متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - الناكثون في أعماق الحجة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - الناكثون في أعماق الحجة:

كان الإمام علي يعلم إلى أين ستنتهي الأحداث. أولا: لأن هناك نصا أنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. ومن كان هذا شأنه فلا بد أن يعرف البدايات التي ستنتهي إلى ميدان القتال. وثانيا: لأنه كان قد تعلم رؤوس الفتن ورؤوس النفاق، روى أنه قال: " ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سميت

____________

(1) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 236 / 7).

(2) رواه الحاكم (المستدرك 120 / 3).

(3) رواه البخاري (فتح الباري حديث رقم 3104، ص 243 / 6 ط الربان)، ومسلم (الصحيح 31 / 18)، والإمام أحمد والترمذي (الفتح الرباني 18 / 24).

(4) ندم السيدة عائشة رواه الطبراني (الزوائد 238 / 7) وابن سعد (الطبقات 74 / 8) والحاكم (المستدرك 6 / 4).

الصفحة 509
سائقها وناعقها إلى يوم القيامة " (1)، وعن حذيفة قال: "... والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته " (2). ولأن الإمام يعلم الرجال ومقاصدهم. كانت حركته كلها حجة عليهم. روي أنه بعد قتل عثمان جاء علي بن أبي طالب فقال لطلحة: أبسط يدك يا طلحة لأبايعك. فقال طلحة: أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فابسط يدك فبسط علي يده فبايعه (3).

وطلحة كان يطمع في الخلافة. وكان لا يشك أن الأمر بعد عثمان سيكون له لوجوه منها: سابقته. ومنها أنه ابن عم لأبي بكر. وكان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة، ومنها أنه كان سمحا جوادا. وقد كان نازع عمر في حياة أبي بكر. وأحب أن يفوض أبو بكر الأمر إليه من بعده (4). وقال لأبي بكر: ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا. وكان له في أيام عمر قوم يجلسون إليه. ويحادثونه سرا في معنى الخلافة. ويقولون له: لو مات لبايعناك بغتة. وعندما بلغ ذلك عمر. خطب الناس بالكلام المشهور: إن قوما يقولون:

إن بيعة أبي بكر كانت فلتة. وإنه لو مات عمر لفعلنا وفعلنا... " (5) وعندما جعلها عمر شورى لم يجد طلحة لنفسه مخرجا للفوز بالخلافة. حيث إن الشورى ما كانت لتصب إلا في إناء بني أمية لأن عثمان و عبد الرحمن وسعدا حزمة واحدة. بالإضافة إلى أن وجود عبد الرحمن في فريق يرجح هذا الفريق على الفريق الآخر كما نصت لائحة الشورى. ورضي طلحة بالأمر الواقع حتى جاءت الأحداث التي أطاحت بعثمان. وكما رأينا أنه كان من المؤلبين عليه واستولى على مفتاح بيت المال أثناء هذه الثورة. لأنه كان لا يشك في أن الأمر سيصب في سلته. ومن العجيب أن أم المؤمنين عائشة كانت على علم بهذه

____________

(1) رواه نعيم بن حماد بإسناد صحيح (كنز العمال 271 / 11).

(2) رواه أبو داوود حديث 4222.

(3) الطبري 156 / 5.

(4) ابن أبي الحديد 146 / 3.

(5) الطبري 200 / 3.

الصفحة 510
الأحداث وهي في مكة. روي أن ابن عباس مر بها في الصلصل. فقالت: يا ابن عباس أنشدك الله. فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا (1). أن تخذل عن هذا الرجل - يعني عثمان - وأن تشكك فيه الناس. فقد بانت لهم بصائرهم. وأنهجت ورفعت لهم المنار. وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم وقد رأيت طلحة بن عبيد الله. قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح. فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه. فقال ابن عباس: يا أمه لو حدث بالرجل حدث. ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا - يعني عليا - فقالت: إيها عنك. إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك " (2). وعندما بلغها قتل عثمان قالت: أحق الناس بهذا الأمر لذي الإصبع - تعني طلحة - فلما جاءت الأخبار ببيعة علي قالت: تعسوا تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا " (3). فهذا الطريق الطويل أقام الإمام علي عليه الحجة في أوله عندما قال لطلحة: أبسط يدك يا طلحة لأبايعك. وذلك ليقطع طريق الهوى (4). وهو يعلم أن طريق الهوى سيصب في ميدان القتال حيث يكون قتاله مع الناكثين. وليس معنى قتال الناكثين أن الحجة لم تقم عليهم في أول الطريق.

وإنما قامت لأن الطريق سيكون عليه دماء. وهذه الدماء لها قانون. وهذا القانون تنيره حجة ظاهرة ناصعة.

وروي أن طلحة والزبير سألا علي بن أبي طالب أن يؤمرهما على الكوفة والبصرة. وكانا لهما أتباع فيهما. فقال علي: " تكونان عندي. فأتحمل بكما، فإني وحش لفراقكما " (5). وروى ابن قتيبة. أنهما قالا: ولكنا بايعناك على أنا شريكان في الأمر. فقال علي لا. ولكنكما شريكان في القوة والاستقامة والعون

____________

(1) ابن أبي الحديد.

(2) الطبري 140 / 5، البلاذري 217 / 2.

(3) ابن أبي الحديد 409 / 2.

(4) روي أن طلحة والزبير قالا بعد أن قال لهما على ذلك: عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا (الطبري 153 / 5).

(5) الطبري 153 / 5.

