متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - التقية عند الخوارج
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

4 - التقية عند الخوارج:

لعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الخوارج (4) ; إنما كانوا أول من

____________

(1) أنظر محمد الغزالي: فقه السيرة - القاهرة 1976 ص 425 - 427 - (رواه مسلم 7 / 75، والترمذي 2 / 42، وأحمد 3 / 401 عن سعيد بن المسيب).

(2) ابن قيم الجوزية: زاد المعاد من هدى خير العباد 3 / 484 - 486 (بيروت 1405 هـ‍/ 1985 م).

(3) السيرة الحلبية 3 / 85.

(4) أنظر عن الخوارج (ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 5 / 29 - 33 (ط محمد علي صبيح - القاهرة 1384 هـ‍/ 1964 م)، البغدادي: الفرق بين الفرق ص 72 - 113، الشهرستاني:

الملل والنحل 1 / 114 - 138 - القاهرة 1387 هـ‍/ 1968 م، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2 / 265 - 283).

الصفحة 230
دان بالتقية، وتوسل بها (1)، والذي دعا الخوارج إلى التقية، الكره والحقد المتبادل بينهم وبين جماعة المسلمين، حتى كان اصطياد الخارجي يعني القضاء عليه، وقد قاتلهم سيدنا الإمام علي بن أبي طالب حتى كاد أن يبيدهم، ولكنهم كانوا لا ينفذون حتى يملأوا الشعاب والجبال من جديد، ومن هنا تعلقوا بالتقية حفاظاً على حياتهم، وخلاصاً من الفناء. ويذهب الشهرستاني (479 - 548 هـ‍) إلى أن التقية إنما قد تسببت في انقسام الخوارج (2)، وذلك أن نافع بن الأزرق (3) كان يكفر القاعدين عن الحرب، وكان يقول: التقية لا تحل،

____________

(1) اجنتس جولدتسيهر: العقيده والشريعة في الإسلام ص 180 (ترجمة محمد يوسف موسى وآخرين - القاهرة 1946).

(2) يقول أبو الحسن الأشعري في كتاب: (مقالات الإسلاميين 1 / 88): وكان سبب الاختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة عربية من اليمن كانت ترى رأي الخوارج تزوجت رجلاً من الموالي برأيها، فقال لها أهلها: فضحتينا، فأنكرت ذلك، فلما جاء زوجها، قالت: إن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري، وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم، فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى تكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم، وإما أن تخبأني حيث شئت، وإما أن تخلي سبيلي، فخلى سبيلها، ثم إن أهلها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها، لم يكن على رأيها، فكتب بمن بحضرتها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك، فقال رجل منهم: إنها لم يسعها ما صنعت، ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها، لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا، لأننا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة، ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا، كما لم يسع التخلف عنهم، فتابعه على قوله نافع بن الأزرق وأهل عسكره، إلا نفراً يسيراً، وزعمت الأزارقة أن من أقام في دار الكفر، فهو كافر لا يسعه إلا الخروج.

وقال المبرد في الكامل (3 / 131) جاء مولى لبني هاشم إلى نافع فقال له: إن أطفال المشركين في النار، وإن من خلفنا مشرك، فدماء هؤلاء الأطفال لنا حلال، قال له نافع: كفرت وأدللت بنفسك، قال: إن لم آتك بهذا من كتاب الله فاقتلني. (قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً). فهذا أمر الكافرين، وأمر أطفالهم، فشهد نافع أنهم جميعاً في النار، ورأى قتلهم، وقال: الدار دار كفر، إلا من أظهر إيمانه، ولا يحل أكل ذبائحهم ولا تناكحهم، ولا توارثهم، ومن جاء منهم جار، فعلينا أن نمتحنه، وهم ككفار العرب، لا نقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، والقعد بمنزلتهم، والتقية لا تحل، فنفر جماعة من الخوارج عنه، منهم نجدة بن عامر، واحتج بقول الله تعالى:

* (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * (الشهرستاني 1 / 119).

(3) هو أبو راشد نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار، أحد بني حنيفة، كان أول خروجه بالبصرة في عهد عبد الله بن الزبير، وفي عام 65 هـ‍اشتدت شوكته حتى قتل في جمادى الآخرة (خطط

=>


الصفحة 231
والقعود عن القتال كفر، ومن ثم فقد انصرف زعماء الخوارج وأتباعهم إلى نجدة الحروري الذي قتل على أيام عبد الملك بن مروان (65 - 86 هـ‍/ 685 - 705 م)، وكان نجدة يرى أن التقية جائزة، واحتج بقول الله تعالى * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * (1)، وبقول الله تعالى: * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) * (2).

وقال: القعود جائز، والجهاد - إذا أمكنه - أفضل، قال الله تعالى * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) * (3).

وقال نافع: هذا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حين كانوا مقهورين، وأما في غيرهم - مع الإمكان - فالقعود كفر، لقول الله تعالى: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * (4).

ومع ذلك، فلقد رسخت التقية في بيئة الخوارج، إلى حد أن صار النقاش - بعد نافع - يدور حول كونها: هل تطبق التقية في العمل أو في القول أو في كليهما، فرأينا الضحاك - وهو رئيس فرقة من الخوارج، وقد قتل عام 128 هـ‍(746 م) - يرى أنها تجوز في القول، دون العمل، وكان أسلافهم النجدات يرونها: جائزة في القول والعمل، وإن كان في قتل النفس (5).

هذا فضلاً عن أن الخوارج إنما هم الذين ابتدعوا مصطلح دار التقية ودار العلانية، وأن دار مخالفيهم إنما هي دار كفر، وكانوا يعنون بدار التقية: المواطن التي يغلب عليها غيرهم من المسلمين، فبينوا لنا مدى

____________

<=

المقريزي 2 / 354، الكامل لابن الأثير 4 / 81، الكامل للمبرد 2 / 171، 180، شرح نهج البلاغة 1 / 380).

(1) سورة آل عمران: آية 38.

(2) سورة غافر: آية 28.

(3) سورة النساء: آية 95.

(4) سورة التوبة: آية 90، وانظر: الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 125.

(5) كامل الشيبي: المرجع السابق ص 239.

الصفحة 232
اضطرارهم إلى التعلق بهذا الدرع، الذي حمى كثيراً من المسلمين قبلهم وبعدهم، بل لقد كان من لصوق التقية بالخوارج، أنهم - مع اعتبارهم أن غيرهم من المسلمين كفاراً - جوزوا تزويج المسلمات - أي الخارجيات - من كفار قومهم - أي المسلمين ذوي المذاهب الأخرى - في دار التقية. ولعل هذا إنما يعني أنهم - وهم غلاة المخلصين لمبادئهم - إنما قد سمحوا بالزنا، الذي يعنيه تزويج الكافر بالمسلمة - بقدر ما يتعلق الأمر بعقيدتهم - ليس في سبيل المحافظة على حياتهم، وإنما لأن الظروف تقتضي التقية والكتمان، هذا فضلاً عن أن للصدقات عندهم تنظيم خاص، يختلف في حال التقية عنه في حال العلانية.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعتنقه كل الخوارج، ولكنه الرأي المشهور من كثير من فرقهم، وقد التزم به النجدات والإبراهيمية والضحاكية والإباضية والصوفية، وغيرهم (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net