أنتم في بلادكم؟ فقال: بخير يا ابن رسول الله، ان اُعطينا شكرنا، وان مُنعنا صبرنا، فقال له: هكذا كلاب حجازنا يا شقيق، فقال له: كيف أقول: فقال له: هلا كنتم إذا اُعطيتم آثرتم، وإذا مُنعتم شكرتم. وهذه درجته ودرجة آبائه عليهم السلام.

وروي انّ سبب رفع ادريس إلى السماء انّ ملكاً بشّره بالقبول والمغفرة فتمنّى الحياة، فقال له الملك: لم تمنّيت الحياة؟ قال: لأشكر الله تعالى، فقد كانت حياتي لطلب القبول وهي الآن لبلوغ المأمول، قال: فبسط الملك جناحه ورفعه إلى السماء(4).

والشاكر يلاحظ المزيد لقوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنّكم}(5)، والصابر مشاهد(6) ثواب البلاء، فهو مع الله لقوله تعالى: {انّ الله مع الصابرين}(7)، فهو

____________

1- أثبتناه من "ب".

2- راجع البحار 81: 195 ح 52.

3- لم يرد في "ج".

4- عنه معالم الزلفى: 80.

5- ابراهيم: 7.

6- في "ج": يشاهد.

7- البقرة: 153.


الصفحة 245
أعلى درجة، ولهذا فضّل معتقد البلوى نعمة على غيره.

وروي انّ اول من يدخل الجنة الحامدون، وعلى كل حال فله الحمد على ما دفع(1)، وله الشكر على ما يقع(2)، وروي انّ الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: يا موسى ارحم عبادي المبتلى منهم والمعافى، قال: يا رب قد عرفت رحمة المبتلي فما بال المعافى؟ قال: لقلّة شكره.

وقوله تعالى: {وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها}(3) أي لا تقوموا بشكرها كلها، وذلك صحيح لأنّ في اللحظة الواحدة ينظر الإنسان نظرات لا تحصى، وتسمع اُدنه حروفاً لا تُحصى، ويتكلّم بلسانه بحروف لا تحصى، وتسكن منه عروق لا يعلم عددها، وتتحرّك منه عروق لا يعلم عددها، ويتنفّس بأنفاس لا تحصى، ويتناول من الهوى أنفاساً لا تحصى، وكذلك تتحرّك جوارحه بحركات كثيرة، فهذا في اللحظة الواحدة فكيف في يومه وسنته وطول عمره؟! صدق الله العلي العظيم.

____________

1- في "ب": ما وقع.

2- في "ج": نفع.

3- ابراهيم: 34.


الصفحة 246


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net