ذكر شواهد قرآنية (1) : الملائكة لا مذكرة ولا مؤنثة : المقدمة الأولى : ذكر في القرآن الكريم كمالات للملائكة ، وذكرت هذه الكمالات أيضاً للناس العلماء والواعين ـ سواء كمالات علمية أو كمالات عملية . المقدمة الثانية : إذا ثبت ان الملائكة ليست جسماً ومنزهة عن الذكورة والأنوثة يتضح الوجه المشترك للملائكة والإنسان ، وانه روح الإنسان ، لا جسمه ولا مجموع الجسم والروح . بهاتين المقدمتين ، يتضح كما بين سابقاً ان في المسائل القيمية ليس هناك كلام عن الذكورة والأنوثة ، بل ان هذين الصنفين متساويان ، لذا فأساس القضية سالب بانتفاء الموضوع ، ولكن يرى الماديون أن هذه القضية سالبة بانتفاء المحمول . لأنهم يتصورون حقيقة الإنسان هي البدن ، والبدن أما مذكر أو مؤنث ثم يقولون : ان المرأة والرجل لا يختلفان في المسائل القيمية ، ولكن الإسلام يرى روح الإنسان تمام الحقيقة وفي نفس الوقت الذي يعد البدن ضرورياً ، يعرفّه كأداة ، لا بصفة تمام الذات ، ولا جزء الذات ، وهي يقول : إن المرأة والرجل لا يختلفان ، يعني في المسائل القيمية ليس هناك كلام عن الذكورة والأنوثة أساساً ، لا أنهما صنفان ولا يختلفان . لأجل تأييد هذه المسألة نرى ان القرآن الكريم عندما يذكر المسائل العلمية يعرف الملائكة والعلماء بنحو واحد ويقول : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله
( 86 )
إلا هو العزيز الحكيم ) (1) . في هذه الآية يسند الشهادة بوحدانية الله إلى الله سبحانه أولاّ وبعد ان ينهي الجملة الأولى يذكر الملائكة والعلماء في محل واحد ، والملائكة لا مذكر ولا مؤنث ، وفي هذه المسائل العلمية يثمن الله سبحانه شهادة الملائكة بحيث ذكر شهادتهم بعد شهادته بوحدانيته ، ثم ذكر العلماء إلى جانب الملائكة ، من هنا يتضح ان المقصود من ( أولوا العلم ) هذه ، ليس الرجال العلماء ، كما انه لا يخص النساء العالمات . فالعالم هو الروح . والروح لا مذكر ولا مؤنث ، الروح هي التي تستطيع ان تكون كالملائكة شاهدة بوحدانية الله لا الجسم ولا مجموع الجسم والروح والوجه المشترك للملائكة والعلماء هو مقام تجرد الروح . وقال حول ( الكمال العملي ) أيضاً في تأييد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . في هذه الآية إذا كان هناك توقف على صالح المؤمنين ، أو لم يكن فان معنى جامعاً يستفاد من هذا الآية ، وهو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت ولاية الله ، والصالحون من المؤمنين أولياؤه ، الملائكة أيضاً ظهيره ، وهذا عمل صالح يصدر من مؤمن صالح . في مثل هذه الحالات يذكر المؤمنين الصالحين قبل الملائكة أحياناً ، وأحياناً يذكر الملائكة قبل العلماء ، فحين الكلام عن علم التوحيد ذكرت الملائكة قبل العلماء ( والملائكة وأولوا العلم ) ولكن حين يوجد ، العمل الصالح بالإضافة إلى العلم ، أو تذكر مساندة الرسالة ، وبعبارة أخرى حين يوجد المقام العملي بالإضافة إلى المقام العلمي ، هناك تذكر ____________ (1) سورة آل عمران ، الآية : 18 .
( 87 )
الملائكة بعد المؤمنين ، لأن هذه المجموعة من المؤمنين هي معلّمة الملائكة ، والمعلم له مقام أفضل ، لذا يذكر المتعلم بعد المعلم ، قال تعالى : ( والملائكة بعد ذلك ظهير ) (1) . هنا أيضاً جهة جامعة بين الملائكة والناس الصالحين ، وتلك الجهة الجامعة بين المؤمنين الصالحين ( ومثالها الكامل هم العترة عليهم السلام ) والملائكة ، هي الروح المجردة ، لا الروح بالإضافة إلى الجسم ولا خصوص الجسم ، وهذان نموذجان أحدهما في مسألة ( الكمال العلمي ) والآخر ( الكمال العملي ) ، ان الملائكة والناس متساويان ، والمقصود من الناس أيضاً ، تلك الكمالات الروحية والمجردات العقلية .
