متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولا - النداء الحق
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

أولا - النداء الحق:

بعد دفن عثمان تحرك الناس في إتجاه علي بن أبي طالب ليبايعوه (5) منهم من رأى فيه الزهد فيما بين يدي الناس وسوف يتعامل مع الذهب والفضة تعامل العابد الزاهد العادل. ومنهم من وجد فيه الأمانة في النصح لعثمان ومعارضيه على امتداد عصر الأزمات. ومنهم من تذكر الأيام الأولى وعلم أنه لا سبيل إلى الاصلاح إلا بالعودة إلى الأمر الأول. ومنهم من كان يعلم حقيقة الأحداث ولم ينسها يوما وعندما جاء أوان الظهور لم يكن في حاجة إلى بيعة لأنه كان قد بايع

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 244 / 6) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 123 / 3).

(2) رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، قال الهيثمي (الزوائد 186 / 5).

(3) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 238 / 7).

(4) لسان العرب مادة نكث ص 4536، ومادة قسط ص 3627، ومادة مرق 4185.

(5) رواه الحاكم.

الصفحة 457
بقلبه من قبل.

والذي يستحق التسجيل هنا. أنه قبل أن تتم مبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هرول الناس إلى أكابر الصحابة يسألونهم بماذا ينصحون؟ وعلى سبيل المثال قال عبد الله بن بديل لأم المؤمنين عائشة عندما خرجت الثورة على عثمان: ما تأمرني؟ فقالت: الزم عليا!! (1)، ولقد ذكرها ابن بديل بهذا الحديث بعد هزيمتها يوم الجمل فسكتت. ولم تكن أم المؤمنين وحدها التي نصحت بذلك. فكثير من الناس كانوا يتدافعون على حذيفة صاحب سر رسول الله ليعرفوا رأيه في الأحداث لأن حذيفة كان يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة (2)، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

" لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال. ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال " (3)، أي أن البداية لا تصيب إلا في نهايتها فالشر في الشر والخير في الخير.

وروى بسند صحيح " لما قتل عثمان قالوا لحذيفة: يا أبا عبد الله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس فما تقول؟ قال: سندوني. فسندوه إلى ظهر رجل فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها حتى يموت (4) وفي رواية: آمركم أن تلزموا عمارا قالوا: إن عمارا لا يفارق عليا!! قال: إن الحسد هو أهلك الجسد وإنما ينفركم من عمار قربه من علي فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب وإن عمارا لمن الأحباب. وهو يعلم أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي " (5). من الواضح هنا أن سياسة اللارواية كانت قد بلغت منتهاها. فهؤلاء القوم لم يكن

____________

(1) أخرجه ابن أبي شيبة بسند جيد (فتح الباري 57 / 13).

(2) رواه مسلم (الصحيح 15 / 18) ك الفتن.

(3) رواه أحمد والبزار ورجال رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7).

(4) رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار ورجالهما ثقات (الزوائد 295 / 9).

(5) رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 243 / 7).

الصفحة 458
في ذاكرتهم أي منقبة لأهل البيت وربما كان في ذاكرتهم تشويش على أهل البيت ويظهر هذا في قولهم إن عمارا لا يفارق عليا. وحذيفة قد فطن لهذا الأمر برده الجامع الشامل. ولم يكن هؤلاء فقط الذين ذهبوا إلى حذيفة ولكن هناك آخرين ذهبوا إلى حذيفة فقال لهم: انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها فإنها على الهدى (1). ومما يذكر أن حذيفة كان بالكوفة عند مبايعة الناس لعلي، وعندما علم بمبايعة الناس قال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة. فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال: أيها الناس. إن الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا ووازروه فوالله إنه لعلى الحق آخرا وأولا وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة - ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم اشهد أني قد بايعت عليا. الحمد الله الذي أبقاني إلى هذا اليوم. ثم قال لابنيه صفوان وسعيد احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس. فاجتهدوا أن تستشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على باطل. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام (2) وقال صاحب فتح الباري: بايع حذيفة لعلي وكان حريصا على المبايعة له والقيام في نصره (3) وقال ابن الأثير: قتل ابناه صفوان وسعيد مع علي بصفين بوصية أبيهما (4).

ولم يكتف حذيقة رضي الله عنه بندائه وهو مريض. وإنما أطلقه أيضا عند الموت، فعن بلال بن يحيى قال: لما حضر حذيفة الموت قال لنا: أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (5)، وأغمض حذيفة عينيه في هدوء وصعدت روحه إلى بارئها. ولقد ترك لنا رواياته في الفتن وغيرها والتي بدونها ما كان الباحث أن يصل إلى الحقيقة بسهولة ويسر. فجزاه الله عنا خير الجزاء. وبعد رحيل حذيفة لم يقف النداء. فكما سمعه أهل العراق سمعه

____________

(1) رواه البزار ورجاله ثقات (الزوائد 236 / 7)، وفتح الباري 55 / 13.

(2) مروج الذهب / المسعودي 394 / 2.

(3) فتح الباري / ابن حجر 40 / 13.

(4) الكامل 147 / 3، مروج الذهب 425 / 2.

(5) رواه الحاكم (المستدرك 380 / 3).

الصفحة 459
أيضا أهل المدينة وما حولها. لقد كان أبو سعيد الخدري يقول. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال:

الموفون الطيبون إن الله يحب الخفي التقي. ومر علي بن أبي طالب فقال النبي:

الحق مع ذا الحق مع ذا " (1)، وكان أبو ليلى الغفاري يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي فتنة فإذا كان فالزموا علي بن أبي طالب فإنه الفاروق بين الحق والباطل (2)، وزاد في رواية: " وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين (3)، وكان كعب بن عجرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق - يعني عليا (4). وهكذا أقيمت الحجة بالنداء.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net