متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - قلوب من نحاس
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - قلوب من نحاس:

يوم غدير خم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه.... " الحديث، وفي نفس الخطبة أوصى الأمة بوصايا وحذرهم من أمور منها قوله: " لعن الله من ادعى إلى غير أبيه ولعن الله من تولى غير مواليه الولد للفراش وللعاهر الحجر " (1). ولقد اخترت هذه الرواية، لأنها لزيد بن أرقم وفيها: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم، ونحن نرفع غصن شجرة عن رأسه فقال.... "، ثم ساق الحديث. وهذا الحديث رواه أحمد عن أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة " (2). ورواه أحمد والشيخان عن أبي عثمان أنه لقي أبا بكرة فقال له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام. فقال أبو بكرة: وأنا سمعت من رسول الله (3).

وإذا كان معاوية قد حارب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الغدير: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، فإن معاوية تتبع الخطبة إلى نهايتها، وألحق زياد بن أبيه بالخيمة الأموية، ضاربا بالتحذير عرض الحائط. وزياد هو

____________

(1) رواه الطبري (الزوائد 15 / 4).

(2) رواه أحمد (الفتح الرباني 218 / 21) والترمذي وقال في تحفة الأحواذي أخرجه الجماعة إلا أبو داود (التحفة 321 / 4).

(3) رواه أحمد والشيخان (الفتح الرباني 41 / 17).

الصفحة 219
المعروف بزياد بن أبي سفيان، ويقال فيه زياد بن أبيه، ويقال زياد بن أمه.

وادعاه معاوية وألحقه بأبيه أبي سفيان وصار من جملة أصحابه. وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد حذر زياد من معاوية فقال له: " إن معاوية يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه فاحذره " (1).

وكان معاوية يريد أن يخترق جبهة علي، فبعث إلى زياد يغريه بهذا الاستلحاق، وكان زياد وقتئذ عاملا لعلي. وبعد وفاة أمير المؤمنين راسل معاوية زياد رغبة منه في أن يستعين به في تأسيس ملكه والقضاء على المعارضة.

وبدخول زياد خيمة معاوية جرت الدماء أنهارا، ولم تقف حتى بعد وفاة زياد الذي خلفه ابنه فكان شر خلف لشر سلف.

وروى الطبري: كان زياد أول من شد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وألزم الناس الطاعة، وتقدم في العقوبة، وجرر السيف، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا (2). وكان زياد أول من سير بين يديه بالحراب، ومشى بين يديه بالعمد (3). وضم معاوية إلى زياد الكوفة، فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة (4). وقام زياد بتعيين سمرة بن جندب عاملا له على البصرة، وكان يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة أشهر بالبصرة (5).

وسمرة بن جندب شرب من إناء زياد كل معالم القسوة، يقول الطبري:

سئل أنس بن سيرين، هل كان سمرة قتل أحدا؟ قال: وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟، استخلفه زياد على البصرة، فقتل ثمانية آلاف من الناس، وعندما قيل له: هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا قال: لو قتلت إليهم ا

____________

(1) أسد الغابة 272 / 2.

(2) الطبري 126 / 6.

(3) الطبري 127 / 6.

(4) الطبري 128 / 6.

(5) الطبري 131 / 6.

الصفحة 220
مثلهم ما خشيت (1). وعن أبي سوار العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن (2)، وروي أن سمرة دخل إلى المدينة، وعند مرور الخيل ظهر رجل فضربوه بالحربة، وقال سمرة: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا (3).

فهذه القوة الحديدية التي يتحرك بها رجال لهم قلوب من نحاس، حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مقدماتها يوم غدير خم. وذلك لأن أصحاب العقول البرونزية، التي تقرقع أنيابهم كقرقعة أنياب الحيتان، لن يجدوا فريسة يغرسون فيها أنيابهم سوى الذين يحبون علي بن أبي طالب، فيوم الغدير دثر النبي علي بن أبي طالب بدثار " من كنت مولاه... " في الوقت الذي كان النبي يقول فيه: " لعن الله من ادعى إلى غير أبيه.... ".


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net