الملائكة منزهة عن الذكورة والأنوثة : يطرح القرآن الكريم أحياناً كلاماً عن أنوثة الملائكة ، ولكن هذا كلام بلغة الآخرين ، في سورة النساء يقول : ( ان يدعون من دونه إلا إناثاً وان يدعون إلا شيطاناً مريداً ) (2) . هذا ليس بمعنى ان الملائكة مؤنثة ، ان قوله تعالى : إنهم يعبدون إناثاً ، أي ان الوثنيين يتصورون الملائكة إناثاً ، أولاً . وثانياً ، انهم ـ يرون الملائكة واسطة في الفيض بشكل مستقل ، ثالثاً ، من أثر تصور الاستقلال قاموا بعبادة الملائكة ، رابعاً ، هذه هي دسيسة ووسوسة شيطان ، لذا ذكر حصرين إلى جانب بعضهما البعض وقال ( ان يدعون من دونه إلا إناثاً وان يدعون إلا شيطاناً مريداً ) ويدل هذان الحصران على انهما في طول بعضهما لا في العرض ؛ لأنه لا يمكن القبول بحصرين في عرض بعضهما البعض قال : إن ____________ (1) سورة التحريم ، الآية : 4 . (2) سورة النساء ، الآية : 117 .
( 88 )
هؤلاء يعبدون ويدعون إناثاً فقط . بعد ذلك قال : إن هؤلاء يريدون ويدعون الشيطان فقط أي ان توهم أنوثة الملائكة مثل توهم شفاعة الملائكة ، وتوهم تأثير عبادة الملائكة ، كل هذه الثلاثة هي من شيطنة الشيطان ( وان يدعون إلا شيطاناً ) ، وهذا الشيطان هو مريد أيضاً ، أي هو متمرد ومارد ، ولأنه متمرد على الحق لذا تكون وساوسه باطلة أيضاً . فعندما ذكرت الملائكة بصفة إناث في القرآن الكريم ، أوضح إلى جانبه فوراً توهم وسوسة الشيطان ، وعندما ذكر الملائكة بصفة إناث في آية اُخرى أيضاً ، وذلك بصفة فرض حين قال : ( ألكم الذكر وله الأنثى ) (1) . ( أمّ اتّخذ ممّا يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) (2) . إن هذا ليس معنى ان الملائكة إناث وأعطيتم الإناث إلى الله ، وتحبون الذكور لأنفسكم بل هو على أساس الفرض والتسليم . فحين قال ( ألكم الذكر وله الأنثى ) هذا لا يعني صحة انوثة الملائكة ، بل هو بصفة فرض وتقدير ؛ لأن القرآن الكريم أبطل صريحاً مسألة أنوثة الملائكة في آيات كثيرة : ( أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ) (3) . وفي آية أخرى : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً اشهدوا خلقهم ستكتب ____________ (1) سورة النجم ، الآية : 21 . (2) سورة الزخرف ، الآية : 16 . (3) سورة الصافات ، الآية : 150 .
( 89 )
شهادتهم ويسألون ) (1) . فهو يشجب كلتا المسألتين ، أي ان الله تعالى يقول : انه لم يخلق الملائكة إناثاً ، كما ان أولئك لم يكونوا شاهدين خلق الملائكة ( أم خلقنا الملائكة إناثاً ) والذين ( جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ) هم يظنون ذلك . ثم يقول تعالى : إن جعلهم هذا هو ظن نشأ من أثر إنكار المعاد والربوبية . ( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأنثى ) (2) .
بعض الاوصاف العلمية للملائكة : من بين الأوصاف العلمية للملائكة هي انه كما ان الملائكة شاهدون بوحدانية الله ، كذلك هم شاهدون برسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا نقرأ في القرآن الكريم : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك انزله بعلمه والملائكة يشهدون ) (3) . وهذه الصفة العالية ـ أي الشهادة برسالة خاتم الأنبياء ـ ثابتة للناس أيضاً . قال تعالى في نهاية سورة الرعد : ( ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) (4) . وجملة ( من عنده علم الكتاب ) طبقت على أمير المؤمنين عليه السلام . بناء على هذا ، فان الإنسان يشهد بالشيء يشهد به الملائكة . ____________ (1) سورة الزخرف ، الآية : 19 . (2) سورة النجم ، الآية : 27 . (3) سورة النساء ، الآية : 166 (4) سورة الرعد ، الآية : 43 .
( 90 )
وجميع المكلفين ، نساء ورجالاً يشهدون بوحدانية الله تعالى ورسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الصلوات وآذان وإقامة الصلوات . هذه الشهادة بالرسالة ـ في مدخل الصلاة ـ باسم ( الآذان والإقامة ) وفي ( التشهد ) هي الطريق العلمي للملائكة .
