حقيقة الإنسان ليست مذكراً ولا مؤنثاً
في كل بحث يجب عدم الالتزام بأن الجواب هو بنحو الايجاب حتماً ؛ لأن من الممكن ان تكون ثمرة بحث ما سلبية فقط ، فمثلاً أحياناً يدخل الإنسان في بحث حقوق المرأة على أمل أن تكون النتيجة هي تساوي هذين الصنفين أو تفاضلهما ، ولكن يتضح في ما بعد أن ثمرة ذلك سلبية ، يجب عدم التوقع أبداً أن ثمرة الأستنباط تكون أحد أمرين إما التساوي أو التفاضل ، بل قد تكون نتيجة البحث هي أن المرأة والرجل غير متساويين ولا متمايزين ؛ لأنه ليس هناك موضوع للتساوي أو الاختلاف ، بعبارة أخرى قد يبحث الإنسان أحياناً في هل أن ألف وباء متساويان مثلاً أم متمايزان ، هنا يعلن في النتيجة أحد الأمرين ويقول : إن ألف وباء وهما أمران وكلاهما مساوٍ للآخر ، أو انهما متمايزان مثلاً . في هذا المحور الخاص ، القضية هي منفصلة حقيقية ـ لا تخرج عن حالين ـ ولكن الإنسان يبحث أحياناً للحصول على التساوي أو الاختلاف ولكن حين يدقق يرى أن لا ألف في الموضوع ولا باء ، عند ذلك يجب أن يقول : ان الموضوع ليس لبحث التساوي أو الاختلاف ؛ لأن التساوي
( 60 )
والاختلاف هما عدم وملكة ـ وليسا سلباً وإيجاباً حتى يكون رفع كليهما مستلزماً لرفع النقيضين ـ أي أن موضوعاً خاصاً عندما يوجد في الخارج ، ثم ننسبه إلى موضوع آخر لا يخرج من حالين ، إما هو مساوٍ له أو غير مساوٍ ولكن إذا لم يكن هناك تعدد وكثرة لا يكون أيضاً تساوٍ أو اختلاف ؛ لأنه يلزم في إثبات أحد الأمرين المذكورين أن يكون شيئان موجودين حتى يكونا إما متساويين أو مختلفين . ان القرآن الكريم حين يطرح مسألة المرأة والرجل يقول : انه لا ينظر لهذين الأثنين من جهة الذكورة والأنوثة ، بل من جهة الإنسانية ، وروح الإنسان هي تشكل حقيقته لا بدنه . إنسانية الإنسان تحققها روحه لا جسمه ، ولا مجموع الجسم والروح .
أصالة الروح وفرعية البدن : لو كان للجسم دور في إنسانية الإنسان ـ بصفة تمام الذات أو جزء الذات ـ لكان هناك كلام عن المذكر والمؤنث ، وكان يجب البحث هل أن هذين الصنفين متساويان أم متفاوتان ؟ ولكن إذا كانت حقيقة كل شخص تشكلها روحه ـ وجسمه ليس أكثر من أداة ، وهذه الأداة هي أحياناً مذكر وأحياناً مؤنث ـ والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، فان البحث عن تساوي المرأة والرجل أو تفاوت هذين الصنفين في المسائل المتعلقة بحقيقة الإنسان ينتهي ، أي يكون سالبة بانتفاء الموضوع ، وليس بانتفاء المحمول ، ولأن التساوي والتفاوت هما عدم وملكة ، وليسا سلباً وإيجاباً ، لم يرد حينئذٍ كلام عن التساوي ولا كلام عن التفاوت . ان القرآن الكريم اعتبر أن حقيقة كل إنسان روحه ، والبدن أداتها ، وهذا لا يتنافى مع أن يكون للإنسان بدن في نشأة الدنيا والبرزخ والقيامة ،
( 61 )
وكما أن لديه بدناً في الدنيا ، والبدن هو فرع ـ وليس اصلاً ولا جزءاً من الأصل ـ كذلك أيضاً في البرزخ والقيامة . حيث ان الله تعالى ينسب البدن الذي هو فرع إلى الطبيعة والتراب والطين ويسند الروح التي هي أصل ، إليه ويقول : ( قل الروح من أمر ربي ) (1) . إن روح الإنسان منزهة عن الذكورة والأنوثة . عندما كان منكر والمعاد يقولون : ان الإنسان يفنى بالموت وليست هناك حياة بعد الموت : ( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) (2) . قال تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) (3) . ملك الموت مأمور بالتوفي ، ولو فقد من الإنسان شيء في الموت فانه لا يكون استيفاء وتوفياً ، فجميع حقيقة الإنسان هي روحه التي تقبض وان تحلل البدن . البدن طبعاً يرافق الإنسان في جميع المراحل اللاحقة ، ويكون في كل مرحلة مناسباً لتلك المرحلة . إذا أردنا ان نرى هل ان هذين الصنفين المرأة والرجل متساويان أم متمايزان ، أم ان ليس هناك صنفان أساساً ، فان طريق تحقيقة هو ان نرى ما هو أساس القيمة والفضيلة ؟ ومن هو الذي يصبح ثميناً وفاضلاً ؟ هناك فصل يتولى بيان المسائل القيمية ، وفصل آخر يتولى بيان أصحاب القيم ____________ (1) سورة الاسراء ، الآية : 85 . (2) سورة السجدة ، الآية : 10 . (3) سورة السجدة ، الآية : 11 .
