3 - قوله صلى الله عليه وسلم: يكون من بعدي اثنا عشر أميرا، كلهم من قريش:
روى البخاري في صحيح بسنده عن شعبة عن عبد الملك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي إنه قال: كلهم من قريش (3).
____________
(1) سورة المائدة: آية 55، نور الأبصار ص 70.
(2) نور الأبصار ص 77.
(3) صحيح البخاري 9 / 101 (دار الجيل - بيروت).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش (1).
وعن داوود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر عزيزا، إلى اثني عشر خليفة، قال: ثم تكلم بشئ لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال: فقال: كلهم من قريش (2).
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع، أن أخبرني بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إلي:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش (3).
وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون من بعدي اثنا عشر أميرا، قال: ثم تكلم بشئ لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال: قال: كلهم من قريش (4) (ورواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حجر في صواعقه) (5).
وروى الحافظ أبو نعيم في دلائل النبوة وبسنده عن قتادة عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يزال هذا الدين عزيزا لا يضره من ناوأه، حتى يمضي اثنا عشر خليفة، فضج الناس فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال صلى الله عليه وسلم، فقال: كلهم من قريش (6).
____________
(1) صحيح مسلم 12 / 202 (دار الكتب العلمية - بيروت 13 / 19).
(2) صحيح مسلم 12 / 202، وانظر (صحيح مسلم 12 / 199 - 206).
(3) صحيح مسلم 12 / 203.
(4) صحيح الترمذي 2 / 35.
(5) مسند الإمام أحمد 5 / 92، 94، 99، 108، ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 113.
(6) أبو نعيم الأصفهاني: دلائل النبوة ص 481، 482 (مكتبة الباز - مكة المكرمة 1977 م).
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مسروق قال: كنا جلوسا ليلة عند عبد الله يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه، فقال: اثنا عشر، عدة نقباء بني إسرائيل (1) (رواه الإمام أحمد في المسند والهيثمي في مجمع الزوائد، والمتقي في كنز العمال) (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تخلو الأرض من حجة)، وفي ينابيع المودة، وإحياء علوم الدين قال الإمام علي بن أبي طالب - وكرم الله وجهه في الجنة -: لا تخلو من قائم لله بحجة، إما ظاهر مكشوف، وإما خائف مقهور، لكيلا تبطل حجج الله تعالى وبيناته.
وتذهب الشيعة - وعلى رأسهم الإمامية - إلى أن المقصود بالأمراء أو الخلفاء الاثني عشر، إنما هم الأئمة الاثني عشر: 1 - الإمام علي بن أبي طالب 2 - الإمام الحسن 3 - الإمام الحسين 4 - الإمام علي زين العابدين 5 - الإمام الباقر 6 - الإمام جعفر الصادق 7 - الإمام موسى الكاظم 8 - الإمام علي الرضا 9 - الإمام محمد الجواد 10 - الإمام علي الهادي 11 - الإمام الحسن العسكري 12 - الإمام المهدي الحجة بن الحسن العسكري.
والسبب في ذلك - كما أشرنا من قبل - أن الأحاديث الشريفة - الآنفة الذكر - لا تنطبق على الخلفاء الراشدين الأربعة - والخمسة بانضمام الإمام الحسن بن علي عليهما السلام - إليهم، لكونهم أقل عددا، أو خلافة من سواهم من بني أمية وبني العباس، لكونهم أكثر عددا، فضلا عن أن أكثرهم من أهل
____________
(1) المستدرك للحاكم 4 / 501.
(2) مسند الإمام أحمد 1 / 389، 406، مجمع الزوائد 5 / 190 - 191 كنزل العمل 3 / 205، 6 / 160، 201، وانظر: مسند الإمام أحمد 5 / 86، 92، 106، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 9 - 11.
الفسق والفجور، قضوا أعمارهم في شرب الخمور والملاهي والملاعب، والاستمتاع بالغناء وضرب الدفوف، وسفك الدماء المحرمة، وغير ذلك من المحرمات التي لا تتفق وسير خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنها لا تنطبق على ما تعتقده سائر فرق الشيعة - من الزيدية والإسماعيلية والفاطمية وغيرهم - لكون أئمتهم أقل.
ومن ثم فالرأي عند الشيعة الإمامية - أو الاثني عشرية - إنما يراد بهؤلاء الاثني عشر أميرا أو خليفة، عترة النبي صلى الله عليه وسلم، أولهم سيدنا الإمام علي بن أبي طالب، وآخرهم المهدي الحجة، بن الحسن العسكري، عليهم السلام (1).
