مدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم |
الكتاب :
نظرات معاصرة في القرآن الكريم | القسم :
مكتبة القرآن و الحديث
|
|
مدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم ألقي في المؤتمر العلمي الثالث لكلية الفقه في النجف الاشرف / جامعة الكوفة المنعقد في 14 رمضان 1408 هـ 3 ـ 4 / 5 / 1988 م في قاعة الإدراة المحلية ، ونشر في العدد الممتاز المتخصص بدراسات القرآن لمجلة المورد الصادر بتأريخ 1988 . وكان شعار المؤتمر « دور الكوفة في التراث العربي والاسلامي » .
(46)
(47) هبط القرآن الكريم في جزيرة العرب ، والأمة العربية تمثل ذروة قدراتها الإبداعية في فن القول . والقرآن العظيم ، وهو إنساني الرسالة ، إلا أنه عربي النص ، مستشرف العبارة ، مشرق الديباجة بوجه من عروبته الناطقة ، وتبقى هذه العربية أصلاً قويماً في دلائل إعجازه ، بل الأصل الأول ، وما تبقى من دلائل فروع هذا الأصل العريق . القرآن من وجه ثروة بلاغية لا تنفد ، ومعين تراثي لا ينضب ، وهو كتاب هداية وإرشاد وتشريع من وجه آخر . هذا التقييم الطبيعي للقرآن مختص به ، لا يشاركه في أبعاده أي كتاب إلهي أو بشري . إذن : إجتمع في القرآن أصل من عربيته الفصحى ، وقيمتان : بلاغية وتشريعية متميزتان ، ذلك ما دعا علماء العرب ، وجهابذة المسلمين ، وفحول المستشرقين ، وجملة من الأوربيين ، أن ينهلوا من روافده حيناً ، وأن يحدبوا على فهمه الحقيقي بعض الأحايين ، وقد نتج عن هذا المنطلق الأثير إمتداد يد الباحثين الأمينة للقرآن ، فعالجت شتى علومه ، وأستخرجت جملة من كنوز أسراره ، فأضفت على البحث الموضوعي برداً من الجدة لا يبلى ، وأفاضت سبيلاً من المعارف لا يفنى . وكان دور العرب والمسلمين في هذا المجال بارزاً غير خفي ، وِقدحهم المعلى في الميادين كافة . نشأت المدارس الحضارية التي تعنى بالتراث في ظل حضارة الاسلام في الحواضر العربية في كل من :
(48) مكة المكرمة ، المدينة المنورة ، البصرة ، الكوفة ، بغداد ، الموصل ، النجف الأشرف ، القاهرة ، الشام ، إشبيلية ، غرناطة ، القيروان وتونس . كان بعض هذه المدارس كياناً مستقلاً ، وبعضها كان أمتداداً للمدارس الأم . إذ كانت النشأة مختلفة في جملة من المجالات ، فالأصل دون نزاع المدرستان العراقيتان العريقتان في البصرة ، تأسست في العام الخامس عشر الهجري ، وفي الكوفة تأسست في العام السابع عشر الهجري ، وبدأ العطاء العلمي فيهما مع التأسيس حتى البناء المتكامل . مدرسة مكة أندر عطاء ، ومدرسة المدينة أكثر حيوية ، ومدرسة البصرة أوسع مادة ، ومدرسة الكوفة أغلى قيمة ، وأعظم شهرة ، فمولد الاسلام في مكة ، وترعرعه في المدينة ، ونشأته الحضارية المتحفزة في كل من البصرة والكوفة . حقاً لقد كانت نصيب العراق العلمي والتأسيسي غنياً في هذه المسيرة الأكاديمية المتطورة ، فبعد البصرة في إزدهارها ، والكوفة في عطائها ، زهت مدرسة بغداد التراثية على يد ابن قتيبة ( ت : 276 هـ ) ، في العصر العباسي الأول ، وتأسست مدرسة النجف الأشرف على يد الشيخ الاكبر أبي جعفر الطوسي ( ت : 460 هـ ) في العصر العباسي الثاني ، وتبلورت مدرسة الموصل الحدباء بجهود ابنا الأثير مجتمعين لا سيما ضياء الدين ( ت : 637 هـ ) في أواخر الدولة العباسية . وأعطت كل مدرسة ثمرات أوراقها في النحو وعلوم القرآن والتفسير واللغة والنقد والأدب والفقه والأصول والبلاغة والفلسفة والترجمة ، والتأريخ والجغرافيا ، والببلوغرافيا ، والكيمياء ، والجبر والفلك والهندسة والطب وعلم الأصوات والايقاع الموسيقي وغيرها . وهذه مفردات علمية هائلة يحتاج النهوض فيها الى جمهرة من العلماء والباحثين والمهرة والطلاب وشيوخ الصناعة في كل فنّ ، رؤساء الجامعات في العصر الحديث أدرى بحجم هذه المفردات وأوعى لمشكلاتها ، وأعلم بدلائلها الموسوعية . وكان الأزهر في القاهرة ، والشام في كل من : بيت المقدس ودمشق وحلب الشهباء ، وجامع الزيتونة في تونس ، والقرويين في المغرب ، مدارس سيارة لفنون العرب والاسلام .
