متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الباب الثاني والعشرون: في الذكر والمحافظة عليه
الكتاب : إرشاد القلوب ج1    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الباب الثاني والعشرون
في الذكر والمحافظة عليه


قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}(1).

وقال سبحانه في بعض كتبه: أهل ذكري في ضيافتي، وأهل طاعتي في نعمتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل معصيتي لا اُؤيسهم من رحمتي، ان تابوا فأنا حبيبهم، وان مرضوا فأنا طبيبهم، اُداويهم بالمحن والمصائب لاُطهرهم من الذنوب والمعايب(2).

وقال علي بن الحسين عليهما السلام: انّ بين الليل والنهار روضة يرتقي(3) في نورها الأبرار، ويتنعّم في حدائقها المتقون، فذابوا سهراً من الليل وصياماً من النهار، فعليكم بتلاوة القرآن في صدره، والتضرّع والاستغفار في آخره. وإذا ورد النهار فأحسنوا مصاحبته بفعل الخيرات وترك المنكرات، وترك ما يرديكم(4) من

____________

1- البقرة: 152.

2- راجع عدة الداعي: 252; عنه البحار 77: 42 ح10; وأورده في أعلام الدين: 279.

3- في "ج": يرتع.

4- في "الف": يؤذيكم.


الصفحة 168
محقّرات الذنوب، فانّها مشرفة بكم إلى قبائح العيوب، وكأنّ الموت قد دهمكم، والساعة قد غشيتكم، فإنّ الحادي قد حدا بكم مجدّاً لا يلوي دون غايتكم، فاحذروا ندامة التفريط حيث لا تنفع الندامة إذا زلّت الأقدام.

وقال عليه السلام: [قال الله سبحانه:](1) إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني(2).

وقال عليه السلام: المؤمن نطقه ذكر، وصمته فكر، ونظره اعتبار.

وقال عليه السلام: انّ عدوّي يأتيني في الحاجة فاُبادر إلى قضائها خوفاً أن يسبقني أحد إليها وأن يستغني عنّي فتفوتني فضيلتها.

وسُئل عن الزاهد فقال: هو المبتلغ(3) بدون قوته، المستعد ليوم موته.

وقال: الدنيا سبات، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث أحلام.

وقال: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب، ومن طاعة الشيطان إذا حرد(4).

وخطب عمر بن عبد العزيز فقال: أيّها الناس انّكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وانّ لكم معاداً يجمعكم الله فيه ليوم الفصل والحكم بينكم، وقد خاب وخسر من أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء وجنّته التي عرضها السماوات والأرض بسوء عمله، وانّ الأمان غداً لمن باع قليلاً بكثير، وفانياً بباق، وشقاوة بسعادة.

ألا ترون انّكم أخلاف الماضين ويستخلفكم الله قوماً آخرون، يأخذون تراثكم، ويبوّء بكم أجداثكم، وفي كل يوم تجهزون غادياً ورائحاً قد قضى نحبه

____________

1- أثبتناه من "ب" و"ج".

2- الكافي 2: 276 ح30; عنه البحار 73: 343 ح27.

3- في "ج": المتبلّغ.

4- حرد: غضب. (القاموس)

الصفحة 169
ولقى ربه، فتجعلونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسلاب(1)، وسكن التراب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب، أصبح فقيراً إلى ما قدم، غنيّاً عمّا خلّف، ولا يزيد من حسنة ولا ينقص من سيّئة.

واعلموا انّ لكل سفر زاداً لابد منه، فتزوّدوا لسفركم التقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه لترغبوا وترهبوا، ولا يغرّنّكم الأمل، ولا يطولنّ عليكم الأمد، فانّه والله ما بسط أمل من لا يدري إذا أصبح انّه يمسي، وإذا أمسى انّه يصبح، وبين ذلك خطفات المنايا، وخطرات الأمل من الشيطان الغرور.

