متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 ـ مجاز القرآن : عقلي ولغوي
الكتاب : مجاز القرآن    |    القسم : مكتبة القرآن و الحديث

4 ـ مجاز القرآن : عقلي ولغوي

 بعد هذا العرض والتحقيق نتمكن أن نقول مطمئنين ان المجاز في القرآن قسمان : لغوي وعقلي . فاللغوي ما استفيد فهمه عن طريق اللغة وأقل اللسان بما يتبادر اليه الذهن العربي عن الإطلاق في نقل اللفظ من معناه الأولي الى معنى ثانوي جديد . والعقلي ما استفيد فهمه عن طريق العقل ، وسبيل الفطرة من خلال أحكام طارئة ، وقضايا يحكم بها العقل لدى إسناد الجملة . وسيأتي التحقيق في القسمين في موضعهما المناسب (1) . والطريف أن نشاهد السكاكي ( ت : 626 هـ ) منكرا للمجاز العقلي تارة ومثبتا له تارة أخرى(2) .
 وقد وافقه على ذلك القزويني ( ت : 739 هـ ) وعدّه مجازا بالإسناد ، وقد أخرجه من علم البيان ، وأدخله في علم المعاني ، متناسيا أن المجاز العقلي إنما يدرك بالإسناد بينما نجده معترفا به ، ومعقبا لأقسامه وتشعباته بعد حين ، مما يعني عدم وضوحه لديه(2) .
 وقد تابع هذا التأرجح صاحب الطراز فقال :
 « والمختار أن المجاز لا مدخل له في الأحكام العقلية ، ولا وجه لتسمية المجاز بكونه عقليا ، لأن ما هذا حاله إنما يتعلق بالأوضاع اللغوية دون الأحكام العقلية »(4) .
 وهذا الإخراج للمجاز العقلي لا يستند الى قاعدة بلاغية ، وتعارضه دلائل الاحوال ، لأن المجاز العقلي هو طريق البلاغيين في الأستنباط ، وسبيلهم الى اكتشاف المجهول بنوع من التأول والحمل العقلي ، ويتم ذلك
____________
(1) ظ : فيما بعد الفصل الرابع والفصل الخامس .
(2) ظ : السكاكي ، مفتاح العلوم : 194 ـ 198 .
(3) ظ : القزويني ، الإيضاح : 97 وما بعدها .
(4) العلوي ، الطراز : 1/ 25 .


( 80 )

بالاستجلاء لأحكام الجملة في التراكيب ، وإن بقيت الكلمات على حقيقتها اللغوية دون تجوز . وإليه يميل الزركشي ( ت : 794 هـ )بعده المجاز العقلي هو الذي يتكلم به أهل الصنعة بقوله عنه : « وهو أن تستند الكلمة الى غير ما هي له أصالة لضرب من التأويل ، وهو الذي يتكلم به أهل اللسان »(1) .
 وقد كان عبد القاهر ـ كما سنرى فيما بعد ـ قد أولى هذا النوع من المجاز عناية فائقة ، واعتبر كنزا من كنوز البلاغة ، وهو مادة الإبداع عند الكتاب والشاعر ، وسبيل الاتساع في طرق البيان ، قال : « وهذا الضرب من المجاز على جدته كنز من كنوز البلاغة ،ومادة الشاعر المفلق ، والكتاب البليغ في الإبداع والإحسان ، والاتساع في طرق البيان ، وأن يجيء بالكلام مطبوعا مصنوعا ، وأن يضعه بعيد المرام ، قريبا من الإفهام »(2) .
 وليس ملزما لأحد ما ذهب بعضهم من أن المجاز العقلي من مباحث علم الكلام ، وأولى أن يضم إليه ، لأنه من كما اتضح من تفصيلات عبد القاهر ، وإشارات القزويني ، يعد كنزا من كنوز البلاغة ، وذخرا يعمد إليه الكاتب البليغ والشاعر المفلق والخطيب المصقع ، وليس أدل على ذلك من أن القدماء استعملوا في كلامهم ، وأن القرآن الكريم حفل بألوان شتى منه ، وأن البلاغيين والنقاد أشاروا إليه وذكروا أمثلته ، وإن لم يطلق عليه الإسم إلا موخرا على يد عبد القاهر . وهذا كله يدل على أن المجاز العقلي لون من ألوان التعبير ، وأسلوب من أساليب التفنن في القول ، ولا يخرجه من البلاغة إفساد المتأخرين له ، وإدخال مباحث المتكلمين فيه عند تعرضهم للفاعل الحقيقي(3) .
 وقد كان سعد الدين التفتازاني ( ت : 791 هـ ) موضوعيا حينما رد القزويني لإدخاله المجاز العقلي في مباحث علام المعاني فقال : « لان علم المعاني إنما يبحث عن الأحوال المذكورة من حيث أنها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال . وظاهر أن البحث في الحقيقة والمجاز العقليين ليس من
____________
(1) الزركشي ، البرهان : 2/ 256 .
(2) عبد القاهر ، دلائل الإعجاز : 295 تحقيق : محمود محمد شاكر .
(3) أحمد مطلوب ، فنون بلاغية : 109 .


( 81 )

هذه الحيثية فلا يكون داخلا في علم المعاني . وإلا فالحقيقة والمجاز اللغويان أيضا من أحوال المسند إليه أو المسند »(1) .
 وأما المجاز اللغوي فلا يختلف إثنان بأنه الأصل الموضوعي للمجاز ؛ ولما كان المجاز اللغوي ـ كما أسلفنا ـ ذا فرعين في التقسيم البلاغي ، لأن مجاله رحاب اللغة في مرونة الاستعمال ، وصلاحيتها في الانتقال من معنى مع وجود القرينة الدالة على المعنى الجديد لوجود المناسبة بينه وبينها ، وتوافر الصلة بين المعنى الأولي والمعنى الثانوي ، فأن كانت العلاقة المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ؛ فهو الاستعارة . ولا حديث لنا معها إلا لماما لأن التفريق الدقيق يقتضي رصدها بمفردها ، لأنه حقيقة بذاتها ، فهي استعارة وكفى ، وإن لم يكن العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي المشابهة ؛ فهو المجاز المرسل ، وحديثنا عن المجاز اللغوي حديث عنه ، وحديثنا عن المجاز القرآني سيكون مقتصرا عليه وعلى المجاز العقلي . لأننا قد وجدنا القرآن بحق قد استوعب نوعي المجاز العقلي واللغوي لدى التنظير ، أو عندما تستخرج جواهرها من بحره المحيط .
 وسنقف عند هذين النوعين وقفة الراصد المتأني ، بعد أن نعطي صورة واضحة بقدر المستطاع عن الخصائص الفنية في مجاز القرآن بعامة .


____________
(1) التفتازاني ، المطول : 54 .


( 82 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net