متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
5 - الرد على الاحتجاج السلمي
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

5 - الرد على الاحتجاج السلمي:

لقد خرج أبو ذر وعبادة والمقداد باعتراضهم عام 30 ه‍، وفي عام 33 ه‍ كان الحال كما هو عليه فالوليد بن عقبة ونديمه النصراني أبو زبيد كانا يشربان الخمر، ويدخل عليهما نصارى بني تغلب ونصارى الحيرة في دار الإمارة حيث كان الوليد يومئذ أمير عثمان على الكوفة. وروي أن الوليد عندما ذهب ليجلس على كرسي الإمارة قال له سعد بن أبي وقاص: والله ما أرى أكسبت بعدنا أم

____________

(1) رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (الزوائد 227 / 5).

(2) رواه مسلم باب النهي عن الافراط في المدح (الصحيح 128 / 18).

(3) رواه مسلم (الصحيح 118 / 18) ك الزهد باب عقوبة من يأمر بالمعروف.

(4) مسلم شرح النووي 118 / 18.

(5) الطبقات الكبرى 124 / 6.

الصفحة 416
حمقنا بعدك، فقال الوليد: لا تجزعن أبا إسحاق فإنما هو الملك يتغذاه قوم ويتعشاه آخرون، قال سعد: أراكم والله ستجعلونها ملكا (1)، والوليد هو أخو عثمان لأمه (2)، ولا خلاف بين أهل العلم أن قوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق...) * نزلت في الوليد (3)، وقصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضا مخرجة، في الصحيحين (4). ونتيجة لما فعله الوليد احتج وجوه أهل الكوفة وتوجهوا إلى عثمان وطالبوا بعزل الوليد ولكن عثمان ماطل. وروى البلاذري:

أن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا، فأتوا عليا فشكوا إليه، فأتى عثمان وقال: عطلت الحدود وضربت قوما شهود على أخيك فقلبت الحكم. وأخرج البلاذري أيضا: وأتى بعض الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان، وأن عثمان زبرهم فنادت عائشة: إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود. وأخرج صاحب الأغاني: إن عثمان قال: أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة، فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل: احسنت، ومن قائل: ما للنساء ولهذا؟

حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال. ولم يجد عثمان مفرا أمام هذه الانتفاضة سوى أن يجمع بين الوليد وبين خصمائه ورأى أن ينفذ عليه الحد.

وروي أن سعيد بن العاص جلس على كرسي الإمارة بعد الوليد، وما صعد منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل: فناشده رجال من قريش كانوا قد خرجوا معه من بني أمية وقالوا: إن هذا قبيح والله لو أراد هذا غيرك لكان حقا أن تذب عنه يلزمه عار هذا أبدا، ولكن سعيدا أبى إلا أن يفعل فغسله (5). وإذا كان سعيد قد

____________

(1) الإستيعاب 633 / 3.

(2) الإستيعاب 631 / 3.

(3) الإستيعاب 632 / 3، الإصابة 637 / 3.

(4) الإصابة 638 / 3.

(5) الطبري 88 / 5.

الصفحة 417
طهر المنبر نجد أنه عندما اختار من أهل الكوفة من يدخل عليه ويسمر عنده، قد فجر مشكلة فتحت بابا واسعا للاحتجاج. روى أنه تفاخر بالخراج وقال: " إنما هذا السواد بستان لقريش ". فهذه المقولة كانت بداية وقف الأشتر عندها. وقال له: أتزعم أن السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبا إلا أن يكون كأحدنا. وتكلم القوم مع الأشتر، وعندئذ قال قائد شرطة سعيد: أتردون على الأمير مقالته وأغلظ لهم... فقال سعيد: والله لا يسمر عنهم عندي أحد أبدا. ثم كتب سعيد إلى عثمان: إن رهطا من أهل الكوفة يؤلبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا (1).

وعلى هذه الرسالة بدأ عثمان ينتهج سياسة جديدة هي سياسة التسيير أي إبعاد الناس عن ديارهم إلى مكان آخر يمتاز بغلظة اليد. وكتب عثمان إلى سعيد أن سيرهم إلى معاوية وكان معاوية يومئذ على الشام فسيرهم وهم تسعة نفر إلى معاوية (2) منهم: زيد بن صوحان وجندب بن كعب وفيهما ورد حديث يدين عهد عثمان. روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جندب وما جندب وزيد الخير وما زيد الخير، أما أحدهما فيضرب ضربة يفرق بين الحق والباطل، وأما الآخر فيسبقه عضو من أعضائه إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده (3). وقال:

" من سره أن ينظر إلى رجل سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان " (4).

فأما جندب فواجه الوليد بن عقبة (5) وحكم عليه عثمان بالتسيير. وأما زيد

____________

(1) الطبري 88 / 5.

(2) الطبري 88 / 5، البداية 165 / 7.

(3) رواه ابن عساكر وابن مندة وابن السكن (كنز العمال 669 / 11).

(4) رواه أبو يعلى وابن عدي والخطيب وابن عساكر (كنز 685 / 11)، وقال ابن كثير رواه البيهقي (البداية 214 / 6).

(5) هو الذي أخبر ابن مسعود وغيره بشرب الوليد للخمر وقاد المعارضة ضده (الطبري 17 / 2).

