متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خامسا - وجاء بنو أمية
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

خامسا - وجاء بنو أمية

في عالم الفتوحات حل الإسلام في قلوب البعض حين جاءت الغنائم والأموال وكثرت المكاسب، فهناك من ذاق طعم الحياة وعرف لذة الدنيا عندما لبسوا الناعم وأكلوا الطيب، وتمتعوا بنساء الروم وملكوا خزائن كسرى. بعد أن كانوا يعيشون في دائرة العيش الخشن، وأكل الضباب والقنافذ واليرابيع ولبس الصوف. فهذا الصنف حلا الإسلام في قلبه عندما وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيفتح عليهم كنوز كسرى وقيصر. فلما وجدوا الأمر قد وقع بموجب ما قاله وأكلوا الغلوزجات ولبسوا الحرير والديباج. وأصبحوا أمراء في الأمصار استدلوا بما فتح الله عليهم على صحة الدعوة فعظموها بجلوها، وتمسكوا بالدين لأنه زادهم طريقا إلى نيل الدنيا، ومجمل القول: لولا الفتوح والنصر والظفر والخراج لانقرض دين الإسلام بصورة من الصور، ولولا غلظة عمر التي جبله الله عليها ولا حيلة له فيها، وهي غلظة لا يقصد بها سوءا ولا يريد بها ذما، فعمر أجل قدرا من أن يعتقد فيه أن غلظته هدفها الذم والتخطئة، نقول لولا غلظته في التعامل مع بعض رؤوس القوم، لوجد أعداء الدولة لهم ثغرات يعملون فيها على انقراض الإسلام بصورة من الصورة. ولكن عمر وهو المشهور بالتصدي لهم، وعلى سبيل المثال فعمر هو القائل في سعد بن عبادة وهو رئيس الأنصار وسيدها، اقتلوا سعدا قتل الله سعدا، وعمر هو الذي شتم أبو هريرة، وعمر هو الذي خون عمرو بن العاص ونسب إليه سرقة مال الفئ، وعمر شتم خالد بن الوليد وطعن في دينه وحكم بفسقه وبوجوب قتله. فسرعة


الصفحة 394

عمر إلى محاسبة البعض جعلت البعض الآخر يعيش يومه. وموقف عمر هذا وإن كان فيه خدمة للدولة إلا أنه لم يكن في صالح عمر، فلقد أبغضه بعض الصحابة وملوه رغم كثرة الفتوح لأنه لم يسمح لهم بالخروج إلى الأمصار. يقول الشعبي: لم يمت عمر حتى ملته قريش وقد حصرهم بالمدينة، وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد. فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع الناس إليهم فكان ذلك أول وهن دخل على الإسلام وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك (1).

فالذي حافظ على التماسك من ضربات الأعداء، أموال الفتوحات وقبضة عمر - الذي كان عصره بحق أفضل بكثير من عصور الملوك والسلاطين الذين ركبوا على أعناق الأمة على امتداد التاريخ. وإذا كان تاريخ المسلمين ملئ بالسلبيات والغيوم، فإن الحق يحتم علينا أن نقول بأن أعظم دولة للمسلمين هي التي كان على رأسها أبو بكر وعمر بن الخطاب، فهذا العصر كان عصر البذور والبذور لا يختلف أحد على أوراقها وثمارها لأنها لم تأت بعد: وهذه الفترة من التاريخ انتهت نهاية أليمة، وذلك عندما طعن غلام مجوسي الفاروق عمر رضي الله عنه. وروي أنه كان يفسر لعمر أحلامه. وقد أخبره عمر بحلم من الأحلام ففسره كعب بأنه سيقتل بسلاح له مواصفات خاصة، وعندما طعن عمر جاء كعب يبكي ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين أقسم على الله أن يؤخره لأخره (2)، ومن الأعجب أن كعبا اشتغل بعد ذلك مستشارا لمعاوية يوم أن كان أميرا على الشام، وعندما حدثت الانتفاضة على عثمان كان كعب أول من ألقى في قلب معاوية حب الخلافة! وعلى أي حال بعد عملية طعن الفاروق وهذا الاسم أطلقه عليه أهل الكتاب تعبيرا منهم لعدله ونظرا لأنهم لم يشعروا بغربة في عهده، وأظلتهم مظلة التسامح الإسلامية في كل مكان على أرض الدولة. حتى

____________

(1) ابن عساكر (كنز العمال 76 / 14).

(2) ابن سعد (كنز العمال 687 / 12).

الصفحة 395
إن عمر كان له مملوكا نصرانيا (1). ومن قبل عمر أخرج مالك وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر ارقيها بكتاب الله عز وجل. فمظلة التسامح كانت تظلهم ولم يشعروا بالكرامة الحقيقية على امتداد تاريخهم إلا تحت هذه المظلة وخير شاهد أنهم أطلقوا على عمر اسم الفاروق، قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق وكان المسلمون يأثرون ذلك من قومهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا " (2). وبعد أن طعن الغلام المجوسي الفاروق فتحت صفحة جديدة بدأت بما سمي في التاريخ بالشورى.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net