هذا ويلخص ابن أبي الحديد، آراء الفرق المختلفة في كون الأئمة من قريش بقوله: اختلف الناس في اشتراط النسب في الإمامة، فقال قوم من قدماء أصحابنا: إن النسب ليس بشرط فيها أصلا وأنها تصلح في القرشي وغير القرشي، إذا كان فاضلا مستجمعا للشرائط المعتبرة، واجتمعت الكلمة عليه، وهو قول الخوارج.
وقال أكثر أصحابنا (المعتزلة) وأكثر الناس: إن النسب شرط فيها، وأنها لا تصلح إلا في العرب خاصة، ومن العرب في قريش خاصة، وقال أكثر أصحابنا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (الأئمة من قريش) إن القرشية شرط، إذ وجد في قريش من يصلح للإمامة، فإن لم يكن فيها من يصلح، فليست القرشية شرطا فيها.
وقال بعض أصحابنا: معنى الخبر أنه لا تخلو قريش أبدا ممن يصلح للإمامة، فأوجبوا بهذا الخبر من يصلح من قريش لها في كل عصر وزمان.
وقال معظم الزيدية: إنها في الفاطميين خاصة من الطالبيين، لا تصلح في
____________
(1) فضائل الخمسة 2 / 26.
غير البطنين (أبناء الحسن والحسين) ولا تلح إلا بشرط أن يقوم بها، ويدعو إليها فاضل زاهد عالم، شجاع سائس، ومعظم الزيدية يجيز الإمامة في غير الفاطميين من ولد علي عليه السلام، وهو من أقولهم الشاذة.
وأما الراوندية: فقد خصصوها للعباس رحمه الله وولده، من بين بطون قريش كلها، وهذا القول ظهر في أيام المنصور (136 - 158 هـ / 754 - 775 م) والمهدي (158 - 169 هـ / 775 - 785 م).
وأما الإمامية فقد جعلوها سارية في ولد مولانا الإمام الحسين بن علي عليه السلام في أشخاص مخصوصين، ولا تصلح عندهم لغيرهم.
وجعلها الكيسانية (1) في محمد بن الحنفية (2) وولده، ومنهم من نقلها منه إلى ولد غيره (3).
____________
(1) أنظر عن الكيسانية (البغدادي: الفرق بين الفرق ص 38 - 51، مروج الذهب 3 / 87، مقالات الإسلاميين 1 / 89، التنبيه لأبي الحسين الملطي ص 29، 148، 152، الملل والنحل للشهرستاني 1 / 147).
(2) محمد بن الحنفية: هو أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية نسبة إلى أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة من بني حنيفة، قيل كانت من سبي اليمامة، وصارت إلى الإمام علي، وقيل كانت سبية سوداء، وكانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم، وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم.
وأما كنية أبي القاسم فيقال إنها رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قال للإمام علي: سيولد لك بعدي غلام، وقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا تحل لأحد من أمتي بعده، وكان ابن الحنفية عالما فاضلا شجاعا، وكان شديد القوة، وقد حكى المبرد في الكامل قصصا كثيرة عن قوته، وكانت راية أبيه معه يوم صفين، وكان بينه وبين ابن الزبير عداء، وقد ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر (أي 21 هـ - 642 م)، وتوفي عام 81 هـ، أو 82 هـ بل قيل 72 هـ أو 73 هـ، وصلى عليه أبان بن عثمان بن عفان، والي المدينة يومئذ، ودفن بالبقيع، وقيل إنه خرج إلى الطائف هربا من ابن الزبير، ومات هناك.
وقيل مات ببلاد أيلة (وفيات الأعيان 4 / 169 - 173، تهذيب التهذيب 9 / 354، العبر 1 / 93، أنساب الأشراف 5 / 214، 260 - 273، حلية الأولياء 3 / 174 - 180، صفة الصفوة 2 / 42 شذرات الذهب 1 / 88 - 90، طبقات الشيرازي ص 62، الكامل للمبرد 2 / 114، 3 / 266.
(3) شرح نهج البلاغة 9 / 86.
هذا وقد روى القندوزي في ينابيع المودة حديث جابر بن سمرة - بشأن الاثني عشر أميرا وخليفة - وقال في آخره: كلهم من بني هاشم (1)، وروى الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعد، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، للقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) (2).
وعن سلمان الفارسي قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا الحسين علي فخذه، وهو يقبل عينه ويقبل فاه، ويقول: أنت سيد بن سيد، وأنت إمام وابن إمام، وأنت حجة وابن حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائما (3).
وفي شرح العقيدة الطحاوية: وكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الخلفاء الراشدون الأربعة ومعاوية وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز، ثم أخذ الأمر في الإنحلال، وعند الرافضة أن أمر الأمة لم يزل في أيام هؤلاء فاسدا منغصا، يتولى عليهم الظالمون المعتدون، بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود، وقولهم ظاهر البطلان، بل لم يزل الإسلام عزيزا في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر (4).