( 62 )
والفضيلة .
عدم تأثير الذكورة والأنوثة في القيم وأصحاب القيم : الفصل الذي يحدد القيمة وضدها تمثله الآيات التي تعتبر العلم قيمة ، والجهل ضد القيمة ، الايمان قيمة ، والكفر ضد القيمة ، الذلة والعزة ، السعادة والشقاوة ، الفضيلة والرذيلة ، الحق والباطل ، الصدق والكذب ، التقوى والفجور ، الاطاعة والعصيان ، الانقياد والتمرد ، الغيبة وعدم الغيبة ، الأمانة والخيانة ، تعتبرها عنوان مسائل قيمية أو ضد القيم ، وهذه الأوصاف ليست مذكرة ولا مؤنثة ، والفصل الذي يتولى بيان موصوف هذه القيم ، يقول ان موصوف هذه الأوصاف ليس بدناً أبداً ، أي أن البدن ليس مسلماً أو كافراً ، عالماً أو جاهلاً ، تقياً أو فاجراً ، صادقاً أو كاذباً ، محقاً أو مبطلاً ، فاضلاً أو رذيلاً . ان العقل النظري الذي وصفه هو الفكر والعلم ، ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، والقلب الذي عمله الكشف والشهود ، ليس مذكراُ ولا مؤنثاً ، والروح التي وصفها الفجور والتقوى ، ليست مؤنثة ولا مذكرة ، كما ان الفجور والتقوى ليسا مذكرين ولا مؤنثين . إذا كانت المسائل التي تعود إلى العلم ـ سواء العلم الحصولي أو العلم الحضوري ـ ليس فيها ذكورة وأنوثة فإن العالم الذي يتصف بالعلم الحصولي أو الشهودي ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، إذ لم يكن هناك في المسائل العلمية كلام على الذكورة والأنوثة لا من حيث الصفة ولا من حيث الموصوف ، لا يمكن بحث أن المرأة والرجل متساويان في المسائل العلمية أو متمايزان ؟ وكذلك في المسائل الأخلاقية التي تعود إلى ( العقل العملي ) مثل
( 63 )
الإرادة ، الاخلاص الايمان ، التصديق ، التهذيب الصبر ، التوكل ... والمسائل التي من هذا القبيل ، ليست مذكرة ، ولا مؤنثة والعقل العملي الموصوف بهذه المسائل الاخلاقية هو أيضاً لا مذكر ولا مؤنث ، أي ان الصبر إذا لم يكن فيه ذكورة أو أنوثة ، فالصابر ليس مذكراً ولا مؤنثاً . يجب عدم التفكير . بأننا نقول صابر صابرة . عالم وعالمة التأنيث اللفظي يجب عدم إدخاله في المسائل التحليلية ، لأن العالم أو المؤمن ، أي صاحب قيمة هي الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، وإذا طرح شخص الذكورة والأنوثة في هذه الابحاث ابتلي بالمغالطة ـ من باب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ـ سواء كان بصورة تأييد وإبرام أو بنحو تخريب ونقض .