(49) وكانت الدولة العربية في الأندلس تحتضن الحواضر العلمية في كل من إشبيلية وغرناطة وطليطلة وقرطبة ، فانتشرت الثقافة وكثر التصنيف ، وحملت المجامع والجوامع برؤوس التراثيين الاعلام . وكان المشرق الاسلامي في حواضره العلمية يغذي الحركة الثقافية بأمداد من فيضه المتدفق في الفقه والحديث والأصول والأدب وعلوم القرآن والتفسير فكان اقليم خوارزم ، وخراسان ، وجرجان وطبرستان والري حواضر علم ، ومحافل شعر ، ومقرّات تصنيف وتأليف ، ومجامع الفحول من علماء العربية والاسلام . وكان القرآن الكريم في جميع ما ذكرنا من مدارس وأقاليم ودول ومشاهد هو المتصدر لحلقات الدرس والبحث والاستكشاف العلمي ، وكانت الريادة فيه تعني سبر ما في أغواره من عمق ، وبيانه من إتساق ، وأبعاده من بلاغة ، وسوره من إعجاز ، وآياته من تأويل وكشف وتفسير . وتبقى مدارسة القرآن في جدية ، واستيعاب جزئياته بنهم ، تكويناً وأصالة من نصيب مكة والمدينة في مرحلة البداية ، ومدرستي البصرة والكوفة في مرحلة التأصيل لهذا الفن ، وآمتد فيما بعد ذلك الشعاع الهادي إلى الحواضر العربية تدريجياً حتى إستقطبها جميعاً في أبعاد متفاوتة ، وكان ما قدمته هذه الحواضر من جهود قرآنية ، يصل بها إلى الذروة الصاعدة من بين الجهود الانسانية المبدعة . ولا غرابة أن تكون مرحلة التكوين لعلم التفسير وقد رسخت النواة الصالحة التي انبثقت عنها مدونات علم التفسير في مرحلة التأصيل ، ويمكننا إلقاء الضوء عليها بما يلي : 1 ـ مدرسة مكة ، وكان قوامها بعد النبي وآله وأصحابه : النخبة الرائدة من أصحاب ابن عباس ( ت : 68 هـ ) وابن عباس رأسها . وقد نبغ فيها كنموذج أرقى : مجاهد بن جبر المكي ( ت : 100 ـ 103 هـ ) وعكرمة مولى ابن عباس ( ت : 104 هـ ) وأمثالهما من الرواد الأوائل ، ممن أخذ عن ابن عباس أخذاً حثيثاً متواصلاً .
(50) وكان ابن عباس قد أخذ لباب هذا العلم وطريقته عن الامام علي كما هو منصوص عليه (1) . 2 ـ مدرسة المدينة : وكان قوامها في مرحلة التكوين ثلاثة من أئمة أهل البيت هم : الامام علي بن الحسين زين العابدين ( ت : 95 هـ ) والامام محمد الباقر ( ت : 114 هـ ) والامام جعفر الصادق ( ت : 148 هـ ) كما اعتمدت هذه المدرسة طائفة من تلامذة أبي بن كعب ( ت : ) وأصحاب زيد بن أسلم ( ت : 136 هـ ) . وقد امتازت هذه المدرسة بالتجرد والموضوعية ، والكشف عن مراد الله من كتابه ، فيما أثر عنها من روايات محددة . 3 ـ مدرسة البصرة ، وكان على رأسها الحسن البصري ( ت : 114 هـ ) وأبو عمرو بن العلاء ( ت : 145 هـ ) وهو أحد القراء السبعة ، وعيسى بن عمر الثقفي ( ت : 149 هـ ) وكان من مشاهير القراء ، والخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت : 175 هـ ) فيما آثر عنه من دروس ، وكان قد كتب في جملة العلوم العربية المتخصصة ، وفي كتابه ( العين ) شذرات قرآنية أملتها طبيعة البحث اللغوي في الاستشهاد والاستنباط على حد سواء (2) . وكان أبو عبيدة ، معمر بن المثنى الليثي ( ت : 210 هـ ) في كتابه « مجاز القرآن » قد قفز بالتفسير اللغوي للقرآن عند البصريين إلى مرحلة التأصيل مستفيداً من تجربة الفراء ( ت : 207 هـ ) أو موازياً له في المنهج بحدود كثيرة (3) . هذه خلاصة موجزة إقتضها طبيعة البحث في التمهيد لنقف عند مدرسة الكوفة وجهودها في تفسير القرآن العظيم . إذا استعرضنا حياة مدرسة الكوفة التفسيرية ، وجدناها تمثل إتجاهيين ____________ (1) ظ : الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 2 / 157 . (2) حققه الدكتور مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، وطبعته وزارة الاعلام في ثمانية أجزاء . 3 ـ حققه الدكتور فؤاد سزكين ، ونشرته مكتبة الخانجي ، الطبعة الثانية ، القاهرة / 1970 .