والواقع أن لنا على هذا الاتجاه عدة ملاحظات، منها (أولا) عهد الإمام الحسن بن علي، مع أن الإمام الطحاوي (5) نفسه يذكره فيقول: وكانت خلافة
____________
(1) سليمان الحنفي القندوزي: ينابيع المودة ص 107.
(2) حلية الأولياء 3 / 86.
(3) مهدي السماوي: الإمامة في ضوء الكتاب والسنة ص 157 (القاهرة 1977).
(4) شرح العقيدة الطحاوية ص 552 - 553.
(5) الإمام الطحاوي: هو أبو جعفر بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك... الأردي الطحاوي - نسبة إلى قرية بصعيد مصر - الإمام المحدث الفقيه الحافظ، ولد عام 239 هـ، وتوفي
=>
أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر عشر سنين ونيفا، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر، وخلافة الحسن ستة أشهر، وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه، وهو خير ملوك المسلمين، لكنه إنما صار إماما حقا، لما فوض إليه الحسن بن علي رضي الله عنهم الخلافة، فإن الحسن رضي الله عنه، بايعه أهل العراق بعد موت أبيه ثم بعد ستة أشهر فوجه الأمر إلى معاوية (1)، فظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (2).
ومنها (ثانيا) أنه بدأ ملوك بني أمية بمعاوية وولده يزيد، ثم تجاهل معاوية الثاني (64 هـ / 683 م) آخر ملوك السفيانيين من بني أمية، ثم تجاهل كذلك (مروان بن الحكم) (64 - 65 هـ / 683 - 685 م) وهو الذي نقل الخلافة من السفيانيين إلى المروانيين، وهم فرع آخر من بني أمية.
ومنها (ثالثا) أنه وقف عند (عمر بن عبد العزيز - وهو ليس الخليفة رقم 12 بعد النبي صلى الله عليه وسلم - وإما لشهرة عمر بن عبد العزيز بالورع والتقى، وإما ليكمل العدد 12، فدولة بني أمية لم تنته بعمر بن عبد العزيز، وإنما استمرت بعده، كما كانت قبله.
ومنها (رابعا) أن دولة بني أمية (معاوية - يزيد - معاوية الثاني - مروان -
____________
<=
عام 321 هـ، تلقى العلم على خاله إسماعيل بن يحيى المزني، أفقه أصحاب الإمام الشافعي، ثم أخذ ينظر في كتاب الحنفية حتى تحول إلى لمذهب الحنفي، وله مصنفات كثيرة أشهرها:
العقيدة الطحاوية ومشكل الآثار وأحكام القرآن والمختصر وشرح الجامع الكبير وشرح الجامع الصغير وكتاب الشروط والنوادر الفقهية والرد على أبي عبيد والرد على عيسى ابن أبان وغيرها (أنظر عن ترجمته: شذرات الذهب 2 / 288، وفيات الأعيان 1 / 71 - 72، العبر 2 / 186، النجوم الزاهرة 3 / 239، غاية النهاية 1 / 116، تهذيب ابن عساكر 2 / 54، المنتظم 6 / 250، الجواهر المضيئة 1 / 102، مقدمة شرح العقيدة الطحاوية ص 9 - 11).
(1) شرح العقيدة الطحاوية ص 545 - 546، على أن الأمر المثير للانتباه هنا: يذكر الخلفاء: أبا بكر وعمر وعثمان، دونما أية إشارة) بينما يردف بعد اسم معاوية (رضي الله عنه).
(2) متفق عليه، من حديث أبي بكرة.
عبد الملك - الوليد - سليمان - عمر بن عبد العزيز - يزيد الثاني - هشام - الوليد الثاني - يزيد الثالث - إبراهيم - مروان الثاني) وهي التي أنهت الخلافة الراشدة إنما كانت دولة عربية، أكثر منها إسلامية، كما كانت انتقالا جديدا في تاريخ الإسلام، وفرصة انتهزتها الجاهلية التي كانت لا تزال بالمرصاد، فعاشت النزعات التي قضى عليها السلام وعادت العصبيات القبلية والنخوة الجاهلية التي نعاها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه، وأصبح بيت المال - الذي كان على أيام الرسول والخلفاء الراشدين ملكا للأمة - أصبح في عهد بني أمية ملكا خاصا للخليفة، خاضعا لشهواته وتصرفاته، وقد حدث المؤرخون أن الأخطل (حوالي 640 هـ - 710 م) - الشاعر النصراني، أصبح يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن، وعليه جبة خز، وفي عنقه صليب ذهب، ولحيته تنفض خمرا، ثم لا يتورع أن يهجو المسلمين من الأنصار... إلى غير ذلك من تصرفات بعيدة عن الإسلام ومبادئه (1).
