متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل السادس: تعيين الحدود
الكتاب : الأسرة وقضايا الزواج    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل السادس
تعيين الحدود

  الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل .. الحرية هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتقدم ـ من أجل تحقيقها ـ الغالي والنفيس .
للحرية جذورها في أعماق الإنسان بل وحتى الحيوان ، فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر والعودة إلى دنيا الحرية . وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً .
أما الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود .

الحياة العائلية والحدود :

لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها . وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإن حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام ـ إذا صح

===============

(65)


التعبير ـ ذلك أن الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلا أنها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير .
فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه دون أن يأخذ بنظر الاعتبار « الآخرين » في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة .
وإذن فإن هناك حداً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة والحياة المشتركة . وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع باعتبار أن الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية وقد يشعر بالغضب عندما يرى أن حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ريثما تتوفر الأرضية المناسبة ، وفي غير هذه الصورة سوف يجنح الرجل إلى الاستبداد في رأيه وربما النزاع . وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً بأن زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأن الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات .

على هامش الحدود :

من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود يمكن إدراج ما يلي :
1 ـ تنظيم الحضور :

وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك ، ولذا فإن على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أن المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت .
ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة . وخلاصة المسألة أنه ينبغي على الزوجين

===============

(66)


تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار ؛ وفي المقابل إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع .
2 ـ المعاشرة :
المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة وأسسها وما يتعلق بها ، غير أننا نجد ـ ومع الأسف ـ ممارسات قمعية لدى أحدهما تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة . فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يود أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد .
3 ـ التقيد في الإجراءات :
قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب ـ مثلاً ـ لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات مما يؤدي إلى النزاع والمواجهة .
قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربما تعرض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا .
إن التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصدامي ينبغي على الزوجين أن يفكرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات .
4 ـ في الميزانية :
ربما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك . إن الكرم والسخاء في حياة

===============

(67)


الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحد المعقول في ذلك .
إن البخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة . إننا ـ ومع الأسف ـ نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.
5 ـ الطمأنينة وراحة البال :
نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً نجد زوجاً يقضي جل نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ثم يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق .
أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر تدير شؤون بيتها وترعى صغارها وتغسل الثياب وتطهو الطعام ، وعندما يحل المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها : لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تطوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً أو لم تجد الوقت الكافي لكي تطوي له ثيابه ـ مثلاً ـ .
إن محاولات كهذه وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة إلا أنها تهدد الكيان الأسري بالخطر .
6 ـ طرح الأسئلة :

تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها

===============

(68)


أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل حتى يتحول الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنها تشعر بالمرارة لذلك . وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار .
وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن ، ولذا فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة لأن صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإن صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر .

الأسباب :
ومحاولة للإشارة إلى بواعث تلك القيود يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الجهل :
قد تتصور المرأة أن عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به ، وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أن زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأن المنزل مجرد مكان للإستراحة والاسترخاء .
ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر .
2 ـ سوء الظن :
قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي . ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أن من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام . وإذن ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد

===============

(69)


الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري .
3 ـ إيحاءات الآخرين :
ربما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة انطلاقاً من نوايا مغرضة وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد ـ ومع الأسف ـ بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أسر تعيش في حالة من الصفاء والمودة ، ومما يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات مما يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع . وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات .
4 ـ النرجسية :

وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، إنطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أن بعضهم إنما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين .
5 ـ غياب الحب :
وأخيراً يقف غياب الحب كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة بإهانة مقصودة أو بفرض بعض الحدود لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار .
ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب

===============

(70)


الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة .
إن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل من قبيل الحرية ، الأنانية ، التكبر والإعجاب بالنفس لكي يتسنى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام .

ضرورة استمرار الحياة الزوجية :

ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممن يهدفون ـ ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم ـ إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ولا يمكن التنبؤ به أبداً .
وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون ـ ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة ـ انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أن العنف لا يمكن أن يولّد الحب .. الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي .
إن الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه .

===============

(71)

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net