النساء الأسوة في القرآن (3)
بشارة الملائكة لإبراهيم عليه السلام وزوجته : في مسألة إبراهيم عليه السلام كما يتكلم خليل الله مع الملائكة ، ويتلقى بشارة الملائكة فان زوجته أيضاً تتكلم مع الملائكة وتتلقى بشارة الملائكة
(154)
وليس ان المرأة لا تستطيع الوصول إلى مقام بحيث يتكلم معها الملك . لقد بشر الله تعالى في زمن كهولة وشيخوخة خليل الله ، بشره بغلام ، وهذه البشارة أعلنت لزوجة إبراهيم بنفس الشكل الذي أبلغ لإبراهيم بواسطة الملائكة ، أي أن أبا إسحاق تلقى البشارة وأم إسحاق تلقت أيضاً بشارة الملائكة . جاء في قضية خليل الرحمن أن الملائكة حين بشرت إبراهيم عليه السلام بغلام قالت : ( فبشرناه بغلام حليم ) (1) . فقال إبراهيم عليه السلام : ( أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ) (2) . إن إبراهيم عليه السلام لم يقل هذا الكلام بعنوان ( استبعاد ) ، بل بعنوان ( تعجب ) . هنا قال إبراهيم الخليل مندهشاً : ( أبشرتموني على أن مسّني الكبر ) (3) . فقالت الملائكة : ( بشّرناك بالحق فلا تكن من القانطين ) (4) . عند ذلك قال إبراهيم الخليل : ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) (5) . إن معنى اليأس هو إن يفكر الإنسان انه وصل إلى درجة لا يستطيع الله ـ معاذ الله ـ حل مشكلته . وهذا اليأس هو في حد الكفر ، ولا يحق لأي ____________ (1) سورة الصافات ، الآية : 101 . (2) سورة الحجر ، الآية : 54 . (3) سورة الحجر ، الآية : 54 . (4) سورة الحجر ، الآية : 55 . (5) سورة الحجر ، الآية : 56 .
(155)
أحد أن يكون يائساً ؛ لأن الله وعد ان يعفو عن الذنب ويتجاوز عن المذنب ، كما ان الإنسان يجب أن لا يصبح مغروراً ، ويلزم أن يمضي دائماً بين الخوف والرجاء . كان هذا خلاصة الكلام في مسألة بشارة الملائكة لإبراهيم عليه السلام ، وقد طرح ما يعادل هذا التعامل مع زوجة إبراهيم في سورة هود : ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) (1) . فقالت زوجة إبراهيم عليه السلام : ( قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) (2) .
عظمة المرأة في قاموس الوحي : يتضح من هذا التقييم أن عظمة المرأة كانت موجودة في قاموس الوحي قبل نزول القرآن ايضاً ، ولا تختص بالقرآن ، بل إنها طرحت في الإنجيل والتوراة وصحف إبراهيم أيضاً ، فالتكلم مع الملائكة وتلقي بشارتهم ، وطرح الكلام عليهم ، وسماع كلامهم ، كل هذه هي حالات كانت المرأة مساهمة كالرجل في جميع ميادينها . وإذا كان أبو نبي تكلم مع الملائكة ، فإن أم النبي تحادثت معهم أيضاً . لذا نرى أنه تعالى عندما يذكر النساء في القرآن ، يعد أم مريم أو نفس مريم جزءاً من آل عمران ويجعلها في زمرة الأصفياء . قال تعالى في القرآن : ____________ (1) سورة هود ، الآية : 71 . (2) سورة هود ، الآيتين : 72 ـ 73 .
(156)
( ان الله أصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (1) . والمقصود من عمران هذا هو عمران أبو مريم ، وليس عمران أبو موسى ، لأن عمران أبا موسى لم يرد اسمه في القرآن ، أساساً . ثم قال الله تعالى : ( إذ قالت امرأة عمران ربّ اني نذرت لك ما في بطني محرراً ) (2) . إن الله تعالى عرف هاتين الإمرأتين بعنوان صفوة الناس في العالم . وفي نهج البلاغة نقرأ ان أمير المؤمنين عليه السلام قال بشأن فاطمة الزهراء عليها السلام . « قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري » (3) . فالإمام يذكرها بعنوان صفية أي هي صفوة الله ، مريم هي صفوة الله أيضاً ؛ وأم مريم هي صفوة الله حسب الظاهر أيضاً ، لأن آل ، يعني أهل ، وأم مريم كانت أهل عمران ، أي ان عمران الذي هو أبو مريم يعدّ رأس سلسلة هذه الأسرة ، ويقال للمنسوبين لهذه الأسرة آل عمران ؛ فكلتا الامرأتين مصطفاة لله . ____________ (1) سورة آل عمران ، الآيتين : 33 ـ 34 . (2) سورة آل عمران ، الآية : 35 . (3) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح الخطبة 202 .
(158)
|