ومنها (خامسا) أن ملوك بني أمية الذين رأى الإمام الطحاوي أن الإسلام لم يزل عزيزا في أيامهم، إنما كانت أفعالهم، كثيرا ما تبعد عن الإسلام ومبادئه، فأول ملوكهم معاوية بن أبي سفيان، هو الذي سن تلك البدعة الخسيسة، بدعة سب الإمام علي وأهل البيت على منابر المسلمين، وهو صاحب الموبقات الأربع، روى الطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرهم عن الإمام الحسن البصري أنه قال: أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن له منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعامر الحجر)، وقتله حجرا ويلا له من حجر مرتين) (2).
____________
(1) أبو الحسن الندوي رجال الفكر والدعوة في الإسلام 1 / 33 - 36.
(2) تاريخ الطبري 5 / 279، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 487، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 141.
وأما ولده يزيد، فيكفي أن نشير إلى قول سعيد بن المسيب: كانت سنوات يزيد شؤما، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (مذبحة كربلاء)، وفي الثانية: استبيح حرم رسول الله، وانتهكت حرمة المدينة، وفي الثالثة سفكت الدماء في حرم الله وحرقت الكعبة (1).
وأما مروان بن الحكم - رأس البيت المرواني - فهو الذي قتل طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرين بالجنة - غدرا في موقعة الجمل، ثم هو ابن الحكم لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد لعنه النبي، ومروان في صلبه، وروى أن السيدة عائشة قالت لمروان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه فهو فضض (قطعة) من لعنة الله ورسوله (2).
وأما عبد الملك بن مروان فقد كان طاغية جبارا، لا يبالي بما يصنع، وهو القائل - بعد أن ولي الخلافة - وكان يقرأ في مصحف: هذا فراق بيني وبينك، وقيل أنه قال: هذا آخر العهد بك، ثم هو الذي خطب الناس فقال لا يأمرني أحد بتقوى الله، بعد مقامي هذا، إلا ضربت عنقه، ثم هو القائل: لا أداوي هذه الأمة إلا بالسيف، وهو القائل: وإني لست بالخليفة المستضعف (يعني عثمان) ولا الخليفة المداهن (يعني معاوية) ولا الخليفة المأفون (يعني يزيد بن معاوية) (3). وفي عهده ظهر الحجاج الثقفي لينشر الخراب والقتل في كل مكان
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 253، وانظر: تاريخ الطبري 5 / 338 - 471، 482 - 494، 498 - 499.
498 - 499.
(2) أنظر: أسد الغابة 2 / 37 - 38 الإستيعاب 1 / 317 - 319، الإصابة 1 / 345 - 346، ابن كثير:
البداية والنهاية 8 / 280، طبقات ابن سعد 5 / 24 - 26، محمد بيومي مهران: الإمام علي زين العابدين ص 113 - 118.
(3) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 218 - 219 (القاهرة 1964)، المقريزي الذهب المسبوك ص 39، النزاع والتخاصم فيما بين أمية وبني هاشم ص 37، طبقات ابن سعد 5 / 176 - 177، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 297 - 303.
باسم الأمويين (1)، وعبد الملك هذا - كما يقول السيوطي - أول من غدر في الإسلام، وأول من نهى عن الكلام في حضرة الخلفاء، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف (2).
وأما الوليد فكان فاجرا ماجنا فاسقا، حتى اشتهر بلقب (خليع بني أمية)، بسبب ولعه بالنساء وحتى اتهم الجنسي بأمهات أولاد أبيه، وحتى أن رأسه - بعد أن طيف بها على رمح في دمشق - دفعت إلى أخيه سليمان، فلما نظر إليها قال: بعدا له، أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد راودني في نفسي الفاسق (3).
ولعل أول من شرب المسكر من الخلفاء، إنما هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فقد روي أنه كان لا يمسي إلا سكران، ولا يصبح إلا مخمورا، فقيل له (يزيد الخمور) (4)، وكان عبد الملك بن مروان يشرب في كل شهر مرة، حتى لا يعقل: أفي السماء أو في الماء؟ وكان يقول: إنما أقصد من هذا إلى إشراق العقل، وتقوية منة الحفظ، وتصفية موضع الفكر، غير أنه إذا بلغ آخر الشراب - أو السكر - أفرغ ما كان في بدنه حتى لا يبقى في أعضائه منه شئ، وأما ولده الوليد بن عبد الملك فكان - فيما رووا - يشرب يوما، ويدع يوما، واعتاد هشام بن عبد الملك الشرب يوم الجمعة من بعد الصلاة (5).