(51) رئيسين في مرحلة التكوين والتدوين معاً وهما : أ ـ الاتجاه التدريسي ؛ ويمثلها بن مسعود ( ت : 32 هـ ) فقد كان صاحب مصحف معروف ، وكان مفسراً للقرآن ، وحافظاً له ، ومقرناً فيه ، وجملة تابعة له من تلامذته ، وفي طليعتهم مسروق بن الاجدع ( ت : 63 هـ ) والاسود بن يزيد ( ت : 75 هـ ) والربيع بن خثيم ، وعامر الشعبي ( ت : 105 هـ ) وأمثالهم من المفسرين الأول لنتفٍ من آيات القرآن سائرة في ركاب علم الحديث تجدها في مظانها من كتب التفسير ، وكان ذلك بهدف تعليم القرآن استناداً إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم « من أحب أن يسمع القرآن غضاً فليسمعه من ابن أم عبد » (1) ، يعني ابن مسعود ، وكان ذلك حثاً على تلقي القرآن منه ، مضافاً إلى توجيهاته له ، مما عنى تشكيل مدرسة الكوفة التفسيرية والقراءتية والتعليمية بوقت واحد في شكلها الأولي . ب ـ الاتجاه النصي ، ويمثله تلامذة الامامين محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام ، وقد نشأت عنه طبقتان تقيدت بنقل النصوص رواية وكتابة ، وإن إجتهدت الطبقة الثانية في حدود لا تتعدى توضيح النص وشرحه : أ ـ طبقة الرواة ، وفي طليعتهم : زرارة بن أعين الكوفي ، وعلي بن الحسن الوشار الكوفي ، ومحمد بن مسلم الكوفي ، ومعروف بن خربوذ الكوفي ، وحريز بن عبد الله الأزدي الكوفي (2) . وقد امتازت روايات هؤلاء بالدقة والضبط والأمانة ، وهم معروفون بالوثاقة والدراية وحفظ الرواية . ب ـ طبقة المؤلفين ؛ وهم الذين أبقوا لنا أثراً تفسيرياً معتمداً قيماً ، وفي طليعتهم : فرات بن إبراهيم الكوفي ، وأبو حمزة الثمالي الكوفي ، ____________ (1) الكشي ، الرجال ، عن الكنى والألقاب : 1 / 216 . (2) ظ : الخوئي ، معجم رجال الحديث : 4 / 255 فيما يتعلق بترجمة ( حريز ) ، وسماه البرقي : 90 .
(52) ومحمد بن إبراهيم النعماني الكوفي وأضرابهم (1) ، وألف أبان بن تغلب ( ت : 141 هـ ) كتاب الغريب في القرآن ، وذكر شواهده من الشعر (2) . وقد ألف محمد بن السائب الكلبي الكوفي ( ت : 146هـ ) تفسيراً للقرآن (3) . وبحدود هذا التأريخ نسب الاستاذ بروكلمان للامام جعفر الصادق ( ت : 148 هـ ) كتاباً يسمى ( تفسير القرآن ) (4) . وأبو النضر ، محمد بن مسعود بن محمد السلمي الكوفي المعروف بالعياشي ( ت : 300 هـ ) لم يصلنا من كتاباته الكثيرة إلا كتابه في التفسير الذي نقحه علي بن إبراهيم الكوفي ، وهو المعروف اليوم بـ ( تفسير العياشي ) . ومن أبرز علماء التفسير في القرن الرابع في الكوفة : علي بن إبراهيم بن هاشم الأشعري نسباً ، والكوفي مولداً ونشأة ، والقمي هجرة وشهرة ، وله تفسير القرآن ، مطبوع عدة مرات . وطبقة المؤلفين الأوائل هذه ، لم يصلنا من تآليفهم التفسيرية إلا النزر القليل ، مما هو مطبوع طبعاً رديئاً ، أو مما هو مخطوط لم تمتد له يد التحقيق ، ومما علمنا به من خلال النقل عنه في كتب التراث ولم نره . بيد أن ما وقفنا عليه من سرد لأسماء المصنفين والاعلام ، والمؤلفات التفسيرية في الفهارس ، وما شاهدناه فيما بعد فترة التكوين من جهود تفسيرية بناءة ، جعلنا نتجه إلى واقع المذهب الكوفي في التفسير بعناية إكتشافه والتحقق من منهجيته فرأيناه بايجاز يميل إلى ظاهرة الاستعمال اللغوي ، والتبادر الذهني عند العرب لدى إطلاق الألفاظ في مداليلها ، والتوجه إلى فروق اللغة وخصائص العربية ، والاهتمام بالتعبير ____________ (1) ظ : محمد حسين الطباطبائي ، القرآن في الاسلام : 60 . (2) ظ : الخوئي ، معجم رجال الحديث : 1 / 23 . (3) (4) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : 4 / 9 ـ 11 .