الروح صاحبة قيم : إذا كان الكلام في محور القيمة عن المسائل البدنية ، وكان موصوف هذه المحمولات والأحكام البدن أيضاً ، فحينئذ يمكن البحث عن اختلاف أو مساواة المرأة والرجل . في القرآن الكريم طرحت محمولات القضايا ـ سواء القيمة أو ضد القيمة ـ وكذلك الموضوعات ، وفي بيان موضوع هذه المحمولات ، يتكلم أحياناً عن الروح ، وأحياناً عن النفس ، الفؤاد ، أو القلب ، وأحياناً يتكلم أيضاً عن الصدر و ... وكل هذه تعبر عن تلك اللطيفة الإلهية التي هي موجود مجرد ، غاية الأمر ان القرآن الكريم يذكر روح الإنسان بما يناسب الشأن ؛ لأن الروح ليست بسيطة محضة بل لها شؤون متنوعة ، فأحياناً يذكر الروح بالقلب أو الفؤاد بسبب التناسب مع وصف خاص ، وأحياناً بالنفس وأحياناً بالصدر أيضاً و .. هذه موصوف محمولات قيمية . الخلاصة ان الفصل الذي يبين أصحاب القيم والفصل الذي يبين
( 64 )
معيار القيم يقول : ان الموصوف والصفة منزهتان من الذكورة والأنوثة ، فالصفة منزهة والموصوف مبرأ ، فلا يطرح الكلام قطعاً عن التساوي أو التفاوت . وعندما يقول الإسلام ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي هي سالبة بانتفاء الموضوع ، وعندما لا نعثر في المسائل العلمية وهي معيار من معايير القيمة وكذلك في المسائل العملية التي هي من معايير القيمة ، أي كلام عن المذكر والمؤنث ، نتيقن أن موصوفها ليس مذكراً أو مؤنثاً ـ هذا هو من باب التبعية ـ كما أنه إذا لم نعثر في الموصوف الذي هو روح على أي مؤشر عن المذكر والمؤنث ، فإن وصفه أيضاً منزه من الذكورة والأنوثة ـ هذا أيضاً عن طريق التلازم ـ كما ان التحليل النفسي لكل من الصفة والموصوف يوصلنا أيضاً إلى هذه النتيجة ، أي عندما اثبتنا أن الموصوف والصفة منزهتان عن الذكورة والأنوثة تحصل نتيجتان : إحداهما بالمطابقة والأخرى بالالتزام خلق الروح ، بعد إتمام البدن : قال تعالى : ( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر ) (1) . عندما يتكلم الله في شأن الروح يقول : إنه بعد أن تمت نشأة الطبيعة وانتهت التحولات المادية ، خلقت خلقاً ( آخر ثم أنشأناه خلقا آخر ) ، أي خلقته شيئاً آخر ليس من قبيل الماضي مثل اللحم والجلد والعظم ، بل هو شيء آخر منفصل عن نشأة الطبيعة ، ذلك الخلق الآخر يكون بعد اكتمال الجنين في صورة مذكر أم مؤنث ، ولكن من بعد ذلك لا يدور الكلام على الذكورة والأنوثة ، عند خلق المضغة عظاماً ، عند كسو العظام لحماً ____________ (1) سورة المؤمنون ، الآية : 14 .
( 65 )
( فكسونا العظام لحماً ) ، وعند التصوير : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) (1) . كان الكلام عن الذكورة والأنوثة .
عدم مادية الرجوع إلى الله : فما هو معيار القيمة منزه عن الذكورة والأنوثة . وعند الكلام عن الرجوع إلى الله ، يذكر بالنفس المطمئنة . الرجوع إلى الله ليس منسوباً إلى البدن ، يتعلق بالروح ، لأنه لو كان البدن يرجع وكان الرجوع جسمياً ومادياً لأصبح المرجع ـ معاذ الله ـ أمراً مادياً ، لأنه إذا اقترب البدن ، فهو قرب مادي ، والقرب المادي هو للشيء المادي ، أما الذات التي : « أنت الداني في علوه والعالي في دنوه » (2) . فإنه منزه عن القرب والبعد المادي ، أنه قريب لكل شخص يدعوه في كل الظروف : ( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) (3) . انه منزه عن القرب والبعد المادي ، فإذا اقترب شخص منه في الصلاة لان : « الصلاة قربان كل تقي » (4) . أو يتقرب إلى الله في العبادات الأخرى ، فله قرب معنوي ، وهذا القرب المعنوي ليس مذكراً ولا مؤنثاُ فما هو مقرب إلى الله ، ليس مذكراً ولا ____________ (1) سورة آل عمران ، الآية : 6 . (2) الصحيفة السجادية ، دعاء يوم عرفة . (3) سورة البقرة ، الآية : 186 . (4) بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 99 .