وأما الوليد الثاني فقد بز الجميع في الشراب والتهتك، وقد حكى أنه اتخذ بركة في قصرة، فكان يملؤها خمرا، ثم ينزع ثيابه ويغتسل فيها، ويشرب منها،
____________
(1) أنظر: محمد بيومي مهران: الإمام علي زين العابدين ص 123 - 134.
(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 203.
(3) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 5 / 280 - 288.
(4) فيليب حتى: تاريخ العرب ص 294، وانظر: العقد الفريد 3 / 403، النويري: النهاية 4 / 91 (5) الجاحظ التاج في أخلاق الملوك - نشره أحمد زكي باشا - القاهرة 1914 ص 165، فيليب حتى: المرجع السابق ص 294 - 295.
ويظل كذلك حتى يظهر النقص في البركة، وكان يقضي معظم أيامه في قصوره في البادية، في قريتين تقعان في منتصف الطريق بين دمشق وتدمر (1)، وقد أورد صاحب الأغاني خبرا يصور مجلسا من مجالس شربه، رواه شاهد عيان، ووصف فيه ما كان يمارسه هذا الخليفة من التهتك والمجون (2).
ولم يكتف ملوك بني أمية بالشراب، بل استهواهم الغناء والموسيقى وبعض ضروب الرقص، فإذا كان الخليفة ممن لا يريد أن يشهر عنه ذلك، جعل ستارة بينه وبين الندماء، ولم يكن الوليد الثاني ممن يتحاشى الرفث والمجون.
وكان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أول من سن الملاهي، واستجلب المغنين إلى الشام، وكان شاعرا، فجعل يقيم الحفلات الكبرى في بلاطه، ومن ثم فقد أصبح الغناء والشراب صنوين متآلفين في تاريخ الدولة الإسلامية، وقد شمل عبد الملك بن مروان برعايته (ابن مسجح) من مغني الحجاز، واستقدم ولده الوليد (ابن شريح) و (معبدا) إلى دمشق، واحتفى بهما، ثم أعاد الوليد الثاني الشعر والموسيقى إلى البلاط، بعد أن حال دونهما الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
هذا وقد شاع الغناء في عهد ملوك بني أمية شيوعا عظيما، وعظم الشغف به في حواضر الدولة الإسلامية، حتى يزور مغن مثل (حنين) - الحيري النصراني، وكان يعيش في العراق - يزور المدينة، ويجتمع الناس في أحد منازل المدينة، ويزدحمون على السطح ويكثرون ليسمعوه، فيسقط الرواق على من تحته، ويموت المغني (حنين) (حوالي عام 720 م) - على أيام يزيد بن عبد الملك (101 - 105 هـ 720 - 724 م) (3). تحت الهدم. ويقول الدكتور
____________
(1) نفس المرجع السابق ص 295.
(2) الأغاني 2 / 72.
(3) أبو الحسن الندوي: المرجع السابق ص 36، الأغاني 2 / 127، فيليب حتى: المرجع السابق ص 343 - 348، أحمد أمين: فجر الإسلام ص 176.
أحمد أمين: واجتمع في زمن واحد من مشهوري المغنين والمغنيات في الحجاز: جميلة وهيت و (طويس) (632 - 715 م) و (الدلالا) و (برد الفؤال) و (نومة الضحى) و (رحمة) و (هبة) و (معبد) (ت 743 م) و (مالك) و (ابن عائشة) و (نافع بن طنبورة) و (عزة الميلاء) و (حبابة) و (سلامة) و (بلبلة) و (لذة العيش) و (سعيدة) و (الزرقاء)... الخ، ويرون أن هؤلاء حجوا فتلقاهم في مكة) (سعيد بن مسجح) (ت 714 م)، و (ابن شريح) (634 - 726 م) و (الغريض) - واسمه عبد الملك - و (ابن محرز) (ت 715 م)، وخرج أبناء أهل مكة من الرجال والنساء ينظرون إلى حسن هيئتهم (1).
هذا وقد اشتهر (يزيد بن عبد الملك) باللهو والخلاعة، والتشبب بالنساء، كما كان يبالغ في المجون بحضرة الندماء، كما سوى بين الطبقة العليا والسفلى، وأذن للندماء في الكلام والضحك والهزل في مجلسه، فلم يتورعوا عن الرد عليه، وحذا حذوه ولده الوليد (2).
وأما عن الكتاب والسنة، فلقد كان معاوية بن أبي سفيان أول من رد السنة في قضية نسب زياد بن أبيه، أو زياد بن عبيد، بأبي سفيان، قال ابن الأثير:) أول ما ردت أحكام الشريعة علانية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضى بالولد للفراش وللعاهر الحجر، وقضى معاوية بغيره (3).
وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن مخالفات معاوية للسنة: قال المغيرة عن الشعبي: أول من خطب جالسا معاوية، حين كثر شحمه، وعظم
____________
(1) أحمد أمين: فجر الإسلام ص 176 - 177 (بيروت 1969).
(2) حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 331، 335.
(3) تاريخ الطبري 5 / 214 - 215، تاريخ اليعقوبي 2 / 218 - 219، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 441 - 445، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 266 - 274، المسعودي: مروج الذهب 2 / 5 - 8، ابن عبد البر: الإستيعاب 1 / 570 - 571 محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 1 / 235 - 240 صحيح البخاري 8 / 194.
بطنه، وقال قتادة عن سعيد بن المسيب: أول من أذن وأقام يوم الفطر والنحر معاوية، وقال الإمام أبو جعفر الباقر: كانت أبواب مكة لا أغلاق لها، وأول من اتخذ لها الأبواب معاوية، وقال أبو اليمان عن شعيب عن الزهري: مضت السنة أن لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، وأول من ورث المسلم من الكافر معاوية، وقضى بذلك بنو أمية بعده، وبه قال الزهري، ومضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم، وكان معاوية أول من قصرها إلى النصف، وأخذ النصف لنفسه (1).
هذا وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن معاوية قد أخرج المنابر إلى المصلين في العيدين، وأنه خطب الخطبة قبل الصلاة، وذلك أن الناس كانوا - إذا صلوا - انصرفوا لئلا يسمعوا لعن الإمام علي بن أبي طالب (والعياذ بالله) فقدم معاوية الخطبة قبل الصلاة، ووهب (فدكا) لمروان بن الحكم، ليغيظ بذلك آل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
على أن أهل السنة إنما ينسبون ذلك إلى مروان بن الحكم - رأس البيت المرواني - روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي في الأضحى والفطر، ثم يخطب (3)، وعن ابن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة (4).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عطاء: أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير - أول ما بويع له - أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر، فلا تؤذن لها، فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه، وأرسل إليه مع ذلك، إنما الخطبة بعد الصلاة
____________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 150 - 151 صحيح البخاري 8 / 194.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 223.
(3) صحيح البخاري 2 / 22.
(4) صحيح البخاري 2 / 23.
وأن ذلك قد كان يفعل، قال: فصلى ابن الزبير قبل الخطبة (1).
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس، وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة يبعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك، أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق النساء، فلم يزل كذلك، حتى كان مروان بن الحكم، فخرجت مخاصرا مروان، حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين، فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا، يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم، ثلاث مرات ثم انصرف (2).
وفي الموطأ عن مالك عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة (3)، وعن مالك: أنه بلغه أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك (4).
وقال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب، وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة، فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له (5).
____________
(1) صحيح مسلم 6 / 176.
(2) صحيح مسلم 6 / 177 - 178، وانظر: المسهوري: وفاء الوفاء 3 / 787 - 789.
(3) الإمام مالك: الموطأ ص 127 (كتاب الشعب - القاهرة 1970).
(4) الموطأ ص 127.
(5) الموطأ ص 128.
وقال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب (وعثمان محصور) فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب (1).
ورى الإمام الشافعي في (الأم) بسنده عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة (2)، وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يصلون في العيدين قبل الخطبة (3).
وعن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح: أن أبا سعيد قد أرسل إلى مروان، وإلى رجل قد سماه، فمشى بنا حتى أتى المصلى، فذهب ليصعد فجبذته إلي، فقال: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم، قال أبو سعيد: فهتفت ثلاث مرات، فقلت: والله لا تأتون إلا شرا منه (4).
وعن عبد الله بن يزيد الخطمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر وعثمان ، كانوا يبتدأون الصلاة قبل الخطبة، حتى قدم معاوية (ابن أبي سفيان) فقدم الخطبة (5).
وفي نهج البلاغة عن عمرو بن علي بن الحسين عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام قال: قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا (أي عثمان بن عفان) من صاحبكم (أي الإمام علي بن أبي طالب) قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر، إلا بذلك (6).
____________
(1) الموطأ 128.
(2) الإمام الشافعي: الأم 1 / 208 (كتاب الشعب - القاهرة 1969).
(3) الأم 1 / 208.
(4) الأم 1 / 208.
(5) الأم 1 / 208، وانظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 194، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 278.
(6) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 220.
وعن ابن أبي سيف قال: خطب مروان - والحسن عليه السلام جالس - فقال من علي عليه السلام، فقال الحسن: ويلك يا مروان! أهذا الذي تشتم شر الناس! قال: لا، ولكنه خير الناس (1).
