( 21 ) بكارة الهلالية
من نساء العرب الموصوفات بالشجاعة والإقدام والفصاحة والشعر والنثر والخطابة ، كانت من أنصار الإمام علي بن أبي طالب ، سلام الله عليه في حرب صفين ، فخطبت بها خطباً حماسية حضت بها القوم على أن يخوضوا غمارات الحرب بدون خوف ولا تردد .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدثني عبد الله بن عمر ، وقراءة من كتابه علي قال : حدثنا ابراهيم بن عبد الله بن محمد المفضل ، قال حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن خالد بن الوليد ، عمن سمعه من حذافة الجمحي قال :
دخلت بكارة الهلالية على معاوية بن أبي سفيان بعد أن كبرت سنها ، ودق عظمها ، ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز ، فسلمت على معاوية بالخلافة ، فأحسن عليها الرد وأذن لها في الجلوس ، وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص .
فابتدأ مروان فقال : أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين ؟ .
قال : ومن هي ؟ .
قال : هي التي تعين علينا في صفين ، وهي القائلة :
يا زيد دونك فاستشر (1) من درانا * سيفاً حسامـاً في التـراب دفينــا
____________ (1) في هامش العقد الفريد : في بعض الأصول : فاحتفر .
( 91 )
قد كان مذخوراً لكل عظيمة (1) * فاليوم أبرزه الزمان مصونــا
وقال عمرو بن العاص : وهي القائلة يا أمير المؤمنين :
أترى ابن هنـد للخلافة مالـكـاً * هيهـات ذلك وما (2) أراد بعيد منتك نفسك في الخـلاء ضلالة * أغراك عمـرو للشقــا وسعيد فارجــع بأنكد طائرٍ بنحوسها * لاقـت عليـاً أسعـد وسعــود
فقال سعيد : يا أمير المؤمنين وهي القائلة :
قد كنت آمل (3) أن أموت ولا أرى * فـوق المنابر مـن اُمية خاطبــا فالله أخـــر مدتـي فتطاولــت * حتى رأيت من الزمـان عجائبــا ____________ (1) في العقد الفريد : قد كنت اُذخره ليوم كريهة . (2) في العقد الفريد : وإن . (3) في العقد الفريد : أطمع .
( 92 )
في كل يوم لا يزال خطيبهم * وسط الجموع لآل أحمد عائبا (1)
ثم سكت القوم ، فقالت بكارة : نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين ، واعتورتني محجني (2) وكثر عجي (3) ، وعشى بصري ، وأنا والله قائلة ما قالوا ، لا أدفع ذلك بتكذيب ، فأمض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين .
فقال معاوية : إنه لا يضعك شيء فاذكري حاجتك تقضى فقضى حوائجها .
وروى ذلك ابن طيفور أيضا من طريق آخر حيث قال : وحدثني عيسى بن مروان ، قال : حدثني محمد بن عبد الله الخزامي ، عن الشعبي قال : استأذنت بكارة الهلالية على معاوية فأذن لها ، فدخلت وكانت امرأة قد أسنت وعشى بصرها وضعفت قوتها ، فهي ترتعش بين خادمين لها ، فسلمت ثم جلست .
فقال معاوية : كيف أنت يا خالة ؟ .
قالت : بخير يا أمير المؤمنين .
قال : غيرك الدهر .
قالت : كذلك هو ذو غير ، من عاش كبر ومن مات قبر . . . (4) .
وروى ذلك أيضا ابن عبد ربه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على ____________ (1) في العقد الفريد :
في كل يوم للزمان خطيبهم * بين الجموع لآل أحمد عائبا (2) المحجن والمحجنة : العصا المعوجة . لسان العرب 13 : 108 « حجن » . (3) عج : رفع صوته بالدعاء والاستغاثة . لسان العرب 2 : 318 « عجج » . (4) بلاغات النساء : 34 .
( 93 ) معاوية ـ عن محمد بن عبد الله الخزاعي عن الشعبي مع اختلاف في الالفاظ (1) .
وذكره أيضاً عمر رضا كحالة في أعلام النساء (2) ، والمحلاتي في رياحين الشريعة (3) .
* * * ____________ (1) أعلام النساء 1 : 346 . (2) العقد الفريد 1 : 137 . (3) رياحين الشريعة 4 : 81 .
( 94 )
|