التولي والتبري : من الأوصاف العلمية اللملائكة : ( التولي والتبري ) . وقد مر في ذيل الآية 4 من سورة التحريم جزء من تولي الملائكة ، وفي هذا القسم نذكر بعضاً من ذلك . قال تعالى : ( ان الله وملائكته يصلون على النبي ) . ثم قال : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) (1) . الله سبحانه يصلي على النبي ، وكذلك الملائكة يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنون نساءً ورجالاً مكلفون بالصلاة على النبي ، في الصلاة وغير الصلاة . بناء على هذا فان الصلاة والتسليم وهما عمل الملائكة ، موضع أمر الناس أيضاً . ان شهادة الملائكة بوحدانية الله والرسالة هو أمر علمي والصلاة أمر عملي ، فالناس يشاركون الملائكة في أمر علمي وأمر عملي أيضاً . وكما ان التبري إلى جانب التولي يعد من فرائضنا الدينية ، وكما ان الصلاة والصوم واجبان ، فإن تولي أولياء الله والتبري من أعداء الله واجبان على جميع المكلفين ، وكما أن الملائكة لهم تولٍ كذلك لهم تبري ، وفي ____________ (1) سورة الاحزاب ، الآية : 56 .
( 91 )
مسألة تبري الملائكة قال القرآن الكريم : ( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) (1) . وكلمة ( ناس ) في الآية لا تختص بالرجل ، لعنة الناس على الكافرين ، كذلك لعنة الملائكة على الكافرين .
الملائكة سفراء الله : ان مجموع الأوصاف العلمية التي يعود بعضها إلى الشهادة بالوحدانية وبعضها إلى الشهادة بالرسالة ، والأوصاف العملية التي يعود بعضها إلى التولي وبعضها إلى التبري أصبحت عاملاً لأن يطرح الملائكة بصفة سفراء كرام الله ، قال تعالى : ( بأيدي سفرة * كرامٍ بررة ) (2) . أي أن كتاب دعوتي هذا وصلكم بواسطة سفرة كرام ، أي انه تعالى لم يرسل سفيراً صغيراً ، بل سفيراً مكرماً ، وقال : فيها كتب قيمة ، صحف مطهرة وقيمة ( بأيدي سفرة * كرام بررة ) ، أرسل بواسطة الملك المكرم ، رسالة كرامة ، ولذا أصبح الإنسان كريماً : ( ولقد كرمنا بني آدم ) (3) .
كرامة الملائكة : التعبير في القرآن الكريم عن الملائكة هو انهم عباد مكرمون : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه ____________ (1) سورة البقرة ، الآية : 161 . (2) سورة عبس ، الآيتين : 15 ـ 16 . (3) سورة الاسراء ، الآية : 70 .
(92)
بالقول وهم بأمره يعملون ) (1) نفس التعبير عن العباد الصالحين في سورة الفرقان ، موجودة بشأن الملائكة في هذا الجزء من القرآن ، في سورة الفرقان يذكر العباد الصالحين بصفة عباد الرحمن : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) (2) . كلمة ( عباد الرحمن ) هذه من أبرز الأوصاف التي اختارها الله للناس الشرفاء ، ونفس هذا اللقب الشريف اطلقه على الملائكة وقال : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ) . عباد الرحمن ليسوا رجالاً ولا إناثاً ، الملائكة هم عباد الرحمن كما ان سائر الناس الصالحين هم عباد الرحمن . لذا قال تعالى : ( ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى * وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئاً ) (3) . إن كلام الذين يقولون بأنوثة الملائكة ليس علمياً ، بل قائم على الظن ، والمظنة لا تفيد في الرؤية الكونية والمسائل الاساسية ولا تحل محل العلم . يمكن ان يكون دليل الحجية في المسائل العملية والفرعية مظنة ، تحل المظنة مكان العلم ، وتعمل المظنة عمل اليقين ، ولكن لا تستطيع المظنة ان تفعل شيئاً في الرؤية الكونية والمسائل الأساسية .
خلاصة البحث : أ ـ ان الله تعالى مدح الناس بالكرامة التي هي صفة الملائكة ودعاهم ____________ (1) سورة الأنبياء ، الآيتين : 26 ـ 27 . (2) سورة الفرقان ، الآية : 63 . (3) سورة النجم ، الآيتين : 27 ـ 28 .
(93)
إلى تلك الكرامة ، وهذا دليل على ان ما بينه الله في القرآن بشأن الملائكة قرره أيضاً للناس الصالحين ـ سواء كانت كمالات علمية أو كمالات عملية ـ . ب ـ الملائكة لا هم مذكر ولا مؤنث ، فالذي يسلك طريق الملك لا هو مذكر ولا مؤنث ، والإنسان هو الذي يسير في طريق الملائكة والإنسان لا هو رجل ولا امراة ، لأن إنسانية الإنسان هي بروحه . والروح منزهة عن الذكورة ومبرئة من الأنوثة . ج ـ الذين كان لديهم توهم أنوثة الملائكة ، قال تعالى ان توهمهم ناشىء من عدم الإيمان ، لأنه لم يخلق الله الملائكة إناثاً ولم يكن أولئك شاهدين خلق الملائكة . د ـ سنلاحظ ان الله تعالى يقسم بخلق المرأة والرجل ، ويعطي للمخلوقات والخلق قيمة وفي هذه الناحية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل .
|