متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3ـ علاقة المجاز اللغوي المرسل في القرآن
الكتاب : مجاز القرآن    |    القسم : مكتبة القرآن و الحديث

3 ـ علاقة المجاز اللغوي المرسل في القرآن


 كما هي الحال في وجوه المجاز العقلي فقد توسع البلاغيون في استخراج وجوه المجاز المرسل بما لا مسوغ لتكثيفه بلاغيا ، إذ بلغ حد التفريط المتعمد في علاقات مجازية قد تكون منفصلة حقا ، ولكن أغلبها قد يكون متداخلا ، يصح أن يندرج تحت صنف فصل عنه أو هو في مجراه ومقتضاه ، لذلك فتكثير هذه الأصناف إنما يحتاج الى دقة فلسفية أو منطقية لا ذائقة بلاغية ، والفلسفة والمنطق شيء والبيان العربي شيء آخر ، ونريد التعريض هنا بهذا المنحى بقدر ما نريد من استنباط الحالات المتواترة في مجاز القرآن اللغوي ، دون التأكيد على تلك التسميات التقليدية التي سبق منا القول فيها ضمن علاقة المجاز العقلي في القرآن : كالجزئية والكلية ، والسببية والمسببية ، والمحلية والحالية ، والآلية والمجاورة ، والملزومية واللازمية ، والمطلقية والمقيدية ، وأضراب ذلك من التفريعات المتشابكة ، والتصنيفات المتقاربة علاقات أهملنا الارتباط بها إلا جزئيا مما تقتضيه ضرورة البحث .
 الحق أن علاقة المجاز اللغوي المرسل في استنباط وجوه احتمالاته ، ومقتضيات مسبباته من الكثرة والوفرة والتشعب بحيث قد تخرج عن دائرة الذائقة والفطرة الى دائرة الولع بالتخريجات المضنية دون حاجة بلاغية الى ذلك ، سوى متابعة البيئات الكلامية التي نشأ بها علم البلاغة التقليدي ، فانطبعت آثار تلك البيئات على مسميات مفردات البلاغة تصنيفا وتطويلا ليس غير .
 لقد ضم هذه الوجوه بعضها الى بعض الدكتور أحمد مطلوب فأوصلها الى عشرين علاقة ووجها ، عدا اجتهاداته في التفريعات الأخرى(1) .
 وفي بحث مستقل أضفنا عدة وجوه للمجاز اللغوي المرسل مما
____________
(1) ظ : أحمد مطلوب ، فنون بلاغية : 111 ـ 118 .


( 155 )

يتناسب ومناخ التدقيق المنطقي للقضايا العقلية ، فهل ثمة من حاجة ملحّة الى تجديد هذا الأمر(1) .
 أعتقد أن في طريق انتخاب النماذج القرآنية ، واستيعاب أكبر أجزائها ـ دون هذه التسميات المخترعة ـ مندوحة عن الخوض في تقسيمات نود استبعاد المنهج البلاغي من ركابها ، أو استدارته على عجلتها ، ذلك ضمن حدود اجتهادية موجهة نحو الخلاصة المجدية ، والمهمة البلاغية النقية من الشوائب بإذن الله تعالى .
 1 ـ في كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( قم اللّيل إلاّ قليلا * )(2)
 ب ـ ( لا تقم فيه أبدا )(3)
 ج ـ ( ويبقى وجه ربّك )(4)
 د ـ ( كلّ شيء هالك إلاّ وجهه )(5)
 هـ ـ ( فتحرير رقبه مومنة )(6)
 و ـ ( وجوه يومئِذ خاشعة * عاملة نّاصبة * )(7)
 ز ـ ( واضربوا منهم كلّ بنان )(8)
 نتلمس عدة علاقات متينة السبب في هذه الآيات كافة ، مما يدفع الى حملها على المجاز اللغوي المرسل ، ولولا هذه العلاقات لكان الاستعمال
____________
(1) ظ : المؤلف ، الصورة الفنية في المثل القرآني : 162 وما بعدها .
(2) المزمل : 2 .
(3) التوبة : 108 .
(4) الرحمن : 27 .
(5) القصص : 88 .
(6) النساء : 92 .
(7) الغاشية : 2 ـ 3 .
(8) الأنفال : 12 .