الصفحة 418
فهو الذي قال لعثمان: ملت فمالت أمتك اعتدل تعتدل أمتك (1). ثم بايع بعد ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقتل تحت رايته. ومنهم: كميل بن زياد قال صاحب الإصابة: أدرك من الحياة النبوية ثمان عشرة سنة، شهد صفين مع علي، وكان شريفا مطاعا ثقة (2). ومنهم: جندب بن زهير. قال في الإصابة:

أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه. قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

إني لأرجع من عندك، فلم تقر عيني بمال ولا ولد حتى أرجع فأنظر إليك. وقيل كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق ارتاح لذلك، فنزلت قوله تعالى: * (من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) *. ومنهم: عمرو بن الحمق، قال في الإصابة: روي عن ابن إسحاق ما يقتضي أن عمرو بن الحمق شهد بدرا، وشهد مع علي حروبه كلها (4). ومنهم: عروة بن الجعد وهو الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليشتري الشاة بدينار فاشترى به شاتين، والحديث مشهور في البخاري (5). ومنهم: صعصعة بن صوحان قال في الإصابة: كان مسلما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره. شهد صفين مع علي وكان خطيبا فصيحا. وقال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب (6).

ومنهم: مالك بن عامر الأشتر، الذي شهد الصلاة على أبي ذر حين مات بالربذة، وكان النبي قد أخبر أنه يشهد الصلاة عليه عصابة من المؤمنين. وكان الأشتر قلب هجوم علي بن أبي طالب في صفين.

فهؤلاء الصحابة الأجلاء (7). فيهم من شهد بدرا، وفيهم من كانت رؤية النبي أغلى من ماله وولده، وفيهم من أجمع العلماء على أنه ثقة ومأمون

____________

(1) الطبقات الكبرى 124 / 6.

(2) الإصابة 325 / 5.

(3) الإصابة 259 / 1.

(4) الإصابة 294 / 4.

(5) الإصابة 236 / 4.

(6) الإصابة 259 / 3.

(7) راجع أسماءهم في الطبري 90 / 5.

الصفحة 419
وخطيب، هؤلاء طردهم عثمان لأنهم تصدوا لمن هم من أمثال الوليد وسعيد ومعاوية إلى غير ذلك من نبلاء بني أمية. لقد سيرهم إلى الشام وهناك بدأ معاوية يعرفهم بتاريخ آبائه بعد أن قطعت المسيرة شوطا كبيرا على طريق اللارواية.

فقال لهم:... وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه صلى الله عليه وآله... وإني لأظن أن أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازما (1). وفي سباق الأحداث يبدو أن معاوية كان يمهد الأمر لنفسه بهذه المقولة وكان يطمع في نشرها كما سيظهر فيما بعد. ولكن أحد المبعدين وهو صعصعة قال: قد ولدهم خير من أبي سفيان من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه (2). وفي الليلة التالية جمعهم معاوية وقال لهم: أيها القوم ردوا علي خيرا أو اسكتوا، وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع أهليكم وينفع عشائركم وينفع جماعة المسلمين فاطلبوه تعيشوا ونعش بكم (3). وهنا لوح معاوية بالمال ولكن صعصعة قال: لست بأهل ذلك ولا كرامة لك إن تطاع في معصية الله. فأخبره معاوية بأنه يأمر بتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله. فقال صعصعة: فأما نأمرك أن تعتزل عملك فإن في المسلمين من هو أحق به منك. قال معاوية: من هو؟

فقال: من كان أبوه أحسن قدما من أبيك، وهو بنفسه أحسن قدما منك في الإسلام، قال معاوية: إن لي في الإسلام قدما، ولقد رأى عمر بن الخطاب ذلك، فلو كان غيري أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة، فقالوا: لست لذلك أهلا (4).

كتب معاوية إلى عثمان: فإنك بعثت إلي أقواما يتكلمون بألسنة الشياطين، وما يملون عليهم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون على الناس، وليس كل الناس يعلم ما يريدون وإنما يريدون فرقة، فقد أفسدوا كثيرا من الناس من أهل الكوفة، ولست آمن إن قاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم

____________

(1) الطبري 89 / 5، البداية والنهاية 165 / 7.

(2) الطبري 89 / 5، البداية 165 / 7.

(3) الطبري 89 / 5.

(4) الطبري 89 / 5.

الصفحة 420
وفجورهم فارددهم إلى مصرهم. فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة، فردهم إليه (1). وعندما تحدثوا بالقرآن خاف سعيد أن يغروا الناس بسحرهم كما خاف معاوية من قبل فكتب إلى عثمان يضج منهم فكتب عثمان إليه أن يسيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أمير حمص (2).

لقد كانت البداية اعتراض على مقولة: " السواد بستان لقريش " تلك المقولة الظالمة التي عند نتيجتها أولى خرج أبو ذر الغفاري وغيره. ولكن الدولة تعامت عن حركة الغليان في الجانب الآخر، وعلى كؤوس الوليد وشعر أبي زبيد والأقيشر وشعراء الأديرة والخمور خرج جندب ليضرب الشعوذة والدجل والسحر ويقاضي الوليد بل والنظام كله. ولكن النظام عاد ليقول: " السواد بستان لقريش " ولم يضع في حساباته أن الخروج السلمي لأبي ذر وعبادة والمقداد قد طرح ثقافة تحذر من بني أمية إذا بلغوا ثلاثين رجلا، ولهذا لم يكن غريبا أن نسمع وفد المبعدين وهم يطالبون باعتزال معاوية.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net