متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3- أسباب التشيع
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

(3) أسباب التشيع

يقول الأستاذ محمد جواد مغنية: قال الذين يتبعون الظن، ويقيسون الشاهد على الغائب: أن السبب الأول للتشيع إنما هو سبب سياسي محض، لا يمت إلى الدين بصلة، وهذا خطأ، فإن سبب التشيع إنما هو ديني صرف، ولا صلة له بالسياسة من قريب أو بعيد، إنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله.

أما الفعل، فلقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم الإمام علي بن أبي طالب، أخاً له ونجياً، وقام بتربيته وتنشئته منذ عهده بالحياة، واهتم بتعليمه وتهذيبه، حتى أصبح كما يشاء النبي الرسول، لم يؤاخذ أو يعاتبه على شئ في حياته كلها.

هذا وقد اعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في مهمات وفي ساعة العسرة، فبلغ عنه سورة براءة، وندبه إلى قتال عمرو بن ود، ومرحبا، وباهل نصارى نجران به وبزوجه فاطمة الزهراء، وبولديه الحسن والحسين، وارتقى على كتفيه لكسر الأصنام، وانضوى إياه - ومعهم إياه - ومعهم فاطمة والحسن والحسين - تحت كساء واحد، إلى غير ذلك من المناقب - التي أشرنا إليها من قبل، والتي سنشير إليها فيما بعد - والتي لا يبلغها الحصر، والتي لو كانت منقبة واحدة منها لصحابي آخر - غير الإمام علي - لدقوا له الطبول، ورفعوا له الأعلام، وكادوا أن يبلغوا به سدرة المنتهى، وكتبوه بماء الذهب، وأكثروا فيه الحواشي والشروح.

وأما القول، فلقد نص النبي صلى الله عليه وسلم، عليه في مناسبات شتى، أولها حين نزلت الآية: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) *، حيث جمع من أهله ثلاثين رجلاً،

____________

(1) عبد القادر محمود: المرجع السابق ص 10.

الصفحة 429
فأكلوا وشربوا، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هذا وارثي ووزيري ووصيي وخليفتي عليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، وآخرها حديث الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه، وبين هذين الحديثين، صدرت أحاديث كثيرة، كحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث علي مع الحق، والحق مع علي، وحديث الثقلين، إلى غير ذلك مما أثبته أهل السنة - وقد أوردنا الكثير منها في الفصل الخاص بأدلة إمامة الإمام علي رضوان الله عليه -.

غير أن علماء السنة - وإن كانوا لا يشككون في سنة أحاديث الولاية والوصية للإمام علي - فإنهم إنما يفسرون الولاء بالحب والإخلاص، وليس الحكم والسلطان، فضلاً عن الوصية بالعهد إلى الإمام بتجهيز النبي ودفنه، إذن فالأحاديث ثابتة، والخلاف على التفسير، وهو - على أية حال، اجتهاد، وما يلزمنا هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ما درج المفسرون أن يقدموا من اجتهادات وتأويلات، وفوق كل ذي علم عليم (1).

وهكذا والى الشيعة سيدنا الإمام علي، وقالوا بالنص عليه، وأوجبوا له العصمة، اعتماداً على أحاديث كثيرة، ذكرنا كثيراً منها في الفصل الخاص بأدلة الإمام علي، ونضيف الآن إليها، قوله صلى الله عليه وسلم لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، فلقد روى الإمام الطبري - وكذا ابن الأثير - في أحداث غزوة أحد، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده، قال: لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي: أحمل عليهم، فحمل عليهم، ففرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي، قال: ثم أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي:

أحمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك - أحد بني عامر بن لؤي - فقال جبريل: يا رسول الله، إن هذه للمواساة، فقال

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 15 - 16 (دار الهلال - دار الجواد - بيروت ط خامسة - 1981).

الصفحة 430
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه مني، فقال جبريل: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً:

لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي (1)

وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن علي، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار (2)، وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن أبي ثابت، مولى أبي ذر، قال: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي، وتذكر علياً عليه السلام، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة (3).

وهكذا اعتمدت الشيعة على هذه الأحاديث - وغيرها كثير في ولائها للإمام علي، ولم يعتمدوا على الظن والتخمين، وليس على العاطفة والتعصب، ولا التقليد ولا الوراثة، ومن ثم فالسبب إذن ديني، لا سياسي، وعلم، لا أهواء (4).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين
والصلاة والسلام على مولانا وسيدنا وجدنا
محمد رسول الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين

____________

(1) تاريخ الطبري 2 / 514 (دار المعارف - القاهرة 1977)، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 154 (دار صادر - بيروت 1965).

(2) صحيح الترمذي 2 / 298، ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 124، وانظر: المظفر: دلائل الصدق 3 / 303 (ط 1953).

(3) تاريخ بغداد 14 / 321 (ط السعادة - القاهرة 1329 هـ‍).

(4) محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 16 (بيروت 1981).

الصفحة 431


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net