متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - والله إنه ليحزنني قتل الحسين
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - والله إنه ليحزنني قتل الحسين:

وقف الحسين أمام رحله الذي به، ما تركته السيوف من بقايا أجساد أبنائه.

مكث نهارا طويلا وحده، لا يأتيه أحد، حتى نزف دمه. وبعد أن ارتوت الأرض من دمائه، نادى شمر بن ذي الجوشن: ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل؟ فاقتلوه ثكلتكم أمهاتكم. فحملت الرجال من كل جانب على الحسين. وضربه زرعه بن شريك على كتفه اليسرى، وضرب على عاتقه. ثم انصرفوا عنه، وهو ينوء ويكبو. ثم جاء إليه سنان بن أبي عمرو، فطعنه بالرمح فوقع (1). يقول عبد الله بن عمار: رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه، يحمل على من على يمينه حتى انذعروا عنه. فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل أولاده وأصحابه أربط جأشا منه، ولا أمضى جنانا منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله (2) وروى الطبري:

كان مع الحسين سكين، فعندما أخذ سيفه قاتلهم بسكينة ساعة (3).

وعندما جاء شمر بن ذي الجوشن، نظر إليه الحسين وقال: صدق الله ورسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ". وكان شمر أبرص (4). ثم قال: اللهم أحبس عنهم القطر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصيرة، فإنهم كذبونا وخذلونا. اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضى الولاة عنهم أبدا. فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا.. ثم أراد الحسين أن يقف، ولكن قضى الله أن تنتهي أعمال الحسين بالدعاء إليه سبحانه. وأن تنتهي حركته في هذه البقعة من الأرض، لتبدأ الحركة بصورة أخرى على امتداد الزمان. وروي أن الحسين سأل عن هذه البقعة فقالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله كرب وبلاء - وفي

____________

(1) البداية والنهاية 189 / 8، الطبري 360 / 2.

(2) البداية والنهاية 188 / 8.

(3) الطبري 360 / 6.

(4) البداية والنهاية 188 / 8، وابن عساكر (كنز العمال 226 / 12).

الصفحة 299
راية - صدق رسول الله أرض كرب وبلاء (1).

وشاء الله أن تحفر في ذاكرة المسلمين أحداث كربلاء، فالأحداث والأرض حزمة واحدة. داخل الذهنية الإسلامية، واسم كربلاء اسم مقصود له معنى، وللمعنى حكمة، ومن وراء الحكمة هدف. قال في لسان العرب: الكرب:

الحزن والغم، الذي يأخذ بالنفس. فإذا كان هذا وقودا لقاطرة، فإن هذه القاطرة ستدخل إلى دائرة البلاء، من مدخل الأمان. وقال في المجمع: البلاء على ثلاثة أوجه: نعمة، واختبار، ومكروه. قال تعالى: (لتبلون في أموالكم وفي أنفسكم) يريد توطين النفس على الصبر. وقال تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات). أي اختبره، بما تعبده به من السنن. (فأتمهن) أي عمل بهن، ولم يدع منهن شيئا. والبلاء يكون حسنا وسيئا، وأصله المحنة. والله يبلوا العبد، بما يحبه ليمتحن شكره، وبما يكرهه ليمتحن صبره. قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة). وقال: (يوم تبلى السرائر)، أي تختبر السرائر في القلوب، من العقائد والنيات وغيرها. وما أسر وأخفى من الأعمال. فيتميز منها ما طاب وما خبث. وقال (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، أي ليعاملكم، معاملة المختبرين لكم، وإلا فعالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شئ، وإنما يبلوا ويختبر من تخفى عليه العواقب. وقوله: (أيكم أحسن عملا) ليس يعني أكثركم عملا، ولكن أصوبكم عملا. وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة. وسنة البلاء لا يستثنى فيها المؤمن والكافر، والمحسن والمسئ. وفي الحديث القدسي: " إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك قومك، من يتبعك، ومن يتخلف عنك، ومن ينافق معك.

وهكذا تكون دائرة الكرب، مدخلا إلى دائرة البلاء. وهكذا كان للحدث كله حكمة من ورائها هدف. لقد أراد الحسين، أن يقف في وجه أعدائه، آخذا بكل سبب من الأسباب. ولكن الله قضى أن تقطع الأسباب، وأن يقع على أرض كربلاء. وروي أنهم تركوه نهارا طويلا وهو ينوء ويكبو، ثم التفوا حوله بعد أن

____________

(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 189 / 9).

الصفحة 300
صعدت الروح إلى بارئها، ونزل أحدهم من على فرسه، قيل إنه شمر بن ذي الجوشن. وقيل إنه سنان بن أنس. فاحتز رأسه، ورؤوس بقية من قتل معه.

يقول ابن كثير: كان معه رؤوس بقية أصحابه وهو المشهور، ومجموعها اثنان وسبعون رأسا. وذلك أنه ما قتل قتيل إلا احتزوا رأسه. وحملت هذه الرؤوس إلى ابن زياد. ثم بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام (1).

وسلب الحسين ما كان عليه، فأخذ سرواله بحر بن كعب، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم. ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها، ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه. فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها، حتى تغلب عليه فيذهب به منها (2). ووجد بالحسين عليه السلام، حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة (3). وأمر عمر بن سعد عشرة فرسان، أن يدوسوا الحسين، فداسوا الحسين بحوافر خيولهم، حتى ألصقوه بالأرض يوم المعركة (4). وكان عمر الحسين يوم قتل، ثمان وخمسين سنة (5).

وقتل معه سبعة عشر كلهم، ارتكض في رحم فاطمة عليها السلام (6). وجميع من قتل مع الحسن اثنان وسبعون رجلا (7).

وعن حميد بن مسلم قال: انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الأصغر، وهو منبسط على فراش له وهو مريض. وإذا شمر بن الجوشن في رجاله معه يقولون: ألا تقتل هذا. فقال حميد: إنما هذا صبي، حتى جاء عمر بن سعد فقال: لا يعرضن لهذا الغلام المريض. فقال لي علي بن الحسين: جزيت من رجل خيرا. فوالله

____________

(1) البداية 190 / 8.

(2) الطبري 360 / 6.

(3) الطبري 260 / 6.

(4) البداية 189 / 8، الطبري 261 / 6.

(5) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 198 / 9).

(6) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (198 / 9) البداية 189 / 8.

(7) الطبري 261 / 6، البداية 189 / 8.

الصفحة 301
لقد دفع الله عني، بمقالتك شرا. وقال حميد: فقال الناس، لسنان بن أنس:

قتلت حسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة ابنة رسول الله. قتلت أعظم رجال العرب خطرا، جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيل ملكهم. فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم. وإنهم لو أعطوك، بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا. فأقبل على فرسه، فأقبل حتى وقف، على باب فسطاط عمر بن سعد، ثم نادى بأعلى صوته:

أوقر ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر: أشهد أنك لمجنون، أدخلوه علي. فلما أدخل قال: يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net