( 26 ) حورية أُم حكيم بنت خالد الكنانية
زوجة عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، اسمها حورية ، ولكنها اشتهرت ببنت خالد الكنانية .
لما أمر معاوية بن أبي سفيان بسر بن أرطأة بقتل شيعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، أغار بسر على مكة والمدينة وقتل فيها أعداداً كثيرة . ثم توجه إلى صنعاء اليمن ، وكان الحاكم فيها من قبل أمير المؤمنين عليه السلام هو عبيد الله بن عباس ، فأحس بأنه لا يقوى على مقاومة بسر فخرج منها ، ودخلها بسر لعنة الله عليه وقتل عدداً من أهلها ، وكان ممن قتلهم سليمان وداود ابني عبيد الله بن عباس حيث كانا صغيرين فذبحهما وقطع رأسيهما كما يذبح الكبش .
فخرجت اُم حكيم مع جماعة من نساء قبيلتها باكيات معولات فدعت اُم حكيم بالويل على بسر ، وقالت : تريقون دماء الرجال لقولكم أنهم مقصرون ، فما ذنب الصغار ؟ ولا يوجد من فعل فعلتكم هذه في الجاهلية .
فقال بسر : والله لهممت أن أضع فيكن السيف واقتلكن جميعاً .
قالت اُم حكيم : والله إن قتلتنا أحب إلينا مما فعلت بنا وانتدبت قائلة :
هامن أحس بابني اللذين هـمــا * كالدرتين تشظى (1) عنهما الصدف ____________ (1) تشظى الشيء : إذا تطاير شظايا ، وقال كالدرتين تشظى عنهما الهدف.
الصحاح 6 : 2392 « تشظى » .
( 103 )
هامن أحس بابنــي الذيـن همـا * سمعـي وقلبي فقلبي اليوم مختطف هامن أحس بابنــي الذين همــا * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف (1) نبئـت بسراً وما صدقت ما زعموا * من قيلهـم ومن الافك الذي اقترفوا أنحــى على ودجـي ابني مرهفة * مشحـوذة وكذاك الإثــم يقتـرف من دل والهـة حــرى مسلبــة * على صبيين ضلا إذ مضى السلـف
وقد دعا أمير المؤمنين عليه السلام على بسر وكان فيما دعا به « اللهم لا تمته حتى تسلبه عقله » ، فلم يلبث إلا يسيراً حتى وسوس وذهب عقله . فكان يهذي بالسيف ويقول : أعطوني سيفاً أقتل به ، لا يزال يردد ذلك ، فاُتخذ له سيفاً من خشب ، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزل يضربها حتى يصرع ويغشى عليه . وكان يضرب على الزق المنفوخ حتى ينتثر ، فلبث كذلك إلى أن هلك لعنه الله .
وكان بسر مع معاوية بن أبي سفيان في صفين ، فطلب مبارزة الإمام علي عليه السلام ، فلما علاه علي عليه السلام بالسيف وأيقن أن حتفه في تلك الضربة أبدى سوأته ، كما فعل ذلك عمرو بن العاص قبله ، فتركه الإمام علي سلام الله عليه .
وقد أولع الشعراء بذم هذا الفعل الخسيس الذي يدل على جبن وعدم حياء ____________ (1) اُزْهفَ الشيء وازدهف : أي ذهب به . الصحاح 4 : 1371 « زهف » .
( 104 ) فاعله ، فقالت الحارث بن النضر السهمي من شعراء ذلك الوقت :
أفي كـل يوم فارس ليـس ينتهي * وعورتـه تحـت العجاجة باديــة يكـف بـهـا عنه علـي سنانـه * ويضحك منهـا فـي الخلاء معاويه بدت أمس من عمرو فقنع رأسـه * وعــورة بسـر مثلها حذو حاذيه فقـولا لعمرو ثم بسر ألا انظـرا * سبيلكمـا لا تلقيــا الليـث ثانيه ولا تحمـدا إلا الحيـا وخصاكما * همـا كانتـا والله للنفـس واقـيه فلـولا همـا لـم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيهـا عن العـود ناهيـه متى تلقيـا الخيل المشيحة صبحة * وفيها علي فاتركا الخيـل ناحيــه وكونـا بعيداً حيث لا تدرك القنا * نحوركمـا إن التجـارب كافيــه وإن كان منه بعد في النفس حاجة * فعودا إلـى ما شئتمــا هي ماهيه
* * *
( 105 )
وقال الامير أبو فراس الحمداني :
ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوماً بسوأته عمرو
وقال ابن منير الطرابلسي :
بطـلّ بسـوءتــه يقــا * تــل لا بصارمـه الذكـر
وقال السيد محسن الأمين من قصيدة له :
لا قـاه عمرو والأسنة شرع * لقيـا الحمامة للعقاب الكاسـر وتلاه بسـر ثم ما نجاهمــا * منه سوا فعل الخسيس الغادر فثنـى حياء عنهما وعفا ولم * يرهقهما عفو الكريم القادر (1)
* * * ____________ (1) معادن الجواهر ونزهة الخواطر 1 : 360 .
( 106 )
|