وعن أبي سعيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى (وكان خارج المسجد على مبعدة ألفي ذراع)، وأول شئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثا، أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك، حتى خرجت مع مروان، وهو أمير المدينة (في عهد معاوية) في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى، إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه، قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال:
أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خيرا ما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة (متفق عليه) (2).
وعن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، العيد، فلما قضى الصلاة، قال: (إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فيجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب) (رواه النسائي وأبو داوود وابن ماجة) (3).
وروى أبو داوود في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، قال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكرا،
____________
(1) شرح نهج البلاغة 13 / 220 - 221.
(2) السيد سابق: فقه السنة 1 / 271 (بيروت 1977).
(3) فقه السنة 1 / 271.
فاستطاع أن يغيره بيده، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (1).
هذا وقد قالت الإمامية: تجب الخطبتان في العيدين، تماما كما في الجمعة، وقالت: بقية المذاهب بالاستحباب، واتفق الجميع على أن مكانها بعد الصلاة، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنهما قبلها (2).
وقالت السنة: يسن للإمام أن يخطب بعد صلاة العيد خطبتين، يعلم الناس فيها أحكام زكاة الفطر في عيد الفطر، وأحكام الأضحية، وتكبير الإشراق في عيد الأضحى.
وخطبتا العيدين كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط والسنن والمكروهات، إلا في أمور: منها أن خطبتي الجمعة يشترط فيها أن تكون قبل الصلاة، بخلاف خطبتي العيد، فإنه يشترط فيها تأخرهما عن الصلاة، فإن قدمهما لا يعتد بهما، ويندب إعادتهما بعد الصلاة.
هذا وكان الوليد بن يزيد يستخف بالصلاة - عماد الدين - وسخر من أهلها، روى الفقيه ابن عبد ربه عن إسحاق بن محمد الأرزق قال: دخلت على المنصور بن جمهور الكلبي - بعد قتل الوليد بن يزيد - وعنده جاريتان من جواري الوليد فقال: إسمع من هاتين الجاريتين ما تقولان؟ قالتا: قد حدثناك، قال: بل حدثاه كما حدثتماني، قالت إحداهن: كنا أعز جواري عنده، فنكح هذه، فجاء المؤذنون يؤذنونه بالصلاة، وأخرجها، وهي سكرى متلعثمة، فصلت بالناس (3).
ولم يكتف هذا الوليد - الذي كتب على المسلمين أن يكون إمامهم -
____________
(1) سنن أبي داود 1 / 160 - 261.
(2) محمد جواد مغنية: الفقه على المذاهب الخمسة 1 / 123 (دار الجود - بيروت 1984).
(3) ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 205.
بمجونه هذا، واستهتاره بالصلاة، وبالمسلمين، وإنما زاد في فسوقه، حتى اعتدى على المصحف الشريف، وروي أنه قرأ ذات يوم، قول الله تعالى:
(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد * ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) (1)، فدعا بالمصحف، فنصبه غرضا للنشاب، وأقبل يرميه، وهو يقول:
أتوعد كل جبار عنيد * فهأنا ذا جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب خرقني الوليد (2)
وأذن يوما المؤذن - وقد أخذ منه السكر - فقال لمغنية: غنني في ديني واعتقادي وقال:
تذكرني الحساب ولست تدري * أحقا ما تقول من الحساب فقل للرب يمنعني طعاما * وقل للرب يمنعني شرابي (3)
ويقول محمد بن يزيد المبرد النحوي في كتابه الكامل، أن الوليد لحن في شعر له، ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الوحي لم يأته عن ربه - كذب أخزاه الله ولعنه - ومن ذلك قوله:
تلعب بالخلافة هاشمي * بلا وحي أتاه ولا كتاب (4)
ثم لم ينته الفاجر عند ذلك، وإنما أخذ يفسر القرآن الكريم بهواه، من ذلك، قول الله تعالى: (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)، يزعم الفاجر كذبا: أن المراد هو الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - أخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن
____________
(1) سورة إبراهيم: آية 15 - 16.
(2) مروج الذهب 2 / 199 - 200، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 5 / 290، الأغاني 6 / 125، ابن دقماق: الجوهر الثمين في سير الملوك والخلفاء والسلاطين ص 79.
(3) ابن دقمان: المرجع السابق ص 79.
(4) المسعودي: مروج الذهب 2 / 200.
الزهري، أنه قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك بن مروان فقال: الذي تولى كبره منهم، علي، فقلت: لا، حدثني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن عتبة بن مسعود - وكلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره، عبد الله بن أبي.
