1 - الخليفة:
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أول الخلفاء الراشدين، قد لقب بلقب خليفة رسول الله، إذ كان يقوم مقام الرسول في حكم الدولة الإسلامية، والمحافظة على الدين - وكان عمر - في بدء خلافته - يلقب بلقب خليفة رسول الله.
روى البلاذري (أحمد بن يحيى بن جابر - المتوفى 279 هـ/ 892 م) أن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف بباب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا رسول الله.
فلما ولي أبو بكر (11 - 13 هـ/ 632 - 634 م) كان المؤذن يقف بالباب، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا خليفة رسول الله.
. من خلافة عمر بن الخطاب (13 - 23 هـ/ 644 م)، كان المؤذن يردد هذه الكلمات، مبتدئاً بقوله: السلام عليك يا خليفة رسول الله (1).
والخليفة - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (661 - 728 هـ/ 1263 - 1328 م) - هو من كان خلفاً عن غيره (فعلية بمعنى فاعلة)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم أنت الصاحب في الفسر، والخليفة في الأهل، وقال صلى الله عليه وسلم من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا (2).
وفي القرآن * (سيقول المخلفون من الأعراب) * (3) و * (فرح المخلفون
____________
(1) حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 438 - 439 - القاهرة 1964).
(2) ابن تيمية: مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 35 / 43 (الرياض 1386 هـ).
(3) سورة الفتح: آية 11.
بمقعدهم خلاف رسول الله) * (1). هذا وقد ظن بعض الغالطين - كابن العربي - أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، وزعموا أن هذا بمعنى أن يكون الإنسان مستخلفاً، وربما فسروا تعليم آدم الأسماء كلها التي جمع معانيها الإنسان، ويفسرون خلف آدم على صورته بهذا المعنى أيضاً، وقد أخذوا من الفلاسفة قولهم: الإنسان هو العالم الصغير، وهذا قريب، وضموا إليه:
أن الله هو العالم الكبير، بناء على أصلهم الكفري في وحدة الوجود، وأن الله هو عين وجود المخلوقات، فالإنسان من بين المظاهر، هو الخليفة الجامع الأسماء والصفات (2).
ثم يقول ابن تيمية: والله لا يجوز له خليفة، ولهذا لما قالوا لأبي بكر:
يا خليفة الله، قال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبي ذلك، بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا.
وبدهي أن ذلك لأن الله تعالى، حي، شهيد، مهيمن، قيوم، رقيب، حفيظ، غني عن العالمين، ليس له شريك ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.
والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف، بموت أو غيبة، ويكون لحاجة المستخلف إلى الاستخلاف، وسمى خليفة، لأنه خلف عن الغزو، وهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالى، وهو منزه عنها، فإنه حي قيوم، شهيد، لا يموت ولا يغيب، وهو غني يرزق ولا يرزق، يرزق عباده وينصر هم ويهديهم ويعافيهم، بما خلقه من الأسباب التي هي من خلقه، والتي هي مفتقرة إليه، كافتقار المسببات إلى أسبابها، فالله هو الغني الحميد له منا في
____________
(1) سورة التوبة: آية 81.
(2) ابن تيمية: الفتاوي 35 / 42 - 44 (الرياض 1386 هـ).
السماوات وما في الأرض وما بينهما (1)، * (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) * (2)، * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * (3)، ولا يجوز أن يكون أحد خلف منه، ولا يقوم مقامه، لأنه لا سمي له، ولا كفء له فمن جعل له خليفة، فهو مشرك به.
وأما الحديث النبوي الشريف السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل ضعيف وملهوف، وهذا صحيح، فإن الظل مفتقر إلى آو، وهو رفيق له، مطابق له نوعاً من المطابقة، والآوي إلى الظل المكتنف بالظل صاحب الظل، فالسلطان عبد الله، مخلوق، مفتقر إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، وفيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد والصمدية التي بها قوام الخلق، ما يشبه أن يكون لله في الأرض، وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده، فإذا صلح ذو السلطان، صلحت أمور الناس، وإذا فسد فسدت بحسب فساده، ولا تفسد من كل وجه، بل لا بد من مصالح، إذ هو ظل الله، لكن الظل تازة يكون كاملاً مانعاً من جميع الأذى، وتازة لا يمنع إلا بعض الأذى، وأما إذا عدم الظل فسد الأمر، كعدم سر الربوبية التي بها قيام الأمة الإنسانية، والله تعالى أعلم (4).
|