الفصل الثالث الحب
لقد أثبتت الوقائع والبحوث العلمية في مضمار السلوك الإنساني أنّ الزواج هو العامل الوحيد الذي يوفّر الاستقرار في حياة الإنسان ؛ ذلك أن الزواج يعني ارتباط إنسانين في ظل حياة مشتركة يسودها الحب والمودة والصفاء .
إن الأسرة هي العش الدافىء الذي يوفّر للزوجين أسباب الطمأنينة والسعادة التي تنهض على أسس من الألفة والمحبة ؛ هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فإن الزواج يعني تكامل الزوجين وانتفاء الشعور بالنقص الذي يعتري المرأة والرجل على حد سواء .
أساس الحب :
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
إن الحب يمنح الإنسان تلك الرؤية التي تجعل من كل المرئيات تبدو وكأنّها خضراء . ولذا فإن الحب هو الأساس في الحياة الزوجية ، وهو العامل المهم والكبير في استمرارها وتكاملها .
===============
(167)
تعميق مشاعر الحب :
إن من المسائل المهمة في الحياة المشتركة أن يعمل الزوجان على تعزيز وتعميق مشاعر الحب بينهما ، من كلمة حلوة أو موقف رحيم أو نظرة دافئة أو لمسة مفعمة بالحنان ، وما إلى ذلك من وسائل التعبير عن الحب والتودّد .
وما أكثر الأزواج الذين ينطوون على مخزون من تلك العواطف السامية في حين يخونهم التعبير عن ذلك ، وبالتالي يتراكم الجليد في علاقاتهم فيجدون أنفسهم في عزلة وانزواء يهدد حياتهم المشتركة بالإنهيار .
إن جذوة الحب وحدها لا تكفي ، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة ؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
شروط الحب :
وإذا كان الحب بهذه الأهمية فما هي شروطه يا ترى ؟
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب و . . .
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والإلفة ، حتى ليصعب تمييز جوانبه المادّية والمعنوية ، فهو شكل من أشكال الإندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا ، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
===============
(168)
وأخيراً ، فإن الحب الصادق عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبداً ، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري .
دور المرأة :
بالرغم من كون الحب علاقة زوجية ، أي يشترك فيها الطرفان ـ الرجل والمرأة إلا أن دور المرأة في ذلك يفوق في أهميته دور الرجل ، حث أن حب المرأة يمنح الرجل شعوره بالثقة بل ويجدد أنفاس الحياة الزوجية .
تتمكن المرأة ومن خلال الحب أن تبعث في قلب الرجل شعوراً فيّاضاً بالحيوية ، وبالتالي فإنها تنفذ في قلبه لتحتل المنزل الأثير لديه .
إن استقرار الحب يعني نمو الأمل . . الأمل الذي يكتسح في طريقه الاضطراب والقلق ويحلّ مكانها الطمأنينة والسلام .
بل إن هذا الحب سيكون سدّاً منيعاً يحمي المرأة ويقيها غضب الرجل ؛ هذا في الوقت الذي تبدو فيه الحياة خالية من المعنى بدون الحب . . الحب ذلك النبع الصافي المفعم بمشاعر الاستقرار والهدوء . . والفرح .
إن الرجل يتوقع من المرأة الحب . . ذلك أن المرأة هي السرّ العجيب الذي يكمن وراء انطلاق الرجل ؛ وإذا ما رأى نفسه محروماً من الحب فإنه سيفكر في امرأة أخرى تمنحه ذلك الشعور . وهذا هو سر غضب المرأة من مسألة تعدّد الزوجات .
مرحلة الحب :
تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
===============
(169)
ومن هنا تختلف الأسرة الإنسانية في حياتها عن بقية الكائنات الحية الأخرى ؛ ذلك أنها ترتفع إلى مرتبة القداسة والملائكية .
العلاقات الجنسية في الزواج :
إن أولى التوصيات في مضمار الصحة النفسية هي تلك العلاقات الجنسية الصحيحة التي يقيمها الزوجان في حياتهما المشتركة ؛ ذلك أن الارتباط الجنسي في ظروفه السليمة يقضي على مشاعر القلق ليولّد لدى المرء شعوراً بالطمأنينة .