(53) البدوي في الشعر الجاهلي ونحو ذلك ، فضلاً عن العناية المركزية بالمأثور ، وما يتعلق فيه من روايات ومقارنات ودراسات وملخاصات . فإذا قارنا بين هذا وذاك وجدنا ، الأثر الروائي والأثر اللغوي ، بكل تشعباتهما ، يشكلان مدرسة الكوفة التفسيرية ، ويمثلان معلماً بارزاً من معالم التفسير ، فإذا ضغطنا العلاقات التراثية بين الأثرين ، اقتضى ذلك كشف الجهد المشترك بين هذين الأصلين من أجل الوصول إلى القاعدة التي ترسو عليها مدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم . كان علي بن حمزة الكسائي ( ت : 189 هـ ) شيخ مدرسة الكوفة النحوية دون منازع ، وهو التلميذ الوفي لمؤسس هذه المدرسة أبي جعفر الرؤاسي الكوفي . وكان الرؤاسي معاصراً للخليل بن أحمد الفراهيدي ، وكتابه « الفيصل » في النحو يأخذ عنه سيبويه ( ت : 180 هـ ) فإذا ذكر في الكتاب : الكوفي ، فإنما يعني أبا جعفر الرؤاسي (1) . ولقد إختار الكسائي لنفسه طريقة خاصة في القراءة وعدّ بها من القراء السبعة ، وكان قد أخذ القراءة مذاكرة عن حمزة الزيات ، وسمع من الامام جعفر الصادق (2) . ولقد أثنى ابن جني ( ت : 392 هـ ) على دقة الكسائي في النحو وضبطه في العربية (3) . وللكسائي كتابان في القرآن هما : كتاب المشتبه في القرآن (4) . كتاب ما إشتبه من لفظ القرآن ، وتناظر من كلمات الفرقان (5) . وتجد في منهج الكسائي التأليفي في هذا النمط مزجاً كلياً بين تفسير ____________ (1) ظ : بروكلمان ، تأريخ الادب العربي : 2 / 197 ، و ظ : مصادره . (2) ظ : الخوئي ، البيان في تفسير القرآن : 155 . (3) ظ : ابن جني ، الخصائص : 1 / 84 . (4) موجود في : باريس أول 665 ، رقم (4) وهو نفسه كتاب : المشبهات في القرآن . (5) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : 2 / 199 .
(54) مفردات القرآن ، ومدارك اللغة ، وقضايا الصرف والموازين ، ومذاهب القراء ، ومصادر النّحو العربي . على أن الفراء أشهر تلاميذ الكسائي ، وهو يحيى بن زياد الكوفي ( ت : 207 هـ ) هو أول من تناول مسائل النحو ، ومصادر اللغة ، وفلسفة العربية الفصحى في كتابه الجليل : « معاني القرآن » (1) . وقد بدأ الفراء بإملاء هذا الكتاب على تلامذته استقراءً من فاتحة الكتاب حتى استوفى القرآن العظيم ، فكان الرجل من تلامذته يقرأ الآية ، والفراء يفسر ، وهكذا حتى أتم الكتاب إملاءً من غير نسخة (2) . وإنتشر الكتاب في بغداد إنتشار النار في الهشيم ، ولا أحسب الخطيب البغدادي مبالغاً فيما رواه عن أبي بديل الوضاحي في هذا الصدد ، قال : فأردنا أن نعد الناس الذين إجتمعوا لإملاء كتاب المعاني ، فلم يضبط قال : فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضياً » (3) . وقد ذهب ثعلب ( ت : 291 هـ ) مذهباً إفتائيًّا في الثناء عليه فقال : « لم يعمل أحد قبله مثله ، ولا أحسب أن أحداً يزيد عليه » (4) . وقد إعتبر الاستاذ بروكلمان : الفراء : أول من قعد لدرس تفسير القرآن في مسجد من مساجد بغداد ، ونقل قول ثعلب : « ولولا الفرّاء لما كانت اللغة ، لأنه خلصها وضبطها ، ولولا الفّراء لسقطت العربية ، لأنها كانت تتنازع ويدعيها كل من أراد ، ويتكلم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب » (5) . والدقة تقتضي : أن يقال : إن الفراء هو أول منظم لدرس التفسير أسبوعياً من ناحية الزمن ، وتسلسلياً من ناحية ترتيب المصحف ، وتكاملياً من حيث استقطب كل سور القرآن ، وليس هو أول من ألقى دروساً مستقلة ____________ (1) حققه الاستاذ محمد علي النجار . (2) ظ : مقدمة المعاني : 1 / 13 . (3) ظ : معاني القرآن ، مقدمة التحقيق : 1 / 13 . (4) ابن النديم ، الفهرست : 66 . (5) ظ : بروكلمان ، تأريخ الادب العربي : 4 / 9 وانظر مصادره .