يزيّن لكم المعصية لتركبوها، ويمنّيكم التوبة لتسوّفوها(2) حتّى تأتي المنيّة أغفل ما يكون عنها، فلا تركنوا إلى غروره فيصيدكم بشركه، واعلموا انّما يغتبط ويطمئنّ من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة، فأمّا من لا يدري ربه ساخط عليه أم راض عنه كيف يطمئن، أعوذ بالله من أن آمركم أو أنهاكم بما اُخالفكم فيه فتخسر صفقتي، وتعظم عولتي(3) يوم لا ينجي منه إلاّ الحق والصدق، ولا يفوز إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيّها الناس استقيموا إلى ربكم كما قال تعالى: {فاستقيموا إليه واستغفروه}(4) وقال سبحانه: {انّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}(5).

أيّها الناس لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم، واعلموا انّ من لم يكن مستقيماً في صفته لم يرتق من مقام إلى

____________

1- في "ج": الأسباب.

2- في "ج": لتنسوها.

3- في "ب" و"ج": لوعتي.

4- فصلت: 6.

5- فصلت: 30.


الصفحة 170
غيره، ولم يتبيّن سلوكه على صحة، ولا تخرجوا عن عز التقوى إلى ذل المعصية، ولا من اُنس الطاعة إلى وحشة الخطيئة، ولا تسرّوا لإخوانكم غشاً فانّه من أسرّ لأخيه غشاً أظهره الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، فأورثه به الذلّ في الدنيا والخزي والعذاب والندامة في الآخرة فأصبح من الخاسرين أعمالاً.

وقال الصادق عليه السلام: ثلاثة لا يضرّ معهم شيء: الدعاء عند الكربات، والإستغفار عند الذنب، والشكر عند النعمة(1).

وقال عليه السلام: في حكمة آل داود: يا ابن آدم كيف تتكلّم بالهدى وأنت لا تفيق عن الردى، يا ابن آدم أصبح قلبك قاسياً، ولعظمة الله ناسياً، ولو كنت بالله عالماً وبعظمته عارفاً لم تزل منه خائفاً، ولموعده راجياً، فيا ويحك كيف لا تذكر لحدك، وانفرادك فيه وحدك(2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد السيّئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: لا تعجل وانظره سبع ساعات [لعلّه يستغفر]، فإذا مضى سبع ساعات ولم يستغفر قال: اكتب فما أقلّ حياء هذا العبد(3).

وقال الصادق عليه السلام: انّ النبي صلى الله عليه وآله صلّى على سعد بن معاذ وقال: لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه تسعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلّون عليه، فقلت: يا جبرئيل بما استحق صلاتكم عليه؟ قال: بقراءته (قل هو الله أحد) قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وذاهباً وجائياً(4).

____________

1- مشكاة الأنوار: 30; عنه البحار 71: 55 ح86.

2- أمالي الطوسي: 203 ح346; عنه البحار 14: 36 ح10.

3- أمالي الطوسي: 207 ح355; عنه البحار 71: 247 ح5.

4- أمالي الطوسي: 437 ح975; عنه البحار 22: 108 ح72; وأمالي الصدوق: 323 ح5 مجلس: 62; وفي مجموعة ورام 2: 169.


الصفحة 171
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر، يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره وفيه قبّتان من درٍّ وزبرجد، فقلت: يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ قال: هو لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجّد بالليل والناس نيام.

قال علي عليه السلام: وفي اُمّتك من يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: أتدري ما اطابة الكلام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من قال: "سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر"، أتدري ما إدامة الصيام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من صام شهر الصبر شهر رمضان ولم يفطر يوماً.

أتدري ما إطعام الطعام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس، أتدري ما التهجّد بالليل والناس نيام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من لم ينم حتّى يصلّي العشاء الآخرة، والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين نيام بينهما(1).

وقال صلى الله عليه وآله: لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت فيها قيعاناً بقعاً(2) من مسك، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضّة وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما بالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا: حتّى تجيئنا النفقة، قلت: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن "سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر" فإذا قالهنّ بنينا، وإذا سكت وأمسك أمسكنا(3).

____________

1- أمالي الطوسي: 458 ح1024; عنه البحار 69: 388 ح58; معالم الزلفى: 281.

2- في أمالي الطوسي: يققاً، أي بيضاً.

3- أمالي الطوسي: 474 ح1035; عنه البحار 93: 169 ح7; معالم الزلفى: 281.


الصفحة 172


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net