متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الباقر والعلم ، من كرامات الإمام الباقر ، تواضع الإمام الباقر وزهده
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

13 - الإمام الباقر والعلم:

قال الإمام الباقر: " تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد، وبذله لأهله قربة، وهو ثمار الجنة، وأنس الوحشة، وصاحب في الغربة، ورفيق في الخلوة، ودليل على السراء، وعون على الضراء ".

" وهو دين عند الأخلاء، وسلاح على الأعداء، يرفع الله به قوما فيجعلهم في الخير سادة، وللناس أئمة، يقتدى بأفعالهم، ويقتص آثارهم، ويصلى عليهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه ".

فالعالم عند أهل البيت كالأنبياء، إذا نفع الناس بعلمه، تصلي عليه سكان الأرض والسماء، حتى حيتان البحر، وسباع البر (2).

 

14 - من كرامات الإمام الباقر

روى الشبلنجي في نور الأبصار عن أبي بصير قال: قلت يوما للباقر:

أنتم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال: نعم، قلت: ورسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وارث الأنبياء جميعهم، قال: وارث جميع علومهم، قلت: وأنتم ورثتم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: نعم، قلت: فأنتم تقدرون أن تحبوا الموتى، وتبرؤوا الأكمه والأبرص، وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخلون في بيوتهم، قال:

نعم نفعل ذلك بإذن الله تعالى، ثم قال: أدن مني يا أبا بصير - وكان أبو بصير مكفوف النظر - قال: فدنوت منه، فمسح بيده على وجهي، فأبصرت السماء

____________

(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4 / 93.

(2) محمد جواد مغنية: فضائل الإمام علي ص 227 بيروت 1981.

الصفحة 67
والجبل والأرض، فقال: أتحب أن تكون هكذا تبصر، وحسابك على الله، أو تكون كما كنت، ولك الجنة، قلت: الجنة، فمسح بيده على وجهي، فعدت كما كنت (1).

وفي كتاب الدلائل للحميري عن زيد بن حازم قال: كنت مع أبي جعفر بن علي الباقر، فمر بنا أخوه " زيد بن علي " فقال أبو جعفر الباقر: أما رأيت هذا ليخرجن بالكوفة، وليقتلن، وليطافن برأسه، فكان كما قال (2).

وروى أبو الفرج بسنده عن يونس بن جناب قال: جئت مع أبي جعفر (الباقر) إلى الكتاب، فدعى زيدا، ثم اعتنقه، وألصق ببطنه، وقال: أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة (3).

15 - تواضع الإمام الباقر وزهده

كان التواضع من أبرز صفات الإمام الباقر - كما كان من أبرز صفات أبيه الإمام زين العابدين - وكان تواضع الإمام الباقر مبنيا على نظر ورأي يتصلان بقدر المعرفة الذي يتناسب عكسيا مع الكبر والعجب، ومن ثم فقد كان يقول:

" ما دخل قلب ابن آدم شئ من الكبر، إلا نقص من عقله، مثل ما دخله من ذلك، قل أو كثر "، وبدهي أنه إذا صدر من مثل الإمام الباقر مثل هذا القول، فلا بد أن يكون مثلا أعلى يطمح إليه، ومبدأ يطبق، وهكذا اختط الإمام الباقر للزهد أساسا من أسسه، وهو التواضع (4).

____________

(1) نور الأبصار ص 144.

(2) نور الأبصار ص 144، وانظر عن صلب الإمام زيد بن علي (المقريزي: النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ص 31، مروج الذهب للمسعودي 2 / 191، الكامل في التاريخ لابن الأثير 5 / 246، وفيات الأعيان 6 / 110 شذرات الذهب 1 / 158 - 159، تاريخ الطبري 7 / 189، محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 118، أبو زهرة: الإمام زيد، عبد الرزاق الموسوي: الشهيد زيد).

(3) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين ص 95 (النجف 1353 هـ).

(4) الشيبي: المرجع السابق ص 175.

الصفحة 68
وكان فريد الدين العطار يرى أن تواضع الإمام الباقر إنما كان مقاما ساميا لا يصل إليه أصحاب الكبر والجبروت، فقد نقل أنه سأل أحد خواص الإمام الباقر، كيف يقضي الإمام ليله؟ فقال: " إذا حل الليل، وفرغ من ترديد الأوراد، قال في صوت عال، إلهي وسيدي حل الليل، وآنت ولاية تصرف الملوك، وظهرت النجوم، ونام الخلائق " (1)، وهكذا ارتفع التواضع في نظر الصوفية، حتى صار جلالا بعد جلال السلطان المادي (2).

