الباب الثالث في ذمّ الدنيا، منثوراً ومنظوماً
عجباً عجباً لغفلة الإنسان |
قطع الحياة بذلّة وهوان |
فكّرت في الدنيافكانت منزلاً |
عندي كبعض منازل الركبان |
مجرى جميع الخلق فيها واحد |
فكثيرها وقليلها سيّان |
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفاً |
ولو اقتصرت على القليل كفاني |
لله درّ الوارثين كأنّني |
بأخصّهم متبرّم بمكاني |
قلقاً يجهّزني إلى دار البلاء |
متحرّياً(1) لكرامتي بهواني |
متبرياً حتّى إذا نشر الثرى |
فوقي طوى كشحاً على هجراني |
وقال:
نل ما بداك أن تنال |
فانّما تعطى وتسلب |
واعلم بأنّك غافل |
في العالمين(2) وأنت تطلب |
____________
1- في "ج": متحفّزاً.
2- في "ج": في الغافلين.
والمشكلات كثيرة |
والوقف عند الشك أصوب |
يبغي المهذّب في الاُمور |
جميعها ومن المهذّب |
وروي انّه وجد على باب مدينة: ياابن آدم غافص(1) الفرصة عند امكانها، ووكّل الاُمور إلى مدبّرها، ولا تحمل على نفسك همّ يوم لم يأتك، فانّه ان لم يكن من أجلك يأتي الله فيه برزقك، ولا تكن عبرة للناظرين، واسوة بالمغرورين في جمع المال على المال، فكم من جامع لبعل حليلته، وتقتير المرء على نفسه توفير لخزانة غيره.
وقال الخليل: انّما يجمع المرء المال لأحد ثلاثة كلّهم أعداؤه: امّا زوج امرأته، أو زوج ابنه، أو زوج بنته، فمال المرء لهؤلاء ان تركه، فالعاقل الناصح لنفسه الذي يأخذ معه زاداً لآخرته، ولايؤثر هؤلاء على نفسه.
لبعضهم(2):
يا جامعاً لاهياً والدهر(3) يرمقه |
مفكراً ايّ باب عنه يغلقه |
جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له |
يا غافل القلب أيّاماً تفرّقه |
ولأبي العتاهيّه:
أصبحت والله في مضيق |
هل من دليل إلى الطريق |
اُفّ لدنيا تلاعبت بي |
تلاعب الموج بالغريق |
وقال أيضاً:
نظرت إلى الدنيا بعين مريضة |
وفكرة مغرور وتدبير جاهل |
فقلت هي الدنيا التي ليس غيرها(4) |
ونافست فيها في غرور وباطل |
____________
1- غافصه: فاجأه، وأخذه على غرّة. (القاموس) 2- في "ب": وقال بعضهم في ذلك.
3- في"ب": والموت.
4- في "ب" و"ج": مثلها.
وضيّعت أحقاباً أمامي طويلة |
بلذّة أيّام قصار قلائل |
[وقال أيضاً](1)
وان امرء دنياه أكبر همّه |
لمستمسك منها بحبل غرور |
[وقال آخر:](2):
طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطلب |
وما نلت الاّ الهمّ والغمّ والنصب |
وأسرفت(3)في ذنبي ولم أقض حسرتي |
هربت بديني(4) منك ان نفع الهرب |
ولم أر حظّاً كالقنوع لأهله |
وان يحمل الإنسان ما عاش في الطلب |
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تخالفوا على الله في أمره، فقالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: تسعون في عمران دار قضى الله بخرابها.
وكان علي بن الحسين عليه السلام يتمثّل [ويقول:](5)
ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض |
على الماء خانته فروج الأصابع |
وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ الله تعالى جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الدنيا من بلوى الآخرة عوضاً(6)، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
وانّها سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها، ولا تواصلوها وقد قضى الله اجتنابها، ولا تسعوا في عمرانها وقد قضى الله خرابها، فتكونوا لسخطه متعرّضين
____________
1- أثبتناه من "ب".
2- أثبتناه من "ج".
3- في "ج": وأسرعت.
4- في "ب" و"ج": بذنبي.
5- أثبتناه من "ب" و"ج".
6- في"ج": وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً.
ولعقوبته مستحقّين(1).
وقال:
الدار دار نوائب ومصائب |
وفجيعة بأحبّة وحبائب |
ما ينقضي رزئي بفرقة صاحب |
الاّ اُصبت بفرقة من صاحب |
فإذا مضى الآلاف كفاك مظنّة(2) |
والمؤنسين بأنّك أوّل ذاهب |
____________
1- راجع البحار 77:184ضمن حديث 10.
2- في "ب" و"ج": عنك لظنّه.
|