( 156 )

حقيقيا ، فكشف علاقة كل مجاز هو دليل مجازية التعبير ، ولو لم تدرك العلاقة ، لما صح لنا التعبير عن هذا وذاك بالمجاز .
 ففي قوله تعالى : ( قم اللّيل إلاّ قليلا * )(1) وقوله تعالى : ( لا تقم فيه أبدا )(2) ندرك ـ والله العالم ـ أن القيام في هذين الموضعين بحسب العلاقة والعائدية التعبيرية : هو الصلاة ، كما هو منظور إليه في الاستعمال القرآني عند إطلاق لفظ القيام بمعنى الإقامة ، إن دلالة الكلمة هنا تعطي معنى : صلّ ، والعلاقة في ذلك كون القيام ركنا أساسيا ، وجزءا مهما في الصلاة ، فعبّر به لهذا الملحظ .
 وفي قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربّك . . . )(3) وقوله تعالى : ( هو كلّ شيء هالك إلاّ وجهه )(4) ، يبدو أن المراد بالوجه هنا الذات القدسية لله عز وجلّ ، وإلا فليس لله وجه بالمعنى الحقيقي على جهة التجسيم والمكان والإحلال والعينية والمشاهدة ، ولما كان الوجه هو ذلك الجزء الذي لا يستغنى عنه في الدلالة على كل ذات ، عبر به هنا عن الذات الإلهية مجازا على طريق العرب في الاستعمال بإطلاق اسم الجزء وإرادة الكل .
 وأن كان الأمر بالنسبة لقوله تعالى : ( وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * )(5) إذ المراد بذلك أجساد هؤلاء بقرينة العمل والنصب الذي تؤدي ضريبته الأجساد بتمامها ، لا الوجوه وحدها ، وإنما عبر عنها بالوجوه باعتبارها جزءا من الأجساد ودالا عليها .
 وفي قوله تعالى : ( فتحرير رقبة مؤمنة )(6) فإن المراد هو تحرير
____________
(1) المزمل : 2 .
(2) التوبة : 108 .
(3) الرحمن : 27 .
(4) القصص : 88 .
(5) الغاشية : 2 ـ 3 .
(6) النساء : 92 .



الرجل المؤمن أو العبد المؤمن ، ولما كانت الرقبة جزءا من هذا الكل ، وكان الاستعمال جاريا على هذا السنن في القرآن وعند العرب ، وذلك بدلالة الرقبة على النسمة ، كان ذلك مجازا لهذه العلاقة .
 وفي قوله تعالى : ( واضربوا منهم كلّ بنان )(1) فإن المراد ضرب الأيدي بما فيها البنان والرسغ والمعصم ، ولما كان البنان جزءا منها عبر به للدلالة عليها بهذه العلاقة .
 وأمثال هذا كثير في التعبير القرآني ، وهو باب متسع فيه .
 2 ـ وفي كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من )(2)
 ب ـ ( والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما )(3)
 نلمس مجازا مرسلا ، ولو تأملت فيه لوجدت علاقته عكسية بالنسبة للنماذج السابقة ، لأن المراد بجعل الأصابع ، هو وضع الأنامل في الآذان ، وهو القدر الذي تستوعبه ، وهي جزء من كلي الأصابع .
 والمراد بالأيدي جزءا منها لا كليّها ، لأن حدود القطع معروفة ومحددة عند الفقهاء ، ولا تشمل كلي الأيدي ، بل المقصود جزءا من هذه العلاقة كانت ( أصابعهم ) و ( أيديهما ) من الآيتين الكريمتين ، على سبيل من المجاز اللغوي المرسل ، وذلك بإطلاق اسم الكل على الجزء ، وإرادة الجزء ذاته فحسب .
 3 ـ وفي كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )(4)
 ب ـ ( وجزاؤا سيّئةٍ سيئةٌ مثلها )(5)
____________
(1) الأنفال : 12 .
(2) البقرة : 19 .
(3) المائدة : 38 .
(4) البقرة : 194 .
(5) الشورى : 40 .

( 158 )