الصفحة 511
على العجز والأود " (1)، وبقي طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليا من قريب (2).

لقد كان طلحة يعلم أنه لن يكون له في ظل عهد أمير المؤمنين إلا ما يستحقه. ولذلك قال بعد أن بايع الناس عليا " ما لنا من هذا الأمر إلا كلحسة أنف الكلب " (3)، وفي هذا اليأس جاءته رسالة من معاوية وفيها: أما بعد. فإنك أقل قريش وترا. مع صباحة وجهك. وسماحة كفك. وفصاحة لسانك. فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة. وخامس المبشرين بالجنة. ولك يوم أحد وشرفه وفضله. فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه. ولا يرضى الله منك إلا بالقيام به. فقد أحكمت لك الأمر قبلي. والزبير متقدم عليك بفضل. وأيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام. والأمر من بعده للمقدم له. سلك الله بك قصد المهتدين. ووهب لك رشد الموفقين. والسلام " (4).

ولم يكن طلحة وحده الذي أرسل إليه معاوية الرسالة الفخ. وإنما أرسل إلى الزبير أيضا. وفيها:... واعلم يا أبا عبد الله. أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي. فسارع رحمك الله إلى حقن الدماء ولم الشعث. وجمع الكلمة. وصلاح ذات البين. قبل تفاقم الأمر وانتشار الأمة. فقد أصبح الناس على شفا جرف هار وعما قليل ينهار إن لم يرأب. فشمر لتأليف الأمة. وابتغ إلى ربك سبيلا. فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك ولصاحبك. على أن الأمر للمقدم. ثم لصاحبه من بعده. جعلك الله من أئمة الهدى. وبغاة الخير والتقوى والسلام " (5).

وبينما لوح لطلحة والزبير بالخلافة. نجده في رسائله إلى مروان بن الحكم وسعيد بن العاص و عبد الله بن عامر والوليد بن عقبة ويعلى بن منبه. يطالب

____________

(1) الإمامة والسياسة 51 / 1.

(2) تاريخ اليعقوبي 127 / 2، ابن أبي الحديد 577 / 3، الطبري 153 / 5.

(3) الطبري 153 / 5.

(4) ابن أبي الحديد 533 / 3.

(5) ابن أبي الحديد 533 / 3.

الصفحة 512
بالحذر والسهر حتى لا يفلت الأمر من أيدي بني أمية. فهو يقول لمروان: فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلا غيلة. ولا يتشازر إلا عن حيلة.

وكالثعلب لا يفلت إلا روغانا. واخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف. وامتهن نفسك إمتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره وابحث عن أمورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند فقسها. وأنغل (1) الحجاز فإني منغل الشام والسلام " (2).

وكتب إلي يعلى بن منبه،... فأما الشام فقد كفيتك أهلها. وأحكمت أمرها. وقد كتبت إلى طلحة بن عبيد الله. أن يلقاك بمكة. حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة والطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم. وكتبت إلى عبد الله بن عامر يمهد لكم العراق. ويسهل لكم حزونة عقابها (3). واعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال فاعلم ذلك واعمل على حسبه إن شاء الله " (4).

وكتب إلى سعيد بن العاص:... إن أمير المؤمنين عتب عليه فيكم.

وقتل في سبيلكم. ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه. وأنتم بنو أبيه. ذوو رحمه وأقربوه. وطلاب ثأره... فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرء في الجسد النحيف. وسر سير النجوم تحت الغمام... فقد أيدتكم بأسد وتيم " (5).

وكتب إلى عبد الله بن عامر: ساور الأمر مساورة الذئب الأطلس كسيرة القطيع. ونازل الرأي. وانصب الشرك. وارم عن تمكن. وضع الهناء (6) مواضع النقب (7) واجعل أكبر عدتك الحذر. وأحد سلاحك التحريض... وقم قبل أن

____________

(1) أنغلهم / أجملهم على الضعن.

(2) ابن أبي الحديد 533 / 3.

(3) العقاب / المرقى الصعب من الجبال.

(4) ابن أبي الحديد 536 / 3.

(5) ابن أبي الحديد 534 / 3.

(6) هنأ البعير / طلاء بالقطران.

(7) النقب / هو أول ما يبدو من الجرب.

الصفحة 513
يقام لك. واعلم أنك غير متروك ولا مهمل. فإني لكم ناصح أمين... " (1)، ودخل طلحة والزبير في فخاخ بني أمية بعد أن علم معاوية موطن الداء فيهما، وبدأ كل من طلحة والزبير يعد العدة للذهاب إل مكة حيث توجد السيدة عائشة وأذرع بني أمية التي ترتدي قفازات من حرير غمست في السم أياما طويلة.

وعن أم راشد قالت: سمعت طلحة والزبير يقول أحدهما لصاحبه: بايعته أيدينا ولم تبايعه قلوبنا. فقلت لعلي بن أبي طالب فقال: " من نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما " (2)، وجاء طلحة والزبير. فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة. فأذن لهما. بعد أن أحلفهما ألا ينقضا بيعته. ولا يغدرا به. ولا يشقا عصا المسلمين ولا يوقعا الفرقة بينهم وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة. فحلفا على ذلك كله ثم خرجا " (3).

وروي أنه لما خرج طلحة والزبير إلى مكة وأوهما الناس أنهما خرجا للعمرة.. قال علي لأصحابه: والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه " (4)، وهكذا قامت الحجة في البداية وفي النهاية.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net