(55) في التفسير، بل هو أول من ألقى دورساً منظمة في التفسير . ولمدة سنتين لم ينقطع خلالها فيما رتبه لنفسه على النحو الذي يشير إليه بدقة ميدانية : أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمري ( ت : 268 هـ ) بقوله لدى تدوينه معاني القرآن ، « هذا كتاب فيه « معاني القرآن » أملاه علينا أبو زكريا : يحيى بن زياد الفراء يرحمه الله ، عن حفظه من غير نسخة ، في مجالسه : أول النهار ، من أيام : الثلاثاوات والجمع ، في شهر رمضان ، وما بعده من سنة إثنتين ، وفي شهور سنة ثلاث ، وشهور من سنة أربع ومائتين » (1) . وتشوق الناس إلى كتب الفراء ، بعد إنتشار المعاني . وكان أبو العباس ، أحمد بن يحيى المعروف بثعلب ( ت : 291 هـ ) إمام الكوفيين في زمانه ، قد نسب له الحريري في ( درة الغواص ) كتاباً إسمه ( معاني القرآن ) (2) . ويبدو أنه يدور في فلك الفراء من حيث العرض والأسلوب ، لأن هذا هو الشائع في العصر آنذاك . وأبو بكر بن الأنباري ( ت : 328 هـ ) يعد من أبرز تلامذة ثعلب ، وأكثرهم أخذاً عنه ، وقد أتقن اللغة وتفسير القرآن ، فألف كتاب : الوقف والابتداء في القرآن الكريم ، وهو المعروف بـ « كتاب الايضاح في الوقف والابتداء » وقد لمحت له طبعة حديثة جيدة ، ومنه عدة نسخ خطية في مكتبات العالم (3) . وكان أبو بكر السجستاني ( ت : 330 هـ ) تلميذ أبي بكر بن الانباري ، وله كتاب طريف اسمه : « اشتقاق أسماء نطق بها القرآن ، وجاءت بها السنن والاخبار » وهذا العنوان والكتاب ، هو المحفوظ خطياً في الأسكوريال : ثاني / 1326 . ويذهب بروكلمان أن عنوان الكتاب هو : نزعة القلوب أو ( المكروب ) في غريب القرآن أو في ( تفسير كلام علاّم الغيوب ) وهو لا يذكر مواد ____________ (1) ظ : الفراء ، معاني القرآن : 1 / 1 . (2) ظ : بروكلمان ، تأريخ الادب العربي : 2 / 199 . (3) ظ : المصدر نفسه 2 / 216 .
(56) المفردات اللغوية من حيث اشتقاقها ، بل يرتب المفردات على حروف المعجم (1) . بعد هذا العرض الموجز لمصاقبه مدرسة النحو واللغة والاعراب ، لمدرسة التفسير القرآني في الكوفة ، وسير الأولى بركاب الثانية ، وإستناد الثانية على حصيلة الأولى ، نستطيع أن نقطع حازمين أن إرساء قواعد هذه المدرسة يعود إلى سببين : الأول : الأثر التدويني فيما أثر من روايات وأحاديث تفسيرية للقرآن أو لبعض القرآن في القرن الأول والثاني من الهجرة ، في جهود طبقة الرواة الثقات ، وطبقة المؤلفين الروّاد . الثاني : الأثر اللغوي المستند في أغلبه إلى آراء شيوخ مدرسة الكوفة : ابتداء من أبي جعفر الرؤاسي مؤسس هذه المدرسة ، ومروراً بنفحات الكسائي ومؤلفاته وقراءته ، ووقوفاً عند جهود الفراء المشتركة بين القرآن واللغة ، لا سيما في : « معاني القرآن » ، واستئناساً بما أداه ثعلب في : ( معاني القرآن ) من إستشراف أستاذه الفراء فيه ، وما أبداه ابن الانباري من نضج لغوي في إطار قرآني بالوقف والابتداء ، وما أورده أبو بكر السجستاني من شذرات لغوية مرتبة ترتيباً عصرياً مزج فيها مفردات القرآن باللغة ، وفقه اللغة . وهذا العرض تقريبي وزمني بوقت واحد ، وقد لا يكشف عن تمام العمق الدلالي للمدرسة الكوفية المقارنة بهذا الملحظ ، ولكنه يكشف عن أصالة الجهود المتميزة على سبيل الانموذج الاصلح ، كما يحيط المتتبع علماً بأن الأصل الموضوعي لمدرسة النحو واللغة الصرف في الكوفة ما هو إلا خدمة القرآن العظيم ليس غير ، حتى أن من أعطى جهداً لغوياً خالصاً ، أو تراثياً محضياً لا يمزج معه ألقاً من القرآن ، قد يعمد بإزائه إلى ابتكار طريقة مثلى لخدمة القرآن بشكل يتصوره ويخطط له فينفذه . ولعل من طريف ما ذكره ابن النديم ( ت : 380 هـ ) في هذا المدرك : ____________ (1) ظ : بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي : 2 / 217 .
