متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - الأمراء والفتوحات
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - الأمراء والفتوحات:

إن الجندية في الإسلام لها هدف فربما يؤيد الله المسلمين بالرجل الفاجر بمعنى أن يساعدهم بقوته في القتال أو غير ذلك من أمور الحرب، أما أن يؤيد الله الدين بالرجل الفاجر فلا معنى لذلك، لأن الدين سلوك. وطرقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق بكمال الأخروي. والدين كطريق لا ينجو الإنسان من السلوك فيه إلا باستقامة، وعدم الاستقامة توجب السقوط والهلاك.

وهذا لا يتفق مع الفاجر والفاسق والمنافق. كما أن السعادة الحقيقية يصل إليها الإنسان، أو يعمل في الوصول إليها عندما يكون مؤمنا بالله. وكافرا بالطاغوت.

وهذا لا يتفق أيضا مع أصحاب المصالح والأهواء والقتال في الإسلام به قوانين وربما يقاتل إنسان ما تحت شعار الإسلام ولكن لا ينفعه الشعار إذا قتل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل تحت راية عمية ينصر العصبية ويغضب للعصبية فقتلته جاهلية " (1). وزاد في رواية: " ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى لمؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه " (2). وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله؟

فقال: من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله (3).

ومعارك الإسلام تحددها الدعوة ولا يحددها طلاب المال أو الغنائم. فالله تعالى هو الذي كتب القتال والدعوة التي كتب فيها القتال هي التي تحدد موضع

____________

(1) رواه مسلم (كنز العمال 509 / 3).

(2) رواه أحمد ومسلم (الفتح الرباني 52 / 23).

(3) رواه البخاري (الصحيح 36 / 1) ومسلم (الصحيح 49 / 13) وأحمد (الفتح 20 / 13) والترمذي (الجامع 179 / 4).

الصفحة 373
كل قطرة دم، ومعارك الإسلام في المقام الأول هي معارك لله وفي الله وبالله. قال تعالى: (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * وهو الذي أخرج الذين كفوا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) (1). فبقوة الله وسلطانه أجرى سبحانه ما أراده بأيدي أعدائه، حيث خربوا بيوتهم بأيدهم من الرعب وأيدي المؤمنين الذين أمرهم بذلك ووفقهم لامتثال أمره وإنفاذ إرادته. وكما حدد الله تعالى موضع كل قطرة دم في معارك الإسلام حدد سبحانه موضع كل مال من غنائم الحرب. فقال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) (2)، وقال:

(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (3)، فالله تعالى في الآية الأولى بين موضع الخمس ويفهم من الآية أن أربعة أخماسها للغانمين (4). وفي الآية الثانية أفاء سبحانه الفئ وأرجعه إلى النبي صلى الله عليه وآله ودله على موارد صرفها التي يتصرف فيها كيف يشاء. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فئ بني النضير على المهاجرين وأعطى بعض الأنصار.

وعلى امتداد العهد النبوي كانت الدعوة تستعمل أدوات الفطرة وهي تشق طريقها إلى الفطرة، ومن الثابت أن الحكم الإسلامي عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يشمل إلا شبه الجزيرة العربية، وكانت الدعوة حريصة على إزالة العقبات التي تهدد الفطرة في هذه المنطقة بعد أن رفض رؤوس الكفر

____________

(1) سورة الحشر: الآية 1 - 2.

(2) سورة الأنفال: الآية 41.

(3) سورة الحشر: الآية 7.

(4) المغني / ابن قدامة 718 / 2.

الصفحة 374
من أهل الكتاب الإيمان الحق. وعندما أخبر الله تعالى رسوله بأن هذه الأنماط البشرية لن تؤمن وأنهم يسعون في الأرض فسادا ويسارعون فيه، كانت عملية إجلائهم عملية تستقيم تماما مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وعملية الإجلاء نسبها الله تعالى إلى نفسه فقال: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب...)، فالله سبحانه هو الذي أخرج بني النضير من ديارهم في أول إخراجهم من جزيرة العرب، وأي إخراج لهم في العهد النبوي يقف تحت هذا العنوان. إن الدعوة لم تضاعف عليهم الجزية وإنما أخرجتهم لأن في الإخراج انتصارا للفطرة، وتأمينا للعاصمة من مخاطر الاختراق والدسائس التي يجيدها الذين يسعون في الأرض فسادا.

والدعوة التي حصنت نفسها بالتطهير من الداخل، عملت من أجل إيجاد المسلم الرسالي الذي إذا وضع قدميه على أرض جديدة في الجزيرة العربية أو خارجها. عمل من أجل نشر مفاهيم الدعوة، وكلما جد جديد خرجت الطوائف الرسالية إلى العاصمة ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم وينشروه بين الأقوام إذا رجعوا إليهم. وعلى ذلك كان تقسيم الأراضي على الغانمين هو في الحقيقة موطئ قدم لداعية.

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت الذاكرة عند المسلمين تحتوي على وصايا منها إخراج المشركين من جزيرة العرب، ولكن الدولة نظرا لظروف خارجة عن إرادتها، ونظرا للمصلحة العامة ضاعفت الجزية على نصارى بني تغلب، كما سمحت بدخول سبي العجم إلى المدينة، وكان أول سبي دخلها في عهد أبي بكر ثم بعث معاوية أبي عمر في عهده بعدة ألوف من سبي قيسارية.

وكان عمر نفسه ضحية من ضحايا السبي، حيث إن الذي طعنه كان غلاما مجوسيا. ومع حركة الفتوحات هبت رياح تحمل آثارا وبصمات كان يعتقد أنها ذهبت بلا رجعة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net