 ج ـ ( ونبلوا أخباركم )(1)
 نقف على حدود مجاز لغوي مرسل على الوجه الآتي :
 ففي الآية (أ) أطلق الاعتداء على الجزاء ، وواضح أن الاعتداء الثاني في الآية غير الاعتداء الأول ، لأن الاعتداء الأول جرم ، والثاني جزاء ، وفرق بين الجرم والجزاء ، فلا يراد به الاعتداء حقيقة بالمعنى الأول ، بل المراد المجازاة فقط ، إذ لا يأمر الله بالاعتداء قطعا ، وإنما سمي كذلك لأنه مسبب عن الاعتداء الحقيقي ، فكان التعبير عنه بالاعتداء مجازا لأنه حصل بسبب الاعتداء وإن كان جزاء في واقعه .
 قال القزويني ( ت : 739 هـ ) « وإنما سمي جزاء الاعتداء اعتداءً لأنه مسبب عن الاعتداء »(2) .
 في الآية (ب) عبّر سبحانه عن الاقتصاص بلفظ السيئة ، والسيئة الثانية في الآية غير السيئة الأولى ، لأن السيئة الأولى ذنب والسيئة الثانية مقاصة ، وفرق بين الذنب والاقتصاص ، إذن فليس الاقتصاص سيئة ، ولكنه مسبب عنها ، فسمي باسمها ، وهذا المعنى هو المعني بقولهم : تسمية المسبب باسم السبب ، وذلك بأن يطلق لفظ السبب ويراد به المسبب كما في الآية (جـ) إذ أطلق تجوزا اسم البلاء على العرفان ، وليس البلاء عرفانا ، ولكنه مسبب عنه ، فكأنه تعالى قد أراد : ونعرف أخباركم ، لأن البلاء الاختبار ، وفي الاختبار حصول العرفان ، فعبر رأسا عن العرفان بالبلاء كما هو ظاهر في الاستعمال عند العرب ، فإنهم يقولون : رعينا الغيث ، والغيث هو المطر ، والمطر لا يرعى ، ومرادهم النبات والأعشاب لأنه سببهما الغيث .
 ويحمل على هذا قول عمرو بن كلثوم في معلقته(3) .


ألا لا يجهـلـن أحـد عليـنـا * فنجهـل فـوق جهـل الجاهلينـا

____________
(1) محمد : 31 .
(2) القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة : 400 تحقيق الخفاجي .
(3) ظ : الزوزني ، شرح المعلقات السبع : 178 .


( 159 )

 فالجهل الأول جار على وجهه الحقيقي ، والجهل الثاني محمول على الوجه المجازي ، لأنه ناجم عن الجهل الأول ، فعبر بالجهل مجازا عن مقابلة الجهل وصدّه ، وليس صدّ الجهل جهلا بل هو مكافأة له .
 وكذلك الحال فيما حمل عليه قوله تعالى : ( ومكروا ومكر الله )(1) من الاستعمال المجازي ، إذا أريد به العقوبة ، لأن المكر سببها ، وقيل : « ويحتمل أن يكون مكر الله حقيقة ، لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم ، وهذا محقق من الله تعالى ، باستدارجه إياهم بنعمه مع ما أعدّ لهم من نقمة »(2) .
 4 ـ وفي كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( وينزل لكم من السّماء رزقا )(3)
 ب ـ ( إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنّما يأكلون في بطونهم نارا )(4)
 ج ـ ( وكم من قرية أهلكناها فجآءها بأسنا بياتا أو هم قآئلون * )(5)
 نرصد مجازا لغويا مرسلا ، أريد به عكس ما أريد في النوع السابق في علاقته ، وهو المعني بقولهم : تسمية السبب باسم المسبب ، وذلك بأن يطلق لفظ المسبب ويراد به السبب بالذات .
 ففي الآية (أ) أطلق لفظ الرزق على الغيث أو المطر تجوزا ، لأن الرزق لا ينزل من السماء بهيئته وكيفيته المركزية المتبادرة الى الذهن ، وإنما ينزل الله المطر ، ولما كان المطر سببا في الرزق عبر عنه سبحانه بالرزق باعتبار السببية .
 وفي الآية (ب) عبر سبحانه عن أكل المال الحرام بأكل النار ،
____________
(1) آل عمران : 54 .
(2) القزويني ، الإيضاح : 400 تحقيق الخفاجي .
(3) غافر : 13 .
(4) النساء : 10 .
(5) الأعراف : 4 .


( 160 )