إن الجانب الجنسي هو جانب فطري أودعه الله في حياة البشر ، وأن وجوده وعنفه أمر طبيعي ؛ على أنه ينبغي توجيه هذه الغريزة وإشباعها وفقاً لأسس وأصول صحيحة ، وفي ضوء التعاليم الإلهية .
إن تنظيم العلاقات الجنسية بشكل صحيح وسليم سوف يساعد على استمرار الحياة الزوجية واستقرارها ، مع التأكيد على أن المسألة الجنسية لا يمكن اعتبارها جوهر الحياة الزوجية ، وهي نقطة نثيرها أما البعض ممن كان لديهم علاقات جنسية لا مشروعة قبل الزواج لكي لا يشعروا بالملل والضجر من حياتهم الجنسية في ضلال الزواج .
أضرار الامتناع :
لقد خلق الله الإنسان وأودع فيه غريزة الجنس كبقية غرائزه الأخرى ، وأن تلبيتها بالشكل المقبول عقلاً وشرعاً يضمن للإنسان سلامته روحاً وجسداً ، كما أن كبتها أو إهمالها سيؤدّي إلى مضاعفات عديدة لا تحمد عقباها .
إن بعض الشباب من الذين يعيشون أحلام الحب الملائكي تخفت في نفوسهم تلك الميول الجنسية مما يؤدي إلى ضعف شديد في علاقاتهم الزوجية ، وهذه ظاهرة نلمسها في حياة المرأة أكثر من الرجل وتعتبر بشكل عام حالة مرضية لها أسبابها النفسية أو الجسدية التي ينبغي معالجتها قبل أن تقصم ظهر العلاقات الزوجية .
===============
(170)
وإذا كان لهذه الظاهرة ما يبررها في دين المسيحية فإن الإسلام قد حثّ على الزواج واعتبره من المستحبات المؤكّدة التي لا تفصلها عن الواجب إلاّ قيد أنملة .
إن إهمال هذا الجانب لا يضيع حقوق الزوجية فحسب ، بل إنه يشتمل على أضرار نفسية وجسدية وخيمة ، وبالتالي ظهور أعراض الانهيار في العلاقات الأسرية .
إرواء العطش الجنسي :
تشكل الحياة الجنسية جانباً مهماً وأساسياً في علاقات الزوجين ، وإن عدم إرواء العطش الجنسي لأحدهما قد يؤدي إلى تراكم الغيوم في سماء الأسرة ويجعل جوّها مشحوناً بالقلق .
قد يشعر الزوجان أحدهما أو كلاهما بفتور تجاه شريكه في الحياة دون أن يعرف سبباً واضحاً لذلك ؛ ذلك أنها تترك في أعماق اللاوعي تراكمات تطفو إلى السطح ولو بعد حين .
إن العلاقات الزوجية ينبغي أن ترسى على أساس السعي المشترك لتوفير المتطلبات والحاجات المشتركة ، ذلك أن الزواج نفسه إنما هو استجابة فطرية لمشاعر النقص التي تختلج في أعماق الجنسين .
إن تلبية النداء الجنسي يجب أن يكون مشتركاً ، فلا ينبغي أن تكون العلاقات الجنسية انطلاقاً من رغبة منفردة ، لأن ذلك يعني حرمان الطرف الآخر والاستهانة بمشاعره ، وبالتالي اضطرابه نفسياً .
كبح الجماح :
كما ذكرنا آنفاً فإن الجانب الجنسي لا يشكل جوهر العلاقات الزوجية ، على الرغم من كونه عاملاً مهمّاً في تعزيز روابطهما المشتركة .
إن الغرائز البشرية هي مقدمات الحياة الإنسانية ، غير أن الهدف من وراء الحياة أسمى بكثير من الغرائز نفسها ، وعلى الإنسان أن لا يهدر سنوات عمره في اللهاث وراء غرائزه .
===============
(171)
إن الشخصية الإنسانية المتّزنة والمعتدلة تنشأ عن ضبط الغرائز والسيطرة عليها لا إطلاق العنان لها . وفي الحياة المشتركة ينبغي أن يفكر الزوجان بذلك انطلاقاً من وحي الحياة المشتركة .
===============
(172)
|