متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
6 - على هامش أصداء يوم خم
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

6 - على هامش أصداء يوم خم:

لقد ذكرنا فيما سبق بعض الأحاديث الواردة في حق أمير المؤمنين. ولقد وجدت أن ذكر بعضها هنا مرة أخرى يلقي الضوء على الأحداث فيمكن فهمها بسهولة. فأمير المؤمنين بعد أن ضجت الساحة بالأحداث. وبعد أن واجه الصحابة بيوم خم. لم تقف المعارضة له موقف المستسلم. ولقد واجهت المعارضة جميع رسل الله عليهم السلام في وقت كانت الحجج الدامغة فوق رؤوسهم. وأمام صد المعارضة بدأ الإمام علي يكشف عن نفسه وفقا لما يقتضيه الموقف. ومن المعلوم أن أمير المؤمنين كان مخصوصا من دون الصحابة رضوان الله عليهم بخلوات كان يخلو بها مع رسول الله صلى الله عليه

____________

(1) رواه مسلم (الصحيح 174 / 15) في فضائل علي.

(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 635 / 5) ورواه أحمد (الفتح الرباني 121 / 23).

الصفحة 529
وآله وسلم. لا يطلع أحد من الناس على ما يدور بينهما، وكان كثير السؤال للنبي صلى الله عليه وآله عن معاني القرآن وعن معاني كلامه صلى الله عليه وسلم. وإذا لم يسأل ابتدأه النبي صلى الله عليه وسلم بالتعليم والتثقيف. ولم يكن أحد من الصحابة كذلك. بل كانوا أقساما: فمنهم من يهابه أن يسأل، وهم الذين يحبون أن يجئ الأعرابي أو الطارق فيسأله وهم يسمعون. ومنهم من كان بعيد الفهم قليل الهمة في النظر والبحث. ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني. إما بعبادة أو دنيا. ومنهم المقلد الذي يرى أن فرضه هو السكوت وترك السؤال. ومنهم المبغض الشانئ الذي ليس للدين عنده من الموقع ما يضيع وقته وزمانه بالسؤال عن دقائقه وغوامضه. أما علي رضي الله عنه يضاف إلى الأمر الخاص به ذكاؤه وفطنته. وطهارة طينته. وإشراق نفسه وضوؤها... فلذلك كان علي كما قال الحسن البصري رباني هذه الأمة وذا فضلها " (1)، وقيل للحسن البصري: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ فاحمرت وجنتا الحسن وقال: رحم الله عليا. إن عليا كان سهما صائبا في أعدائه. وكان في محلة العلم أشرقها وأقربها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان رهباني هذه الأمة. لم يكن لمال الله بالسروقة. ولا في أمر الله بالنومة. أعطى القرآن عزائمه وعمله وعلمه. فكان منه في رياض مونقة وأعلام بينة) (2).

وعندما بدأ أمير المؤمنين يكشف عن نفسه في عالم الرواية بعد اندثار عالم اللارواية روي عنه أنه قال: " اللهم لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك - قالها ثلاث مرات - لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا " (3)، وقال: " أنا أول من صلى مع رسول الله " (4)، وقال: " كنت إذا سألت الله

____________

(1) ابن أبي الحديد 598 / 3.

(2) البداية والنهاية 5 / 8.

(3) رواه أحمد وقال في الفتح: وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وإسناده حسن (الفتح الرباني 36 / 23)، (كنز العمال 126 / 13)، (تحفة الأحوازي 234 / 10).

(4) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 103 / 9) ورواه الطبراني وابن أبي شيبة

الصفحة 530
صلى الله عليه وسلم أعطاني وإذا سكت ابتدأني " (1)، وقال: " كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان. مدخل بالليل ومدخل بالنهار " (2)، وقال: لما نزلت هذه الآية " (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته وقال: من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم من بعدي، فمددت. وقلت: أنا أبايعك وأنا يومئذ أصغر القوم فبايعني على ذلك " (3)، وقال: " إنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسط شملة (كساء يتغطى ويتلفف به) فجلس عليها هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ثم أخذ البني صلى الله عليه وسلم بمجامعه فعقد عليهم ثم قال: اللهم ارض عنهم كما أنا عنهم راض (4) - وفي رواية - ثم تلا هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " (5)، وقال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " (6)، وقال: " جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش. فقالوا: يا محمد. إنا جيرانك وحلفاؤك. وإن ناسا من عبيدنا قد أتوك. ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه. إنما فروا من ضياعنا وأموالنا. فأرددهم إلينا. فقال لأبي بكر: ما تقول. قال: صدقوا إنهم لجيرانك وأحلافك. فتغير وجه

____________

وابن سعد (كنز العمال 124 / 13).

(1) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 637 / 5)، (تحفة الأحوازي 225 / 10) رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وأبو نعيم وسعيد بن منصور (كنز العمال 120 / 13).

(2) رواه النسائي 2 / 12.

(3) رواه أحمد وابن حرير والضياء بسند صحيح (كنز العمال 129، 133، 175 / 13)، (الفتح الرباني 122 / 23).

