الباب الخامس والثلاثون في القناعة ومصالحها(1)
جاء في تفسير قوله تعالى: {فلنحيينّه حياة طيّبة}(2) قال: يعطيه القناعة(3).
وجاء في تفسير قوله تعالى حكاية عن سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}(4) قال: القناعة في بعض الوجوه، لأنّه كان يجلس مع المساكين ويقول: مسكيناً مع المساكين.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: القناعة كنز لا يُفنى(5).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه: كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً،
____________
1- قوله "مصالحها" أثبتناه من "ب".
2- النحل: 97.
3- نهج البلاغة: قصارالحكم 229.
4- ص: 35.
5- راجع كنز العمال 3: 389 ح 7080، وفيه: مال لا ينفد.
وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً، واقلل من الضحك فإنّ كثرة الضحك تميت القلب(1).
والناس أموات إلاّ من أحياه الله بالقناعة، وما سكنت القناعة إلاّ قلب من استراح، والقناعة ملك لا يسكن إلاّ قلب مؤمن، والرضى بالقناعة رأس الزهد، ومعناها السكون عند عدم المشتهيات، والرضى بقليل الأقوات، وترك التأسّف على ما فات.
وجاء في تأويل قوله تعالى: {ليرزقنّهم الله رزقاً حسناً}(2) قال: القناعة، لأنّ القناعة رضى النفس بما حضر من الرزق وان كان قليلاً، وقال بعضهم: انّ الغنى والعز خرجا يجولان فوجدا القناعة فاستقرّا.
وروي انّ علياً عليه السلام اجتاز بقصاب ومعه لحم سمين، فقال: يا أمير المؤمنين هذا اللحم سمين اشتر منه، فقال: ليس الثمن حاضراً، فقال: أنا أصبر يا أمير المؤمنين، فقال له: أنا أصبر عن اللحم.
وانّ الله سبحانه وضع خمسة في خمسة:
العز في الطاعة، والذل في المعصية، والحكمة في خلوّ البطن، والهيبة في صلاة الليل، والغنى في القناعة.
وفي الزبور: القانع غني ولو جاع وعرى، ومن قنع استراح من أهل زمانه، واستطال على أقرانه.
وجاء في قوله تعالى: {فك رقبة * أو اطعام في يوم ذي مسغبة}(3) قال: فكّها من الحرص والطمع، ومن قنع فقد اختار العز على الذل، والراحة على التعب.
____________
1- الترغيب والتذهيب 2: 560 ح13; وقطعة منه في مجموعة ورام 1: 163.
2- الحج: 58.
3- البلد: 13 - 14.
|