باعتباره يكون سببا لدخول النار واستحقاقها ، لا أنهم حقيقة يتناولون النار بالأكل ، ولما كان أكل أموال اليتامى ظلما يسبب دخول النار كان التجوز بالتعبير عنه بالنار ناظرا الى هذه الحقيقة .
 وفي الآية (ج) عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك تجوزا ، وذلك بقرينة « فجاءها بأسنا » إذ لا معنى لوقوع الإهلاك ، ومجيء البأس بعده ، وإنما يأتي البأس فيحدث الإهلاك عنده ، وإنما عبر عنه بالإهلاك رأسا ، لأنه سبب الإرادة المقتضية للإهلاك ، فكان ذلك من باب تسمية السبب باسم المسبب على ما يذهبون إليه .
 5 ـ وفي كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( وءاتوا اليتامى أموالهم )(1)
 ب ـ ( إنه من يأت ربّه مجرما )(2)
 مجاز لغوي مرسل ، أريد به تسمية الشيء باسم ما كان عليه ، ففي الآية (أ) المراد باليتامى الذي كانوا يتامى ، وإعطاء أموالهم وإيتاؤها إنما يكون بعد البلوغ ، ولا يتم بعد البلوغ ، فسماهم يتامى باعتبار ما كانوا عليه قبل البلوغ .
 وفي الآية (ب) سمى هذا الإنسان مجرما لا في حالته تلك يوم القيامة ، بل باعتبار ما كان عليه حاله في الحياة الدنيا من الإجرام ، فنظر الى ما كان عليه في السابق ، وأطلقه هنا تجوزا ، وألا فالمجرم يوم القيامة ذليل متهافت واهن لا يقوى على التمتع يومئذ بأية صفة من صفات الإجرام الدنيوية كمظاهر الجبروت والطغيان والعناد والإصرار والقوة ، بل وحتى إرادة المعصية صغيرة أو كبيرة ، وما أشبه ذلك ، إذ ليس هو هناك في مثل تلك الحال ، وإنما نظر إليه في تعبير الإجرام باعتبار ما كان عليه من الإجرام في الدنيا .
____________
(1) النساء : 2 .
(2) طه : 74 .


( 161 )

 وقد يرد المجاز اللغوي المرسل بعكس هذا الملحظ ، فينظر إليه باعتبار ما سيكون عليه ، فيسمى باسم ما سيؤول إليه مستقبلا ، كما في قوله تعالى :
 ( إني أراني أعصر خمرا * )(1) .
 فالتجوز هنا في العصر بالنسبة الى الخمر ، أو الخمر بالنسبة الى العصر ، والخمر لا يعصر فهي سائل قد عصر وانتهي منه ، وإنما العنب المتحول خمرا الذي يعصر ، فإطلاق الخمر وإرادة العنب منه هنا ، جاء على سبيل الاتساع ، باعتبار ما سيؤول إليه العنب بعد العصر ، وصيرورته خمرا .
 6 ـ وفي كل من قوله تعالى :
 أ ـ ( فليدع ناديه * )(2)
 ب ـ ( وسئل القرية )(3)
 ج ـ ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم )(4)
 مجاز لغوي مرسل ، ذكر فيه لفظ المحل ، وأريد به الحال فيه ، وهو المعني بقول الخطيب القزويني ( ت : 739 هـ ) تسمية الحال باسم محله .(5)
 ففي الآية (أ) تجوز بالدعوة للنادي ، والمراد ـ والله أعلم ـ أهل النادي والحالين به والمجتمعين فيه من الوجوه والأعيان وسراة القوم ، إذ لا تصح دعوة النادي لعدم قبوله الاستجابة والدعاء والتلبية أو الرفض ، وإنما دعي أهله وأصحابه .
____________
(1) يوسف : 36 .
(2) العلق : 17 .
(3) يوسف : 82 .
(4) آل عمران : 167 .
(5) القزويني ، الإيضاح : 403 تحقيق الخفاجي .


( 162 )

 وفي الآية (ب) تجوز بالسؤال للقرية ، والمراد ـ والله أعلم ـ أهل القرية والساكنين فيها ، إذ لا يصح سؤال الأبنية والجدران بل الأهل والسكان .
 وفي الآية (ج) تجوز بإطلاق الأفواه لإرادة الألسن ، لأن القول لا يصدر إلا عن اللسان ، ولما كان موقع اللسان هو الفم ، عبّر بالأفواه تجوزأ عن الألسن الحالة فيه .
 وقد يرد المجاز اللغوي المرسل على عكس هذا الأمر ، فيما ذكر فيه لفظ الحال وأريد به المحل ، وذلك نحو قوله تعالى :
 ( وأمّا الّذين ابيّضّت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون * )(1) .
 فقد تجوز بالرحمة وأراد بها الجنة ، لأن الخلود إنما يتم فيها ، ولما كانت الجنة محلا ومقاما للرحمة ، والرحمة حالة بها ، عبر عنها بما هو حال فيها ، وهو الرحمة والمراد الجنة .
 وهكذا تجد علاقة المجاز اللغوي المرسل متعددة ، ووجوه ارتباطاته متشابكة ، واكتفينا بهذا القدر الجامع في الإيراد ، عما توسع به البلاغيون من الأصناف .
 السبب في هذا أن البلاغيين قد أغاروا في جملة من الأصناف على علم المعاني كما نذهب إليه جزء لا يتجزأ من علم النحو العربي ، أهمل النحاة جانبه ، فأكد البلاغيون التقليديون صلته بالبلاغة(2) .
 على أن في المعاني لمسات بلاغية ، وشذرات بيانية ، ولكن رأينا أنه بالنحو ألصق . فإذا رأينا جملة من البلاغيين قد بحثوا المجاز اللغوي المرسل ، وعددوا أصنافه ، أشتاتا من مفردات علم المعاني ، فهذا ما لا يتفق مع منهجنا .
 لقد أطنب الزركشي ( ت : 794 هـ ) في ذكر جملة من الأصناف
____________
(1) آل عمران : 107 .
(2) ظ : المؤلف ، علم المعاني بين الأصل النحوي والموروث البلاغي .