(57) أن أبا عمرو إسحاق بن مرار الشيباني الكوفي ( ت : 206 هـ ) وهو تلميذ المفضل الضبي الكوفي ( ت : 170 هـ ) كان راوية للشعر ، ولكنه كان متحرجاً من كتابته ، فأخذ عهداً على نفسه ، إذ كتب شعراً لقبيلة من العرب كتب بإزائه مصحفاً يضعه في المسجد ، فعّد ما كتب من مصاحف فوجد نيفاً وثمانين مصحفاً بخط يده ، لأنه كتب أشعار نيف وثمانين قبيلة من قبائل العرب (1) . وفي هذا دلالة على مدى العناية بالقرآن ، حتى كأن الجهد الذي يبذل في غيره ضياع ، فلا بد والحال هذه من تقديم جهدنا في القرآن ، إن لم يكن تأليف أو مدارسة ، فهو استنساخ على الأقل كما فعل الشيباني ، وأضرابه كثير . وهذا الملحظ هو الذي إمتد به فضل الكوفة ، وريادتها الأولى إلى بغداد ، فأدى إلى تأسيس مدرسة بغداد في اللغة والتفسير والبيان العربي . إذ كان رئيس هذه المدرسة ومؤسسها الحقيقي هو ابن قتيبة ( ت : 276 هـ ) . وقد ولد أبو عبد الله بن مسلم ابن قتيبة في الكوفة عام ( 213 هـ ) وانتقل إلى بغداد ، وظل يزاول التدريس والتعليم : تفسيراً ونحواً وبلاغة إلى أن توفي في أول رجب عام 276 هـ / 30 اكتوبر 889 م . وهناك ألف كتبه القيمة الثمينة السيّارة مع كل جيل (2) ، وكان كتابه « تأويل مشكل القرآن » (3) من عجائب المصنفات جودةً وإتقاناً وتبويباً ، وهو ـ وإلى اليوم ـ أصل من أصول البحث التفسيري واللغوي والبلاغي في سياق متناسق . وقد نشأ في ظلال ابن قتيبة وجهوده المبتكرة ـ وامتد من بعده ـ كيان مستقل عظيم للقرّاء في مدرسة بغداد ، حتى نشأ أبو بكر بن مجاهد التميمي ( ت : 324 هـ ) فكان إمام القراء ـ دون منازع ـ وكبير المتنفذين دينياً ____________ (1) ظ : ابن النديم ، الفهرست : 101 . (2) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : 2 / 222 . (3) ظ : قوائم مؤلفاته في كل من : ابن النديم : 77 + ياقوت ، معجم الأدباء : 1 / 160 + بروكلمان ، تأريخ الادب العربي : 2 / 224 .
(58) وسياسياً في بغداد ، وهو أول من سبع القراءات القرآنية في كتابه : « القراءات السبع » (1) وقد حقّقه ونشره أستاذنا الدكتور شوقي ضيف . لقد كان المنهج الموضوعي الذي اختطته مدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم ، منهجاً يواكب أحدث المداليل العصرية للبحث المبتكر ، وكان نموذج هذا المنهج ـ فيما بعد عصري التكوين والتأصيل ـ هو أبو زكريا الفرّاء ( ت : 207 هـ ) في « معاني القرآن » ، فقد كان إمتداداً تراثياً متطوراً لما سبق ، وممثلاً جامعياً للتدوين المنظم والمتسلسل ، فقد فسر القرآن الكريم سورة سورة حتى أتى عليه ، وهو يبحث في هذا النوع من التفسير اللغوي المتميز ، المفردات العلمية التالية في الأعم الاغلب ؛ وهي : تراكيب الجمل والاعراب والاشتقاق ، القراءات أصولها وموقفه الاجتهادي منها ، فقدم وأخر وأفتى وأستنبط ، ورجح وقوم بذائقة فنية . وقد عني بالايقاع السمعي للألفاظ ، والجرس الناغم في الكلمات ، واسترسل في بيان الميزان الصرفي للمفردات ، وملاحظة النسق الصوتي في الفواصل ، وأظهر القيمة الصوتية في العبارات ، وقد قارن بين وزن الشعر ووزن القرآن ، وتحدث عن مراعاة السياق ، وترتيب السجع ، وعرض لجملة من أصناف البديع ، وترشحت من خاطره مباحث بلاغية معدودة من نظراته الثاقبة ، وفكره النير أملتها عليه طبيعة البحث اللغوي ، فكان للتشبيه نصيب مما كتب ، وللتمثيل إطار خاص ، وللمجاز مجال جميل ، وللأستعاره معانٍ قرآنية متأصلة ، وهو في كل ذلك لم يخرج عن المنهج اللغوي للتفسير ، وإن استعان على فهم الآية بأختها ، وعلى كشف النص بالرواية ، وعلى تدوين اللغة من الأثر. لقد أثر هذا المنهج للمدرسة الكوفية بعامة ، كما أثر غيره من إفاضات مدرسة الكوفة في المناحي الانسانية ، في ثلاثة من عمالقة التفسير القرآني ، هم : 1 ـ أبو جعفر ، محمد بن جرير الطبري ( ت : 310 هـ ) في تفسيره الكبير « جامع البيان في تفسير آي القرآن » . فالطبري وإن اعتمد على التفسير بالمأثور بدقّة متناهية ، فلا تكاد تجد رأياً في تفسيره إلا قد أسند برواية ____________ (1) حققه الدكتور سيد أحمد صقر تحقيقاً فريداً ، مطبعة عيسى الحلبي ، القاهرة .
