إنّ أكثر العظماء الذين قضوا حياتهم في خدمة الناس، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقّوها في صغرهم فأثّرت على صناعة أنفسهم فأصبحوا عظماء بها... والقرآن الكريم حين يحدّثنا في أطول قصّة جاءت فيه تدور أحداثها عن الصراع القائم والدائم بين الحقّ والباطل... ومن أبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكلّ أبعاده وعناوينه هو موسى(ع) الذي جعله القرآن رمزاً في التحدّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الأرض... نجد أنّ طفولته عليه السّلام كانت تحت رعاية أم وصلت من خلال تربيتها لنفسها إلى درجة من الكمال الإنساني أوصلها إلى درجة أن يوحى إليها:
(وأوحينا إلى أمّ موسى). (القصص/7)
ثم تلقفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مدارج التكامل الإنساني وهي آسية زوجة فرعون التي تخلّت عن كلّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابل المبدأ والحركة الرسالية وتعرّضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وتده على لوحة خشبية وهي تدعو:
(ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله). (التحريم/11)
وأصبحت بذلك مثلاً ضربه الله للرجال والنساء المؤمنين:
(وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون). (التحريم/11)
وبالمقابل نجد انّ أكثر من يعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهم أيادي جاهلة تحيط بهم... وبمراجعة بسيطة في مزبلة التأريخ تلحظ طفولة المجرمين والطغاة نساءاً ورجالاً قاسية جافّة بسبب سوء التعامل مع النفس البريئة.
جاء في الحديث الشريف:
(قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته). (الوسائل/ باب 84)
(بادروا (احداثكم) بالحديث قبل أن تسبقكم إليه المرجئة). (الوسائل/ باب 84)
ومن هذه المقدمة ندرك أثر التربية على الطفل، حيث تكون نفسيّة الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقي فيها من خير أو شرّ يتلقّاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك... وضرورة الإسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة قبل أن يسبقنا إليه المجتمع ليزرع في الأرض الخالية من أفكار أو مفاهيم خاطئة.
|