( 163 )

العديد للمجاز اللغوي المرسل ، وادعى ورودها في كتاب الله(1) .
 وقد تفنن ابن قيم الجوزية ( ت : 751 هـ ) فاعتبر خروج الخبر الى الإنشاء ، والإنشاء الى الخبر ، والتقديم والتأخير من المجاز ، وهي مباحث علم المعاني(2) .
 وقد عدّ التفتازاني ( ت : 791 هـ ) استعمال أدوات الاستفهام في غير الاستفهام من المجاز(3) .
 وقد ذهب بهاء الدين السبكي ( ت : 773 هـ ) الى تداخل علم البيان وعلم المعاني في هذا الباب وعد بعض أنواع البديع كالمشاكلة والتورية والاستخدام من المجاز(4) .
 وقد عدّ السيوطي ( ت : 911 هـ ) خروج الخبر الى الإنشاء ، والإنشاء الى الخبر من المجاز ، وأشار الى أن بعضهم يرى التقديم والتأخير والالتفات والتغليب من المجاز(5) .
 هذه بعض معالم التوسع في علاقة المجاز اللغوي المرسل عند جملة من البلاغيين التقليديين ، وهذا التوسع لم يعدم أن يجد له نصيرا عند طائفة من المحدثين ، يقول الدكتور أحمد مطلوب :
 « ونحن حينما نعيد تصنيف المجاز ينبغي أن ندخل فيه هذه المسائل ، لأنها شديدة الصلة به ، بل لأنها ألوان بديعة من فنونه ، ونرى أن تدخل في المجاز المرسل ، لأنه واسع الخطو فسيح المدى ، وله علاقات كثيرة يمكن التوسع فيها »(6) .
 ونحن نخالفه في هذا الرأي بنفس المنظار لديه ، ولكن من وجهة نظر متقابلة ، فنحن حينما نعيد تصنيف المجاز ينبغي أن نستبعد من هذه
____________
(1) ظ : الزركشي ، البرهان 2 : 258 ـ 299 .
(2) ابن قيم الجوزية ، الفوائد : 82 .
(3) التفتازاني ، المطول : 235 .
(4) السبكي ، عروس الأفراح 1 : 493 .
(5) السيوطي ، الأتقان في علوم القرآن : 2/36 .
(6) أحمد مطلوب ، فنون بلاغية : 120 .


( 164 )

التقسيمات الأجنبية ، وهذه التدقيقات الفلسفية لأنها بعلمي المنطق والفلسفة أولى ، وحيما نريد أن نبني البلاغة العربية علينا التهذيب والتشذيب ، لا الإضافات والزيادات ، لتخامر البلاغة ذهنية العربي المعاصر ، بدلا من هروبه عنها ، لأن المراد هو التيسير ، وأما كثرة الأصناف وتوالي التقسيمات ، فمما يدعو الى التعقيد في نظر إنسان اليوم الذي يريد الزبدة التطبيقية والتنظيرية ، لا الرسوم والتفريعات .
 وفي هذا الضوء استبعدنا جملة من التخريجات المطولة للمجاز اللغوي المرسل في وجوه علاقاته ، ناظرين الى هذا المدرك الذي يدعو الى صيانة البلاغة العربية من الإضافات المتكررة ، أو الزيادات الوهمية .
 على أننا لا نغالي إذا قلنا أن مجالات المجاز اللغوي المرسل تتسع الى مئات الأصناف والأنواع ؛ لأنها ميدان العواطف في التجوز ، ومضمار المشاعر في التنقل ، وساحة اللغة في الأتساع ، ومرونة العربية في التخطي من أفق الى افق ، ولكن هذا لا يمانع من نفي الشوائب ، وتحاشي الفضول ، وغربلة التراث ، والله المستعان .



( 165 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net