(59) إلى النبي أو السلف الصالح ، فالآية وجزؤها : كالعبارة القرآنية التي تحمل رأياً واحداً ـ يثبته لها ، ثم يذكر منشأ هذا الرأي ، ومصدر ذلك التأويل في رواية متسلسلة السند أو محذوفته ، وإن كان في ذلك عدة آراء فهو يبسطها رأياً رأياً ، ويصوغها تفسيراً تفسيراً ، ثم يعقب على كل رأي بالروايات القائلة به ، ثم يرجح ويوازن ويقارن . هذا هو منهجه الأصل . ولكنك تحده في مسائل الاعراب ، واختلاف القراءات ، وأسباب النزول ، وعدد الآي ، والميزان الصرفي ، والبعد النحوي ، طالما يستند إلى مدرسة الكوفة ، ويحقق القول فيما تقتضيه . والدراسة الاحصائية لترجيحاته اللغوية نحواً وصرفاً ، أو اشتقاقاً ، أو تركيباً تثبت صحة هذه الدعوى ، وهو من عمل المتخصصين بالدراسات النحوية ، وإن كان لا يهمل آراء البصريين بل ويسرد كثيراً منها في حدود بدت لها أضيق دائرة من ريادته في مدرسة الكوفة . 2 ـ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( ت : 460 هـ ) في تفسيره المعروف « التبيان في تفسير القرآن » ، وهذا التفسير الكريم قائم على أساس الدفاع عن بيضة الاسلام ، والنضال المستميت عن كلمة التوحيد من أجل توحيد الكلمة ، لذلك جعله مقارناً بين كل المذاهب الاسلامية وأهل الكلام فهو عارض بأمانة ، ومقرّب بصدق ، وموضوعي بحق ، وقد يرجح رأى الامامية باعتباره مرجعها الاعلى آنذاك ، ولكنه لا يقدح برأي صادر عن مسلم قط ، بل يورده وإن لم يمثل وجهة نظره ، عسى أن يستفيد به غيره ، وهذا معنى الغيرة والحمية الصادقة على العروبة والاسلام . وطريقة الشيخ الطوسي في تفسيره طريقة الطبري في الرواية ، ولكنه يؤكد مباحث الاعراب والنحو والحجة واللغة ، ويضيف أسباب النزول وعدد الآي وتأريختها مدنية أو مكية ، كما يتناول القراءات ويناقش مصادرها ، وفي خلال ذلك تلمس المدرسة الكوفية متمثلة بشخصيته الأخاذة ، وإن ذكر جملة من آراء المدرسة البصرية . هذا التفسير ـ من خلال وجهة نظري القاصر ـ تفسير جامع مانع كما
(60) يقول أهل المنطق ، لم يكتب مثله بمستواه دراية ورواية وإجتهاداً للملاحظ الآنفة . وكان الهدف الرئيسي فيه ـ كما يبدو من مباحثه ـ ردّ شبهات الملحدين ، وتوحيد صفوف المسلمين ، بعد أن نزغ الشيطان بينهم ، وتشتّتت الآراء وغلبت الأهواء ، وذلك حينما ظهر التصوف مقارناً للمذهب الفلسفي ، فألقى كل منهما بجرانه في ساحة الوطن العربي ، وأقطار العالم الاسلامي ، فأولى كل منهما للرياضة النفسية والمجاهدة ما أولاها ، وقدمها على ما سواها من البحث الموضوعي ، فأستخدمت الفلسفة في تفسير النص ، والحكمة في إثبات المراد والمسالك الصوفية في تأويل القرآن ، وبقي أهل الحديث على قدمهم متعبدين بالظواهر المحضة للرواية ، وإن خالفت الكتاب أحياناً ، واصطدمت بنزاهة الرواة ، وتشعب الاسانيد ، وتابعهم على هذا جملة من المحدثين ، فقبعوا على الاختلاف والاسفاف بين وثاقة الرواة والاختلاف ، وغزت العزلة المسلمين ، فقنعوا بترهات الحياة عن الواقع ، ولجأوا بالابتعاد ـ عن الناس ـ إلى الفرار ، فتذرعوا بتفسير الباطن حيناً ، وحجب الظواهر الدلالية في اللغة حيناً آخر ، كما تعلقوا بالتأويل الاشاري والمنهج الصوفي بعض الأحايين . وأناخت فلسفة المتكلمين بكلكلها ، وحطت مذاهب الاحتجاج بثقلها ، فتعصب كل لقضيته ، ونصر كل كلامي مذهبه ، فتشتت الحقائق بيد النزعات ، وخلد قوم إلى الفلسفة الاغريقية ، فأخضعوا القرآن لرياضات مفترضة ، فتأولوا كثيراً من مسلمات الاعتقاد في القرآن : كالحياة بعد الموت ، والبعث والنشور ، والجنة والنار ، وحدوث السماوات والأرض ، تأويلاً يلائم عناصر الفلك ، وحساب النجوم ، وتعدد البروج ؛ وهي ـ بجملتها ـ مقاييس فجة تتجافى مع طبيعة القرآن التشريعية (1) . وهنا يبرز دور الشيخ الطوسي في تسخير طاقاته التفسيرية والبيانية والاصولية والفقهية والكلامية في ارساء الاسس التفسيرية المقارنة ، وهو بذلك قد أفاد من تجارب المؤصلين ، وأضاف من معالم التجديد اللمسات ____________ (1) ظ : المؤلف ، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم : 79 .