على أن الدكتور النشار إنما يذهب إلى أن الكثير من المتصوفة والزهاد يحاولون وضع الإمام الباقر في سلسلة الزهد والتصوف، كما حاولوا أن يثبتوا انتقال العلم اللدني إليه خلال البشارة بمولده، ولكن تحليل كلمة " الباقر " نفسها يثبت العكس تماما، فقد قيل له الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، وعرف أصله وخفيه، وتوسع فيه، والمقصود بالعلم هنا " علم الحديث " واستفاضت الآثار فيه أنه محدث وتابعي، ومدني تابعي ثقة، بل ينقل ابن سعد عنه قوله: " إنا آل محمد نلبس الخز واليمنة والمعصفرات والممصرات " (3).

وهذا يعني - فيما يرى الدكتور النشار - أنه لم يتخذ الزهد نظاما معينا، له قواعده وأصوله، وقد ذكره أيضا زهد الغلاة، إنه إنما كان محدثا عابدا أو زاهدا، على طريقة أهل السنة، على أننا في الوقت نفسه نرى نصا يقدمه " ابن كثير " يقول فيه: " وسمي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم، وكان ذاكرا خاشعا صابرا، وكان من سلالة النبوة رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفا بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضا عن الجدال والخصومات " (4).

وعلينا أن نفسر النص في حدوده، وهي حدود " عالم الحديث "، فعالم

____________

(1) صفة الصفوة 2 / 60.

(2) الشيبي: المرجع السابق ص 175.

(3) طبقات ابن سعد 5 / 236، النشار: المرجع السابق ص 142.

(4) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 348.

الصفحة 69
الحديث الحق - سنيا كان أو شيعيا - له زهده الخاص، وهو يختلف عن زهد غيره، فهو يلتزم بالقرآن والسنة، ولا تنبثق معاني زهده من أي مؤثر خارجي - سواء أكان مسيحيا أو هنديا أو فارسيا أو غنوصيا - إنه يتحرى الحديث تحريا علميا، ولا يتعبد إلا على ما ثبت له صحته، فالذكر والخشوع والصبر، ومعرفة الخطرات، وكثرة البكاء والعويل، كانت سمة لمحدثي الإسلام الحقيقيين، بل كانت سمة للمعتزلة أيضا، وكانوا يتحرون الدقة في الأخذ بالأحاديث.

وهكذا كان زهد الإمام الباقر، هو الزهد الذي عرفه علماء الحديث في الإسلام، وعرفوا به، وهو زهد من نوع خاص يبعده عن حركة الزهد العام التي عاصرته، بل إننا لا نرى كلمة الزهد في كلماته أو حتى في حكمه، وكذا نراه يتكلم عن الخطرات، وهي ليست من نوع خطرات النفس عند الزهاد والصوفية، وإنما يفسر بها اليقين، فيقول " الإيمان ثابت في القلب، واليقين خطرات، فيمر اليقين بالقلب، فيصير كأنه زبر الحديد، ويخرجه منه فيصير كأنه خرقة بالية، وما دخل قلبا شئ من الكبر، إلا نقص من عقله بقدره أو أكثر (1).

ثم هو يتابع أباه في سن البكاء للمسلمين، فيقول: ما اغرورقت عينا عبد بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار، فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شئ إلا وله جزاء إلا الدمعة، فإن الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيا بكى من خشية الله في أمة، رحم الله تلك الأمة (2).

هذا وقد استغل الصوفية كل هذا، وأدخلوا الإمام الباقر في تيار الزهد العام، ونرى " بشر الحافي " (3) يقول: سمعت منصور يقول عن الباقر: الغنى

____________

(1) النشار: المرجع السابق ص 143 - 144.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 351.

(3) بشر الحافي: هو أبو نصر بشر بن الحارث، أصله من " مرو "، ولد عام 150 هـ (767 م)، وتوفي عام 227 هـ (841 م) عاش في بغداد، وكان زاهدا مشهورا، ومحدثا ثقة، دفعته رغبته عن رواية الحديث إلى دفن كتبه، وأهم آثاره " كتاب التصوف "، وأما أهم مصادر ترجمته (حلية الأولياء 18 / 336 - 360، تاريخ بغداد 7 / 67 - 80، التهذيب لابن عساكر 3 / 228 - 242، التهذيب لابن حجر 1 / 444 - 445، الأعلام للزركلي 2 / 26، تاريخ التراث العربي 4 / 110 - 11، وفيات الأعيان 1 / 274 - 277 - بيروت 1977).


الصفحة 70

والفقر يجولان في قلب المؤمن، فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه، وأخيرا يقول الباقر: " والله لموت عالم أحب إلى إبليس، من موت ألف عابد "، وهو بهذا يضع العلم فوق العبادة، والحديث فوق الزهد (1).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net