(4) رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 169 / 9) وحديث الكساء روي عن عدد من الصحابة وقد خرجناه من قبل.

(5) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 203 / 9).

(6) رواه مسلم (الصحيح 2164)،، حب علي من الإيمان.

الصفحة 531
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لعمر: ما تقول، قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر قريش والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان، فيضربكم على الدين!! أو يضرب بعضكم!! فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا يا رسول الله. قال: لا. ولكنه الذي يخصف النعل - وكان أعطى عليا نعلا يخصفها " (1)، وفي رواية قال راوي الحديث عن علي: ثم التفت إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (2).

وقال علي: والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت: (وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم) (3)، وقال: " عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين " (4)، وقال: ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط. ولقد واسيته بنفسي من المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر الأقدام. نجدة أكرمني الله بها. ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن رأسه لعلى صدري. ولقد سألت نفسه في كفي. فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله

____________

(1) رواه أحمد وابن جرير وصححه وسعيد بن منصور والضياء بسند صحيح (كنز العمال 127، 173 / 13).

(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 634 / 5) والخطيب وابن جرير والضياء بسند صحيح (كنز العمال 115، 193 / 13).

(3) رواه ابن مردويه (كنز العمال 425 / 2)، (الدر المنثور 215 / 3)، وروي أيضا عن ابن عباس وحذيفة وأخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر (كنز العمال 417، 426 / 1)، وروي أن حذيفة قال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة. وأخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن مردويه (الدر المنثور 214 / 3).

(4) رواه ابن عساكر وابن عدي والطبراني (كنز العمال 292 / 11)، وقال ابن كثير روي من طرق عديدة (البداية 334 / 7).

الصفحة 532
عليه وسلم والملائكة أعواني. فضجت الدار والأفنية: ملا يهبط، وملأ يعرج.

وما فارقت سمعي هينمة منهم. يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه. فمن ذا أحق به مني حيا وميتا. فانفذوا على بصائركم. ولتصدق نياتكم في جهاد عدوكم. فوالذي لا إله إلا هو إني لعلى جادة الحق. وإنهم لعلى مزلة الباطل.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم " (1).

لقد أخبرهم أن العلماء والأمناء من الصحابة يعلمون أنه لم يرد على الله ورسوله ساعة قط. ويعلمون أنه ثبت معه يوم أحد وفر الناس. وثبت معه يوم حنين وفر الناس. وثبت تحت رايته يوم خيبر حتى فتحها. وكل ذلك نجدة من الله أكرمه بها. وأخبرهم بحقيقة الأمر يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض و إن رأسه لعلى صدر علي وليست على صدر أحد غيره. وأخبرهم أن الملائكة النازلين في الدار ارتفع ضجيجهم. وأنه سمع ذلك ولم يسمعه غيره من أهل الدار، وقال ابن أبي الحديد: حديث سماع الصوت رواه خلق كثير عن علي. وروي أن عليا عصب عيني الفضل بن العباس حين صب عليه الماء. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه بذلك. وقال: إنه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلا عمي " (2)، ثم قال الإمام بعد ذلك: أي شخص أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته وحال وفاته مني. قال ابن أبي الحديد: ومراده من هذا الكلام. أنه أحق بالخلافة بعده. وأحق الناس بالمنزلة منه. حيث كان بتلك المنزلة منه في الدنيا (3)، ثم أمرهم فقال: فانفذوا إلى بصائركم. أي أسرعوا إلى الجهاد على عقائدكم التي أنتم عليها. ولا يدخلن الشك والريب في قلوبكم. ثم بشرهم فقال: إني لعلى جادة الحق. وإنهم لعلى منزلة الباطل، قال ابن أبي الحديد:

كلام عجيب على قاعدة الصناعة المعنوية لأنه لا يحسن أن يقول: وإنهم لعلى

____________

(1) ابن أبي الحديد 493 / 3.

(2) المصدر السابق، 497 / 3.

(3) المصدر السابق، 498 / 3.

الصفحة 533
جادة الباطل. لأن الباطل لا يوصف بالجادة " (1).

وهكذا دارت الأحداث بعد مقتل عثمان. فلقد بايع الناس الإمام عليا وعقب المبايعة بدأت الإصلاحات العلوية التي بدأت بقرار عزل الأمراء ثم بدأت حركة الاصلاح تتسع فقام الإمام بالتسوية بين الناس في الأموال وتعديل نظام الخراج فأعاد الحقوق للمقاتلة ثم بدأت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تتسع وبدأ القص والقصاصون في ركوب دوابهم للاتجاه نحو عالم النسيان، وبينما كانت حركة الاصطلاح تسير قطع الناكثون الفارون من بني أمية والمرتزقة عليها الطريق. وكانت حركة المعارضة عليها تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لعلهم يرجعون ولكن الكلاب نبحت وما رجعوا. وكانت حركة الاصلاح عليها تبشير من النبي صلى الله عليه وسلم وفيها علامات واضحة. وكان حتما أن يواجه الناكثون خاصف النعل في ميدان القتال. وكانت المعارك أيضا عليها علامات من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

____________

(1) المصدر السابق 498 / 3.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net