متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - ضجيج في أعماق الحجة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - ضجيج في أعماق الحجة:

كانت مكة منطلقا للأحداث بين أم المؤمنين عائشة وبين أمير المؤمنين علي، وبالنظر في خطب أمير المؤمنين بعد نكث طلحة والزبير وخروج أم المؤمنين عائشة. ترى أن جميع الخطب تدور على محور واحد هو: "... فإنه لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم. قلنا: نحن أهله وورثته وعترته.

____________

(1) ابن أبي الحديد 163.

(2) الطبري 163 / 5.

(3) الطبري 164 / 5.

(4) الطبري 169 / 5.

الصفحة 504
وأولياؤه من دون الناس. لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع. إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا. فصارت الإمرة لغيرنا. وصرنا سوقة. يطمع فينا الضعيف. ويتعزز علينا الذليل..... " (1)، وفي جميع هذه الخطب يبين الإمام مبايعة الناس له بعد مقتل عثمان وأن من بين الذين بايعوه طلحة والزبير.

وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا الجماعة. والباحث لا يعلم حقيقة الأحداث التي دعت أمير المؤمنين أن يطرح قضية الخلافة في ساحة تواجهه فيها السيدة عائشة. وقبل هذه الأحداث كانت خطب أمير المؤمنين تدور حول الاصلاح وفي قليل منها كان يشيد بأهل البيت.

والذي يمكن أن يؤكده البحث العلمي هو أن علاقة السيدة عائشة بأمير المؤمنين لم تكن على المستوى المطلوب وهذه العلاقة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليها الحجة في عهده لما سيترتب عليها. من ذلك ما رواه ابن حجر عن معاذة الغفارية قالت: كنت أخرج مع رسول الله في الأسفار. أقوم على المرضى، وأداوي الجرحى. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة وعلي خارج من عندها. فسمعته يقول لعائشة: إن هذا أحب الرجال إلي وأكرمهم علي فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه " (2)، وعن رافع مولى عائشة قالت:

كنت غلاما أخدمها إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها. وإنه قال:

" عادى الله من عادى عليا " (3). وكانت السيدة عائشة تعلم علم اليقين موضع علي وفاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن النعمان قال: إستأذن أبو بكر صلى الله عليه وسلم. فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد عرفت أن عليا وفاطمة أحب إليك مني ومن أبي - مرتين أو ثلاثا - فاستأذن أبو بكر فأهوى إليها فقال: " يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم " (4).

____________

(1) راجع هذه الخطب في ابن أبي الحديد 248 / 1 وما بعدها.

(2) الإصابة 183 / 8.

(3) أخرجه ابن منده بسند صحيح (الإصابة 191 / 2).

(4) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 4 / 275) (الزوائد

الصفحة 505
فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام الحجة في هذا الأمر. والسيدة عائشة عرفت بهذه الحجة وأقرت. والملاحظ أن العلاقة بين السيدة عائشة وبين أمير المؤمنين علي لم تتقدم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما ذكر عندها: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي؟ قالت: ما قاله؟ (1)، ثم أخبرت بأن الرسول توفي بين سحرها ونحرها وقال: فمتى أوصى؟ ولقد بينا من قبل أن هناك طائفة من الأحاديث الصحيحة أيضا تقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو مستند إلى صدر علي وهو الذي غسله.

وبعيدا عندما يتعلق بقضية الخلافة. نرى أن السيدة عائشة وهي تصف ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتها عند مرضه تقول: فخرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض. بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر.

الأمر الذي جعل ابن عباس يقول: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة: هو علي " (2)، ومن الدليل على أن العلاقة لم يحدث فيها تقدم على المستوى المطلوب قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر. قال: أنا يا رسول الله! قال: نعم (3).

ولما كانت الدعوة لا تجامل أحدا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بأن الفتن الكبرى ستكون على أيديهم. وقال: " إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم " (4)، ولم يستثن أزواجه من هذا وإنما قال: " لا إله إلا الله ما فتح الليلة من الخزائن. لا إله إلا الله ما أنزل من الفتن. من يوقظ صواحب الحجرات رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " قال البخاري: " يريد به

____________

= 201 / 9).

(1) رواه البخاري (الصحيح 95 / 3) ك المغازي باب مرض النبي.

(2) البخاري ك المغازي، ب مرض النبي (الصحيح 93 / 3) ومسلم (الصحيح 139 / 4).

(3) رواه الإمام أحمد (المسند 6 / 393) والبزار (كشف الأستار 4 / 94) وقال الهيثمي ورجاله ثقات (الزوائد 234 / 7).

(4) رواه البخاري (الصحيح 322 / 1)، ومسلم (الصحيح 7 / 18).


الصفحة 506
أزواجه " (1)، لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحجة على منطقة الاختيار في الإنسان. وفي علم الله المطلق أن كثيرا من الصحابة لن يلتفتوا إلى هذه الحجة وهذا التحذير، ولكن العلم المطلق يقابله تحذير مطلق. وهذه سنة إلهية جارية منذ أن بعث الله تعالى رسله حتى لا يكون للناس على الله حجة.

والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لعلي: " سيكون بينك وبين عائشة أمر. بين صلى الله عليه وسلم طريق هذا الأمر لتأخذ السيدة عائشة حذرها إذا سلكت هذا الطريق فقال لنسائه: ليت شعري. أيتكن صاحبة الجمل الأدبب. تخرج فتنبحها كلاب الحوأب. يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثير " (2).