(61) الأخيرة ، جاعلاً من مدرسة الكوفة القرآنية والتشريعية واللغوية مضماراً لآرائه الثاقبة ، ومقارنته الفريدة . وقد يتصور كثير من الباحثين أن منهجه المتطور هذا مقدمة للعمل بالرأي ، وهذا غير وارد على الاطلاق في حق الشيخ الطوسي لأنه لم يعمل بالرأي طرفة عين أبداً بالمعنى الدقيق للرأي في الاصطلاح التشريعي (1) . وذلك أن النظر المقترن بالتحكيم الموضوعي بعد الجهد والتمحيص ، والقائم على أساس الاستنباط ، عملية اجتهادية محضة ، والاجتهاد ليس تفسيراً بالرأي أو عملاً به ، وهو الذي يقول به الامامية لأن باب الاجتهاد لديهم مفتوح . ومن هذه الزاوية الاجتهادية ـ وان كان مجالها الحقيقي في تطبيقات علمي الفقه والأصول ـ كان استناد الشيخ الأكبر إلى مدرسة الكوفة في اللغة والنحو من خلال ظاهرتين : الأولى : اختياره مذهب الكوفيين في جملة مسائل الخلاف في النحو ، ومواطن الافتراق في اللغة ، ومظاهر التمايز في القراءة ، وتنصيصه على ذلك في كل الكتاب . الثانية : استعماله المصطلحات الدقيقة عند الكوفيين كالتعبير : عن النفي بالجحد ، وعن الكسر بالخفض ، وعن العطف بالنسق ، وعن الحروف بالأدوات ، وعن الصفة بالنعت ، مما هو مطروح في مباحث الحجة واللغة والاعراب في تفسيره التبيان . 3 ـ أبو علي ، الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت : 548 هـ ) في تفسيره الشهير : « مجمع البيان في تفسير القرآن » (2) . وأصل شهرة هذا التفسير مضافاً إلى النية الصادقة أنه طبع عدة مرات قبل تفسير الشيخ الطوسي ، ومع ما للطبرسي من المكانة العلمية ، والاضطلاع بتصريف شؤون البيان ، إلا أنه استند إلى تفسير الطوسي استناداً حقيقياً ، إن لم ____________ (1) ظ : المؤلف : المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم ، مبحث : منهج الرأي : 90 ـ 97 . (2) طبع عشرات الطبعات ، ومن أفضلها طبعة صيدا ، 1333 .
(62) يكن قد استنسخه نسخاً فعلياً ، وهذا جارٍ في سيرة السلف الصالح أن ينشر اللاحق علم السابق ، ولكن بإضافات قيمة ، توسع فيها خصوصاً في المقارنة ، ولا أدل على ذلك من إجماع هيأة كبار العلماء في القاهرة على اختياره تفسيراً يجمع آراء المسلمين كافة ، فقرروا طبعه ببادرة من دار التقريب لهذا الملحظ طبعة جديدة غير طبعة صيدا : 1333 هـ . ولما كان هذا التفسير حاوياً لعلم الشيخ المؤسس الطوسي ، وجامعاً لتفسيره بكل جزئياته ، مع الاضافات الجوهرية الثمينة ، فما قيل عن « التبيان » فيما سبق ، يقال عن « مجمع البيان » جملة وتفصيلاً . وبعد هذا العرض التلميحي لمدرسة الكوفة في تفسير القرآن العظيم ، يجب أن نضع بين أعيننا جادين ، أن هذه المدرسة هي خلاصة تجارب الامام علي الريادية في التشريع والتفسير والبلاغة والفلسفة وعلم الكلام والفقه والاصول والنحو واللغة ، فهو المؤسس الحقيقي لميادين هذه المدرسة ، جزءاً من إعداده القيادي من قبل الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم القائل بإيجاز : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
|