وقد بينت رواية ابن مردويه سبب مقالة الوليد هذه، قال الزهري: كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا، فلما بلغ هذه الآية: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم...) حتى بلغ قوله تعالى:
(والذي تولى كبره) جلس ثم قال: يا أبا بكر، من تولى كبره منهم؟ أليس:
علي بن أبي طالب؟ قال: قلت في نفسي: ماذا أقول، لئن قلت لا، لقد خشيت أن ألقى منه شرا، ولئن قلت نعم، لقد جئت بأمر عظيم، قلت في نفسي: لقد عودني الله على الصدق خيرا، قلت: لا، قال: فضرب بقضيبه على السرير، ثم قال: فمن، حتى ردد ذلك مرارا، قلت: لكن عبد الله بن أبي.
هذا وكان هشام بن عبد الملك يعتقد مثل هذا كأخيه الوليد، فلقد أخرج ابن شيبة في مسنده عن الإمام الشافعي عن عمه محمد بن علي بن شافع قال:
دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له: يا سليمان: الذي تولى كبره من هو؟ قال: ابن أبي، قال هشام: كذبت، هو علي، قال: أمير المؤمنين اعلم بما يقول، فدخل الزهري، فقال هشام: يا ابن شهاب، من تولى كبره، قال: ابن أبي، قال هشام: كذبت، هو علي، فقال الزهري: أنا أكذب، لا أبا لك، والله لو نادى مناد من السماء، أن الله أحل الكذب، ما كذبت (1).
____________
(1) سورة النور: آية 11، صحيح البخاري 3 / 227 - 231، 5 / 148 - 155، صحيح مسلم 8 / 102 - 116، مسند الإمام أحمد 6 / 59، سنن الترمذي 5 / 13، فتح الباري 7 / 437، الزهري: المغازي النبوية ص 119، تفسير ابن كثير 3 / 436 - 437، تفسير الطبري 18 / 89، إبراهيم قريبي: مرويات غزوة بني المصطلق ص 227 - 226 (نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة).
هذا وقد وصف الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - بني أمية، فقال: (والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما، إلا استحلوه، ولا عقدا إلا حلوه، وحتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر، إلا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيتهم وحتى يقوم الباكيان يبكيان، باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه، وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم، كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، وحتى يكون أعظم فيها غناء، أحسنكم بالله ظنا) (1).
فهل هؤلاء يمكن أن يقارنوا بأهل بيت النبوة، والذين هم - كما قال عبد الله بن عمر بن الخطاب - (أهل بيت لا يقاس بهم) (2)، وقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث الثقلين، وغيرهم من الأحاديث الشريفة.
وقال الإمام علي فيهم: (هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وهمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماح ورواية، فإن رواة العلم كثير، ووعاته قليل) (3).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله مصابيح الدجى، والعروة الوثقى، وسلم تسليما كثيرا (4). وقال الإمام علي فيهم: (فاستودعهم الله في أفضل مستودع، وأقرهم في غير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلما مضى منهم سلف، قام منهم بدين الله خلف، حتى
____________
(1) شرح نهج البلاغة 7 / 78.
(2) الرياض النضرة 2 / 275.
(3) شرح نهج البلاغة 13 / 317، محمد عبده: نهج البلاغة ص 284.
(4) محمد عبده: نهج البلاغة ص 284.
أفضت كرامة الله، سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، وأعز الأرومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتجب فيها أمناءه، عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم، وبسقت في كرم، لها فروع طوال، وثمر لا ينال، فهو من إمام من اتقى، وبصيرة من اهتدى.
سراج لمع ضوؤه، وشهاب سطع نوره، وزند برق لمعه، سيرته المقصد، وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، أرسله الله على حين فترة من الرسل، وهفوة عن العمل، وغباوة من الأمم... (1).
وقال الإمام علي: (أنظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتهلكوا) (2).
وقال الإمام علي: ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه وسلم، كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون) (3).
وقال الإمام علي: (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى).
ثم قال: (إن الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم) (4).
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 / 62.
(2) شرح نهج البلاغة 8 / 76.
(3) شرح نهج البلاغة 8 / 84.
(4) شرح نهج البلاغة 9 / 84.
ومن ثم فالرأي عندي أن الاثني عشر أميرا - أو خليفة - إنما هم أئمة أهل البيت النبوي الشريف، وهم سادتنا الكرام البررة: الإمام علي بن أبي طالب - الإمام الحسن بن علي - الإمام الحسين بن علي - الإمام علي زيد العابدين - الإمام محمد الباقر - الإمام جعفر الصادق - الإمام موسى الكاظم - الإمام علي الرضا - الإمام محمد الجواد - الإمام علي الهادي - الإمام الحسن العسكري - الإمام الحجة محمد المهدي.
|