وفي رواية قال لعائشة: إياك يا حميراء (3) وكان عند حذيفة خبر هذه الرحلة. لأنها في علم الله المطلق واقعة لا محالة ووقوعها لا ينفي ولا يقلل من وجود الحجة على بداية الطريق. قال حذيفة لرجل: ما فعلت أمك؟ قال: قد ماتت. فقال: أما إنك ستقاتلها. فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة (4). ونظرا لاتساع وعمق مساحة اللارواية وما نتج عنها. كان حذيفة يقول: لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني؟ قالوا: أو حق ذلك! قال:

حق (5). وكان حذيفة يقول في مساحة اللارواية: لو حدثتكم ما أعلم لافترقتم على ثلاث فرق. فرقة تقاتلني، وفرقة لا تنصرني، وفرقة تكذبني (6). ولهذا اختصر حذيفة الطريق وأوصى الناس بأن يلزموا عمارا لأنه علم أن عمارا لا يفارق عليا. فإن لزموا عمارا لزموا عليا.

____________

(1) رواه أحمد والبخاري والترمذي (الفتح الرباني 34 / 23) (صحيح البخاري ك اللباس 33، 84 / 4)، (جامع الترمذي 488 / 4).

(2) رواه البزار (كشف الأستار 4 / 94) وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 7 / 234).

(3) رواه أبو نعيم بسند صحيح (كنز العمال 334 / 11).

(4) رواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 333 / 11).

(5) رواه أبو نعيم وابن عساكر (كنز العمال 218، 333 / 11).

(6) رواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 227 / 11).

الصفحة 507
وعلى الرغم من أن مساحة اللارواية قد عتمت على تحذيرات كثيرة وتبشيرات أكثر، إلا أن الحجة كانت قائمة حتى في هذه العتمة. وكان العديد من الصحابة يعلمون أن لهم يوما يبتلون فيه وأن الجمل سيكون علامة ناصعة في هذا اليوم. فعن عمير بن سعيد قال: كنا جلوسا مع ابن مسعود وأبو موسى عنده.

فأخذ الوالي رجلا فضربه وحمله على جمل، فجعل الناس يقولون: الجمل الجمل. فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن هذا الجمل الذي كنا نسمع؟ قال: فأين البارقة (1).

فمن هذا كله نستطيع القول بأن الحجة على الأحداث قد قامت على الجيل الأول وذلك في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب عن ربه جل وعلا.

ويمكن أن نقول. إن الضجيج الذي حدث في مكة وإن كان مظهره يحمل قميص عثمان. إلا أن جوهره بخلاف ذلك. فالذين نكثوا البيعة أرادوا شق الأمة بوضع السيدة عائشة في أعلى مربع أهل البيت ليقطعوا الطريق على علي بن أبي طالب.

والدليل على ذلك ما حدث أثناء الهياج عندما هب الناس للبحث عن الحقيقة.

فلقد ذهبوا إلى أكابر الصحابة وقتئذ ليعرفوا من هم أهل البيت. روى الإمام مسلم أن يزيد بن حبان وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم. ذهبوا إلى زيد بن أرقم فقال له حصين: من أهل بيته يا زيد. أليس نساؤه من أهل بيته. فقال زيد: لا - وفي رواية - نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده " (2)، قال النووي: نساؤه لا يدخلن فيمن حرم الصدقة (3). وسيأتي متابعة حرمة الناس في هذا الوقت في حينه.

ومن الدليل أيضا على أن المقصود من حركة الناكثين الإطاحة بعلي من دائرة أهل البيت. أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا الالتباس سيحدث. وأوصى بعلي. وذلك فيما رواه حذيفة قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم فرقتين. يضرب بعضهم وجوه بعض. قالوا:

____________

(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 237 / 7).

(2) رواه مسلم (الصحيح 179 / 15) في فضل على ما.

(3) النووي شرح مسلم (180 / 15)

الصفحة 508
يا أبا عبد الله. وإن هذا لكائن! وقال بعض أصحابه: فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فإلزموها فإنها على الهدى (1).

وعلى هذا وذاك يمكن القول بأن الناكثين خلطوا الأمور أمام السيدة عائشة. فخرجت للإصلاح ولكنهم ساروا بها في طريق شق الصف. وعندما نبحت عليها كلاب الحوأب. أرادت الرجوع ولكنهم قالوا لها: تقدمي ويراك الناس ويصلح الله عزو جل ذات بينهم (2). وتقدمت السيدة عائشة. ومن ورائها تحذير يخوفها من الشيطان. روى البخاري عن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: " ها هنا الفتنة - ثلاث مرات - من حيث يطلع قرن الشيطان " (3)، لقد كانت الأهواء تحيط بمسكن أم المؤمنين. ويريد أصحابها شق الصف أولا: ليبحث كل صاحب هوى عن كرسي له ثانيا: يركب به على أعناق الأمة. ولم تتبين أم المؤمنين هذه الأهواء في وقتها. ولكنها علمت حقيقتها بعد ذلك. فلم تجد رضي الله عنها إلا الدمع تعبر به عن ندم طويل (4). وسنذكر ذلك بتفاصيله في حينه.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net