( 66 )
مؤنثاً . عندما نقرأ في القرآن الكريم إن النفس ترجع إلى الله . يتضح أنها مجردة ، أو حين يأتي القلب إلى الله : ( إذ جاء ربّه بقلب سليم ) (1) . ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) (2) . ان الذي له ذهاب إلى الله ، أو الشيء الذي له رجوع إلى الله ، ليس له ذهاب مادي ، وليس له مجيء مادي ، فالذي يذهب ويقترب منزه عن المادة أيضاً .
اختلاف المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية : الفرق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية هو أن أولئك يقولون : ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي ان حقيقة الإنسان هي البدن ، وهذا البدن صنع بنحوين ، وهذان النحوان متساويان . والمدرسة الإلهية تقول : إن كل حقيقة الإنسان هي روحه رغم ان البدن لازم وضروري ، وبما ان الروح ليست مذكراً ومؤنثاً فاختلافهما سالبة انتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول . رذائل ، ليست مذكرة ولا مؤنثة : كما أن الأمراض التي هي مسائل خلاف القيم تنسب إلى القلب ، تلك الأمراض المضادة للقيم ، ليست مذكرة ولا مؤنثة . مثلاً قال تعالى : لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأحزاب : ____________ (1) سورة الصافات ، الآية : 84 . (2) سورة الشعراء ، الآية : 89 .
( 67 )
( .. فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) (1) . يستفاد من هذه الآية الكريمة ان الرجل الذي يطمع لسماع صوت المرأة غير المحرم ، هو مريض ، هذا المرض ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، وذلك القلب المبتلى بهذا المرض لا هو مذكر ولا مؤنث . كما قال تعالى في مسألة كتمان الشهادة في محكمة العدل في النظام الإسلامي : ( .. ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ..... ) (2) . إذا كتم شخض الشهادة اللازمة في محكمة العدل ولم يؤدها فان قلبه عاصٍ ، العصيان والذنب مضاد للقيم ، والقلب المبتلى بالذنب ، كل منهما ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، كما ان الرؤى والمعارف والمسائل الإسلامية والقلبية التي تعلم ليست مذكرة ولا مؤنثة ، قال تعالى بشأن القلب الذي يرى : ( .. ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) (3) . وقال بشأن القلب الأعمى بالنسبة إلى المعارف : ( ... فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (4) . ذلك الجاهل هوالقلب ، ذلك العالم هو القلب أيضاً ، الشيء الذي هو مادي ليس وعاء للفكر والشيء الذي هو مجرد لا تقبل وصفاً مادياً ، بناء على هذا لا هو مذكر ولا مؤنث . ____________ (1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 . (2) سورة البقرة ، الآية : 283 . (3) سورة التغابن ، الآية : 11 . (4) سورة الحج ، الآية : 46 .
( 68 )
الملائكة مظهر للروح : ان القرآن الكريم حين يخطىء كلام الوثنيين في مسألة أنوثة الملائكة ، ليس بهدف ان يثبت ذكورتهم ، بل من أجل ان يقول : إنهم منزهون عن الذكورة والأنوثة . وإذا عرفهم بصفة عباد مكرمون : ( .. بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) (1) . فانه يذكر هذه الأوصاف نفسها أيضاً للأولياء ، أي ان موصوف هذه الصفة ليس مؤنثاً ولا مذكراً ، ذلك لأن موصوفه ليس الإنسان ولا هو ملك . حقيقة الروح تلك إذا حصلت بهذه الصورة تصبح إنساناً ، وإذا ظهرت بتلك الصورة تصبح ملكاً ، فهي كائن مجرد غاية الأمر أن هذه الكائنات المجردة تختلف درجاتها وشؤونها الوجودية ، بعضها في حد ملائكة ، وبعض الملائكة أفضل وأكمل ، مثل الناس الكاملين و ...
الروح ، تلميذ القرآن : عندما جعل الله سبحانه ، القرآن الكريم منهاجاً دراسياً ، وعرف نفسه معلماً ، فالعلم هو الله ، والمنهاج الدراسي هو القرآن ( الرحمن * علّم القرآن ) والتلميذ الذي يتعلم القرآن هو الروح وليس البدن ، الإنسان يترك هذا البدن في عالم الرؤيا وتحل له كثير من المسائل . هناك لا مذكر ولا مؤنث ، طبعاً في عالم الرؤيا لأنه عالم برزخي يرافقه بدن برزخي ، ولكن الذي يفهم هي الروح التي لا هي مذكر ولا مؤنث .
نتيجة البحث : إن السلامة المعنوية فضيلة والمرض المعنوي رذيلة ، وموصوفهما هو ____________ (1) سورة الأنبياء ، الأيتين : 26 ـ 27 .
( 69 )
القلب والروح ، وهما ليسا بمذكر أو مؤنث . ثم ، كما ان بعض الموصوفات مذكرة وبعض الموصوفات مؤنثة ، أي ان أبدانهما هكذا ، فالذين لهم بدن مذكر يختلفون عن بعضهم ، والذين لهم بدن مؤنث يختلفون كذلك أيضاً . أحياناً يختلف هذان الصنفان بلحاظ البدن وليس بلحاظ الروح . هذه هي خصائص مقطعية لا أنها تكون موصوفاً أو صفة في أصل البحث . هذا هو طرح البحث ومصادر البحث محور البحث وموضوع البحث ، وذلك أيضاً استدلال القرآن . بناء على هذا فالآيات التي تقول : المذكر أو المؤنث ـ أي سواء كان البدن من هذا الصنف أو من ذلك الصنف ـ ليس له مدخلية ، هي إعلان لعدم تدخل البدن وليس اعلاناً لعدم الاختلاف ، كما لو قيل للإنسان المصلي : يجب أن ترتدي لباساً للصلاة ، ويجب أن يكون ذلك اللباس طاهراً وحلالاً ( سواء أبيض أو أسود ) أي ان الأبيض والأسود ليس دخيلاً ، ولكنهما موجودان ومتساويان ، ما هو دخيل هو الجامع بينهما . ( أي ان الأبيض والأسود ليس له دور ) بل أصل الستر هو المعتبر . فمسألة الذكورة والانوثة لا توجد أساساً في محور الروح حتى نبحث هل لها تدخل أم لا .
الحياة الطيبة : جاء في القرآن الكريم : ( من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) (1) . أي ان هناك شيئين فقط لهما دور في الوصول إلى الحياة الطيبة ، أحدهما : حسن فعلي يسمى ( العمل الصالح ) والآخر : حسن فاعلي يسمى ____________ (1) سورة النحل ، الآية : 97 .
( 70 )
( ايمان الروح ) ، سواء كان البدن مؤنثاً أو مذكراً . فعبارة ( وهو مؤمن ) تتعلق بالحسن الفاعلي ، أي أن الروح يجب أن تكون مؤمنة و ( عمل صالحاً ) تتعلق بالحسن الفعلي ، أي أن العمل يجب أن يكون صحيحاً . العمل الصحيح يصدر من العامل الصحيح ، وعندما يضم هذان الحسنان إلى بعضهما يثمران حياة طيبة .
خلاصة الكلام : 1 ـ بناء القرآن الكريم ، أي الإسلام هو ان يتكلم حول المرأة والرجل بصورة قضية ( سالبة بانتفاء الموضوع ) وليس بعنوان ( موجبة محصلة ) ولا بعنوان ( سالبة بانتفاء المحمول ) . 2 ـ الله تعالى أسند في القرآن الكريم التعليم والتربية إلى الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً . 3 ـ القرآن الكريم يعلمنا المسائل بثلاثة طرق : أي : طريق العلم الحسي ، العلم العقلي والعلم القلبي والشهودي ، ويذكر نماذج من النساء والرجال الذين قطعوا هذه الطرق .
( 71 )
|